بلدات جنوب لبنان.. تاريخ مشظّى بالحروب
في زمن الحروب تتكرر أسماء المراسلين الذين يغطون أحداثها ومعهم الأمكنة، حتى يخال للمرء أنه يعرفهم ويعرفها على السواء. وفي العمليات العسكرية الدائرة على جانبي الحدود في جنوب لبنان، بين ميليشيا حزب الله والجيش الإسرائيلي، تتكرر أسماء مناطق بعينها نظراً لاستهدافها بشكل دائم، أو لموقعها الاستراتيجي، أو لكونها كذلك نقطة تجمع للصحفيين لإتاحتها الخدمات المختلفة لهم. بين تلك الأسماء بلدة «مرجعيون» الجنوبية وهي مركز قضاء، تبعد 8 كيلومترات فقط عن الحدود مع إسرائيل، وينتشر عدد من قرى وبلدات القضاء التي تفوق الثلاثين، على طول الشريط الحدودي الذي تتقاسمه مع قرى قضائي «بنت جبيل» و»صور».
حسب المؤرخ عطالله مارينا، يرمز اسم «مرجعيون» إلى كثرة الينابيع (عيون الماء) فيها، وهي تشرف على سهل واسع يحمل اسمها، يتميز بالخصوبة ويشكل مصدر رزق أساسي لسكانها. يقول مارينا لـ «إرم نيوز» إنه «في الجانب الإستراتيجي لا تعتبر مرجعيون موقعاً مطلاً أو كاشفاً لما حولها، باستثناء محلة البويضة التي تقع فوق البلدة وتشرف عليها وعلى السهل، وهذا الجانب تولته أكثر قرى القضاء». ويوضح أن البلدة تشرف في جانب منها على مستوطنة «المطلة» الإسرائيلية التي تواجه كفركلا، إحدى قرى القضاء.
فيما تواجه قرى أخرى وبشكل مباشر مستوطنات ومواقع إسرائيلية، مثل بلدة «ميس الجبل» اللبنانية، التي تقابلها مستوطنة المنارة، و»العديسة» تقابلها «كفرجلعادي»، و»حولا» تواجهها «تلة العباد».
ولمرجعيون وجوارها حكايات في الحرب العالمية الثانية، حين بنى الإنجليز مطاراً ومنشآت تابعة لهم فيها، وكانت لا تزال ماثلة للعيان قبل أن يستهدفها الجيش الإسرائيلي أخيراً بالقصف والتدمير. عرف المطار باسم « مطار المرج» أو « المطار الإنجليزي» واستغرقت عملية بنائه ثلاث سنوات بدءاً من عام 1942، ويقع إلى الجنوب من سهل مرجعيون على مسافة قريبة من مستوطنة المطلة.
تتيح اليوم بلدة مرجعيون خدمات مختلفة لمن يقصدونها، فهي مركز إداري، وتضم مستشفى حكوميا ومدارس عدة رسمية وخاصة، وأيضا مراكز أمنية لقوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني. ويضيف المؤرخ مارينا أن «تلك البلدة الجنوبية شكلت قبل تاريخ التحرير من الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000، نقطة أساسية لما كان يعرف بـ «جيش لبنان الجنوبي» برئاسة أنطوان لحد، الضابط في الجيش اللبناني سابقاً الذي تعامل مع إسرائيل، وفر إليها بعد التحرير». وكان قد سبقه في التأسيس لذلك الرائد في الجيش اللبناني سابقاً سعد حداد الذي استولى في عام 1976، وبُعيد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، على ثكنة للجيش اللبناني في مرجعيون بتوجيه ودعم إسرائيليين، مؤسساً لما عُرف بعد ذلك بـ «جيش لبنان الجنوبي».
كما شكلت مرجعيون وقرى القضاء، جزءاً أساسياً وواسعاً من الشريط الحدودي الذي اقتطعته إسرائيل في شهر آذار مارس من عام 1978، خلال اجتياحها لجنوب لبنان أو ما عرف بـ «عملية الليطاني».