من النزوح الجماعي إلى الفساد.. ومن الألبان إلى الورود

بلغاريا تنتخب رئيسها على طريق التغيير

بلغاريا تنتخب رئيسها على طريق التغيير

بعد أسبوع على الانتخابات التشريعية، يصوت الناخبون البلغار الأحد في انتخابات يفترض أن تفضي إلى تجديد ثقتهم في الرئيس الحالي رومين راديف الذي أصبح شخصية محورية في حركة مكافحة الفساد في أفقر بلد في الاتحاد الأوروبي.
ويجري الاقتراع في أوج موجة حادة من وباء كوفيد-19 في بلد تلقى اقل من 25 في المئة من سكانه البالغ عددهم 6,9 ملايين نسمة لقاحا كاملا ويسجل واحدا من أكبر أعداد الوفيات في العالم.
وفي هذه الجمهورية البرلمانية، تقوم الحكومة برسم السياسة ولا يتمتع الرئيس سوى بدور فخري أساسا.
لكن رومان راديف (58 عاما) الذي كان حديث العهد في السياسة عندما فاز في انتخابات 2016، أعطى المنصب بُعدا جديدا وفرض نفسه على مر السنين كشخصية لا يمكن تجاوزها في اللعبة السياسية.
ويأمل هذا الطيار الحربي السابق والقائد السابق للقوات المسلحة الذي فاز بفارق كبير في الدورة الأولى بحصوله على 49 في المئة من الأصوات، في أن يكمل مهمته في “التغيير” إذا أعيد انتخابه.
وصيف 2020، وقف بشكل واضح بجانب المتظاهرين الذين طالبوا باستقالة رئيس الوزراء المحافظ بويكو بوريسوف. وقد خرج الجنرال الذي لا يعبر عن مواقف عادة، إلى الحشد رافعا قبضته وسط ترحيب المتظاهرين من مختلف التيارات السياسية.
وبعد انتخابات الرابع من نيسان-أبريل التي أفضت إلى طريق مسدود، وجد راديف نفسه مرة أخرى تحت الأضواء.
وقد اختار وجوهاً جديدة لتشكيل الحكومة الموقتة التي اكتسبت شعبية واسعة لكشفها ممارسات فساد في عهد بوريسوف.
فاز وزيران من هذا الفريق في الاقتراع التشريعي قبل أسبوع على رأس حزب جديد يحمل اسم “لنواصل التغيير” وبدأ على الفور المشاورات السياسية للخروج من أزمة غير مسبوقة منذ نهاية النظام الشيوعي.
وأشاد رئيس الدولة بهذه النتيجة، معتبراً أنها دليل على أن “المجتمع يريد كسر الفساد والتعسف».
وأكد أنه بات على الأحزاب البرلمانية إنجاز “المهمة الحتمية المتمثلة في تشكيل حكومة إصلاحية واجتماعية ومكافحة الفساد».
ويشيد كثر بالدور الحاسم الذي لعبه راديف في سقوط بويكو بوريسوف بعد عقد من توليه السلطة، بينما يتهمه معارضوه بتجاوز صلاحياته.
كما يتهمه رئيس الدولة الاشتراكي السابق جيورجي بارفانوف ب “الانحياز” إلى طرف دون آخر.
وقال خصمه في الدورة الثانية من الاقتراع في مناظرة تلفزيونية هذا الأسبوع إن “دور الرئيس هو توحيد الأمة وليس تقسيمها».
وترشح عميد جامعة صوفيا أناستاس غيردجيكوف (58 عامًا) بدعم من الحزب المحافظ الذي يقوده بوريسوف.
ويمكنه الاعتماد على حزب الأقلية التركية “حركة الحقوق والحريات” الذي يحصد أصوات الأقلية المسلمة التي تشكل 13 في المئة من السكان في بلغاريا وعشرات الآلاف من مزدوجي الجنسية يعيشون في تركيا.
ومن النزوح الجماعي إلى الفساد، ومن الألبان إلى الورود، في ما يأتي خمس نقاط يجب معرفتها عن بلغاريا الدولة الواقعة على حدود أوروبا الشرقية والتي تشهد انتخابات رئاسية :
هاجر البلغار بشكل جماعي بعد الانتقال الديموقراطي عام 1989، في حركة اتسعت مع انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي في 2007.
وكان عدد السكان يبلغ نحو تسعة ملايين نسمة عند سقوط الشيوعية، وأصبح 6,95 ملايين فقط في 2019 ما يجعلها بين الدول الأولى التي تشهد هجرة كبيرة للسكان.
ومع نقص اليد العاملة وهجرة الأدمغة، ما زالت بلغاريا حتى هذا اليوم أفقر دولة بين أعضاء الاتحاد الأوروبي والبلد الذي يشهد أكبر تفاوت اجتماعي في التكتل. وهي تأمل في الانضمام إلى منطقة اليورو بحلول 2024.
ويبلغ متوسط الأجور في بلغاريا 750 يورو في الشهر أي نصف ما هو عليه في أوروبا.
الفساد هو المشكلة الكبرى الأخرى التي تواجهها بلغاريا التي تأتي في أسفل لائحة دول الاتحاد الأوروبي في هذا المجال بحسب المنظمة غير الحكومية “الشفافية الدولية”. ومن الطب إلى التعليم والقضاء والشرطة، تسمم الرشاوى والأموال القذرة الحياة اليومية للبلغار الذين يشعرون بالاستياء من الامتيازات التي تتمتع بها طبقة سياسية تعيش ببذخ في كثير من الأحيان.
ودفعت معلومات عن شراء شقق بمبالغ هائلة وبناء منازل بأموال أوروبية ورشاوى وغيرها آلاف المتظاهرين إلى الخروج إلى الشوارع في صيف 2020.
في تلك السنة، كشفت الحكومة الموقتة العديد من قضايا اختلاس أموال عامة.
يلتفت البلغار إلى موسكو في أغلب الأحيان. وهم من السلاف والمسيحيين الأرثوذكس مثل الروس ويستخدم البلدان الأبجدية السيريلية. وهذا التقارب الثقافي تعززه روابط تاريخية إذ إن روسيا حررت بلغاريا من خمسة قرون من الحكم العثماني في 1878.
وبقيت أقلية مسلمة (حوالي 13 في المئة من السكان) من تلك الحقبة رغم محاولات لدمجها قسرا في عهد الشيوعية. وهي ممثلة بحزب سياسي هو “حركة الحقوق والحريات».
تتألف هذه الأقلية من أتراك وبوماك (أحفاد البلغار الذين اعتنقوا الإسلام خلال العهد العثمانية) وجزء من غجر الروما.
وتقيم صوفيا علاقات مميزة مع روسيا ينظر إليها أغلب السكان البلغار بشكل إيجابي.
ويترجم هذا التقارب أيضا بالاعتماد على روسيا في قطاع الطاقة، الموروث من الاتحاد السوفياتي الذي كانت بلغاريا تدور في فلكه.
ورغم اعتراضات الولايات المتحدة، مددت صوفيا خط أنابيب “ترك ستريم” الذي ينقل الغاز الروسي إلى أراضيها.
يؤكد هذا البلد الجبلي إلى حد كبير، اعتزازه بأنه موطن الألبان مع أن تركيا تعتبر نفسها كذلك.
واكتشف باحث بلغاري هو ستامين غريغوروف في 1905 بكتيريا “لاكتوباسيلوس بولغاريكوس” الضرورية في تخمير الحليب.
ومصدر لفخر الآخر هو أن بلغاريا هي واحدة من المنتجين الرئيسيين لمجموعة متنوعة من “الوردة الدمشقية” التي لا يمكن الاستغناء عنها لكبار منتجي العطور في العالم.
وهي أيضا مهد الحضارة التراقيّة (الألف الرابع قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي) التي اشتهرت بإنتاج أشياء ذهبية.
أبقى التقويم الأرثوذكسي على العديد من التقاليد الوثنية الأصل الموروثة من حقبة ما قبل المسيحية في بلغاريا التي ظهر اسمها للمرة الأولى في 681.
في نهاية الشتاء، يتنكر السكان بأزياء وحوش ويقومون بطرد الأرواح الشريرة.
وفي حزيران-يونيو، يؤدون رقصة للتطهير (نيستينارستفو) حفاة فوق جمر ساخن في عيد القديسين قسطنطين وهيلينا.