تحليل: القنبلة النووية... بداية النهاية لنظام الملالي

تحليل: القنبلة النووية... بداية النهاية لنظام الملالي

عن تطور البرنامج النووي الإيراني، عرض الباحث في مجلس العلاقات الخارجية رأي تقية، واقعاً فجاً على العالم الاستعداد له حسب رأيه. وكتب في مجلة “فورين أفيرز” أن حصول إيران على القنبلة النووية، أمر حتمي.
لكن في المقابل، سيكون امتلاك إيران للقنبلة بداية النهاية لنظام الملالي. فالحصول على هذا السلاح سيرتد عليه بعد إعادة ضبط السياسة الأمريكية تجاه النظام والسماح لواشنطن بالتركيز أخيراً على النظام نفسه لا على جهازه النووي وحسب.
إن الترسانة النووية لن تقدم للنظام الأمن الذي يسعى إليه يائساً، بل على العكس من ذلك، وبعد فترة قصيرة من تجربة القنبلة الأولى، ستجد الثيوقراطية نفسها معرضة لنقاط عطب أسوأ من ذي قبل.

ليست اليابان
منذ 2005، حاول أربعة رؤساء أمريكيين إعطاء المسألة النووية الإيرانية أولوية في السياسة الخارجية.
لكن لا الديبلوماسية، ولا التحركات السرية، ولا التهديد بالقوة العسكرية أثر كثيراً في إبطاء مسار إيران نحو القنبلة.
ولا شك أن إيران، بعد عقود من الأبحاث والإنتاج غير الشرعي، قادرة بسرعة على تخصيب اليورانيوم لاختبار جهاز نووي. كما أن المتشددين في إيران يرتابون جداً من الولايات المتحدة والنظام الدولي الذي تقوده، وهم ملتزمون بالهيمنة الإقليمية. ولهذا فإنهم، لن يتوقفوا ببساطة عند عتبة الحصول على القنبلة النووية. إيران الإسلاموية ليست اليابان، كما يؤكد تقية.

حقيقة صعبة
بعد فترة وجيزة من اختبار الإيرانيين سلاحاً نووياً، سيبرز الكثير من التشاؤم والاتهامات. ستكون المصداقية الأمريكية في حال يرثى له، وسيبدأ شركاء واشنطن في المنطقة في الشك في التزاماتها وقدرتها على حمايتهم.
ستبدو إيران ظاهرياً في ذروة قوتها. لكن عندها ستكتشف إيران الإسلاموية الحقيقة التي توصلت إليها جميع الدول النووية بما فيها الاتحاد السوفيتتي والولايات المتحدة، من شبه المستحيل تحويل القدرات النووية إلى مزية استراتيجية.
وفي الأثناء، سيحاول الملالي الذين أمضوا عقوداً يسعون خلف القنبلة أن يستخدموا مزاياها المفترضة.
سيتقدمون بمطالب مثل الإصرار على انسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، وتحديد أسعار النفط وفقاً لتفضيلاتهم. لكن ماذا لو رُفضت مطالبهم؟ وماذا لو ردت إسرائيل والسعودية مدعومتين من الولايات المتحدة على استفزازات إيران بإظهار تصميمهما على الرفض؟
ويرى الكاتب شكاً كبيراً في إمكانية إقدام إيران على المخاطرة بالتعرض للفناء باستخدام أسلحتها النووية ضدهما.
وفي نهاية المطاف، فإن السلاح الذي كان يُفترض أن يرسخ الهيمنة الإيرانية الإقليمية لن ينتج أي تغيير يذكر في القوة الإيرانية على الأرجح. لكن تلك النتيجة ستعتمد بشكل كبير على طريقة وكيفية رد واشنطن على الاختبار النووي الإيراني.
واجبات واشنطن في الخليج والعالم
ووفق لتقية، وبعد الاختبار النووي، سيتوجب على الرئيس الأمريكي إلقاء خطاب يشدد على أن لا شيء تغير في المنطقة، وأن الولايات المتحدة لا تزال مستعدة للدفاع عن حلفائها.
سيكون على واشنطن تهديد طهران بتحميلها المسؤولية عن أي استخدام أو نقل لأسلحتها النووية الجديدة. ولتعزيز هذه الرسالة، سيتوجب على الولايات المتحدة نشر سفنها النووية في الخليج العربي، وحتى ونشر صواريخ ذات رؤوس نووية أمريكية في دول الخليج.
ولا ينفي تقية أن يُفضي ذلك إلى لحظات توتر ومواجهة. لكن على واشنطن إظهار أنها مستعدة لتحمل المخاطر.
إن تحييد تأثير حصول إيران على القنبلة النووية لا يجب أن يكون الهدف الوحيد للولايات المتحدة.
يجب أن يكون الهدف الأوسع صياغة إجماع عالمي ضد نظام الملالي.
سيتوجب على واشنطن وحلفائها فرض عقوبات قاسية على النظام وعزله بشكل إضافي عبر دفع الأمم المتحدة إلى إصدار إدانة رسمية ضده.
ستحتاج واشنطن إلى إقناع حلفائها الأوروبيين بقطع علاقاتهم الديبلوماسية مع طهران. لن تقطع هذه الخطوات كل مجالات التجارة مع إيران، فالصين ستواصل شراء بعض نفطها. لكن اليابان، وكوريا الجنوبية، ستتوقفان عن ذلك.
وستحتاج الولايات المتحدة إلى تقييد علاقات إيران التجارية بمنع الملالي من استخدام النظام المصرفي الدولي، ومن استرداد أموال في الخارج. سيقلل ذلك من قدرة النظام على المقايضة. ولن يكون بإمكان دولة ذات 85 مليون مواطن أن تعيش بهذه الطريقة إلى الأبد. قد لا يلين النظام، لكنه سينكسر ربما.
 إيران وكوريا الشمالية
قد يعترض البعض على هذه الاستراتيجية لأنها لم تكسر النظام في كوريا الشمالية. لكن هذه المقارنة تتجاهل الفروقات الواسعة بين الدولتين. فعلى عكس كوريا الشمالية، فإن إيران تاريخ طويل من التظاهرات والثورات التي أطاحت بالحكومات. فالسياسة والمجتمع غير خاضعين للتحكم في إيران بمثل الصرامة الموجودة في كوريا الشمالية. النظام في طهران وحشي وقمعي، لكنه لا يمارس المستوى نفسه من السيطرة كما بيونغ يانغ. إن الحصول على القنبلة سيقوض مسعى النظام إلى الهيمنة الإقليمية. فالسلاح الذي يشيد به الملالي على أنه خلاص استراتيجي لإيران، سيطلق سباق تسلح نووي في جوارها. ومن الصعب تخيل وقوف السعودية مكتوفة الأيدي بينما يهددها خصمها الأساسي بترسانته النووية. كما أن تركيا اليائسة الساعية لأن تصبح قوة ذات تأثير في المنطقة قد تتحرك أيضاً، فيصبح الشرق الأوسط أكثر تقلباً، وإيران أقل أمناً.

إيران النووية توحد أمريكا
في سيناريو مماثل، ستتأثر السياسات الداخلية في الولايات المتحدة. نادراً ما أثار ملف دولي خلافاً حزبياً في الولايات المتحدة مثل الملف النووي الإيراني في السنوات الماضية، إذ وصف الجمهوريون الديموقراطيين بأعملاء “استرضائيون” وانتقد الديموقراطيون خصومهم بشدة.
لكن مع وصول إيران إلى السلاح النووي، سيكون للدى الحزبين حافز ليصبحا أكثر تشدداً مع إيران.
يوصف الجمهوريون بالصقور ومن غير المرجح أن يخففوا عدوانيتهم. بينما سيكون الديموقراطيون معرضين لاتهامات بالوقوف وراء السماح بحصول إيران على القنبلة ما سيدفعهم لاتخاذ موقف متشدد. ولذلك، فإن من المرجح تشكل إجماع جديد في الكونغرس على مواجهة وتقويض النظام.
بعد تحررها من النقاش المثير للانقسامات حول الملف النووي، ستتمكن واشنطن من التركيز على طبيعة النظام الذي يقمع شعبه، والذي عين قاتلاً جماعياً رئيساً للبلاد. قد ينمو الاشمئزاز من سجل إيران المروع في حقوق الإنسان، فيتحد الحزبان لإضعاف النظام عبر دعم ضمني وعلني للمعارضين في إيران، رغم أن تقية لا يرى أن كل الديموقراطيين والليبيراليين سيناصرون فجأة قضية تغيير النظام. لكن بمجرد أن تصبح إيران دولة نووية، فإن مفهوم اعتناق الملالي الاعتدال، إذا تعامل الأمريكيون معهم بلطف سيفقد معناه. وفي الوقت نفسه، سيتوجب على الأمريكيين من الجانبين إدراك أن القنبلة النووية الإيرانية ستصعب أكثر مغادرة واشنطن الشرق الأوسط والاستدارة نحو آسيا. فلأسباب استراتيجية وسياسية، بإمكان الولايات المتحدة إظهار القوة أمام إيران فقط بالحفاظ على وجود صلب في المنطقة.

الملالي... الضحية الأبرز
يشير تقية إلى أن الضحية الأهم للقنبلة الإيرانية هو نظام الملالي نفسه. لقد أنفق النظام مليارات الدولارات على برنامجه النووي وعانى من عقوبات شاملة. حين ينجح أخيراً في تحقيق هدفه ويجد أنه لا يترك منافع استراتيجية بل يفاقم المعضلات الاقتصادية، سيواجه انتكاسة داخلية متفجرة. لقد فقد النظام الإيراني الكثير من شرعيته عبر انتخابات متلاعب بها وأداء اقتصادي سيئ وفساد هائل وسوء إدارة كبير في الاستجابة لجائحة كورونا. إن قنبلة وعدَ النظام بتعزيزها لوضعية البلاد، لكن يتبين لاحقاً أنها تُنتج تجفيفاً إضافياً لخزانتها، ستكون سبباً لصرخة جماهيرية عارمة.
لا يتحمل الشعب الإيراني الانتهاكات الحكومية المتعددة. خلال السنوات القليلة الماضية، نزل أعضاء جميع الطبقات الاجتماعية إلى الشوارع للتظاهر ضد النظام. سيحاول الملالي بلا شك سحق أي تحرك شامل يسعى إلى إطاحته. على الرغم من واجهة قوة، يجد النظام نفسه في أضعف موقف منذ وصوله إلى السلطة. وكما ستعزز القنبلة النووية الإيرانية إجماعاً مناهضاً للنظام في واشنطن، كذلك ستعزز تلك القنبلة المعارضة في الداخل ضد الملالي.

سيتعلم الدرس الأصعب
وعلى المتخوفين من سقوط دولة إيرانية نووية في يد نظام آخر غير النظام الحالي، فيرد تقية بأن خليفة النظام الحالي سيكون على الأرجح من المعارضة. ولذلك، سيركز الحكم الإيراني في المستقبل على التنمية الاقتصادية، وصياغة العلاقات مع المجتمع الدولي، والالتزام بالأعراف الدولية.
ومن المرجح أيضاً أن يعكس الحكم الإيراني الجديد المسار النووي ليتعامل مع المشاكل الكثيرة التي سيواجهها في الداخل. سيكون لديه كل الأسباب للانتباه إلى الدرس الذي يبدو أن النظام الحالي مصمم على تعلمه بالطريقة الصعبة، ففي إيران، ستفوق أكلاف الحصول على سلاح نووي منافعه المرجوة إلى حد كبير، حسب تقية.