يقبع تحت الحصار مع استمرار الحرب
تحليل: لبنان قد يتحول إلى ساحة معركة للقوى الإقليمية
تناول المحلل السياسي جيمي ديتمر الوضع الهش في لبنان وسط الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله، مشيراً إلى أن البلاد التي تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية حادة وشلل سياسي طائفي، تواجه المزيد من عدم الاستقرار بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله في جنوب لبنان.
وأكد الدبلوماسيون الغربيون، بمن فيهم وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الانهيار الوشيك للبنان. وقال ديتمر في مقاله بموقع “بوليتيكو” الأوروبي، إن اللبنانيين محبطون من الضغوط لإجبارهم على سن إصلاحات سياسية سريعة. وربط الكاتب الركود السياسي في لبنان بمنصب الرئيس الشاغر؛ وهو الشغور الذي تفاقم بسبب الخصومات الطائفية ونفوذ حزب الله. ويؤكد تحذير بيربوك على خطر انهيار التنوع الطائفي الذي يتمتع به لبنان وسط تصاعد التوترات الإقليمية.
البحث عن الزعامة
ويفضل صناع السياسات الغربيون الجنرال جوزيف عون، المسيحي الماروني وقائد الجيش اللبناني، رئيساً محتملاً لتحقيق الاستقرار. وحافظ عون على حياد القوات المسلحة اللبنانية، ويُنسب إليه الفضل في قيادة حملة كبيرة ضد “داعش”. ويعتمد الدعم الغربي على فكرة مفادها أن عون قد يتحدى قوة حزب الله ويحقق إصلاحات مؤسسية، مما يجعل الجيش اللبناني القوة المسلحة الشرعية الوحيدة.
على الجانب الآخر، يزعم المنتقدون أن تفكيك نفوذ حزب الله بسرعة كبيرة، خاصة في غياب إجماع سياسي واسع النطاق، قد يشعل فتيل حرب أهلية. ويحذر مايكل يونغ من مركز كارنيغي للشرق الأوسط من أن الدفع نحو التغيير السريع دون إجماع من شأنه أن يؤدي إلى إشعال فتيل الصراع الطائفي. ويسلط الضوء على النمط التاريخي للعنف في لبنان الناجم عن القرارات المتخذة دون دعم واسع النطاق.
أمة هشة تواجه الخراب الاقتصادي
وأضاف الكاتب “تتفاقم الفوضى السياسية في لبنان بسبب الانهيار الاقتصادي المنهِك منذ عام 2019، حيث يعيش أكثر من 85% من السكان تحت خط الفقر. وأدى انفجار بيروت عام 2020 إلى تعميق أزمة لبنان، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وتسبب بأضرار جسيمة. وفي خضم الصراع الحالي، أصبح حوالي 20% من السكان نازحين، مع اكتظاظ الملاجئ والمخيمات المؤقتة. وتضيف هذه الأزمة الإنسانية مستوى آخر إلى تحديات لبنان، مما يجعل من الصعب على البلاد تحقيق الاستقرار وإعادة البناء.
طموحات إسرائيل ورعب لبنان
وأشار الكاتب إلى أوجه شبه بين التوغل العسكري الإسرائيلي الحالي وغزو إسرائيل للبنان عام 1982، والذي تطور إلى صراع طويل الأمد. وبينما يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم لا يستهدفون سوى أفراد حزب الله والبنية التحتية، يعتري المراقبون اللبنانيون القلق بشأن نوايا إسرائيل الأوسع. ويخشى البعض أن تهدف إسرائيل إلى إخلاء جنوب لبنان والسيطرة عليه، وتحويله إلى “أرض خالية من الرجال” لمنع عودة حزب الله.
وفي الوقت نفسه، يواصل حزب الله شن هجمات صاروخية عبر الحدود على إسرائيل. ويرى الكاتب أن هذه العمليات المستمرة تعقّد هدف إسرائيل المتمثل في إنهاء عمليتها البرية، مما يثير الشكوك حول نهاية الصراع. ويعرب وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض عن مخاوفه من أن إسرائيل لديها أجندة “توسعية” يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الدمار والنزوح.
وتابع الكاتب “لا يزال مستقبل لبنان غير مؤكد، بين الضغوط الخارجية للإصلاح والديناميكيات الداخلية للسياسة الطائفية. ويرى صناع السياسات الغربيون فرصة لكبح نفوذ حزب الله بسبب انتكاساته العسكرية ضد إسرائيل».
ومع ذلك، يقول الكاتب، إن النهج القاسي لتقليص قوة حزب الله دون تأمين اتفاق واسع النطاق يخاطر بدفع لبنان إلى دورة جديدة من العنف الطائفي، منوهاً إلى أنه في حين قد يحث الغرباء على التغيير السياسي السريع، فإن التجربة اللبنانية تشير إلى أن القرارات الدراماتيكية الأحادية الجانب نادراً ما تنتهي بسلام في البلاد.
ورسم الكاتب صورة قاتمة للبنان كدولة هشة تواجه تهديدات عسكرية خارجية، وجموداً سياسياً داخلياً، وسقوطاً اقتصادياً حراً. وقال إن الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله يهدد بجر لبنان إلى مزيد من الفوضى، مع تكثيف مخاطر الصراع الطائفي والأزمات الإنسانية.
ورأى الكاتب أنه في غياب استراتيجية واضحة لمعالجة الانقسامات الداخلية والضغوط الخارجية، تظل آفاق التعافي والاستقرار في لبنان محفوفة بالمخاطر. وقال ديتمر: دون إدارة حذرة، قد يتحول لبنان إلى ساحة معركة للقوى الإقليمية التي تسعى إلى تحقيق طموحاتها الخاصة.