تهديدات ترامب.. بين استعراض القوة وبوادر الضعف السياسي

تهديدات ترامب.. بين استعراض القوة وبوادر الضعف السياسي


يهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستخدام قوة «نهاية العالم» داخل الولايات المتحدة، حتى مع تزايد وضوح التداعيات السلبية لبعض سياساته الرئيسية، وفق تقرير لشبكة «سي إن إن» الأمريكية.
وفي عطلة نهاية الأسبوع، شارك ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي صورة ساخرة «ميم» هدد فيها بشن حرب على مدينة شيكاغو، التي ستكون التالية ضمن حملته على الجريمة والهجرة في المدن التي يقودها الديمقراطيون.
وكان ذلك تكتيكاً «ترامبياً» تقليدياً، كما وصفه التقرير، حيث صور ترامب نفسه كرجل قوي لا يخشى فرض القوة، وإثارة غضب الليبراليين لإرضاء قاعدته الشعبي، ويعكس ذلك رؤية ترامب للرئاسة كأداة سلطة شخصية، أكثر من كونها أمانة وطنية محدودة دستورياً.

مرحلة جديدة
ومع ذلك، فخلف المبالغة الخطابية لترامب، هناك مؤشرات على أن إدارته الثانية، بعد مرور 8 أشهر، تدخل مرحلة جديدة.
وعلى صعيد الاقتصاد والصحة العامة والسياسة الخارجية بشكل خاص، بدأت سياسات ترامب تترك آثاراً قد ترتد عليه سياسياً، بحسب التقرير، إذ بدأت المعارضة الديمقراطية تتحرك عبر حكام مثل غافين نيوسوم في كاليفورنيا، وجاي بي بريتزكر في إلينوي، اللذين يسعيان لاستغلال المواجهة لتعزيز مستقبلهما السياسي.
أما في المحاكم، فعاش الرئيس أسبوعاً عصيباً، إذ جرى تعطيل أولوياته السياسية، ولو مؤقتاً.
ومن المنتظر صدور قرار تاريخي من المحكمة العليا بشأن سياسة الرسوم الجمركية، وحذّر وزير الخزانة سكوت بيسنت يوم الأحد الماضي من وضع «كارثي» إذا خسرت الحكومة القضية، لأن ترامب سيكون مضطراً لإصدار شيكات استرداد بنصف عائدات الرسوم الجمركية.
 جبهة الكاريبي
ورد البيت الأبيض على التحديات المتزايدة عبر المضي قدماً نحو مزيد من الاضطراب وانتزاع السلطات التنفيذية، إذ أعلنت إدارة ترامب فتح جبهة جديدة ضد عصابات المخدرات في منطقة الكاريبي، وفجرت القوات الأمريكية الأسبوع الماضي زورقاً سريعاً قبالة فنزويلا يُزعم أنه كان يحمل مهربين للمخدرات.
وعندما وُجهت تساؤلات حول احتمال عدم قانونية استخدام القوة وتجاوز الإجراءات القضائية، قال وزير الدفاع بيت هيغسيث: «لدينا السلطة المطلقة والكاملة للقيام بذلك»، من دون تفسير السبب. وقد تكون رواية الإدارة بأن الزورق كان تابعاً لعصابة «ترين دي أراوغا» صحيحة، لكن الرؤساء لا يملكون السلطة الدستورية لشن حرب من دون إبلاغ الكونغرس أو الشعب. كما صعد نائب الرئيس جي دي فانس، التحدي الشعبوي بقوله إنه لا «يبالي» على منصة «إكس»، بعدما وصف أحد منتقدي ترامب عمليات القتل بأنها «جريمة حرب». وكثيراً ما يحذر المعلقون من أن أحداثاً مثل تلك التي جرت قبالة فنزويلا مجرد «تشتيت» عن نقاط ضعف أخرى لدى ترامب. لكن في مرحلة ما، قد تصبح هذه «التشتيتات» تهديداً للدستور والسؤال هو متى يكون التشتيت مجرد إلهاء عن تشتيت آخر؟

سياسية صعبة تلوح في الأفق
بعيداً عن المنشورات الملتهبة والخطاب العسكري الصاخب وإطلاق لقب «وزير الحرب» على هيغسيث، هناك أدلة متزايدة على أن الإدارة تتجه نحو سياسية خطيرة، بحسب التقرير.
فاقتصاد ترامب منح الناخبين شعوراً قصيراً بالأمان وأسهم في فوزه بالانتخابات العام الماضي، لكن تداعيات إجراءاته الأخيرة بدأت بالظهور.
وكان تقرير الوظائف الصادر يوم الجمعة الماضي كارثياً، ليس فقط لأن 22 ألف وظيفة فقط أُضيفت في أغسطس -آب الماضي، بل لأنه أظهر أيضاً تراجعاً في نمو الوظائف في يونيو -حزيران الماضي، وارتفاع معدل البطالة إلى 4.3%، وهو الأعلى منذ عام 2021، بالإضافة إلى تأثير الرسوم الجمركية وحملات ترحيل المهاجرين على سوق العمل. وبالمقارنة، كان اقتصاد بايدن أقوى في معظم المؤشرات من اقتصاد ترامب، فيما تلقى قطاع الصناعة ضربة قاسية، وهو ما يبدو مفارقاً للسخرية، إذ إن حروب ترامب التجارية كان يفترض أن تعيد أمجاد خمسينيات القرن الماضي حيث المصانع تعمل بأقصى طاقتها. وأما الأمريكيون الذين يشترون طعامهم من متاجر البقالة، فيعتبرون ادعاءات ترامب بأن الأسعار تنخفض أمراً «سخيفاً». وفي الوقت نفسه، تسبب الأداء الناري لوزير الصحة والخدمات الإنسانية روبرت إف. كينيدي الابن خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي بصدمة، وأثار تساؤلات حول ما إذا كان فوز ترامب الانتخابي العام الماضي، يعني حقاً أن الناخبين يريدون هدم كل التقدم الذي تحقق في مجال اللقاحات، والمخاطرة بانتشار أوبئة جديدة هذا الشتاء.

فشل سياسي
وأما في السياسة الخارجية، فكشفت الضربة الجوية الروسية العنيفة على كييف خلال عطلة نهاية الأسبوع وهي الأكبر منذ بدء الحرب عن فشل قمة ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وشهد الأسبوع الماضي أيضاً نكسات قضائية جديدة لإدارته، إذ حكم قاضٍ فدرالي بأن نشر ترامب للحرس الوطني الفدرالي في كاليفورنيا خلال يونيو -حزيران الماضي، شكّل «انتهاكاً متعمداً» للقانون. وتزامن هذا القرار مع عرض عسكري ضخم في الصين أظهر القوة الداخلية الهائلة للرئيس شي جين بينغ، وكان ذلك تذكيراً ترامب سيظل مقيداً  بالدستور.
كما أصدرت محكمة فيدرالية أخرى حكماً بعدم قانونية استخدام «قانون أعداء الأجانب» لترحيل أفراد العصابات الفنزويلية، وحكماً آخر لصالح جامعة هارفارد، يؤكد حجب ملياري دولار من التمويل عنها «غير قانوني». 

فوضى
كما يمكن استشعار الخطر القادم من خلال ردود الإدارة على تقرير الوظائف، إذ قال بيسنت على «إن بي سي» إن أغسطس -آب الماضي هو «أكثر أشهر السنة ضوضاءً من الناحية الإحصائية». وقال مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت على «سي بي إس» إن المشكلة تكمن في «التنافر في البيانات». وبينما توقع وزير التجارة الثري هوارد لوتنيك على «سي إن بي سي»، أن تظهر أرقام وظائف قوية «بعد 6 أشهر من اليوم وحتى عام من الآن». لكن ذلك لا يعزي الأمريكي الذي فقد عمله للتو في «اقتصاد ترامب». ولم يتطرق أي من هؤلاء المسؤولين إلى جوهر المشكلة، أي تأثير السياسات التجارية الفردية التي لطالما شغلت شخصاً واحداً «الرئيس»، والتي يعتقد معظم الخبراء أنها قائمة على أوهام.