مقبّلات لاشتباكات قادمة بين بكين وواشنطن:
جزر سليمان: النفوذ الصيني هو هدف المحتجين الحقيقي
-- تحافظ تايبيه على دعم قوي داخل جزر سليمان بينما تأمل بكين في الحصول على موطئ قدم هناك
-- لا تساعد الخصومات التقليدية العديدة بين مختلف مكوّنــات الأرخبيــل في توفيـر الحلـول
-- تشير الأحداث إلى أن هذا الأرخبيل يقع في قلب جميع أنواع الاهتمامات الجيوسياسية
-- معارضة جزر سليمان تصف رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري بأنه «دمية للصين»
منذ عام 2019، يقترب رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري من جمهورية الصين الشعبية لمحاولة إخراج الأرخبيل من صعوباته الاقتصادية.
قد تكون الاضطرابات التي حركت جزر سليمان أولى بوادر الاشتباكات المستقبلية بين الصين والولايات المتحدة حتى وان امتنعت هاتان القوتان عن التدخل. هذا الأرخبيل، ذو المناخ شبه الاستوائي الواقع وسط المحيط الهندي، شمال غرب بحر المرجان، ليس نموذجًا للاستقرار السياسي أو الإدارة الاقتصادية الجيدة. هناك القليل من التماسك بين السكان المنتشرين في العديد من الجزر الجبلية والبركانية البعيدة عن بعضها البعض، والتي تمتد على أكثر من 1400 كيلومتر. ويعيش سبعمائة وثلاثة وخمسون ألف نسمة بشكل رئيسي من زراعة الكفاف حيث تهيمن مزارع النخيل وجوز الهند، إلى جانب صيد سمك التونة.
بالتأكيد، أنه بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية، يتحدث السكان المحليون لغة مماثلة لتلك المستخدمة في إندونيسيا أو ماليزيا، مما يميزهم عن بابوا غينيا الجديدة المجاورة. لجزر سليمان أيضا تاريخ مشترك.
في نهاية القرن التاسع عشر، أنشأ البريطانيون محمية هناك بينما استعمرت ألمانيا غينيا الجديدة وجزر ساموا. ثم، خلال الحرب العالمية الثانية، كان الأرخبيل مسرحًا لقتال رهيب بين الجيشين الأمريكي والياباني. وبعد حوالي 30 عامًا، في عام 1978، أعلنت بريطانيا العظمى استقلال جزر سليمان، التي لا تزال في الكومنولث، مما يعني أن الملكة إليزابيث هي رأس دولتها. ورئيس وزرائها منذ عام 2014، ماناسيه سوغافاري، هو من السكان الأصليين.
انعدام الأمن
وثغرة في الميزانية
عرف الأرخبيل منذ استقلاله أحداثا شتى. عام 1986، حدث إعصار استوائي عملاق. وعام 2007، زلزال عنيف أعقبه تسونامي. ثم زلازل عام 2013 واخر 2016. ومع ذلك، فإن ما يقلق جزر سليمان بشكل خاص هو انعدام الأمن. وتطورت هذه الظاهرة عام 2003، إلى درجة أن الحكومة طلبت المساعدة الدولية، وقد ارسلت أستراليا ونيوزيلندا وحدات، وشكّلتا قوة مساعدة إقليمية، بقيت أجزاء منها في مكانها حتى عام 2013.
ولكن، عامًا بعد عام، تدهورت إدارة البلاد. نما عجز كبير في الميزانية، وأضيف إليه إزالة الغابات بشكل كارثي، وانتشار أوبئة الملاريا. وكل هذا سيؤدي إلى استياء متزايد بين السكان. ويشتكي موظفو الخدمة المدنية من أنهم لا يعرفون أبدًا متى سيتقاضون رواتبهم. وتنعقد مجالس الوزراء سريّا قدر الإمكان حتى لا تكون موضع احتجاجات أو هجوم من قبل العصابات المسلحة.
يوم الأربعاء 24 نوفمبر 2021، اندلعت أعمال الشغب، اذ أدت الصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب القيود التي فرضتها جائحة كوفيد-19 إلى القضاء على شباب عاطل عن العمل اصلا. ولا تساعد الخصومات التقليدية العديدة بين مختلف مكوّنات الأرخبيل على توفير الحلول.
تعتبر جزيرة مالايتا، الأكثر كثافة سكانية، وعلى وجه الخصوص، محرومة اقتصاديًا مقارنة بجزر جوادالكانال حيث تقع هونيارا، العاصمة. ويهاجم المحتجّون بشكل رئيسي الحي الصيني، الذي له أهمية اقتصادية كبيرة في جزر سليمان، خاصة أن علاقات الأرخبيل مع العالم الصيني قد تطورت.
الوزن الاقتصادي للصين
بحلول عام 1983، أقيمت علاقات دبلوماسية مع تايوان. وعلى مر السنين، كانت جزر سليمان جزءً من الدول الخمس عشرة الصغيرة، منها باراغواي أو سانت لوسيا أو مدينة الفاتيكان، التي تعترف بتايوان، جمهورية الصين. لكن عام 2019، غيّرت حكومة هونيارا مسارها.
قرر رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري، أن تقيم جزر سليمان علاقات مع جمهورية الصين الشعبية.
وبرّر هذا التغيير من خلال توضيح أنه يتعلق بتعزيز المصالح الاقتصادية للأرخبيل، حيث وعدت بكين بالمساعدة المالية في تنمية جزر سليمان. وتوقف رئيس الوزراء عن الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة، وإضفاء الشرعية على الصين كممثل لها. ثم قام ماناسيه سوغافاري برحلة إلى بكين، حيث تم استقباله بحفاوة كبيرة.
وكان ردّ المعارضة في جزر سليمان بان وصفت رئيس الوزراء بأنه “دمية الصين».
منذ عام 2017، تعمل بكين على زيادة الاتصال والاستثمارات الاقتصادية والتجارية مع جزر سليمان. ويذهب ما يقرب من 70 بالمائة من صادرات الأرخبيل من المعادن والذهب والأخشاب إلى الصين. عام 2019، سمحت “اتفاقية تعاون” وقعتها حكومة هونيارا مع شركة سام غروب، وهي شركة صينية، باستئجار جزيرة تولاجي بأكملها طيلة 75 عامًا. والهدف، هو إنشاء منطقة اقتصادية خاصة هناك.
وأمام احتجاجات 1200 ساكن، التي انخرطت فيها المعارضة بأكملها، اضطرت سلطات هونيارا إلى إلغاء هذا الاتفاق بإعلانه “غير قانوني”. وفي مجال مختلف تمامًا، في أبريل الماضي، تبرعت الصين بالكثير من اللقاح الصيني سينوفارم ضد كوفيد-19 إلى جزر سليمان. وذكرت وكالة أنباء شينخوا أن “ماناسيه سوغافاري أعرب عن امتنانه للصين، وأكد مجددا التزامه المستمر بدفع تنمية العلاقات الثنائية مع الصين».
أستراليا للإنقاذ
بالتّوازي، وعلى مدى سنوات، جاء العديد من الصينيين للاستقرار في جزر سليمان. وقد أقاموا أعمالًا هناك غالبًا ما تستورد وتبيع المنتجات “المصنوعة في الصين”. ومن الواضح، أن المحتجين يرفضون ذلك. عام 2006، اندلعت الاضطرابات في الحي الصيني في هونيارا. ثم أرسلت الصين سفنا لإجلاء مواطنيها.
في 24 و25 نوفمبر، كان الوضع مختلفًا: تضخمت المظاهرات، وتدين الشعارات مجددا طبقة حاكمة تعتبر فاسدة، أو حتى مشاريع بنية تحتية لم يتم تنفيذها. تجمّع الآلاف من الاشخاص أمام البرلمان للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء قبل الكشف عن هدفهم الحقيقي بالذهاب لمهاجمة المتاجر في الحي الصيني. وأضرمت النيران في حوالي خمسين مبنى، وعثر في إحداها على ثلاث جثث متفحمة.
أعلن سكوت موريسون، رئيس الوزراء الأسترالي، إرسال قوات على الفور إلى جزر سليمان “من أجل المساعدة في الحفاظ على السلام والاستقرار هناك”. واضاف: “ليس من حقنا التدخل في ديمقراطيتهم”، وموضّحا أنه يستجيب لطلب المساعدة من ماناسيه سوغافاري.
توجّه ما يقرب من 150 جنديًا وشرطيًا أستراليًا إلى هونيارا لمساعدة الشرطة المحلية. ويبدو أن لهذه الخطوة السريعة من كانبيرا هدف واحد: إظهار أن النجدة والاغاثة تأتي من دولة مجاورة كبيرة وليس من الصين. وتبرز أستراليا قدرتها على التدخل لتهدئة الاضطرابات في أرخبيل يقع على بعد 1500 كيلومتر فقط من ساحلها.
بعد ثلاثة أيام من أعمال الشغب وفرض حظر تجول ممتد إلى أجل غير مسمى في هونيارا، سرعان ما توقفت الاضطرابات بعد وصول الشرطة الأسترالية، وسرعان ما انضم إليها جنود من بابوا غينيا الجديدة.
وعلى النقيض، من الواضح أن بكين لم تفكر في إرسال جنود إلى جزر سليمان. ولا شيء يشير إلى أن ماناسيه سوغافاري وجّه أدنى نداء طالبا مساعدة الصين. في 26 نوفمبر، اقتصر تشاو ليجيان، أحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية، على التعبير عن “قلق الصين الكبير بشأن أعمال الشغب هذه”، موضّحا: “نطلب من حكومة جزر سليمان اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة مواطنون صينيون وكيانات صينية».
أما حكومة تايوان، فلم ترغب في التعليق على الأحداث. عندما تحول ماناسيه سوغافاري إلى بكين، احتجّ قادة المعارضة بقوة على عدم استشارتهم بشأن هذا التحوّل. حتى أن دانيال سوداني، زعيم جزيرة مالايتا، فكّر في تنظيم استفتاء سؤاله: “مع أي صين تريد أن تكون لك علاقات؟».
بسبب الوباء، لم تتم متابعة هذا المشروع، لكن لا تزال هناك علاقة قوية بين جزيرة تايوان وماليتا. وعلى وجه الخصوص، تستمر في تلقي مساعدات اقتصادية كبيرة من الجزيرة القومية الصينية. من ناحية أخرى، عام 2020، شكر دانييل سوداني بحرارة تايوان لإرسالها معدات طبية لمكافحة كوفيد-19. وفي الأسبوع الماضي، جاء العديد من المتظاهرين والمحتجين الذين اجتاحوا هونيارا من جزيرة مالايتا.
مركز عصبي
اذن، تتداخل عدة مستويات من الصراع في اضطرابات جزر سليمان. أولاً، هناك تناغم وانسجام سيئ بين هذه الجزر، خاصة بين مالايتا والحكومة الموجودة في جوادالكانال. ويجسد هذا الصراع المستمر رجلين، دانيال سويداني وماناسيه سوغافاري. لكن الأرخبيل هو أيضًا موضوع تنافس بين تايوان والصين الشيوعية. لقد حافظت تايبيه على دعم قوي داخل جزر سليمان بينما تأمل بكين في الحصول على موطئ قدم هناك. ولكن، معزولة دبلوماسيا بشكل أكبر منذ ظهور كوفيد، لم يعد بإمكان ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أن يظهر بسهولة طموحاته الاقتصادية كما كان الحال عام 2017.
واليوم، تراقب الولايات المتحدة عن كثب ما تفعله الصين، خاصة في منطقة المحيط الهادئ. وفي حين كان الرئيس السابق دونالد ترامب مهتمًا، في المقام الأول، بالحد من القوة الاقتصادية للصين، فإن جو بايدن يسعى أيضًا للحد من النفوذ الصيني قدر الإمكان. وفيما يتعلق بجزر سليمان، فإن الولايات المتحدة لا ترى من المناسب التدخل، ويمكن لأستراليا أن تتولى المهمّة على أكمل وجه. ويوجد تواطؤ قوي بين كانبيرا وواشنطن، كما ظهر هذا الصيف في اتفاقية ايكوس التي سمحت للبحرية الأسترالية بالتحول إلى شراء غواصات أمريكية على حساب المعدات الفرنسية.
في جزر سليمان، عادت الحياة الى طبيعتها. وكانت المعارضة قد أعلنت عن إجراء تصويت مقبل بحجب الثقة عن الحكومة التي يقودها ماناسيه سوغافاري، والتي تتمتع من حيث المبدأ بأغلبية مريحة.
في 28 نوفمبر، أعرب هذا الاخير في خطاب متلفز، عن أسفه لهذه “الأحداث المؤسفة الهادفة إلى إسقاط حكومة منتخبة ديمقراطيا”، قبل أن يؤكد: “لا شيء سيزعزع ارادتنا... لن نرضخ أبدًا للنوايا السيئة لقلة من الناس».
في هونيارا، تم إزالة الأنقاض التي خلفتها المظاهرات التي استمرت ثلاثة أيام. وتم القبض على حوالي 100 شخص يشتبه في أنهم من بين مثيري الشغب. إجمالاً، تم إحراق ستة وخمسين مبنى، وقدّر البنك المركزي الخسائر الاقتصادية للبلاد بما يعادل 24.7 مليون يورو. استعادت جزر سليمان أسلوب عملها المعتاد... بينما يشير ما حدث في نوفمبر إلى أن هذا الأرخبيل يقع في قلب جميع أنواع الاهتمامات الجيوسياسية.
-- لا تساعد الخصومات التقليدية العديدة بين مختلف مكوّنــات الأرخبيــل في توفيـر الحلـول
-- تشير الأحداث إلى أن هذا الأرخبيل يقع في قلب جميع أنواع الاهتمامات الجيوسياسية
-- معارضة جزر سليمان تصف رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري بأنه «دمية للصين»
منذ عام 2019، يقترب رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري من جمهورية الصين الشعبية لمحاولة إخراج الأرخبيل من صعوباته الاقتصادية.
قد تكون الاضطرابات التي حركت جزر سليمان أولى بوادر الاشتباكات المستقبلية بين الصين والولايات المتحدة حتى وان امتنعت هاتان القوتان عن التدخل. هذا الأرخبيل، ذو المناخ شبه الاستوائي الواقع وسط المحيط الهندي، شمال غرب بحر المرجان، ليس نموذجًا للاستقرار السياسي أو الإدارة الاقتصادية الجيدة. هناك القليل من التماسك بين السكان المنتشرين في العديد من الجزر الجبلية والبركانية البعيدة عن بعضها البعض، والتي تمتد على أكثر من 1400 كيلومتر. ويعيش سبعمائة وثلاثة وخمسون ألف نسمة بشكل رئيسي من زراعة الكفاف حيث تهيمن مزارع النخيل وجوز الهند، إلى جانب صيد سمك التونة.
بالتأكيد، أنه بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية، يتحدث السكان المحليون لغة مماثلة لتلك المستخدمة في إندونيسيا أو ماليزيا، مما يميزهم عن بابوا غينيا الجديدة المجاورة. لجزر سليمان أيضا تاريخ مشترك.
في نهاية القرن التاسع عشر، أنشأ البريطانيون محمية هناك بينما استعمرت ألمانيا غينيا الجديدة وجزر ساموا. ثم، خلال الحرب العالمية الثانية، كان الأرخبيل مسرحًا لقتال رهيب بين الجيشين الأمريكي والياباني. وبعد حوالي 30 عامًا، في عام 1978، أعلنت بريطانيا العظمى استقلال جزر سليمان، التي لا تزال في الكومنولث، مما يعني أن الملكة إليزابيث هي رأس دولتها. ورئيس وزرائها منذ عام 2014، ماناسيه سوغافاري، هو من السكان الأصليين.
انعدام الأمن
وثغرة في الميزانية
عرف الأرخبيل منذ استقلاله أحداثا شتى. عام 1986، حدث إعصار استوائي عملاق. وعام 2007، زلزال عنيف أعقبه تسونامي. ثم زلازل عام 2013 واخر 2016. ومع ذلك، فإن ما يقلق جزر سليمان بشكل خاص هو انعدام الأمن. وتطورت هذه الظاهرة عام 2003، إلى درجة أن الحكومة طلبت المساعدة الدولية، وقد ارسلت أستراليا ونيوزيلندا وحدات، وشكّلتا قوة مساعدة إقليمية، بقيت أجزاء منها في مكانها حتى عام 2013.
ولكن، عامًا بعد عام، تدهورت إدارة البلاد. نما عجز كبير في الميزانية، وأضيف إليه إزالة الغابات بشكل كارثي، وانتشار أوبئة الملاريا. وكل هذا سيؤدي إلى استياء متزايد بين السكان. ويشتكي موظفو الخدمة المدنية من أنهم لا يعرفون أبدًا متى سيتقاضون رواتبهم. وتنعقد مجالس الوزراء سريّا قدر الإمكان حتى لا تكون موضع احتجاجات أو هجوم من قبل العصابات المسلحة.
يوم الأربعاء 24 نوفمبر 2021، اندلعت أعمال الشغب، اذ أدت الصعوبات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب القيود التي فرضتها جائحة كوفيد-19 إلى القضاء على شباب عاطل عن العمل اصلا. ولا تساعد الخصومات التقليدية العديدة بين مختلف مكوّنات الأرخبيل على توفير الحلول.
تعتبر جزيرة مالايتا، الأكثر كثافة سكانية، وعلى وجه الخصوص، محرومة اقتصاديًا مقارنة بجزر جوادالكانال حيث تقع هونيارا، العاصمة. ويهاجم المحتجّون بشكل رئيسي الحي الصيني، الذي له أهمية اقتصادية كبيرة في جزر سليمان، خاصة أن علاقات الأرخبيل مع العالم الصيني قد تطورت.
الوزن الاقتصادي للصين
بحلول عام 1983، أقيمت علاقات دبلوماسية مع تايوان. وعلى مر السنين، كانت جزر سليمان جزءً من الدول الخمس عشرة الصغيرة، منها باراغواي أو سانت لوسيا أو مدينة الفاتيكان، التي تعترف بتايوان، جمهورية الصين. لكن عام 2019، غيّرت حكومة هونيارا مسارها.
قرر رئيس الوزراء ماناسيه سوغافاري، أن تقيم جزر سليمان علاقات مع جمهورية الصين الشعبية.
وبرّر هذا التغيير من خلال توضيح أنه يتعلق بتعزيز المصالح الاقتصادية للأرخبيل، حيث وعدت بكين بالمساعدة المالية في تنمية جزر سليمان. وتوقف رئيس الوزراء عن الاعتراف بتايوان كدولة مستقلة، وإضفاء الشرعية على الصين كممثل لها. ثم قام ماناسيه سوغافاري برحلة إلى بكين، حيث تم استقباله بحفاوة كبيرة.
وكان ردّ المعارضة في جزر سليمان بان وصفت رئيس الوزراء بأنه “دمية الصين».
منذ عام 2017، تعمل بكين على زيادة الاتصال والاستثمارات الاقتصادية والتجارية مع جزر سليمان. ويذهب ما يقرب من 70 بالمائة من صادرات الأرخبيل من المعادن والذهب والأخشاب إلى الصين. عام 2019، سمحت “اتفاقية تعاون” وقعتها حكومة هونيارا مع شركة سام غروب، وهي شركة صينية، باستئجار جزيرة تولاجي بأكملها طيلة 75 عامًا. والهدف، هو إنشاء منطقة اقتصادية خاصة هناك.
وأمام احتجاجات 1200 ساكن، التي انخرطت فيها المعارضة بأكملها، اضطرت سلطات هونيارا إلى إلغاء هذا الاتفاق بإعلانه “غير قانوني”. وفي مجال مختلف تمامًا، في أبريل الماضي، تبرعت الصين بالكثير من اللقاح الصيني سينوفارم ضد كوفيد-19 إلى جزر سليمان. وذكرت وكالة أنباء شينخوا أن “ماناسيه سوغافاري أعرب عن امتنانه للصين، وأكد مجددا التزامه المستمر بدفع تنمية العلاقات الثنائية مع الصين».
أستراليا للإنقاذ
بالتّوازي، وعلى مدى سنوات، جاء العديد من الصينيين للاستقرار في جزر سليمان. وقد أقاموا أعمالًا هناك غالبًا ما تستورد وتبيع المنتجات “المصنوعة في الصين”. ومن الواضح، أن المحتجين يرفضون ذلك. عام 2006، اندلعت الاضطرابات في الحي الصيني في هونيارا. ثم أرسلت الصين سفنا لإجلاء مواطنيها.
في 24 و25 نوفمبر، كان الوضع مختلفًا: تضخمت المظاهرات، وتدين الشعارات مجددا طبقة حاكمة تعتبر فاسدة، أو حتى مشاريع بنية تحتية لم يتم تنفيذها. تجمّع الآلاف من الاشخاص أمام البرلمان للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء قبل الكشف عن هدفهم الحقيقي بالذهاب لمهاجمة المتاجر في الحي الصيني. وأضرمت النيران في حوالي خمسين مبنى، وعثر في إحداها على ثلاث جثث متفحمة.
أعلن سكوت موريسون، رئيس الوزراء الأسترالي، إرسال قوات على الفور إلى جزر سليمان “من أجل المساعدة في الحفاظ على السلام والاستقرار هناك”. واضاف: “ليس من حقنا التدخل في ديمقراطيتهم”، وموضّحا أنه يستجيب لطلب المساعدة من ماناسيه سوغافاري.
توجّه ما يقرب من 150 جنديًا وشرطيًا أستراليًا إلى هونيارا لمساعدة الشرطة المحلية. ويبدو أن لهذه الخطوة السريعة من كانبيرا هدف واحد: إظهار أن النجدة والاغاثة تأتي من دولة مجاورة كبيرة وليس من الصين. وتبرز أستراليا قدرتها على التدخل لتهدئة الاضطرابات في أرخبيل يقع على بعد 1500 كيلومتر فقط من ساحلها.
بعد ثلاثة أيام من أعمال الشغب وفرض حظر تجول ممتد إلى أجل غير مسمى في هونيارا، سرعان ما توقفت الاضطرابات بعد وصول الشرطة الأسترالية، وسرعان ما انضم إليها جنود من بابوا غينيا الجديدة.
وعلى النقيض، من الواضح أن بكين لم تفكر في إرسال جنود إلى جزر سليمان. ولا شيء يشير إلى أن ماناسيه سوغافاري وجّه أدنى نداء طالبا مساعدة الصين. في 26 نوفمبر، اقتصر تشاو ليجيان، أحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية، على التعبير عن “قلق الصين الكبير بشأن أعمال الشغب هذه”، موضّحا: “نطلب من حكومة جزر سليمان اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان سلامة مواطنون صينيون وكيانات صينية».
أما حكومة تايوان، فلم ترغب في التعليق على الأحداث. عندما تحول ماناسيه سوغافاري إلى بكين، احتجّ قادة المعارضة بقوة على عدم استشارتهم بشأن هذا التحوّل. حتى أن دانيال سوداني، زعيم جزيرة مالايتا، فكّر في تنظيم استفتاء سؤاله: “مع أي صين تريد أن تكون لك علاقات؟».
بسبب الوباء، لم تتم متابعة هذا المشروع، لكن لا تزال هناك علاقة قوية بين جزيرة تايوان وماليتا. وعلى وجه الخصوص، تستمر في تلقي مساعدات اقتصادية كبيرة من الجزيرة القومية الصينية. من ناحية أخرى، عام 2020، شكر دانييل سوداني بحرارة تايوان لإرسالها معدات طبية لمكافحة كوفيد-19. وفي الأسبوع الماضي، جاء العديد من المتظاهرين والمحتجين الذين اجتاحوا هونيارا من جزيرة مالايتا.
مركز عصبي
اذن، تتداخل عدة مستويات من الصراع في اضطرابات جزر سليمان. أولاً، هناك تناغم وانسجام سيئ بين هذه الجزر، خاصة بين مالايتا والحكومة الموجودة في جوادالكانال. ويجسد هذا الصراع المستمر رجلين، دانيال سويداني وماناسيه سوغافاري. لكن الأرخبيل هو أيضًا موضوع تنافس بين تايوان والصين الشيوعية. لقد حافظت تايبيه على دعم قوي داخل جزر سليمان بينما تأمل بكين في الحصول على موطئ قدم هناك. ولكن، معزولة دبلوماسيا بشكل أكبر منذ ظهور كوفيد، لم يعد بإمكان ثاني أكبر اقتصاد في العالم، أن يظهر بسهولة طموحاته الاقتصادية كما كان الحال عام 2017.
واليوم، تراقب الولايات المتحدة عن كثب ما تفعله الصين، خاصة في منطقة المحيط الهادئ. وفي حين كان الرئيس السابق دونالد ترامب مهتمًا، في المقام الأول، بالحد من القوة الاقتصادية للصين، فإن جو بايدن يسعى أيضًا للحد من النفوذ الصيني قدر الإمكان. وفيما يتعلق بجزر سليمان، فإن الولايات المتحدة لا ترى من المناسب التدخل، ويمكن لأستراليا أن تتولى المهمّة على أكمل وجه. ويوجد تواطؤ قوي بين كانبيرا وواشنطن، كما ظهر هذا الصيف في اتفاقية ايكوس التي سمحت للبحرية الأسترالية بالتحول إلى شراء غواصات أمريكية على حساب المعدات الفرنسية.
في جزر سليمان، عادت الحياة الى طبيعتها. وكانت المعارضة قد أعلنت عن إجراء تصويت مقبل بحجب الثقة عن الحكومة التي يقودها ماناسيه سوغافاري، والتي تتمتع من حيث المبدأ بأغلبية مريحة.
في 28 نوفمبر، أعرب هذا الاخير في خطاب متلفز، عن أسفه لهذه “الأحداث المؤسفة الهادفة إلى إسقاط حكومة منتخبة ديمقراطيا”، قبل أن يؤكد: “لا شيء سيزعزع ارادتنا... لن نرضخ أبدًا للنوايا السيئة لقلة من الناس».
في هونيارا، تم إزالة الأنقاض التي خلفتها المظاهرات التي استمرت ثلاثة أيام. وتم القبض على حوالي 100 شخص يشتبه في أنهم من بين مثيري الشغب. إجمالاً، تم إحراق ستة وخمسين مبنى، وقدّر البنك المركزي الخسائر الاقتصادية للبلاد بما يعادل 24.7 مليون يورو. استعادت جزر سليمان أسلوب عملها المعتاد... بينما يشير ما حدث في نوفمبر إلى أن هذا الأرخبيل يقع في قلب جميع أنواع الاهتمامات الجيوسياسية.