التاريخ يعيد نفسه

جمهورية مالي: انقلاب داخل الانقلاب...؟

جمهورية مالي: انقلاب داخل الانقلاب...؟

-- علم كولونيلات المجلس الوطني لإنقاذ الشعب السابقين بقائمة الحكومة الجديدة، من خلال وسائل الإعلام
-- يسعى الانقلابيون الآن للحصول على الدعم، ولا سيما من السكان والفاعلين السياسيين
-- جرى التعديل الوزاري في سياق اجتماعي وسياسي متوتر
-- ربما نظر المجلس العسكري إلى الوضع على أنه بداية لعملية استبعاده التام والنهائي من الشؤون السياسية
-- سيكون موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، والمجتمع الدولي حاسمًا فيما سيلي من أحداث


فاجأ الجيش الجميع بقيادته انقلابًا ثانيًا في تسعة أشهر. كيف وصلت البلاد الى هذه الحالة؟
في 24 مايو 2021، بعد الظهر، اعتقلت عناصر من القوات المسلحة المالية رئيس المرحلة الانتقالية في مالي باه نداو ورئيس وزرائه مختار أواني، ثم اقتيدا إلى معسكر ساوندياتا كيتا العسكري في كاتي، هذا المعسكر الشهير الذي كان دائمًا في قلب كل الانقلابات في مالي قبل ان يطلق سراحهما لاحقا.
وصف بعض المراقبين الوقائع بأنها انقلاب، ورأى البعض الآخر انه مجرد نقاش بين الثنائي التنفيذي وأعضاء المجلس الوطني “السابق” لإنقاذ الشعب، الذي تم حله رسميًا. يذكر أن مالي تمر بمرحلة انتقالية مدتها 18 شهرًا. بدأ ذلك بانقلاب 18 أغسطس 2020، الذي أطاح بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا.
 ومن المقرر إجراء الانتخابات العامة في أوائل عام 2022، بين فبراير ومارس. ويبدو أن الوضع الحالي يعيد مالي إلى نقطة البداية؛ لكن ما الذي حدث ليصل الوضع إلى هناك؟

الرئيس نداو في مواجهة الكولونيلات
في 14 مايو 2021، سلم رئيس الوزراء مختار عون استقالة حكومته إلى الرئيس باه نداو، الذي أعاده على الفور إلى منصبه، وأمره ببدء مباحثات مع الطبقة السياسية، بهدف تشكيل الحكومة القادمة. وقد لقي هذا النهج ترحيباً لأنه أعاد الحوار الذي انهار بين السلطات الجديدة والطبقة السياسية منذ انقلاب 18 أغسطس 2020.

العنصر الأول الذي من شأنه أن يفسر الوضع الحالي، هو أن استقالة السيد أواني وإعادة تعيينه تمت إدارتها شخصيًا من قبل الرئيس نداو، دون أن يستشير المسؤولين عن -المجلس الوطني لإنقاذ الشعب السابق، وهم العقيد أسيمي غويتا، نائب رئيس المرحلة الانتقالية؛ والعقيد مالك دياو رئيس المجلس الوطني الانتقالي (الهيئة التشريعية) والعقيد ساديو كامارا وزير الدفاع والعقيد الرائد اسماعيل واجوي وزير المصالحة والعقيد موديبو كوني وزير الأمن والحماية المدنية.
من خلال هذا التمشي، أعطى الرئيس باه نداو، الذي تعرض لانتقادات واسعة بسبب عدم حضوره القوي في المشهد، الانطباع بأنه استعاد أخيرًا زمام المرحلة الانتقالية، وأصبح سيدها الحقيقي. ويمكن توقّع أن هذا التطور لن يحظى بالموافقة، أو حتى يثير غضب الكولونيلات الانقلابيين، الذين يمكن أن يروا فيه بداية عملية تهدف إلى إخراجهم تدريجياً من مواقعهم.
سياق متوتر
تلاشت الحماسة الشعبية التي صاحبت انقلاب 18 أغسطس بسرعة كبيرة. المجلس العسكري، الذي جسّد في البداية التغيير الذي طال انتظاره، ظهر تدريجياً كعنصر من عناصر إدامة النظام القائم. لم يتم ازعاج أي من أعيان النظام القديم، بمن فيهم أولئك الذين وجهت ضدهم اتهامات شديدة.
جرى التعديل الوزاري في 14 مايو في سياق اجتماعي وسياسي متوتر للغاية. كانت حركة الاحتجاج، حركة 5 يونيو -تجمع القوى الوطنية، التي تندد بسير الانتقال وتدعو إلى “تصحيحه”، وكذلك بحل المجلس الوطني الانتقالي، قد برمجت مظاهرة في 4 يونيو 2021. من جهة اخرى، بعد إشعار مدته 15 يومًا، بدأت المركزية النقابية للاتحاد الوطني لعمال مالي أسبوعها الثاني من الإضراب، والذي كان من المقرر أن يستمر حتى 28 مايو 2021. ونظرًا للوضع السياسي، وعدم وجود أي محاور آخر في ظل غياب الحكومة، علقت قرار الإضراب، ودعت أعضاءها إلى العودة إلى العمل اعتبارًا من 26 مايو، وحتى عودة الاوضاع إلى طبيعتها.
لقد علم كولونيلات المجلس الوطني لإنقاذ الشعب “السابقين” بقائمة الحكومة الجديدة، المنشورة في 24 مايو 2021، في نفس الوقت والمواطنين الماليين العاديين، أي من خلال وسائل الإعلام. وزادت مفاجأتهم، ملاحظة استبعاد اثنين منهم، وهما وزير الدفاع ساديو كامارا، والأمن والحماية المدنية موديبو كوني. لم يتأخر رد فعلهم طويلاً: بالكاد مرّت ساعة على نشر التشكيلة الجديدة للحكومة، تم القبض على ثنائي الجهاز التنفيذي، ونقل مانو ميليشيا إلى معسكر كاتي العسكري.
البيان الصحفي لنائب الرئيس، العقيد عاصي غويتا، الذي تمت قراءته في 25 مايو 2021 على التلفزيون الوطني، لا يمكن أن يكون أكثر وضوحًا: فهو يستنكر موقف رئيس الوزراء والرئيس، اللذين شكلا الحكومة الجديدة “دون التشاور مع نائب الرئيس”، أي مع شخصه. ويضيف: “رأى نائب الرئيس نفسه ملزمًا بالتحرك للحفاظ على الميثاق الانتقالي، والدفاع عن الجمهورية بهدف وضع الرئيس ورئيس الوزراء خارج صلاحياتهما. «
إذن، يؤكد نائب الرئيس هنا على تعلّقه بالميثاق الانتقالي؛ ومع ذلك، فإن هذا الاخير ينص بوضوح على عدم إمكانه تعويض الرئيس المؤقت في حال الشغور. يذكر أنه أثناء المناقشات حول اعتماد الميثاق المذكور، كان يُنظر أحيانًا إلى منصب نائب الرئيس (وهو الأول في مالي)، الذي تم إنشاؤه خصيصًا ليشغله أحد أعضاء المجلس العسكري، على أنه وسيلة لهذا الاخير لتوقع احتمال قيادة عملية الانتقال. ولهذا السبب، جعلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) رفع العقوبات المفروضة على مالي مشروطًا بتضمين الميثاق حكمًا ينص بوضوح على أنه لا يمكن لنائب الرئيس أن يحل محل رئيس المرحلة الانتقالية. ويبقى أن نرى ما إذا كان هذا عائقًا مؤقتًا أم عزلا نهائيا. في الحالة الثانية، والتي يبدو أنها الأكثر ترجيحًا، سنكون امام انقلاب داخل الانقلاب.

رهان رئيسي: إقناع
 السكان والحصول على
 دعم حركة 5 يونيو
أرسلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على الفور إلى مالي، في 25 مايو، مبعوثها المسؤول عن مراقبة المرحلة الانتقالية، الرئيس النيجيري السابق جودلاك جوناثان. وسيكون موقف المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وبشكل أعم المجتمع الدولي (فرنسا والولايات المتحدة والأمم المتحدة من خلال بعثتها في مالي، مينوسما) حاسمًا في ما سيلي من أحداث. يدرك الانقلابيون ذلك، ويسعون الآن للحصول على الدعم، ولا سيما من السكان والفاعلين السياسيين، واساسا من حركة 5 يونيو -تجمع القوى الوطنية، وهي حركة الاحتجاج التي أضعفت قوة إبراهيم بوبكر كيتا، وسمحت بالانقلاب ضد هذا الأخير. ان نهجهم مطابق لذاك الذي اعتمدوها خلال انقلاب 18 أغسطس 2020؛ لكن هذه المرة بحجج مختلفة.
فيما يتعلق بالسكان، منذ اعتقال الرئيس ورئيس وزرائه، نشهد تشكيل رأي معين يتناقله أنصار المجلس العسكري، يشير إلى أن الوضع الحالي هو تعبير جذري عن مواجهة نقاط الاختلاف في وجهات النظر بين السلطة التنفيذية: ثنائي الجهاز التنفيذي، وكولونيلات المجلس الوطني لإنقاذ الشعب “السابق. الأول يستجيب فقط لمصالح فرنسا -خاصة أن نشر قائمة الحكومة الجديدة يأتي بعد 48 ساعة من عودة باه نداو من باريس -بينما الشق الثاني، يعارض فرنسا الإمبريالية، وبدلاً من ذلك يروّج للتقارب مع روسيا.
ومفهوم أن مثل هذه الحجة يمكن أن تؤثر في كل الذين ينظرون نظرة سيئة للوجود العسكري الفرنسي في مالي، والذين يتظاهرون بانتظام ضد عملية برخان. ويتم ترويج هذه التعليقات، كما هو الحال دائمًا، من قبل ناشطين على الشبكات الاجتماعية، ومعروفين بمواقفهم المعادية لفرنسا.
كما تم الإعلان عن مظاهرة لدعم الانقلابيين في 25 مايو، في ساحة الاستقلال في باماكو، قبل تأجيلها إلى موعد لاحق. وسيكون هدف المجلس العسكري إعطاء مظهر من أشكال الموافقة الشعبية على انقلابهم. الطريقة الوحيدة في نظرهم للأمل في مواجهة العقوبات والضغوط الدولية القادمة.
فيما يتعلق بحركة 5 يونيو -تجمع القوى الوطنية، تمت دعوة قادتها للانضمام إلى الانقلابيين في كاتي بعد ساعات فقط من اعتقال الرئيس ورئيس الوزراء. بالنسبة للجيش، يتعلق الامر بمنح قادة هذه الحركة منصب رئيس الوزراء -وسيلة لتأمين دعمهم، وبالمثل، لإصلاح “أخطاء” الماضي التي ارتكبت في حقهم: رغم أنهم كانوا في قلب الانقلاب الذي وقع في 18 أغسطس 2020، انتهى الأمر بحركة 5 يونيو -تجمع القوى الوطنية إلى استبعادها تمامًا من الهندسة الكاملة للعملية الانتقالية (باستثناء عدد قليل من أعضائها الذين تم اختيارهم). وبنفس الطريقة، بعد انقلاب 18 أغسطس، وقبل إنشاء المرحلة الانتقالية، فإن المجلس العسكري، الذي كان حريصًا على ان يكون له ثقل في مواجهة المجتمع الدولي الذي طالب بانتقال مدني، قد جعل من حركة 5 يونيو -تجمع القوى الوطنية حليفاً، ولوّح لقادتها بأنهم سيلعبون دورًا مهمًا في المرحلة الانتقالية. وكان المتعاطفون مع حركة 5 يونيو يؤيدون إلى حد كبير الانتقال العسكري.

أي رد فعل ملموس
من المجتمع الدولي على مجلس عسكري يائس؟
التحليل الاني الذي يمكن إجراؤه لهذا الانقلاب الأخير ضد الرئيس الانتقالي ورئيس وزرائه، هو أن القلق يبدو قد امتد إلى معسكر المجلس العسكري، بسبب عدم تشريكه في تشكيل الحكومة الجديدة، وخاصة استبعاد اثنين من أعضائه. وبعيدًا عن مجرد خسارة هذه المناصب الوزارية، يمكن أن ينظر المجلس العسكري إلى الوضع على أنه بداية لعملية استبعاده التام والنهائي من الشؤون السياسية. وسيعني ذلك أيضًا بطريقة ما بالنسبة له بداية المشاكل القانونية، عندما نعلم أن دستور مالي يعتبر الانقلاب جريمة لا تسقط بالتقادم.
من المحتمل أن يكون الرئيس باه نداو، بقراره استعادة السيطرة على الوضع السياسي، قد تلقى دعمًا أوليًا من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي “تشرف” على العملية الانتقالية، وكذلك من شركاء مالي الدوليين، وفي مقدمتهم فرنسا. ويعود الأمر الآن إلى هؤلاء الفاعلين المختلفين للتدخل من خلال إجراءات قوية، لأنهم يظلون هم الوحيدون القادرون على حل الوضع.
*باحث مشارك في مختبر أفريقيا في العالم، معهد الدراسات السياسية في بوردو، وهو أيضًا محاضر في جامعة سيغو، مالي.

 

المحكمة الدستورية:
العقيد هاشمي غويتا رئيسا للمرحلة الانتقالية

أعلنت المحكمة الدستورية في مالي، الجمعة، الجنرال هاشمي غويتا رئيسا انتقاليا للبلاد، وأفرج عن الرئيس المحتجز، ورئيس الوزراء بعد أن استقالا.
وذكرت المحكمة، في بيان، نقلته وسائل إعلام محلية، أنه تم تعيين غويتا قائد المجلس العسكري، رئيسا انتقاليا للبلاد.
والخميس، نشر المجلس العسكري في الجريـــــدة الرســـــمية ما ســـــماه “قانونا أساسيا”، قائلا إنه يتيح اعتبار رئيس المجلس الوطني (البرلمان المؤقــــت) الذي يترأسه رئيس المجلس العسكري، رئيسا للدولة، ما يسمح له بضمان استمرار الدولة والتحضير للعملية الانتقالية.
وقال المتحدث باسم المجلس العسكري إسماعيل واغيه، للتلفزيون الوطني، مساء الجمعة، إن العسكريين هم رعاة هذا القانون.