يعود تاريخ العلاقة بينهما إلى فترة الحرب الباردة

جنوب أفريقيا وروسيا... شراكة غريبة تحيّر المراقبين

جنوب أفريقيا وروسيا... شراكة غريبة تحيّر المراقبين

تسلّط استضافة جنوب أفريقيا لقمة بريكس الأسبوع المقبل الضوء على العلاقات بين بريتوريا والكرملين والتي تتسم بالدفء ويعتبرها البعض أمراً محيّراً.
ويعود تاريخ العلاقة بين موسكو وحزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا إلى فترة الحرب الباردة عندما دعم الاتحاد السوفياتي نضال المؤتمر الوطني الأفريقي ضد نظام الفصل العنصري.
 
ولا تزال هذه العلاقات اليوم قوية للغاية رغما عن التحولات التاريخية والأيديولوجية التي كان من المفترض -منطقيا - أن تؤدي إلى التباعد.
وانهار الاتحاد السوفياتي في 1991، الأمر الذي أدى إلى زرع بذور قومية في روسيا التي يقودها اليوم فلاديمير بوتين.
أما الانتصار على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا فأدّى إلى قيام نظام ديموقراطية ودستور هو الأكثر ليبرالية في القارة.
ويعتبر المحللون الذين يسعون إلى فهم العلاقة بين الطرفين أنّ الروابط التاريخية والشخصية تتجاوز الشقوق الايديولوجية بينهما، مشيرين أيضاً إلى احتمال وجود احتياجات لديهما قد تكون أقل وضوحا.
 
ويقول المحلل السياسي سانديل سوانا “يمكنك القول إن تحالفهما صداقة بنيت على الدم ... والرصاص».
أما المحلل ستيفن جروز من معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية فيرى أنّه من الناحية السياسية فإن ما يجمعهما “شراكة غريبة».
ودعي بوتين للمشاركة في قمة مجموعة دول بريكس (جنوب إفريقيا، البرازيل، الصين، الهند، روسيا) والتي تستضيفها جنوب إفريقيا من 22 الى 24 آب/اغسطس.
لكنّ الرئيس الروسي صدرت بحقّه مطلع آذار/مارس مذكّرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جريمة حرب تتمثّل في “ترحيل” أطفال أوكرانيين منذ غزو أوكرانيا، وهي اتهامات ترفضها موسكو بالكامل.
 
ومن المفترض نظرياً أن تقوم جنوب إفريقيا باعتقال بوتين في حال دخل أراضيها، بصفتها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.
واتخذ الرئيس الجنوب افريقي سيريل رامابوزا موقفا متناقضا بشأن هذه المسألة إلى أن أعلن في نهاية المطاف أنّ بوتين قرر عدم الحضور.
وقاد رامابوزا في حزيران/يونيو الماضي وساطة إفريقية مع رؤساء جمهورية الكونغو ومصر والسنغال وأوغندا في محاولة للتوصل إلى سلام بين كييف وموسكو.
 
ولم تنجح الوساطة لكنّها ساعدته في تجاوز اتهامات له بـ”التحيّز” فيهذا النزاع.
وبالنسبة لدزفينكا كاشور من الرابطة الأوكرانية في جنوب إفريقيا فإن هذه البعثة سمحت لرامافوزا والقادة الأفارقة الآخرين “بالتحدث مباشرة إلى الشعب الأوكراني” وتقييم الوضع بأنفسهم.
 
من الناحية الاقتصادية، يبدو أن وقوف بريتوريا بجانب موسكو في هذا الوضع أمر غير منطقي، بحسب متخصصين.
وتأتي الولايات المتحدة في المركز الثاني كأكبر شريك تجاري لجنوب افريقيا بعد الصين. وبلغت صادراتها 4,2 مليار دولار في النصف الأول من عام 2023.
بالمقابل، تعتبر التجارة مع روسيا “منخفضة للغاية”، بحسب وصف مبعوث جنوب إفريقيا إلى موسكو، حيث بلغت قيمة الصادرات 132 مليون دولار فقط من كانون الثاني/يناير إلى حزيران/يونيو.
 
وإثر اتهامات حول قيام بريتوريا بتزويد الكرملين سرا بالأسلحة دعا مشرعون اميركيون الإدارة لإخراج جنوب أفريقيا من اتفاق تجاري كبير، مما أثار قلقا لدى بعض الشركات وأحزاب المعارضة في الدولة الافريقية.
ويرى المحلل السياسي ويليام جوميدي أنّ الوقت حان لتدرك بريتوريا أنّ هذا الاتحاد لم يعد يخدمها.
وأضاف أن هذه العلاقة تقوم على “رابطة عاطفية”، مضيفاً “لا نستطيع تحمل” تكلفتها بعد الآن.
وينظر بوتين إلى جنوب افريقيا في اطار مصلحة استراتيجية نظراً إلى وضعها في القارة التي أصبحت بشكل متزايد ساحة للمعارك الدبلوماسية بين القوى الكبرى، بحسب محلّلين.
 
لكن هناك إجماع أقل حول سبب اهتمام الحزب الوطني الافريقي بالإبقاء على علاقة وثيقة للغاية مع بوتين.
ويواجه حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” الحاكم منذ ثلاثة عقود تقريباً نفورًا متناميًا يغذيه تعثّر الاقتصاد وتزايد البطالة وتفاقم عدم المساواة واستفحال أزمة الكهرباء.
 
وفي انتخابات العام 2024، سيصوّت المقترعون لانتخاب أعضاء الجمعية العامّة حيث يختار حزب الأغلبية بالعادة رئيس البلاد.
وكتب الصحافي ريتشارد بوبلاك في صحيفة ديلي مافريك الشهر الماضي “من الواضح أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يرى شيئا آخر في روسيا بوتين - امرا ملهما».
وأضاف “روسيا بمثابة منارة (..)استبدادية ساطعة تنير الطريق نحو الحكم الأبدي».
بينما يعتبر آخرون أن المال مرتبط بالأمر.
 
وتلقى الحزب العام الماضي أكثر من 800 ألف دولار من شركة لتعدين المنغنيز مرتبطة بقطب ثري روسي يخضع لعقوبات اميركية للمساعدة في تمويل مؤتمر حزبي.
وفي ايار/مايو الماضي، قال زعيم المعارضة جون ستينهاوزن إن الحزب الوطني الافريقي “يقف إلى جانب روسيا لسبب واحد فقط: لأن الاتحاد الروسي يمول حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وبالتالي يتسلل ويزعزع استقرار الديموقراطية في جنوب إفريقيا».
ورفض الحزب الحاكم بغضب هذه التلمحيات.
 
وأكد المسؤول في الحزب في جوهانسبرغ كولوغو نجواشينج أن الحزب تلقى أيضا تبرعات من “رجال أعمال أميركيين».
وأضاف “إنها مشكلة فقط عندما يدعم الروس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي”، مؤكّداً أنّ “هذا غير عادل».