النواب يتصرفون خارج قناعاتهم

حرب غزة تهز السياسات الداخلية في بريطانيا

حرب غزة تهز السياسات الداخلية في بريطانيا


داخل البرلمان البريطاني، أُطلقت صيحات الاستهجان وخرج النواب من مجلس العموم احتجاجاً على طريقة تعامل رئيس المجلس مع دعوة إلى وقف النار في غزة. وفي الخارج علّق حشد من المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين شعار «من النهر إلى البحر»، على واجهة برج بيغ بن، مما أثار تنديدات من أولئك الذين رأوا في ذلك دعوة إلى إزالة إسرائيل.
وكتب مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في لندن مارك لاندلير، أن مشاهد الفوضى في العاصمة البريطانية الأسبوع الماضي، تعبر عن كيفية تردد أصداء حرب غزة خارج الشرق الأوسط. من الولايات المتحدة إلى أوروبا، فقد ألهب هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) والرد الإسرائيلي المدمر، المشاعر، وقلب السياسات، ورفع التوترات داخل المجتمعات المسلمة واليهودية.
والنزاع لا يقتصر فقط على المسائل المستعصية المتعلقة بالحرب والسلام والعدالة الأخلاقية. ففي بريطانيا، الأحزاب السياسية والجمهور ليسوا منقسمين فعلياً حول كيفية التعامل مع غزة، لأن هناك غالبية ساحقة تدعم وقف النار. وعوض ذلك، فإن الأزمة الإنسانية في غزة باتت بمثابة عصا للمتخاصمين يلوحون بها لبعضهم.
وبنى حزب المحافظين الحاكم على تعليقات مناهضة لإسرائيل أدلى بها مرشح عن حزب العمال المعارض، كي يتهم هذا الحزب بأنه أخفق في التخلص من إرث معاداة السامية في صفوفه. وركز حزب العمال على تعليقات تنم عن الاستخفاف أدلى بها نائب من المحافظين حول رئيس بلدية لندن المسلم، كدليل على تأجج الإسلاموفوبيا في أوساط المحافظين.

مناورة في البرلمان
وناور الحزبان بشراسة في البرلمان فيما يتعلق بقرار يدعو إلى وقف النار، ليس لأنهما يختلفان كثيراً على الجوهر، وإنما لأن المحافظين وجدوا فرصة للدفع في تظهير الخلافات داخل حزب العمال، فيما يتعلق بموقف الحزب الأولي الداعم لإسرائيل.
وقال الأستاذ الفخري للتاريخ السياسي في جامعة نونتغهام ستيفن فيلدنغ: «إنه مثال على كيفية تشوية قضية خطيرة حقاً، من خلال منظور السياسات الحزبية في بريطانيا».
وفي الولايات المتحدة، أدى الغضب في صفوف بعض الديمقراطيين بسبب الدعم القوي الذي يقدمه الرئيس جو بايدن لإسرائيل، إلى تصويت احتجاجي في الانتخابات التمهيدية في ولاية ميشيغن هذا الأسبوع، مما يثير تساؤلات عما إذا كانت الحرب يمكن أن تغير نتائج انتخابات رئاسية تحتدم فيها المنافسة.
وفي فرنسا، أُرغم الرئيس إيمانويل ماكرون على الابتعاد عن موقفه المؤيد لإسرائيل، تحت ضغط الجالية المسلمة الكبيرة في البلاد. وفي ألمانيا، ومع مسؤوليتها عن الهولوكست، بقي الدعم لإسرائيل قوياً، على رغم من أن وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، بدأت التركيز مؤخراً على أهمية «بقاء الفلسطينيين».

المشاعر المعادية للمسلمين
وتقول الصحيفة الأمريكية إن النزاع أيقظ الأشباح في السياسات البريطانية: عندما قال النائب المحافظ لي أندرسون بفظاظة إن «الإسلاميين يسيطرون» على رئيس بلدية لندن صديق خان، فإنه كان يتاجر بذاك النوع من المشاعر المعادية للمسلمين، التي انفجرت قبل عقدين بعد الهجمات الإرهابية في لندن التي نفذها متشددون.
وعندما زعم المرشح عن حزب العمال أزهر علي، أن إسرائيل «سمحت» بالهجوم المفاجئ لحماس، فإنه أعاد اشعال فتيل ذكريات عن معاداة السامية شابت حزب العمال في ظل رئاسة جيريمي كوربين له. وأجرى الزعيم الحالي للحزب كير ستارمر حملة ضد كوربين في سياق حملة لاقتلاع الانحياز ضد اليهود. كما أنه سحب دعم الحزب لترشيح أزهر علي.
وبحسب دانيال ليفي الذي يدير مشروع الولايات المتحدة والشرق الأوسط للأبحاث في لندن ونيويورك، فإنه «بسبب عصر كوربين، أصبحت إسرائيل جزءاً من حرب ثقافية في هذا البلد، بطريقة لم تحدث قبل عقدين من الزمن».
وأقر ليفي بأن الكثير من النواب يتصرفون خارج قناعاتهم حول غزة. لكن الغضب الذي ساد في الأسبوعين الأخيرين، في رأيه، لم يكن يتعلق بارتفاع عدد القتلى أو أفضل طريقة للتعامل مع رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بقدر ما كان يتعلق بالتاريخ والسياسة المحيرة التي تغلف القضايا اليهودية والإسلامية في بريطانيا.

تغييرات في موقف سوناك
وفي الأسابيع الأخيرة، أحدثت حكومة ريشي سوناك تغييرات في موقفها بما يكفي للحد من الخلافات مع المعارضة. وخلال زيارة لجزر فوكلاند الأسبوع الماضي، دعا وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إلى وقف للنار، قائلاً إن القتال يجب أن يتوقف «الآن».
وبالنسبة للمحافظين، يمثل النزاع في غزة مجموعة مختلفة من التحديات. وعلى غرار الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، فإنه يعرب عن موقف قوي مؤيد لإسرائيل من دون أن يثير ذلك معارضة تذكر. لكن المحافظين يتعاملون اليوم مع آثار تعليقات معادية للمسلمين أطلقتها شخصيات من الجناح اليميني مثل أندرسون وسويلا بريفرمان وزيرة الداخلية السابقة.