حرب واشنطن الجديدة في الكاريبي.. هل تواجه الكارتلات أم تخلق فوضى جديدة؟
أرسلت الإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب في مطلع سبتمبر-أيلول 2025 قوة مهام بحرية إلى منطقة البحر الكاريبي لمكافحة تهريب المخدرات، مستهدفة أربعة قوارب يُزعم أنها تنقل المخدرات قبالة سواحل فنزويلا، وأسفرت الهجمات عن مقتل 21 شخصًا على الأقل.
ومع إعلان وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، استمرار الضربات «حتى تنتهي الهجمات على الشعب الأمريكي»، تبدو إدارة ترامب مصممة على تصعيد العمليات العسكرية، مدعية أن القوارب المستهدفة كانت تحمل مخدرات كافية لقتل عشرات الآلاف، رغم عدم تقديم أدلة ملموسة، بحسب موقع « The Conversation».
وأُرسلت الإدارة مذكرة سرية إلى الكونغرس لتبرير الضربات القاتلة ضد عصابات المخدرات، مع إشارة إلى أن الكارتلات قد صُنفت كجزء من «صراع مسلح غير دولي».
غير أن هذه المواجهة العسكرية المباشرة تواجه تحديات استراتيجية كبيرة تجعل من الصعب تحقيق نصر حاسم في الحرب على المخدرات؛ فالقدرات العسكرية الأمريكية، رغم قوتها الهائلة، قد تُمكّنها من تعطيل مجموعات محددة، وتدمير مختبرات المخدرات، والقبض على زعماء العصابات، لكنها لا تستطيع القضاء على الشبكات الإجرامية التي تمتد عبر الحدود وتتسم بالمرونة والقدرة على إعادة البناء.
تحديات مواجهة الكارتلات عسكريًا
تاريخياً، تبيّن أن أي تدخل عسكري مباشر ضد الكارتلات يؤدي إلى تصعيد العنف بدلاً من القضاء عليه؛ حيث شهدت المكسيك بعد إعلان الرئيس فيليبي كالديرون «الحرب على المخدرات» في 2006، تصاعدًا هائلًا في أعمال القتل والاغتيالات الانتقامية ضد المسؤولين الحكوميين، وهو نمط من المرجح أن تعيد الكارتلات تكراره إذا استهدفت القوات الأميركية مصالحها أو زعماءها.تتمتع الكارتلات بقدرة كبيرة على شن هجمات انتقامية داخل الولايات المتحدة عبر شبكاتها الممتدة من المدن الكبرى مثل لوس أنجلوس وشيكاغو إلى المناطق الريفية. وقد حذرت وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم، من مكافآت مالية على وكلاء الهجرة الفيدراليين، مع تبادل صورهم بين الشبكات الإجرامية، ما يبرز خطورة الوضع وامتداد تأثير الكارتلات داخل الأراضي الأمريكية.
كما أن قتل أو اعتقال زعيم كارتل لا يعني نهاية المنظمة، بل غالبًا ما يؤدي إلى تفككها وظهور فصائل جديدة أكثر عنفًا، كما حدث بعد مقتل زعيم كارتل «لوس زيتاس»، هيريبيرتو «إل لازكا» لازكانو، في 2012، حيث تصاعد العنف بين الفصائل الداخلية خلال السنوات التالية؛ وبالتالي، فإن المواجهة العسكرية المباشرة تخلق دائرة من العنف المستمر بدلًا من إنهاء التهديد.
الحرب على المخدرات تحتاج استراتيجية مزدوجة
إلى جانب التحديات العسكرية، تواجه الولايات المتحدة أزمة داخلية غير مسبوقة مرتبطة بإدمان المخدرات، خصوصًا الفنتانيل والمواد الأفيونية، التي تعد السبب الرئيس في وفاة عدد كبير من الأمريكيين تجاوز جميع القتلى في الحروب الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.
وتلعب الكارتلات المكسيكية، مثل كارتل سينالوا، دورًا رئيسيًا في تهريب هذه المواد إلى الأسواق الأميركية، إلا أن أي حملة عسكرية خارجية لن تنجح إذا لم تُرافق بمعالجة شاملة للإدمان داخل الولايات المتحدة.
ووفقًا لمسح مراكز الإدمان الأمريكي لعام 2023، يعاني حوالي 48.5 مليون أمريكي، أي نحو 16.7% من السكان الذين تبلغ أعمارهم 12 عامًا فأكثر، من اضطرابات تعاطي المواد المخدرة.
ويشير هذا إلى أن المشكلة الرئيسة ليست فقط في الإنتاج أو التهريب، بل في الطلب الداخلي على المخدرات؛ وبالتالي، فإن أي استراتيجية شاملة للحرب على المخدرات يجب أن تركز على الحد من الإدمان ومعالجة الجذور الاجتماعية والصحية لهذه الأزمة، وإلا فإن أي تدخل عسكري خارجي سيكون قصير المدى ومؤقتًا.
وتوجه الحرب العسكرية الأمريكية ضد عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية تواجه عقبات جوهرية تجعلها استراتيجية غير فعّالة لتحقيق النصر النهائي؛ حيث إن الكارتلات منظمة، انتقامية، ولها قدرة على التكيف وإعادة البناء بسرعة، بينما أي نجاح عسكري جزئي غالبًا ما يولّد عنفًا مضادًا أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، أزمة الإدمان الداخلي في الولايات المتحدة تزيد من تعقيد المشهد، إذ لا يمكن للضغط الخارجي وحده أن يقلل الطلب على المخدرات أو يضع حداً للتهريب.
وبالتالي، فإن النهج العسكري الأميركي، رغم قوته، يظل أداة محدودة ضمن استراتيجية أوسع تحتاج إلى معالجة الأسباب الجذرية، بما في ذلك الإدمان الداخلي والنهج الاجتماعي والصحي المتكامل، لتكون الحرب على المخدرات فعّالة على المدى الطويل.
إن أي نجاح مؤقت للقوة العسكرية الأمريكية لن يحقق النصر في الحرب على المخدرات إلا إذا ترافقت العمليات العسكرية مع استراتيجيات شاملة لمعالجة الطلب الداخلي، والحد من الإدمان، ومكافحة العنف بشكل مستدام داخل وخارج الحدود.