تناقضات داخلية خطيرة
حلف الناتو يتخبط.. من التمويل إلى تركيا
عَدّ إيلان بيرمان، نائب الرئيس الأول لمجلس السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن العاصمة، قمة حلف الناتو التي عقدت هذا الأسبوع في واشنطن حدثاً عظيماً بكل المقاييس يليق بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف، وفرصة طيبة للتفكير في حالة التحالف العسكري الأكثر نجاحاً في التاريخ.
وقال بيرمان، وهو خبير في الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والاتحاد الروسي، هذا حكم إيجابي ظاهرياً؛ حيث يبدو اليوم أن التحالف قد بدأ يستعيد قوته مرة أخرى، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقد أعاد غزو الكرملين لأوكرانيا في عام 2022، والحرب ضد كييف منذ ذلك الحين، الحياة إلى تحالف كان ينظر إليه قادته قبل بضع سنوات فحسب بأنه «ميت دماغيّاً».على مدى العامين ونصف العام الماضيين، كانت الضرورات العملية لحماية أوكرانيا سبباً في تنشيط المحادثات في مختلف أنحاء القارة الأوروبية حول إعادة تنشيط قاعدة الصناعات الدفاعية. ورداً على شبح العدوان الروسي الإضافي، زاد الحلف من وتيرة عملياته وتشغيله ونطاق عملياته العسكرية. وتوسع الحلف بإضافة عضوين آخرين هما السويد وفنلندا اللتان تخلتا عن حيادهما التقليدي سعياً إلى الحماية تحت مظلة الدفاع الجماعي من النوايا التوسعية لموسكو. ونتيجة لهذا، أصبح حلف الناتو الآن أكثر ديناميكية وقوة من أي وقت مضى في الذاكرة الحديثة.
تناقضات داخلية خطيرة
ويضيف الكاتب أنه «إذا تعمقنا قليلاً، فسوف ندرك بعض التناقضات الداخلية الخطيرة، حسب ما أفاد بيرمان في تحليله بموقع «ناشونال سيكيورتي جورنال»، موضحاُ أن المشكلة الأولى تكمن في مشكلة «الراكب المجاني» التي يعاني منها الحلف. فلسنوات، كافح المسؤولون الأمريكيون من أجل حمل أعضاء حلف شمال الأطلسي على تحمل نصيبهم العادل من العبء المالي اللازم للدفاع الجماعي. وقبل عقد من الزمان، أعلن الحلف رسمياً في قمته في ويلز عن «تعهد بالاستثمار في الدفاع» يلتزم فيه كل عضو بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني. (أعيد تأكيد هذا الالتزام في اجتماع الحلف العام الماضي في فيلنيوس). وتحقق تقدم كبير على هذا الصعيد في السنوات الأخيرة، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى الضغوط السياسية التي مارستها إدارة ترامب وإن كان المسؤولون الأوروبيون قد يترددون في الاعتراف بذلك. وكما أوضح مارك ثيسن في صحيفة «واشنطن بوست»، فإن سياسات ترامب، مهما كان ينقصها البراعة في التعبير عن نفسها، «وضعت ألمانيا وبقية أعضاء حلف شمال الأطلسي على المحك؛ فالولايات المتحدة لن تتسامح مع فشل هذه الدول في المساهمة بشكل كاف في دفاعنا المشترك». وكانت النتائج جديرة بالملاحظة؛ ففي العام الماضي، وُجد أن 11 من دول الحلف (31 دولة آنذاك) تلبي معايير اتفاق ويلز، مقارنةً بثلاث دول فقط في عام 2014. وأدى القلق بشأن دفاع أوكرانيا منذ ذلك الحين إلى المزيد من الاستثمارات، وتسير 23 دولة عضو في حلف الناتو على الطريق الصحيح لتحقيق هدف 2% هذا العام. ومع ذلك، ما يزال عدد من البلدان أقل أداء بشكل ملحوظ. ووفقاً لإحصاءات حلف الناتو، تنفق ست دول (كندا ولوكسمبورغ وإيطاليا وسلوفينيا وبلجيكا وإسبانيا) أقل من 1.5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، ودولتان أخريان – هما كرواتيا والبرتغال - أفضل اسمياً ولكنهما لم يحققا معيار ويلز بعد.
وكما يزعم بعض الخبراء بشكل مقنع، فإن مثل هذا الوضع غير مقبول في الوقت الذي تتطلب فيه التحديات العالمية المتزايدة من أعضاء التحالف تلبية الأهداف السابقة فضلاً عن الاستثمار بشكل أكبر في الدفاع الجماعي والردع. وأضاف بيرمان أن المشكلة الثانية التي يعاني منها الحلف هي مسار العضو الشرق أوسطي الوحيد: تركيا. فخلال عقود الحرب الباردة، لعبت تركيا دوراً لا غنى عنه في حماية الجناح الجنوبي الشرقي للتحالف ضد العدوان السوفييتي. ولكن في حقبة ما بعد الحرب الباردة، أدت السياسات المتغيرة من جانب الرجل القوي في البلاد، رجب طيب أردوغان، إلى جعل تركيا العضو الأكثر تذمراً في الحلف، ويمكن القول إنها أضعف حلقة استراتيجية فيه، حسب وصف الكاتب.
اختبار مؤلم
وتابع بيرمان أنه من السهل اليوم أن ننسى أن تماسك حلف شمال الأطلسي قد تعرض لاختبار مؤلم بسبب سياسات أنقرة في الماضي غير البعيد. فقد أدت المعارضة التركية لانضمام السويد لمدة عام تقريباً إلى طريق مسدود فعلياً في سياسة الحلف. ولم يتم كسر الجمود إلا في الصيف الماضي، بعد أن نجح أردوغان في انتزاع سلسلة من التنازلات السياسية والاستراتيجية من ستوكهولم، وكذلك من واشنطن.
والأمر الأكثر إزعاجاً، برأي الكاتب، هو النظرة الاستراتيجية الأوسع لتركيا، التي تنظر إلى نفسها بشكل متزايد على أنها منفصلة عن الغرب. في وقت سابق من هذا الشهر، سافر أردوغان إلى أستانا في كازاخستان، حيث أخبر الرئيس الصيني شي جين بينغ بعبارات لا لبس فيها أن بلاده لديها تطلعات للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون.