ندوة عن بُعد نظمها مركز تريندز لاستشراف آفاق الاقتصاد الدولي

خبراء: أزمتا التغير المناخي وجائحة كورونا تعيقان تحقيق النمو الاقتصادي العالمي

خبراء: أزمتا التغير المناخي وجائحة كورونا تعيقان تحقيق النمو الاقتصادي العالمي


توقع خبراء اقتصاديون استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي خلال العام الجاري 2022 والأعوام القليلة المقبلة، متأثراً بعوامل عدة، أبرزها: جائحة “كوفيد-19” وأزمة التغير المناخي، إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، واضطراب سلاسل الإمدادات، وغياب المساواة في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة، فضلاً عن تراجع معدلات الإنتاج الزراعي. وللتغلب على آثار الأزمات والجوائح المعيقة لتحقيق النمو الاقتصادي، طالب الخبراء بانتهاج طرق مبتكرة وداعمة للاقتصاد الأخضر، والتوسع في سياسات التوظيف بقطاعات الطاقة المستدامة والنظيفة، ودعم تدفق سلاسل الإمدادات، إلى جانب إعادة توزيع الاستثمارات المباشرة للتخفيف من حدة آثار التغير المناخي، فضلاً عن العمل على رفع مستويات المعيشة وتحسين جودة التعليم، مع ضرورة انتهاج خطط لتوسيع نطاق الخيارات الاقتصادية والاجتماعية.

جاء ذلك خلال الندوة التي نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عن بُعد، أمس الأول الأربعاء، تحت عنوان: “آفاق النمو الاقتصادي العالمي وتحدياته في ظل تحديات الأوبئة والاحتباس الحراري”، بمشاركة د. سمر الباجوري الأستاذ المشارك في جامعة القاهرة، ود. يوري دادوش الباحث الأول في مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد بالمغرب، وستيفن سكاليت الخبير في الشؤون الاقتصادية بمركز تريندز، ود. إبراهيم حمدي شتا الأستاذ المساعد في جامعة طيبة بالمملكة العربية السعودية، وأدار الندوة د. عائشة السريحي الباحثة الأولى في جامعة سنغافورة الوطنية.
وألقت الكلمة الترحيبية للندوة، الباحثة في مركز تريندز العنود جاسم الحوسني، قائلة إن التغير المناخي وجائحة “كوفيد-19” من أبرز التحديات التي تواجه العالم في العصر الحديث، ولا بد من تضافر الجهود الإقليمية والعالمية لمواجهة هاتين الأزمتين والتغلب عليهما، لتفادي الآثار السلبية التي سببتهما على الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أنه يمكن تجاوز آثار الأزمات والجوائح، خصوصاً أزمتي التغير المناخي وجائحة كورونا، بفضل التقاربات العالمية القائمة على الابتكار والإبداع وتكاتف جهود الدول والحكومات للتغلب عليها.

أزمتا التغير المناخي و”كوفيد-19»
واستهلت الدكتورة سمر الباجوري مداخلتها في الندوة، باستعراض آثار أزمة التغيُّر المناخي وجائحة كوفيد-19 في النمو الاقتصادي العالمي، مؤكدة أنه في عام 2020، عصفت الجائحة بالاقتصاد فأثرت في البلدان المتقدمة والنامية بشكل أسوأ من تأثير الكساد الكبير عام 1929.
وبينت أن عام 2021 شهد تعافياً اقتصادياً عالمياً، وصفه البنك الدولي بأنه أسرع تعافٍ يعقب ركوداً في 80 عاماً، حيث تسارع الطلب الكلي مع تخفيف تدابير الإغلاق التي فُرضت للحد من انتشار الجائحة في معظم البلدان، ولكن التوقعات الاقتصادية لعام 2022 كانت أقل تفاؤلاً.

وأشارت إلى أن الاختلالات الهيكلية التي سببتها جائحة كورونا ستستمر لفترة زمنية أطول؛ ما أدى إلى تحول في الأولويات الاقتصادية حول العالم نحو التركيز على مشاكل وتحديات معينة، مثل ارتفاع معدل التضخم العالمي، والزيادة المتسارعة في نسبة الديون، والمشاكل المتعلقة بالتغير المناخي، والسبل التي يمكن من خلالها الحصول على تمويل كافٍ للتخفيف من آثار هذه الأزمات والجوائح، وخاصة على البلدان النامية. وقالت إن الانتعاش الاقتصادي النسبي الذي حدث عام 2021 كان مبشراً، حيث بلغ 6%، ولكن في نهاية عام 2021 ظهر متحور “أوميكرون” الذي أوجد مخاطر اقتصادية عالمية أثرت سلبياً على النمو الاقتصادي، وانتقلت هذه المخاطر إلى عام 2022، حيث أصبحت الرؤية المستقبلية للنمو الاقتصادي ضبابية.

ونوهت الباجوري بأن عوامل تراجع الاقتصاد العالمي تتمثل في اضطراب سلاسل الإمدادات، وغياب المساواة في توزيع اللقاحات، وارتفاع أسعار المواد الخام والطاقة؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن متأثرة بسياسيات الإغلاقات التي انتهجها معظم دول العالم.
وكشفت عن أن صندوق النقد الدولي يتوقع استمرار هذه الآثار حتى عام 2023، مع ارتفاع معدلات التضخم عالمياً، وظهور مجاعات في بعض الدول النامية والفقيرة؛ ما سيؤثر أيضاً على أسعار المواد الأساسية والسلع الاستهلاكية في ظل ارتفاع الطلب العالمي. وذكرت الباجوري أن أزمة التغير المناخي تسببت في تراجع معدلات الإنتاج الزراعي على المستوى العالمي، خصوصاً في أفريقيا، كما أن هناك تراجعاً ملحوظاً في الإنتاج الغذائي؛ ما يؤكد أن أزمة التغير المناخي أصبحت تهدد الأمن الغذائي العالمي وتزيد انتشار الفقر والاضطرابات السياسية. وطالبت الدول والحكومات بتوجيه النفقات المرصودة للتعافي الاقتصادي إلى مواجهة آثار التغير المناخي؛ لأن هذه النفقات يجب أن تنتهج طرقاً مبتكرة وداعمة للاقتصاد الأخضر، مع التوسع في التوظيف في قطاعات الطاقة المستدامة والنظيفة، إلى جانب دعم المشاريع التقليدية ودعم الإنتاج التقليدي في الأنشطة الاقتصادية.

مستقبل سلاسل التوريد
بدوره، تطرق الدكتور يوري دادوش إلى مستقبل سلاسل التوريد والتجارة العالمية في ظل الأنواع المتحورة من فيروس كورونا، موضحاً أن الروابط الدولية سهلت التكيف في ظل جائحة كورونا، كما يمكن للشركات تعديل سلسلة التوريد الخاصة بها، وستقوم بذلك إذا شعرت أنه لم يعد بمقدورها الاعتماد على الموردين الدوليين؛ ما يدحض المخاوف المتعلقة بسلسلة القيمة العالمية والإلقاء باللائمة على الموردين الأجانب.
وذكر أن الدول والحكومات قد تبالغ في ردة فعلها تجاه المخاوف المتعلقة بسلسلة القيمة العالمية، لأنها تتعرض لضغوط من ثلاثة مصادر لفعل ما يمكن فعله بشأنها، وهي: نقص الإمدادات أثناء الأزمات؛ والأمن القومي؛ والحمائية الاقتصادية، ولكن صياغة الاستجابة المناسبة لكل مصدر من هذه المصادر ينطوي على تحديات حقيقية. وأكد دادوش أن العالم يعاني حالياً من جراء ارتفاع معدلات التضخم؛ ولتحجيم هذه الارتفاعات يجب انتهاج إجراءات عدة، منها: تكثيف الجهود الاستثمارية؛ وتطوير الخدمات والمنتجات؛ وتغيير السلوكيات الاستهلاكية؛ وتدارك النفقات؛ ومراجعة سياسات التحفيز الاقتصادي في بعض الدول.

وذكر أن على الشركات الخاصة تنويع الموردين وزيادة المخزونات، لتفادي الضغوط التنافسية التي تتعرض لها، وخصوصاً أن العوامل الضاغطة على الاقتصاديات العالمية عززت سياسات التنافسية؛ ما يحتم على الدول التدخل لإحداث تغيير إيجابي يتمثل في دعم ديمومة سلاسل الإمدادات خلال الأزمات والجوائح، مضيفاً أنه يجب على الحكومات التدخل للتخفيف من آثار الكساد الاقتصادي عبر تخفيض الضرائب ودفع إعانات للأفراد. وحول آثار جائحة كورونا على تدفق الاستثمارات المباشرة، خصوصاً في مجال الطاقة المتجددة، نوه بأنه يستبعد أن تغير الجائحة حركية الاستثمارات في الطاقة المتجددة؛ لأن زيادة أسعار الطاقة التقليدية تضغط على انسيابية الاستثمار المباشر والتنوع الاقتصادي في مجالات الطاقة المتجددة والنظيفة.

تدفق الاستثمارات العالمية
من جانبه، تناول ستيفن سكاليت التأثير المتوقع لاتفاقية غلاسكو للمناخ على تدفق الاستثمارات العالمية، مبيناً أن اتفاقية غلاسكو للمناخ أعادت النظر في أهداف مجابهة آثار التغير المناخي، حيث قدمت 150 دولة مساهمات للحد من الانبعاثات الكربونية بنسبة 45% بحلول عام 2030، إلى جانب الحد من استخدام الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة التقليدية. وذكر أن هناك نوعين من الاستثمارات العالمية الموجهة لحل أزمة التغير المناخي؛ أولها الاستثمار في الحد من الاحتباس الحراري، والحد من الانبعاثات، والاعتماد على الطاقات المتجددة، التي أصبحت في متناول الدول بفضل تدني التكلفة. وثانيها هو الاستثمار في التكيف مع الآثار الحقيقية للتغير المناخي، ومرونة البنية التحتية والاستثمار في الطاقة بفاعلية.

وتوقع سكاليت نمو استثمارات الحكومات والدول في الطاقة النظيفة خلال الأعوام القليلة المقبلة، ولكن هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التمويل والاستثمارات المباشرة في هذه القطاعات الواعدة؛ لأن تمويل الدول المتقدمة لم يتجاوز الـ 100 مليار دولار بعد، كما أن مشاركة القطاع الخاص وصلت إلى 400 شركة بقيمة محافظ استثمارية بلغت 130 مليار دولار. وأكد خبير الشؤون الاقتصادية أن النظام العالمي برمته احتشد لمكافحة التغير المناخي؛ لأن الدول بدأت تفكر جدياً قبل الاعتماد على الفحم، ولم يعد مصدراً مهماً للطاقة في العديد من الدول، وخصوصاً أن الفحم لا يزال يشكل 65% من مصادر الطاقة في الصين، و70% في الهند، ولكن القدرة الجديدة لاستخدامات الفحم بدأت تنخفض عالمياً. وطالب بالتوسع في إعادة توزيع الاستثمارات المباشرة للتخفيف من حدة آثار التغير المناخي، وخصوصاً أن التغيرات الهيكلية الجارية في قطاعات الطاقة والإجماع العالمي حول الصناعات الصاعدة للحد من الانبعاثات الكربونية ستزيد من فرص الاستثمارات الجديدة في قطاعات الطاقة المتجددة.

مقاربات تنموية جديدة
واستعرض الدكتور إبراهيم حمدي شتا الأستاذ المساعد في جامعة طيبة بالمملكة العربية السعودية، مقاربات تنموية جديدة لمعالجة أزمة التغير المناخي وحماية صحة الشعوب ورفاهها، موضحاً أن كارثة التغير المناخي تعد من أحدث الاتجاهات في أدبيات التنمية، وفي الاقتصاد الدولي بشكل عام، ولكن مواجهة آثار التغير المناخي ليس نهجاً جديداً، بل تعود أصوله إلى عام 1992، في مؤتمر قمة الأرض بمدينة “ريو دي جانيرو” في البرازيل.
وأكد أنه على الرغم من أن النمو الاقتصادي مكوّن أساسي وركيزة من ركائز التنمية، إلا أنهما شيئان مختلفان، فالتنمية لا تساوي النمو الاقتصادي، حيث إن أهداف التنمية تتمثل في زيادة توافر السلع والخدمات الأساسية، مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والحماية، والتوسع في توزيعها، إلى جانب رفع مستويات المعيشة، بما في ذلك زيادة الدخل، وتحسين التعليم، وتعزيز القيم الإنسانية، مع انتهاج خطط لتوسيع نطاق الخيارات الاقتصادية والاجتماعية المتاحة للأفراد والدول.

وذكر إبراهيم شتا أن الدول النامية، التي هي في أمسِّ الحاجة للتنمية، تتشارك في خصائص عديدة؛ منها: انخفاض مستويات المعيشة، والأوضاع الصحية السيئة، وضعف التعليم، وانخفاض مستويات الإنتاجية، وارتفاع معدلات النمو السكاني، وأعباء الإعالة، إضافة إلى الاعتماد الكبير على الإنتاج الزراعي، وصادرات المنتجات الأولية، وكل هذه العوامل تزيد من الآثار السلبية للتغير المناخي. وطالب بضرورة إيلاء اهتمام أكبر لمواجهة مشكلة التغير المناخي، ولكن بالشكل الذي لا يؤثر سلبياً على استراتيجيات التنمية في المنطقة العربية، مؤكداً أنه ينبغي اتخاذ تدابير عملية لمواجهة مشكلة التغير المناخي في العالم، فمنذ أن بدأ الحديث عن هذا الأمر في البرازيل عام 1992 لم يلمس العالم أي حلول عملية طوال ما يزيد على ثلاثة عقود.