خبراء: تعاظم قوة تحالف «الثلاثي الأوروبي» ردا على تهديدات أمريكا وروسيا

خبراء: تعاظم قوة تحالف «الثلاثي الأوروبي»  ردا على تهديدات أمريكا وروسيا


قال خبراء في العلاقات الدولية إن التحالف الثلاثي الأوروبي الجديد بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، يتزايد رسوخًا، بتوقيع معاهدات دفاعية وتنسيق في مجال الهجرة والتجارة، في ظل تصاعد التهديدات من أمريكا وروسيا. ويأتي هذا التوجه مع تبنّي الأوروبيين حزمة عقوبات أوروبية جديدة على روسيا تشكّل الخطوة الثامنة عشرة، تستهدف قطاعي النفط والطاقة لتضييق الخناق على تمويل الحرب، في دفعة لتعزيز مكانتهم الاستراتيجية والردعية.
ووافق الاتحاد الأوروبي، يوم الجمعة، على فرض الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا.
وتشمل الإجراءات الجديدة تشديد القيود على صادرات النفط والطاقة الروسية، بفرض تخفيض سقف سعر النفط الخام الروسي المتفوّق إلى مستوى 15% تحت متوسط السوق، وتحذير من حظر كامل لواردات المنتجات النفطية الروسية بعد فترة انتقالية.
جاءت تلك الخطوة أيضًا مع إدراج 105 سفن «الأسطول الخفي» والحظر على معاملات مالية مع أكثر من 22 بنكًا، وخطوات استهدفت قناة «نورد ستريم»، كما تأتي هذه الإجراءات بعد رفع سلوفاكيا «الفيتو» مقابل ضمانات متعلقة بالغاز.
وقال الدكتور جان لوك شوفالييه، الباحث الفرنسي في الشؤون الدفاعية الأوروبية في «مركز دراسات الأمن والدفاع» بباريس، إن «تحرك برلين لندن وباريس نحو تعاون دفاعي وثيق هو تحول إستراتيجي ضروري».
وأضاف الباحث شوفالييه، في حديثه لـ»إرم نيوز»، أن «روسيا تبدو مستعدة لاختبار تصميم أوروبا، فيما الولايات المتحدة غير تابعة بالكامل».
وأوضح أن «توقيع معاهدة كينسينغتون بين بريطانيا وألمانيا، وزيارة ماكرون إلى لندن، يمثلان نقطة تحول في استراتيجية أوروبا الأمنية»، موضحاً أنه «لسنوات، كانت أوروبا رهينة المظلة الأمريكية.
وتابع: «أما الآن، فهناك وعي جديد بضرورة بناء قدرة ردع ذاتية، خاصة في ظل إدارة أمريكية بقيادة ترامب لا تلتزم بثبات تحالفات ما بعد الحرب الباردة. نحن لا نتحدث فقط عن دفاع مشترك، بل عن رغبة أوروبية في صياغة <ناتو مصغّر> برؤية أكثر سيادية واستقلالًا».
وأضاف: «ما يجعل هذا التحالف لافتًا هو شمولية أجندته، فهو لا يقتصر على الدفاع بل يتطرق إلى الهجرة، السياسة الرقمية، والأمن الاقتصادي. أوروبا الليبرالية الكلاسيكية تتبنى لأول مرة مقاربة واقعية صلبة».
ورأى شوفالييه أن تشكيل تكتل دفاعي أكثر تنسيقًا، على غرار تحرك Weimar+،  يعطي شعورًا بوحدة وأوروبية بديلة تملك القدرة على الردع والمفاوضة بشكل مستقل».
وأشار الباحث الفرنسي إلى أن «روسيا ستتكيف مع العقوبات النفطية، لكن استهداف «الأسطول الخفي» والخزائن المالية يشكل ضربة حقيقية لقدرتها على التهرّب. هذه الحزمة تعكس تصميماً أوروبياً جديداً على إطالة أمد العقوبات.
وتابع: «روسيا قد لا تشعر بخطر فوري، لكن التكتل الجديد الثلاثي بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، يعد أول رد منظم واقعي ليس مبنيًا على وعود الناتو بل على إرادة أوروبية ذاتية».
ووفقاً للباحث السياسي الفرنسي فإن أوروبا تُعيد رسم نفسها كفاعل جيوسياسي مستقل، من خلال تحالف ثلاثي عابر للحدود والأيديولوجيات، مدعوماً بإجراءات اقتصادية قوية ضد روسيا، موضحاً أنه تحالف حديث الولادة لا يخلو من التحديات: قد يثير رد فعل أمريكي سلبي ويسيء إلى بعض مواقف دول الاتحاد الداخلية. لكن بالنسبة للخبراء، هذه الخطوة هي استيقاظ أوروبي ضروري لممارسة دور أكثر توازنًا واستقلالية في النظام الدولي المعقّد.
من جهتها، قالت الباحثة لورانس نيكولا، المتخصصة في الشأن الروسي في مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة السوربون، إن العقوبات الأخيرة تمثل تصعيدًا أوروبيًا مدروسًا، لكنها تؤكد أن «موسكو باتت تتوقع هذه الخطوات وتتحايل عليها بسهولة نسبية».
وقالت نيكولا لـ»إرم نيوز»، «ما يخيف أوروبا حقًا ليس الغاز الروسي أو النفط، بل الاختراق السياسي الروسي داخل بعض دول الاتحاد. موسكو نجحت في خلق فجوات استراتيجية عبر استثمارات مستترة، حملات تضليل إعلامي، ودعم قوى يمينية متطرفة مناهضة للاتحاد الأوروبي».
وتابعت: «رد الفعل الأوروبي جاء على مستويين: ردع اقتصادي عبر العقوبات، وردع استراتيجي عبر تحالف دفاعي ثلاثي. فباريس وبرلين ولندن أدركوا أن انتظار وحدة أوروبية كاملة أمر مستحيل في ظل الانقسامات الداخلية، لذا قرروا التحرك كقوى قيادة مصغرة».

ولادة «تحالف ثلاثي» جديد
من جانبها، ذكرت صحيفة «ليمانيتيه» الفرنسية، أنه منذ زيارة أجراها القادة الأوروبيون إلى أوكرانيا في أيار- مايو الماضي، تكثفت المبادرات المشتركة بين ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. هذا التقارب يشمل ملفات الدفاع والهجرة والسياسات التجارية.
وأضافت الصحيفة الفرنسية أنه بينما يرى البعض أن هذه الدول الثلاث تملك مقومات قيادة بديلة لحالة التصعيد العالمي، إلا أنها تبدو أقرب إلى تغذية هذه الدوامة بدلًا من كبحها.
وتساءلت «ليمانيتيه»: «هل نحن أمام ولادة «تحالف ثلاثي» جديد؟، موضحة أنه في الأشهر الأخيرة، كثفت القوى الأوروبية الثلاث من تقاربها الاستراتيجي. بدأت هذه الخطوات بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير، حيث أبدى الرئيس الأمريكي شكوكًا متكررة حيال متانة الروابط الأمنية والاقتصادية العابرة للأطلسي. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنه خلال أسبوع واحد فقط، استقبل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر كلًا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس في لندن، لمناقشة ملفين رئيسيين: الدفاع والهجرة.
وفي 17 يوليو- تموز الجاري، وقع ستارمر اتفاقًا واسع النطاق مع ميرتس، يغطي الدفاع المشترك، التعاون الاقتصادي، وعددًا من الشراكات الاستراتيجية.
وفي العاصمة البريطانية، توافق ستارمر وميرتس على تشديد الموقف من الهجرة غير الشرعية. وأعرب رئيس الوزراء البريطاني عن «امتنان كبير» لألمانيا، التي عدّلت هذا العام تشريعاتها لتجريم تسهيل عمليات الهجرة غير النظامية إلى المملكة المتحدة.
«هروب إلى الأمام» 
في المسار العسكري
ويعد اتفاق «كينسينغتون»، الذي وقعه الجانبان، أول معاهدة دفاعية رسمية بين ألمانيا وبريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية، ويمثل مؤشرًا واضحًا على رغبة في إعادة صياغة العلاقات الأوروبية البينية خارج إطار الناتو التقليدي.
وفي موازاة هذا التحول العسكري، يرى مراقبون أن هذا التحالف الجديد بتركيبته الليبرالية والمؤسسية يسعى لإعادة تموضع أوروبا بين قوتين عالميتين متصلبتين: الولايات المتحدة بقيادة ترامب، وروسيا بقيادة بوتين.