خطة لتأمين هيمنة الجمهوريين في المستقبل

خطر حدوث انقلاب قانوني في الولايات المتحدة...!

خطر حدوث انقلاب قانوني في الولايات المتحدة...!

-- بدأ تحول الحزب الجمهوري من حزب محافظ من يمين الوسط إلى حزب شعبوي متشدد يميني متطرف منذ عقود
-- يعمل الحزب الجمهوري على تكثيف الوسائل غير المشروعة لضمان الفوز عام 2024
-- تقلل هذه التغييرات من تصويت عناصر أساسية لقاعدة الحزب الديمقراطي وزيادة تقليص نسبة المشاركة
-- العنصر الرابع في استراتيجية الجمهوريين، يتمثل في تحويل الهزائم الانتخابية إلى انتصارات


في كتابها الشهير “أكثر من اللازم ولا يكفي أبدًا” 1، حذرت ماري ترامب، عالمة النفس وابنة أخ دونالد ترامب، قائلة: “إذا حصل على فترة ولاية ثانية، فستكون هذه نهاية الديمقراطية الأمريكية”. ولكن، هناك احتمال كبير بأن يصبح ترامب رئيسًا في الانتخابات الرئاسية لعام 2024. وقد ينتج فوزه عن انقلاب قانوني ظاهريًا: الاستيلاء على الدولة من خلال وسائل تبدو أنها تحترم حرفيا الإجراءات القانونية، في حين انها تنتهك عمداً روحها 2.

لقد سبق ان أحدث ترامب والحزب الذي يسيطر عليه أزمة سياسية غير مسبوقة منذ الحرب الأهلية، وهذه الأزمة تتصاعد. بدأ تحول الحزب الجمهوري من حزب محافظ من يمين الوسط إلى حزب شعبوي متشدد يميني متطرف، منذ عقود، وتسارع التغيير مؤخرًا 3. لقد تم إضعاف الأداء المعقد للمؤسسات السياسية الأمريكية، المنبثق عن الدستور والإصلاحات اللاحقة، إلى حد كبير، من خلال استراتيجية تستغل غموض الدستور والإجراءات القانونية. وتتضمن تصرفات الجمهوريين انتهاك المعايير الراسخة، مثل قبول نتائج الانتخابات عندما يتم التصديق عليها بشكل شرعي. ورغم أنها ليست ملزمة قانونًا، إلا أن “قواعد اللعبة” غير الرسمية هذه، هي أسس رئيسية للاستقرار الديمقراطي.

ولئن فشل ترامب وحلفاؤه الجمهوريون في عكس انتصار جوزيف بايدن الرئاسي لعام 2020، فقد شجعتهم هذه المحاولة الفاشلة على توسيع استراتيجية تشمل في نفس الوقت عناصر قديمة وأخرى مستوحاة من هزيمتهم. وتهدف الخطة، بوسائل قانونية ظاهريا، إلى تأمين هيمنة جمهورية في المستقبل، إذا لزم الأمر عن طريق إبطال الانتصارات الانتخابية للديمقراطيين.

يبني العنصر الأول، على قرار المحكمة العليا التاريخي في قضية ماربوري ضد ماديسون (1803) يخول “المراجعة القضائية”، أي منح القضاء الاتحادي الحق في تقرير دستورية القرارات السياسية. فعلى مدى العقود الماضية، نجح الحزب الجمهوري في بناء قضاء متعاطف. على سبيل المثال، تتكون المحكمة العليا حاليًا من ستة قضاة معينين من قبل الرؤساء الجمهوريين وثلاثة من قبل الرؤساء الديمقراطيين -وهو اختلال حزبي سهّله انتهاك معيار راسخ من قبل الجمهوري ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية آنذاك في مجلس الشيوخ. وسمحت أحكام الأغلبية المحافظة التي أصدرتها المحكمة باتخاذ إجراءات لثني تصويت المواطنين الذين يميلون إلى تفضيل الديمقراطيين.

ويتعلق العنصر الثاني بالتلاعب في الدوائر الانتخابية، أي السيطرة الحزبية على عملية تحديد شكل دوائر الكونغرس والدوائر التشريعية للولاية. ترسم المجالس التشريعية للولايات التي يهيمن عليها الجمهوريون حدودًا تركز بشكل غير متناسب الناخبين الديمقراطيين في دوائر انتخابية معينة، وبالتالي “تهدر” العديد من الأصوات في تلك الدوائر، وتضعف آفاق الحزب الديمقراطي في الدوائر الانتخابية الأخرى. (يمارس الديمقراطيون أيضًا التلاعب في توزيع الدوائر، ولكن مع جرعة اعلى من ضبط النفس). وأعطت التقسيمات الدائرية الحزب الجمهوري اسبقية كبيرة، قياسا لثقله الانتخابي الحقيقي، في الكونغرس والولايات وعلى المستوى المحلي.

العنصر الثالث، هو شطب الناخبين. في سبع عشرة ولاية، تبنت الهيئات التشريعية التي يسيطر عليها الجمهوريون مؤخرًا إجراءات انتخابية، رغم أنها تبدو غير حزبية، إلا أنها مصممة لتقليل الأصوات لصالح الديمقراطيين.
وتتمثل هذه القيود في الحد من أهلية المواطنين للتسجيل والتصويت، من خلال تعزيز متطلبات تحديد هوية الناخبين، وكذلك عن طريق تقصير الفترة التي يمكنهم خلالها التسجيل والتصويت، وتقليل عدد مراكز الاقتراع في الأحياء المؤيدة للديمقراطيين، وتسهيل التطهير الحزبي للقوائم الانتخابية.

وتقلل هذه التغييرات من تصويت الأشخاص ذوي الدخل المنخفض والناخبين السود والإسبان، وهي عناصر أساسية لقاعدة الحزب الديمقراطي. وتزيد هذه الإجراءات من تقليص نسبة المشاركة، في بلد يعدّ فيه معدل المشاركة من أدنى المعدلات بين جميع البلدان الديمقراطية.

يقول القادة الجمهوريون، إن سبب وجود هذه الإصلاحات هو منع تفشي تزوير الناخبين. ومع ذلك، وفقًا للخبراء، تُجرى الانتخابات الأمريكية بشكل عام بطريقة نزيهة تمامًا. وتم تأكيد ذلك مرة أخرى بعد هزيمة ترامب الانتخابية عام 2020. فرغم تقديم الحزب الجمهوري أكثر من ستين شكوى تزوير، إلا أنه لم يتم العثور على واحدة ذات مصداقية من قبل القضاة، بما في ذلك تلك التي عينها ترامب ورؤساء جمهوريون آخرون.

ففي طعن أمام المحكمة العليا لأحد قوانين شطب الناخبين هذه، أوضح محام من الحزب الجمهوري السبب الحقيقي: بدون مثل هذه القيود، يكون المرشحون الجمهوريون “في وضع تنافسي غير موات بالنسبة للديمقراطيين».

وإذا ثبت أن هذه الأساليب غير كافية، فإن العنصر الرابع في استراتيجية الجمهوريين، يتمثل في تحويل الهزائم الانتخابية إلى انتصارات.
كان الفشل في قلب انتصار بايدن مفيدًا للحزب الجمهوري: بدلاً من الاعتراف بهزيمته بعد الانتخابات، أكد ترامب مرارًا أن الانتخابات مسروقة ويجب عكس نتيجتها. وتجد هذه الكذبة صدى لدى قواعد الحزب الجمهوري. ووجد استطلاع لشبكة سي ان ان في سبتمبر الماضي، أن 78 بالمائة من مؤيدي الجمهوريين استمروا في الاعتقاد بأن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 قد سُرقت.

 لم يخدع ترامب الجمهور فقط، بل حاول قلب الانتخابات من خلال الضغط على مسؤولي الانتخابات وحكام الولايات التي فاز بها بايدن لعكس فرز الأصوات الرسمي ومنحه الأصوات في دائرة الولاية. قد تبدو محاولاته فجّة، مثل التي ناشد فيها كاتب دولة جورجيا (جمهوري) “توفير” أصوات كافية تمنحه الانتصار في تلك الولاية الرئيسية. ومع ذلك، فقد كانت خطيرة للغاية، ولا ينبغي التقليل من أهميتها: لأنه إذا لم يرفض مسؤولو الانتخابات في عدد قليل من الولايات الرئيسية، وكذلك نائب الرئيس مايكل بنس، مناشدات الرئيس، لكان من الممكن إلغاء الانتخابات، مما يتسبب دون شك في أزمة عنيفة كبيرة الحجم.

كما هو معروف، جرت إحدى محاولات ترامب الرئيسية في 6 يناير، عندما اجتمع الكونجرس بعد شهرين من الانتخابات للمصادقة على نتائج تصويت الهيئة الانتخابية. وفي كلمة ألقاها أمام أنصاره في واشنطن، أشار إلى “أكثر الانتخابات فسادًا في التاريخ، ربما في العالم”، محذرًا: “ حاول الديمقراطيون سرقة الانتخابات (...) إذا لا تستطيعون القتال مثل الشياطين، فلن يكون لديكم بلد بعد الآن. ثم أمر الحشد باقتحام مبنى الكابيتول لإجبار نائب الرئيس بنس على تغيير رأيه والشروع في إجراءات إلغاء الانتخابات. نعرف ما حدث والنتيجة... لكن السادس من يناير كان بداية وليس نهاية.

رغم أن العديد من قيادات الجمهوريين أدانت الهجوم في البداية، وانتقدت ترامب بشدة، إلا أن جميعهم تقريبًا عادوا بسرعة إلى ولائهم القديم، ويواصل معظمهم دعم فكرة سرقة الانتخابات. كما أدى هجوم 6 يناير إلى تنشيط الميليشيات اليمينية المتطرفة، التي أثبتت ان الحملة الجمهورية فرصتها الذهبية لتوسيع صفوفها والتعبئة لحملات مستقبلية.

وأفاد بوب وودوارد وروبرت كوستا، كاتبا الأعمدة في واشنطن بوست، أن محاولة ترامب الأخيرة كانت مستوحاة من جون إيستمان، أستاذ القانون المحافظ المتشدد 4. بعد هزيمة ترامب في نوفمبر، أعد إيستمان مذكرتين تشرح كيفية قلب الانتخابات.
استند المنطق إلى الادعاء الكاذب بأن الدستور والقوانين الانتخابية تسمح لنائب الرئيس بممارسة سلطة تقديرية هائلة. ويتفق جميع الباحثين الدستوريين تقريبًا على أن تفسير إيستمان خاطئ: يوضح الدستور أن دور نائب الرئيس في التصديق على الانتخابات الرئاسية هو دور شرفي واحتفالي بحت.

ووفق اقتراح إيستمان، يلغي بنس الاقتراع في سبع ولايات فاز بها بايدن بتعلة وجود قوائم منافسة للهيئة الانتخابية في تلك الولايات. في الواقع، أكدت السلطات الانتخابية الرسمية لتلك الولايات فوز بايدن؛ ولم يشر أي منها إلى القوائم المتنافسة. ومع ذلك، زعم إيستمان أنه إذا ألغى بنس الأصوات الانتخابية في تلك الولايات، فإن الأصوات لصالح بايدن في الهيئة الانتخابية ستتقلص من 306 إلى 228 صوتًا، مما سيجعل ترامب، الذي حصل على 232 صوتًا، هو الفائز.

وإذا تمكن الديمقراطيون في الكونغرس من منع هذه الخطوة، فان لدى إيستمان خطة بديلة: سيقرر بنس، أنه بالنظر الى عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة من الأصوات في الهيئة الانتخابية، فإن الأمر متروك لمجلس النواب لانتخاب الرئيس، على النحو المنصوص عليه في المادة الثانية من الدستور.

من المهم ملاحظة أنه بموجب هذا الإجراء، يكون لكل ولاية صوت واحد فقط. ونظرًا لأن الحزب الذي يسيطر على نيابة مجلس النواب في الولاية يقرر كيف ينبغي أن تصوت نيابة الولاية، وانه في بداية عام 2021 كانت الاغلبية للجمهوريين في 26 من ممثلي نيابات مجلس النواب الخمسين، خمنوا من كان سيفوز!

مارس ترامب ضغوطًا هائلة على بنس. علاوة على ذلك، لما كان نائب الرئيس قد أظهر الى حد تلك اللحظة ولاءً مطلقا له، وأن جميع الجمهوريين المنتخبين تقريبًا أيدوا الادعاء الذي لا أساس له من أن انتصار بايدن كان مزورًا، فإن فرص نجاح هذه الحيلة كانت كبيرة. ومع ذلك، ورغم أن بنس فكر بجدية في الأمر، واستشار قادة الجمهوريين مطولاً، إلا أنه رفض الاستجابة. وبالمثل، في الولايات الرئيسية التي فاز فيها بايدن، لم يخضع أي مسؤول انتخابي، بغض النظر عن قناعته السياسية، لضغوط ترامب.

 لكن هذا الحاجز هش. لقد علّم الفشل في إلغاء انتخابات 2020 ترامب والحزب الجمهوري، أنه من الممكن، دون عواقب سلبية ملحوظة، محاولة تغيير نتائج الانتخابات. كما تعلموا كيفية تمهيد الطريق لقلب نتيجة الانتخابات قبل فترة طويلة من الانتخابات بدلاً من ارتجال المحاولة على عجل ما بعد الهزيمة. أخيرًا، نظرًا لأن كامالا هاريس، التي ستترأس شهادة الهيئة الانتخابية للكونغرس عام 2024، ديمقراطية، فقد فهموا أنه لا بد من انتداب اعوان انتخابات متعاونين، وعلى استعداد لقلب انتصار الديمقراطيين، قبل وقت طويل.

وعلى عكس محاولات ما بعد الانتخابات المخصصة لإلغاء انتخابات 2020، يتم تطوير هذه الخطط اليوم، قبل انتخابات 2024 بوقت طويل. وعلى سبيل المثال، أصدرت 16 حكومة ولاية يسيطر عليها الجمهوريون مؤخرًا قوانين تنقل مراقبة الاقتراع من المسؤولين والوكالات الإدارية غير الحزبية الى هيئات تشريعية ولجان انتخابية تسيطر عليها الاحزاب. بالإضافة إلى ذلك، بما ان انتخابات 2020 أظهرت أنه حتى المسؤولين الجمهوريين لا يمكن الاعتماد عليهم، يقوم ترامب حاليًا بتجنيد الموالين لإجراء منافسات في الانتخابات التمهيدية لاستبدال الجمهوريين الحاليين الذين ليس متأكدًا من ولائهم في اللجان الانتخابية5.

رأى بعض المعلقين، أن فشل ترامب في الإطاحة بانتخابات 2020 دليل على قوة ومرونة الديمقراطية الأمريكية. وعلى النقيض من هذا الراي، فان هشاشة النظام هي التي برزت. لقد ارتهن مصير الديمقراطية الأمريكية وكان وقفا على حفنة من المسؤولين الجمهوريين. وبالنظر إلى الإصلاحات التي رعاها الجمهوريون منذئذ -وخاصة إذا كانت نتيجة انتخابات 2024 متقاربة جدا -فسيكون من السذاجة تجاهل إمكانية التوصل إلى نتيجة مختلفة.

يبدو أن الدرس الرئيسي الذي استخلصه الحزب الجمهوري من انتخابات 2020 هو الحاجة إلى تكثيف الوسائل غير المشروعة لضمان الفوز عام 2024. وهذا يشير إلى عمق الأزمة الحالية. ومن المفارقات، أن النتيجة الرئيسية لتمرد 6 يناير الفاشل يمكن أن تكون زيادة احتمال حدوث انقلاب قانوني في المستقبل.

1 - ماري ترامب ، أكثر من اللازم ولا يكفي أبدًا : كيف خلقت عائلتي الرجل الأكثر خطورة في العالم ، نيويورك ، سايمون اند شوستر ، 2020.

2 -للحصول على تحليل آخر يطور هذا الادعاء ، انظر روبرت كاجان ، “أزمتنا الدستورية قائمة فعلا” ، واشنطن بوست ، 23 سبتمبر 2021. انظر أيضًا افتتاحية نيويورك تايمز، “6 يناير كان أسوأ مما يبدو”، 3 أكتوبر 2021. لا يسمح المجال هنا لوصف وجود ضوابط وتوازنات قوية في الولايات المتحدة تعارض هذه النتيجة.

 3 - انظر جيرار غرونبيرغ ، “موت الحزب الجمهوري الأمريكي” ، تيلوس ، 7 مايو 2021 ؛ جاكوب هاكر وبول بيرسون ، دعهم يأكلون التغريدات ، نيويورك ، ليفرايت ، 2020 ؛ ومارك كيسلمان ، “رد شعبوي يميني متطرف على الأزمة السياسية؟ “، دانيال سيريرا وغي غروكس ومارك كيسلمان ، نظرة متقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية-فرنسا. الحركات والسياسة في أوقات الأزمات، باريس، منشورات الشجرة الزرقاء، سيصدر عام 2022.

4 - بوب وودوارد وروبرت كوستا ، خطر : نيويورك ، سايمون اند شوستر ، 2021
5 - كاميرون جوزيف، “ترامب يؤيد المرشحين الذين قد يحاولون مساعدته في سرقة 2024”، فايس نيوز، 24 سبتمبر 2021.

*أستاذ مميّز للعلوم السياسية بجامعة كولومبيا بنيويورك