سيضطلع بيلوسوف بمهمة الارتقاء بالمجمع الصناعي العسكري
خيار بوتين لوزير الدفاع يكشف استراتيجيته لأوكرانيا
لم يخدم أندريه بيلوسوف يوماً واحداً في الجيش الروسي، لكنّ اختيار هذا الاقتصادي لرئاسة وزارة الدفاع يُثبِت أن فلاديمير بوتين ينوي الفوز في الحرب بسحقِ أوكرانيا في سباق تسلح طويل الأمد، وفق تقرير لموقع «بوليتيكو».
وكتبت ألكسندرا بروكوبينكو، المستشارة السابقة في البنك المركزي الروسي، على موقع إن «أولوية بوتين هي الحرب، والاقتصاد يضمن الفوز في حرب الاستنزاف».
وأجرى بوتين هذا التعديل المفاجئ في وقتٍ متأخر من يوم الأحد، إذ عيَّنَ وزير الدفاع المخضرم سيرغي شويغو في منصب رئيس مجلس الأمن القومي بدلاً من المسؤول البارز نيكولاي باتروشيف.
وتقول «بوليتيكو» إنه يمكن الزعم بأنّ بذرة إقالة شويغو قد غُرِسَت عندما فشلت خطة الحرب الروسية الخاطفة لغزو أوكرانيا فشلاً ذريعاً قبل أكثر من عامين.
والأرجح أنها نبتَت بعد انتفاضة العام الماضي بقيادة أمير الحرب يفغيني بريغوجين، الذي انتقد الفساد وسوء الإدارة بين كبار الضباط وذكر شويغو بالاسم.
ويبدو أنها أثمرت أخيراً الشهر الماضي عندما اعتُقِلَ نائب شويغو، تيمور إيفانوف، بتهمة تلقي رشاوى.
وكان شويغو، وهو مهندس لم تكن لديه خلفية عسكرية قبل توليه وزارة الدفاع عام 2012، يميل إلى ارتداء الزي العسكري الفاخر المُزيَّن بالأوسمة، وأشرفَ على عملية المشتريات الروسية المشبوهة.
وكان إيفانوف يُعرف حتى باسم «محفظة شويغو» لقدرته على اختلاس أموالٍ طائلة من العقود العسكرية.
خبير اقتصادي متحمس
ويَظهَر بيلوسوف في حلة أكثر صرامة ووضوحاً، فهو يرتدي بدلات داكنة، وعلى عكس كبار مسؤولي الكرملين ليس مشهوراً بالفساد.
في أواخر التسعينيات، كان بيلوسوف مؤيداً نادراً لسيطرة الدولة على الاقتصاد في المناقشات المعنية بالاقتصاد الكلي التي كان يهيمن عليها عموماً الليبراليون الشباب والتقدميون.
ويقول كونستانتين سونين، الأستاذ في جامعة شيكاغو الذي التقى خلال مسيرته ببيلوسوف، في حديث مع موقع «بوليتيكو»: «من بين أنصار المدرسة القديمة من أصحاب الأيديولوجية القديمة، عَلَا نجم بيلوسوف في فهم البيانات والكفاءة الفعلية».
وهذه النظرة إلى الدولة التي تدير الاقتصاد تتعاظم أهميتها في روسيا المُهيَّأة للحرب، إذ تُنحي صناعة الدبابات والقنابل والصواريخ والطائرات جانباً أي صناعات أخرى سواها.
وهذا ما صرَّح به المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف يوم الأحد، مشيراً إلى أنَّ قرار تعيين بيلوسوف وزيراً للدفاع يرتبط بالحاجة إلى «جعل اقتصاد الكتلة الأمنية جزءاً من اقتصاد الدولة. فاليوم في ساحة المعركة، سيكون النصر حليفَ الأكثر انفتاحاً على الابتكار والتنفيذ الأسرع“. وأضافَ أنّ الإنفاق العسكري في روسيا اقترب من مستويات الحقبة السوفيتية إذ بلغ 6.7% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم تحت لواء بيلوسوف.
وبعد مسيرة مهنية في المجال الأكاديمي، شغلَ بيلوسوف منصب وزير التنمية الاقتصادية لعامٍ قبل تعيينه مستشاراً اقتصادياً لبوتين عام 2013.
ومنذ عام 2020 يشغل منصب النائب الأول لرئيس الوزراء. وهو منصب رفيع في التسلسل الهرمي السياسي. ونقلَ الموقع الإعلامي الروسي «ذا بيل» عن مسؤول في عام 2018 قوله إن بيلوسوف يعتقد أنَّ روسيا «مُحاصَرَة من الأعداء»، وأنه أيَّد ضم موسكو إلى شبه جزيرة القرم عام 2014.
ويَظهر بيلوسوف في المقابلات الإعلامية بمظهر المستقيم والمتدين والمحافظ، فتتماشى صورته مع شخصية بوتين نفسه المتدينة علناً. والأهم من ذلك أنه أثبتَ على مر السنين ولاءه لبوتين. وقال سونين: «إنه يعدُّ نفسه جنديّاً يفعل ما يُؤمَر به وحسب».
وبينما سيضطلع بيلوسوف بمهمة الارتقاء بالمجمع الصناعي العسكري الروسي، الذي يحاول التفوق إنتاجيّاً على حلفاء أوكرانيا المُتلكئين، فإن أي جهود إستراتيجية عسكرية فعليّة ستكون حكراً على فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة، تحت إشرافٍ صارمٍ من بوتين نفسه. وكتب الصحافي الروسي المعارض ميخائيل فيشمان ما مفاده: «وزير الدفاع الحقيقي هو بوتين».
وزير مفقود
في الوقت ذاته، تتباين الآراء حول مدى فقدان شويغو لمكانته. وكان باتروشيف، الذي عُيِّن في وظيفة جديدة مساعداً لبوتين، يُعدُّ صاحب نفوذ حقيقي. ولكن، مع تولي شويغو الذي تقصلت صلاحياته منصبه، يتوقع البعض أن يصبح الكيان الأمني مجدداً داراً لتقاعُد الموالين لبوتين.
ثم لدينا قضية جيراسيموف وما إذا كان سيبقى في منصبه كبيراً لجنرالات روسيا رغم سجله المتواضع في قيادة الحرب ضد أوكرانيا.
وفي أوساط المشجعين لبوتين، سرعان ما بدَّدَت إعلانات الولاء للرئيس الشكوك حول تعيين شخص ليس لديه خبرة عسكرية.
وقال المدون العسكري ألكسندر سلادكوف لمتابعيه في رسالة صوتية على تطبيق تلغرام: «إننا نثق بقائدنا الأعلى. وأنا متأكد من أنه فكَّرَ في كل شيء».
أما بالنسبة إلى شويغو، فبعد أكثر من عقد من الزمن في هذا المنصب، قُوبِل رحيله بلا مبالاة تامة تقريباً.
وكما قال أحد المدونين المؤيدين للكرملين: «لديّ أشياء كثيرة أريد التصريح بها. لكن أهم شيء هو أن فشل شويغو في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا هو فشل في أهم اختبار في حياته».
ومع ذلك، فإن إحلال روسيا وزير دفاع أقل سوءاً ليس بالخبر المبشِّر لأوكرانيا.
قال جيمي راشتون، المحلل الأمني المقيم في كييف، على موقع إكس «إن إبدال شويغو بخبيرٍ اقتصادي (يتمتع بخبرة نسبية وكفاءة) يشير بوضوحٍ إلى أن بوتين يظن أنَّ النصر في أوكرانيا سيأتي بالتفوق على أوكرانيا وحلفائها الغربيين في الإنتاج العسكري والصمود أكثر منهم... فهو يستعد لسنوات عديدة أخرى من الحرب».
وقال سونين: «يعتقد بوتين أن بإمكانه الفوز في الحرب بتعديل بعض الأمور البسيطة مثل الأسلحة والاقتصاد والانضباط، وربما حملة تعبئة أخرى. لكن المشكلة أكبر بكثير مما يمكن حلّه بتعيين بيلوسوف».
وقال أوليغ إتسخوكي، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا، إنَّ عوامل أخرى مثل سعر النفط الذي يدعم ميزانية روسيا، وكذا المساعدات العسكرية لأوكرانيا، أهم لمسار الحرب من أي شيء يستطيع بيلوسوف إنجازه وزيراً. والولايات المتحدة لديها نفوذ على كليهما وتعتمد روسيا على ذلك بالكامل، في حين أنَّ القائمين على إدارة الجيش والبنك المركزي والخزانة في روسيا أقل أهمية».