رغم انطلاق قطار الحملة:

دعوة لتأخير الاستفتاء ومراجعة نسخة الدستور...!

دعوة لتأخير الاستفتاء ومراجعة نسخة الدستور...!

- سلسبيل القليبي: دستور سعيد جعل وجود الأحزاب شكلياً
- سليم اللغماني: «لا أمل في تحسين مشروع الدستور المنشور بالرائد الرسمي»
- الصادق شعبان: «حتى لو صوتت الأغلبية بنعم فإن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة والمشروعية مهتزة»


مع استمرار تعالي الأصوات الرافضة لمشروع الدستور الجديد وتنصل رموز الهيئة الاستشارية من النسخة المنشورة، دعا وزير العدل الأسبق الصادق شعبان الرئيس قيس سعيّد، في تدوينة على حسابه فيسبوك، إلى تأخير الاستفتاء حول مشروع ‘’دستور الجمهورية الجديدة’’ لأسابيع أخرى والاجتماع برئيس اللجنة الاستشارية “الصادق بلعيد” والاستماع إلى كل الحساسيات السياسية الكبرى والى المنظمات الوطنية ومن يراه من المتخصصين وتعديل ما يجب تعديله بحكم أنّ ‘’السياسة خدمة الناس وادارة المتناقضات’’ ووضع نص لتونس يحقق لها مستقبلا آمنا ومزدهرا، وفق تصريحه.   وتأتي هذه التدوينة بعد تدوينة سابقة ابدى فيها تأييده للدستور، رغم بعض التحفظات عليه، معلنا أنّه سيصوّت له ‘’بكلّ اقتناع’’، معتبرا أنّ هذا المشروع، الذي سيُستفتى حوله التونسيون، أفضل من دستور 2014 و ‘’ما كنّا نتخبّط فيه في العشرية السوداء’’، مضيفا أنّه “مشروع الدستور” ‘’لم يخطئ كما أخطأ دستور 2014 بغلق النوافذ...فالتعديل أصبح ميسرا والاستفتاء ممكنا ... وكلما ظهرت الحاجة للتعديل عدلنا ...>>

   وأشار شعبان إلى أنّه ‘’لو بقينا على عنادنا كل في موقعه فلن نخرج من النفق بسرعة. وتابع ‘’حتى لو حصل الاستفتاء في موعده وصوتت الأغلبية بنعم فإن نسبة المشاركة سوف تكون ضعيفة والمشروعية مهتزة’’، وأنّ “هذا يعني أن الاحتجاج سوف يقوى وسوف يتصلب النظام ... نعم سوف يتصلب النظام لأنه يصبح مضطرا لاستعمال القوة لا قوة الإقناع».
   ووجّه في التدوينة جملة من النصائح تتعلّق بالتوطئة وتنظيم الدولة على النمط الرئاسي والإبقاء على الفصل الأوّل من دستور 59 وأن يبتعد عن النظام القاعدي والتخلي عن مجلس الجهات والأقاليم الذي ينعش العشائرية حسب رأيه.
   واعتبر أنّ تونس ‘’تكسب مرة إذا تخلصت من منظومة 2014 ... لكن تكسب مرتين لو وضعت دستورا مقبولا مستداما يحقق الشعار” حرية نظام عدالة «.

«لا أمل في تحسين المشروع»
   في المقابل، قال أستاذ القانون الدستوري سليم اللغماني أمس الاثنين أثناء تلاوته لتقرير الجمعية التونسية للقانون الدستوري حول مشروع الدستور المنشور بالرائد الرسمي إنّه “لا أمل في تحسين مشروع الدستور وأنّ رئيس الجمهورية لن يقبل بذلك».
   وأكّد اللغماني خلال ندوة للجمعية انعقدت بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس على انّ وصف الأمر 117 الخارج عن الإطار الدستوري “ بالباطل” يؤدّي ضرورة إلى اعتبار الأمر الرئاسي عدد 578 المتعلق بنشر “نص مشروع الدستور الجديد للجمهورية التونسية” الى جانب الاستفتاء “باطلين كذلك على اعتبار أنّ كل ما بني على باطل يكون باطلا”، مشيرا في المقابل إلى أنّه لا يمكن اليوم غضّ الطّرف عن ذلك باعتبار انّ التجارب المقارنة أكّدت مرارا أنّ ما يبنى على باطل يصبح واقعا.

   واعتبر اللغماني انّ الدستور هو نص يحمل تصوّرا للدولة وهويتها واختياراتها الأساسية ويضمن الحقوق والحريات ويرسي كذلك نظاما سياسيا ويضمن علوية الدستور ودولة القانون لكن المشروع الذي نشر بالرائد الرسمي يحمل تصوّرا لدولة دون تاريخ قريب ودون سلطات وينص على تحقيق مقاصد الإسلام.
   ووصف استاذ القانون الدستوري التوازن بين السلط ب “المختلّ “ إلى أبعد الحدود موضّحا أنّه تمّ التنصيص في الفصل 5 “باب الأحكام العامة” على دولة دينية خلافا لدستور 2014 الذي أسس “لدين الدولة”، مؤكّدا أنّ المشروع لم ينص على أن تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة وارادة الشعب وعلوية القانون كما هو الحال في دستور 2014.

   وفي باب الحقوق والحريات، قال المتحدث إنّ الفصل 27 أكد على حرية المعتقد والضمير وكان واضحا وبصياغة أحسن ممّا ورد في دستور 2014 لكنّه وفي المقابل قيّد وبموجب الفصل 28 حرية القيام بالشعائر الدينية واشترط فيها عدم الإخلال بمفهوم الأمن العام الذي وصفه بالمفهوم الضبابي.
   وأكّد اللغماني أنّ “الحقوق والحريات” وردت في نص المشروع الجديد أفضل مما ورد سابقا لكن مشروع الدستور الجديد هو دون مستوى دستور 2014 الذي لم يقع الخروج منه وتجاوز تناقضاته.

   وحول النظام السياسي، قال أستاذ القانون، إنّ الدستور الجديد أرسى نظاما رئاسويّا يأخذ من النظام البرلماني والرئاسي كل ما من شأنه تعزيز موقع رئيس الجمهورية ويؤسس لنظام قاعدي، ورئيس الدولة وفق هذا المشروع غير مسؤول لا سياسيا ولا جزائيا، مضيفا أنّ رئيس الجمهورية مكّن نفسه من حق الاستفتاء التشريعي المباشر والدستوري المباشر، معتبرا أنّه لا دولة ديمقراطية يتمّ فيها تغيير الدستور بالذهاب فقط الى الاستفتاء دون المرور بالبرلمان.

   في المقابل، قال اللغماني إنّ الحكومة ووفق هذا المشروع رهينة إرادة رئيس الجمهورية لكنها محصّنة إزاء البرلمان الذي يمكن حلّه بعد توجيه لائحة لوم لها، كما اعتبر أنّ سحب الوكالة وإرساء مجلس الجهات والأقاليم عوض المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والسكوت حول طريقة انتخاب النواب ثم حذف الباب الاقتصادي والاجتماعي، فيه تمهيد واضح وجلي لوضع نظام قاعدي.

   كما نسف رئيس الجمهورية، وفق اللغماني، ضمانات استقلالية القضاء من خلال تعيين القضاة من قبل رئيس الجمهورية مبيّنا أنّ الضمانات المنصوص عليها بشأن عدم نقلة القاضي أو عزله أو إعفائه هي ضمانات رهينة قانون ومأخوذة من دستور 1959
وحول تركيبة المحكمة الدستورية انتقد استاذ القانون الدستوري مبدأ تعيين قضاة على مشارف التقاعد وغير متمكنين من منطق القانون الدستوري، مبيّنا أنّه يمكن اعتبار قرارات المحكمة غير ملزمة، موضّحا أنّ الفصل 19 يقول إنها ملزمة لجميع السلطات في حين أنه لا توجد سلطات في هذا المشروع.

وجود شكلي
   من جانبها، اعتبرت أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، أن مشروع الدستور الجديد يعد اعادة لنص دستور 1959 الذي منح سلطة واسعة لرئيس الجمهورية ويؤسس لنظام رئاسوي لا ديمقراطية فيه.
   وقالت القليبي إن دستور سعيد يحمل تفكّكا للدولة وكل اسباب النزاع بين السلط بما يعطل دواليب الدولة، مضيفة أن المشروع المعروض على الاستفتاء يشوبه الغموض في عديد المواضيع ويحمل عديد الألغام وفصول حمالة لعديد الأوجه.   وتابعت القليبي إن مشروع دستور سعيد لم يصلح هنات دستور 2014، وجاء في صياغته بمرجعية دينية بعد التخلص من الدولة المدنية، رغم تضمن فصوله لنموذج المجتمع بالارتكاز على حرية المعتقد والضمير.

   وأكدت القليبي مشروع دستور الاستفتاء يعطي سلطات واسعة جدا لرئيس الجمهورية ليس في حقل الوظيفة التنفيذية فحسب، بل أيضا في حقل الوظيفية التشريعية وهو غير خاضع لأي شكل من اشكال المساءلة وهي ميزة النظام الرئاسوي.
   وشددت أستاذة القانون الدستوري ان مشروع دستور سعيد قطع نهائيا مع الديمقراطية المنشودة بعد تضمنه هندسة للسلطة مركزة بيد شخص واحد غير خاضع للرقابة والمسؤولية.

   وبينت القليبي أن الأحزاب السياسية لن يكون لها اي دور في الحياة السياسية وفي تشكيل الحكومة التي ستكون حكومة الرئيس، مضيفة ان دور الاحزاب السياسية في البرلمان سيكون شكليا وفق نص مشروع الدستور الجديد.
  واعتبرت القليبي أن مشروع دستور سعيد يهدد الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات، موضحة أنه تم إضعاف المحكمة الدستورية وإفراغها من صلاحياتها وسلطتها وتركيبتها وهو ما يهدد دولة القانون وفق تقديرها.

   وتابعت القليبي إن الأحكام الانتقالية في مشروع الدستور تثير عديد الإشكاليات وأكثر من نقطة استفهام، مشيرة الى أن التنصيص على دخول مشروع الدستور حيز النفاذ بعد إعلان نتائج الاستفتاء دون التنصيص صراحة على شرط حصول هذا النص على أغلبية الأصوات الموافقة المصرح بها يطرح نقطة استفهام، مؤكدة انها لا تريد الذهاب الى الرجم بالغيب على اعتبار أن ذلك قد يكون من باب السهو وفق تقديرها.
   وبينت القليبي أن بسقوط مشروع الدستور لن تدخل البلاد في حالة الفراغ الدستوري بل ستتم العودة الى دستور 2014 باعتبار ان كل الاجراءات تمت في إطار دستور 2014 على ان يتم تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة.

   وأوضحت القليبي أن الانتخابات الرئاسية المبكرة لا تطرح إلا إذا حصل مشروع الدستور على أغلبية الأصوات الموافقة مؤكدة أن هذه الفرضية أساسها سياسي وليس قانونيا باعتبار أن الدستور الجديد جاء بصلاحيات جديدة لم يتم انتخاب سعيد على اساسها.
   واعتبرت استاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي ان استفتاء 25 يوليو سيكون استفتاء مشخصنا وهو بمثابة عرض رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه من جديد على ثقة الشعب وكأنه في انتخابات رئاسية جديدة وفق تعبيرها.

   أستاذة القانون الدستوري، سلوى الحمروني، قالت من جهتها، إن “الرئيس، قيس سعيد انتقد دستور 2014 ولكنّه قام في المقابل بكتابة دستور على مقاسه».
   وأضافت أن مشروع الدستور الذي تقدّم به الرئيس فيه “تخلّ عن الهيئات الدستورية ونسف للضمانات القضائية واستحواذ على كل السلطات”، موضحة أن “مشروع الدستور يؤسس لنظام رئاسوي يعطي جميع الصلاحيات للرئيس ويعفيه من كل مساءلة».
   يذكر أنّ الجمعية التونسية للقانون الدستوري تأسست سنة 1981 ودأبت على الاهتمام بالدساتير ولها بصمتها في بعض التنقيحات التي طرأت على دستور 2014.

انسحاب ومنع واحتجاج
   ميدانيا وفي أول أيام الاستفتاء، أعلن حزب الرايّة الوطنيّة، في بيان له، أنّه سحب تسجيله من حملة الاستفتاء كحزب سياسي وقرّر عدم مشاركته بها، داعيا في هذا السياق، كافة القوى الوطنيّة إلى صياغة موقف موحّد “يليق بتاريخ تونس ونضال شعبها ضدّ حكم الفرد والاستهتار بالمؤسسات”، وفق نصّ البيان.   وأعرب حزب الراية الوطنية في بيانه، عن استغرابه بعد “ظهور مشروع النصّ الذي أعدّته اللجنة الاستشارية التي “اصطفاها رئيس الدولة بنفسه” من “إنكار محتوى هذا النصّ تماما في المشروع المعروض”، وفق تعبيره.   واعتبر أنّ الحزب أنّ هذه “النقائص وغيرها لا يمكن أن تُهيئ منطقيا لاستفتاء شفّاف في حملته ومنطقي في نتائجها».

   هذا ومنع أنصار الرئيس قيس سعيد بمعتمدية الرقاب من محافظة سيدي بوزيد، رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي، من عقد اجتماع عام كان مبرمجا بإحدى الفضاءات الخاصة بالجهة في أول أيام حملة الاستفتاء.
   واستنكر رئيس حزب آفاق تونس فاضل عبد الكافي في تدوينة له إبطال تظاهرة دعا إليها حزبه بمدينة الرقاب من ولاية سيدي بوزيد، مؤكدا أن هذا الاجتماع تام الشروط القانونية والشكلية إلا أن ما أسماها ‘’ميليشيات التنسيقية’’ والبناء القاعدي كان لها رأي ثان، مستحضرا ما كانت تقوم به روابط حماية الثورة المنحلة قضائيا، ومحذرا من خطر ذلك على السلم الأهلية لأن بعضهم لم يتورع عن التهديد بقتل القيادات السياسية على مسمع ومرأى الجميع وفق تدوينة عبد الكافي، مؤكدا عزم حزبه التصويت بـ ‘’لا’’ على مشروع الدستور الجديد لإنهاء ما أسماه العبث و الفوضى و التقسيم و التخوين و الفشل على كل المستويات.

   يشار إلى أن الاجتماع العام الذي كان مبرمجا، يندرج ضمن الحملات الخاصة باستفتاء 25 يوليو القادم وهو أول نشاط برمج في هذا الإطار بالمحافظة، بعد أن تم إعلام الهيئة الفرعية للانتخابات بسيدي بوزيد.  ومع ذلك قال رئيس حزب آفاق تونس الفاضل عبد الكافي، ان مقاطعة الاستفتاء ليس لها أي معنى، داعيا الاحزاب السياسية إلى المشاركة والتصويت بـ “لا” من أجل إسقاط مشروع الدستور الجديد.  واضاف عبد الكافي، أمس الاثنين، ان عدم الموافقة على الدستور الجديد، لا تعني عودة منظومة 24 يوليو وراشد الغنوشي والبرلمان المنحل، معتبرا ان من يروج لهذا السيناريو هدفه تضليل التونسيين، داعيا رئيس الدولة، في حال سقوط الدستور الجديد، الى الاستقالة وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة.   هذا وينظم الحزب الدستوري الحرّ يوم الخميس القادم، وقفة احتجاجية أمام مقر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
 وتأتي هذه الوقفة للمطالبة برفض عرض “مشروع قيس سعيد “ على الاستفتاء لعدم “شرعيته” و”خطورته” على مدنية الدولة والحقوق والحريات وفق بلاغ أصدره الحزب.