حرب قانونية شاملة في الأفق

دفع الصين فاتورة الوباء ؟ طريق مسدودة...!

دفع الصين فاتورة الوباء ؟ طريق مسدودة...!

-- لا توجد محكمة دولية مختصة ليتسنى لدولة ما رفع دعوى قضائية ضد الصين
-- البدء في محاكمة الدول التي تنطلق منها الأوبئة يعتبر خطأ
-- الجدل حول مسؤولية بكين أكثر حرارة في الولايات المتحدة، البلد الأكثر تضررا من الوباء
-- إذا كان هناك إهمال من جانب الصين، يمكن قول نفس الشيء عمليا لجميع حكومات العالم



   الأمر يُغري... في مواجهة الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة الناجمة عن جائحة كوفيد-19، الذي انتشر من الصين، تتصاعد الدعوات للمطالبة بمساءلة بكين. وكانت الحلقة الأخيرة، إعلان المدعي العام لولاية ميسوري، وسط الولايات المتحدة، رفع دعوى قضائية ضد الصين. ويزعم المدعي العام، وهو من الحزب الجمهوري، حزب الرئيس دونالد ترامب، أنه يتصرف نيابة عن سكان ميسوري، الذين عانوا من “خسائر فادحة في الأرواح ومعاناة بشرية وكارثة اقتصادية”. وقد وثقت الولاية أكثر من 6 آلاف حالة إصابة بـ كوفيد-19، وأكثر من 200 حالة وفاة.
   «خلال الأسابيع الأولى من الوباء، خدعت السلطات الصينية الجمهور، وراقبت المعلومات الحاسمة، واعتقلت المبلّغين، ونفت انتقال العدوى بشريّا رغم وضوح الأدلة بشكل متزايد، ودمرت البحوث الطبية، وعرّضت ملايين الأشخاص للخطر، بل واخفت مخزون المعدات الواقية، مما تسبب في حدوث جائحة عالمية كان من الممكن تجنبها”، مما يسمح بقراءة هذه الشكوى، على أنها الأولى لهيئة عامة. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن الدعوى “سخيفة”، مشيرا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها الصين “تتجاوز اختصاص المحاكم الأمريكية».

«لا محكمة مختصة»
   «لا توجد محكمة دولية مختصة حتى يتسنى لدولة ما رفع دعوى قضائية ضد الصين”، يرى مارسيلو كوهين، أستاذ القانون الدولي في المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية. والهيئة المسؤولة عن تسوية النزاعات بين الدول، اي محكمة العدل الدولية، مطالبة بالحصول على موافقة الدول للحسم في أي نزاع قائم بينها. إلا أنه لا الصين ولا الولايات المتحدة تعترفان باختصاص المحكمة. أما المحكمة الجنائية الدولية فلا تلاحق إلا الأفراد. واتهام الرئيس الصيني شي جين بينغ بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؟ مرة أخرى، لم تصادق واشنطن وبكين على قانون روما، مما يلغي أي اختصاص قضائي لهذه المحكمة.
   طريق آخر ممكن، هو الإجراءات الجماعية المدنية التي يطلقها المحامون الأمريكيون، وتضاعفت ما وراء الأطلسي، وتم تقديم العديد منها في محاكم فلوريدا أو نيفادا أو كاليفورنيا. كما هاجم بعض المدعين في نيويورك منظمة الصحة العالمية، ومقرها جنيف، المتهمة بالتقليل من خطورة الوباء للتغطية على الصين.
   «ليس لشكاوى الأفراد أمام المحاكم المحلية أي فرصة للنجاح، لأن الصين يمكنها التذرّع بحصانتها من الولاية القضائية، وحتى أنفي صورة إدانة القاضي للصين، فلا يمكن تنفيذ قراره”، يحسم مارسيلو كوهين.

مناقشة سياسية جدا
  إن الجدل حول مسؤولية بكين هو أكثر حرارة في الولايات المتحدة، البلد الأكثر تضررا من الوباء. ففي البيت الأبيض، يتحدث الرئيس دونالد ترامب بانتظام عن “فيروس صيني”. كما صعدت أستراليا، وهي حليف للولايات المتحدة، إلى المقدمة، داعية إلى “تحقيق دولي مستقل” في نشأة الوباء. تحقيق لا ينبغي أن يعهد به إلى منظمة الصحة العالمية، لأن ذلك يصبح “شبيها بأن تكون صيادا وحارس الطرائد في نفس الوقت”، على حد تعبير وزيرة الخارجية الأسترالية، ماريز باين. وبتوازن وحكمة أكبر، طلبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من بكين المزيد من الشفافية، مع الحرص على عدم ذكر تعويضات.
   وقد تم طرح أرقام فلكية. في مطلع أبريل، حدّدت جمعية هنري جاكسون، وهي مؤسسة فكرية بريطانية محافظة، مبلغ 3 الاف مليار دولار، وهو مقدار المساعدة التي قدمتها حكومات دول مجموعة السبع وحدها للخروج من الأزمة.
   «نريد أن يحصل العالم الحر على تعويض عن الأضرار المروعة التي ألحقها الحزب الشيوعي الصيني لأنه لم يتعلم شيئًا من إخفاقاته خلال وباء السارس في 2002 و2003”، كتب ماثيو هندرسون.     ويقترح مركز الأبحاث عشرة طرق قانونية، داخل منظمة الصحة العالمية، أو من خلال المحاكم العاملة في هونغ كونغ، حيث نظام العدالة أكثر استقلالية، لكنه يدرك أن ذلك سيكون في غاية الصعوبة.

التّحرّك جماعيّا
   والأهم من ذلك، يشير مارسيلو كوهين، إلى أنه “إذا كان هناك إهمال من جانب الصين، يمكن أن نقول نفس الشيء عمليا لجميع حكومات العالم”، ويخشى أستاذ القانون من “حرب قانونية شاملة” لجعل دول أخرى تدفع تكلفة الأزمة.
    ومن وجهة نظره، لا توجد سوابق لتعويضات فرضت على دول انتشرت منها الفيروسات. “إن البدء في محاكمة الدول التي تنطلق منها الأوبئة يعتبر خطأ، وبدلاً من البحث عن كبش فداء، سيكون من الأفضل التصرف بشكل جماعي للتعاطي مع هذا النوع من الحالات التي تؤثر على البشرية جمعاء. ويخلص مارسيلو كوهين إلى أننا بحاجة إلى تعزيز صلاحيات منظمة الصحة العالمية بدلاً من السعي إلى تدميرها.