روسيا وأوكرانيا...حرب مدافع وإنترنت وتاريخ

روسيا وأوكرانيا...حرب مدافع وإنترنت وتاريخ


لم تتوقف الحرب الروسية الأوكرانية، على الغارات والقصف المتبادل، بل تعدتها إلى مجالات كثيرة أخرى، من أبرزها العقوبات الخانقة التي فرضتها الدول الغربية، على روسيا، ولكنها امتدت أيضاً لتشمل جبهات أخرى غير تقليدية، أبرزها الحرب الإعلامية خاصةً على مواقع التواصل والإنترنت، إلى جانب التاريخ والجغرافيا والمفاهيم.
ووفق صحف عربية أمس الخميس، تمخضت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، عن وجوه جديدة غير مسبوقة في الحرب الشرسة الدائرة على الأرض، والتي لا يُمكن الحسم في مسارها وشكلها بسبب الشكوك في وقائعها، بعد اشتعال البروباغندا والدعاية بين البلدين.

سقوط أقنعة
ولكن هذه الحرب كشفت أيضاً وصدمت بشكل خاص، بمسار تغطيتها، من الإعلام الغربي بشكل رئيسي، بعد سقوط محاذير كثيرة فيها، وتراجع الحياد، والمهنية الإعلامية، لصالح اعتبارات قومية وحضارية وثقافية، فضلاً عن السياسية، بشكل غير مسبوق.
وفي هذا السياق قالت نجاة السعيد في موقع الحرة، إن “أقنعة العاملين في وسائل الإعلام الرئيسية قد سقطت».
وأضافت “لم تمر تعليقات الإعلاميين الغربيين في القنوات المختلفة، مثل CBS، وNBC الأمريكية وBBC البريطانية، وأيضاً قناة الجزيرة الإنجليزية، أثناء تغطيتها الحرب في أوكرانيا مرور الكرام عند الإعلام العربي، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، فقد وصفت تلك التعليقات بالعنصرية وافتقادها الإنسانية».
وقالت: “لا نعلم ما هي المشاعر التي يتفهمها ويحترمها المذيع بالضبط، فهل هي “العنصرية” أو “استعلاء البيض”؟ فعندما ذكرت مراسلة NBC أن “هؤلاء مسيحيون وبيض مشابهون جداً” وعلق مراسل CBS «هذا ليس مكاناً مثل العراق وأفغانستان إنها مدينة متحضرة أوروبية” ألا يعتبر ذلك رهاباً من الأجانب، و عنصرية، واستعلاء البيض التي اتهمت بها هذه القنوات ترامب؟»
وأضافت، أن “الذي يثير التعجب أنه حتى قناة الجزيرة الإنجليزية، المحسوبة على أنها قناة عربية باللغة الإنجليزية أيضاً، تحابت مع نفس الخطاب الإعلامي الغربي العنصري، فذكر مراسل الجزيرة، أن “ما يثير القهر أن هؤلاء ليسوا أشخاصاً يهربون من الشرق الأوسط أو أفريقيا، إنهم مثلنا، مثل أي عائلة أوروبية».

ناعمة وخشنة
من جهتها قالت صحيفة الشرق الأوسط، إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لم تقتصر على الجبهات العسكرية، إذ ترافقت مع اندلاع «مواجهة من نوع آخر في المجال الإعلامي بين الغرب وروسيا، حيث بدا أن الغرب حقق فيها تقدماً كبيراً، باستخدام مزيج من الأدوات الناعمة والخشنة التي أثبتت نجاعة».
ونقلت الصحيفة عن أستاذ الإعلام في جامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم، أن “وسائل الإعلام الروسية الرسمية لم تفلح في فرض حضورها وسطوة صورتها وروايتها، لأسباب بينها بنيتها القائمة على الدعائية المفرطة لصالح السلطات التي تتولى تمويلها، وبالتالي باتت مسألة تصديق روايتها غربياً صعبة المنال، حتى لو كانت تعمل بدقة ومهني». وأوضحت الصحيفة، أن الغرب اعتمد “في مواجهاته الإعلامية للجانب الروسي سردية إخبارية وتحليلية، بدت وفق مراقبين مهيمنة على المجال الإعلامي الدولي، في ظل خفوت صوت الرواية الروسية. ومن جانب آخر، اتخذت بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى قرارات لتقييد وتحجيم المنابر الإعلامية الروسية بشكل أمعن في إضعاف الصوت الروسي».

 من أوكرانيا إلى
 القادسية الثانية
وفي موقع «ميدل ايست أونلاين»، وفي سياق مغاير اعتبر رشيد الخيون، أن الحرب الروسية الأوكرانية، وظفت أيضاً، إلى جانب الأسلحة التقليدية، وسلاحي الإعلام والدعاية، التاريخ والثقافة، جبهةً لا تقل أهمية وضراوة عن الطائرات والمدافع.
وأوضح الخيون، أنه “ليس التاريخ فقط يُستحضر عند الخلافات السياسية الحادة، إنما الدين أيضاً، فالخلاف الروسي الأوكراني، سبقه انشقاق في الكنيسة الأرثوذكسية، التي كانت واحدة قبل ثلاثمائة عام وثلاثة عقود، وقد تم أيضاً على أساس تاريخي، مع أنَ المذهب واحد».

واعتبر الخيون أن “استدعاء أو استحضار التاريخ في الحروب حالة تكاد تكون عامة، ومِن غير تقديم المبرر لشن الحرب، في الدِفاع أو الهجوم، يُشجع الجيش والمتطوعين على القتال والتفاني فيه، مِن أجل حقّ تاريخي أو هدف “سامي”، والقتال بلا هدف ولا عقيدة لا معنى له، فالأوامر العسكريَة ليست كافية في القتال والإصرار على النصر».

ويُضيف الكاتب، أن الأمر ليس حكراً على روسيا، وأوكرانيا، ولا على أوروبا وحدها، وشهدت منطقتنا العربية في السنوات الماضية، مثل هذا التوظيف، كما “ في الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988” مثلاً عندما، استُحضر تاريخ فتح العراق وبلاد فارس، وسُميت مِن قبل الجانب العِراقي بالقادسية الثَانية(...) لهذا الاستحضار التاريخي معنى إعادة الفتح” معتبراً أنه “عند الخلاف مع إيران الشاهنشاهية سُمي لواء الديوانية بمحافظة القادسية..
 حيث معارك الفتح دارت هناك، وسميت الناصرية بذي قار، استحضاراً لمعركة ذي قار، مع الفرس قبل الإسلام. أما الجانب الإيراني فاعتبر في إعلامه الحربي النظام العراقي، كافراً، والحرب ضده إعادة الإسلام والإيمان، وتحرير الشعب العراقي المسلم، بدأ هذا الخطاب التكفيري قبل الحرب بشهور».