سترتفور: الانسحاب الأمريكي يُهيئ لحرب أهلية في أفغانستان
حذّر معهد “ستراتفور” للدراسات الإستراتيجية والأمنية من أن الانسحاب السريع للقوات الأجنبية من أفغانستان، بموازاة المكاسب الإقليمية التي حقّقتها “طالبان” مؤخراً، سيؤدي إلى اندلاع صراع على السلطة بين الميليشيا الإسلامية والحكومة الأفغانية من المرجّح أن يتسبّب بنشوب حرب أهلية، وبالتالي تدهور البيئة الأمنية في المنطقة.
وأوضح المعهد أن الموعد النهائي الذي أعلنه الرئيس جو بايدن لسحب القوات الأمريكية في 11 سبتمبر (أيلول) أصبح مجرد “جدول زمني رمزي”. فعلى الأرض، غادر أكثر من نصف القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي أفغانستان. وتشير التقارير إلى أن القوات المتبقية ستُغادر البلاد في أقرب وقت، في غضون الأسبوع الأول من يوليو (تموز).
أوراق مساومة استراتيجية
وفي الثاني من يوليو، أنهت القوات الأمريكية انسحابها من قاعدة باغرام العسكرية الرئيسة في أفغانستان. واستغلّت “طالبان” هذه الفرصة الإستراتيجية، بعدما أصبحت القوات الأفغانية هي المسؤولة الوحيدة عن أمن البلاد، لشن حملة هجومية للاستيلاء على الأراضي والسيطرة عليها. منذ ذلك الحين، سيطرت “طالبان” في غضون شهرين على 157 منطقة من المناطق ال407 لأفغانستان.
وبغضّ النظر عن توسيع النفوذ على الأرض لتعزيز مصالح الحركة، فإن المكاسب الإقليمية تمنح “طالبان” أوراق مساومة استراتيجية لاكتساب المزيد من النفوذ في المفاوضات المستقبلية مع الحكومة الأفغانية.
خسائر وإخفاقات
ويرصد تحليل “ستراتفور” الخسارة التي تتكبدها قوات الأمن الأفغانية على الأرض نتيجة إخفاقات القيادة اللوجستية والسياسية. إذ تعتمد قوات الأمن الأفغانية على المتعاقدين الذين تموّلهم الولايات المتحدة لإصلاح أسطولها من الطائرات، والعربات المدرعة، وغيرها من المعدات، وصيانتها. وبما أن هؤلاء المتعاقدين سيغادرون قريباً كجزء من الانسحاب الأمريكي، فهذا يجعل القوات الأفغانية عاجزة عن الاحتفاظ بعشرات الطائرات المقاتلة، وطائرات الشحن، والمروحيات، والطائرات دون طيار أمريكية الصنع لأكثر من بضعة أشهر أخرى.
ويمكن أن يؤدي هذا التطوُّر إلى شلّ حركة القوات الجوية الأفغانية، التي تعد رأس حربة كابول ضد “طالبان”. يُضاف إلى ذلك النقص في التنسيق الميداني بسبب القيادة السياسية غير الفعالة في كابول.
تحتَ وطأة ضعف المعنويات بسبب الموارد المحدودة، وانسحاب القوات الأمريكية، وتدني الرواتب، وانتشار الفساد الحكومي، سلَّم الجنود الأفغان مراكز المقاطعات، وتركوا القواعد العسكرية، واستسلموا لـ “طالبان”. كما أدت الهجمات على المقاطعات الشمالية إلى إنهاك القوات الأفغانية المحدودة في مناطق واسعة، ما زاد من إضعافها.
زعزعة استقرار البلاد
ويرجح “ستراتفور” أن يؤدي تدهور الوضع الأمني في أفغانستان إلى اندلاع حرب أهلية فوضوية في أقل من ستة أشهر بعد انسحاب القوات الأجنبية. ولكي تتغلّب الحكومة الأفغانية على عجزها عن تنسيق رد عسكري فعال تقوده كابول، أطلقت مؤخراً حملة “تعبئة وطنية” لتسليح المدنيين، والميليشيات المحلية، لمواجهة تقدُّم “طالبان”. لكن نتيجة لهجمات “طالبان” المنظّمة، ستظلّ الحركة قادرة على هزيمة الميليشيات المحلية بسهولة؛ بسبب افتقارها النسبي إلى التدريب والمعدات العسكرية.
ونظراً لأن الميليشيات الأفغانية لها تاريخ طويل من تغيير الولاءات، وخوض الصراعات على السلطة، والغرق في النزاعات الإقليمية، لا شيء يضمن ألاتستخدم الجماعات المسلحة المحلية الأسلحة الجديدة للقتال ضد بعضها، بدلاً من محاربة “طالبان”، ما يؤدي إلى زيادة العنف والاضطرابات بين
الطوائف الأفغانية.
وعلى الرغم من أن هذه التنظيمات المسلحة ترتبط نظرياً بالحكومة الأفغانية، لكن تنظيمها يجعلها قادرة على زيادة تقسيم الدولة التي مزّقتها الحرب على أسس عرقية، وبالتبعية تعزيز حركة “طالبان” تلقائياً؛ ما يؤدي إلى تعدّد الجبهات وإشعال حرب متعدّدة الأطراف بين “طالبان”، والحكومة الأفغانية، والميليشيات المحلية.
تآكل سلطة كابول
ويشير التحليل إلى أن أمراء الحرب الذين يقودون الميليشيات قدّموا الحماية للأقليات العرقية التي غالباً ما تستهدفها “طالبان”. لكن في حين أن هذه التشكيلات الميليشيوية ساعدت القوات الحكومية مؤقتاً في قتالها ضد “طالبان” في العديد من المناطق الشمالية، فإنها عززت أيضاً إقطاعيات أمراء الحرب؛ ما أدى إلى تآكل سلطة الحكومة في كابول، وهو تأثير يمكن أن يدوم لفترة أطول من الصراع الحالي.
إحياء الإرهاب
ورجّح المعهد أن يؤدي الفراغ الأمني وازدياد قوة “طالبان” إلى إحياء معسكرات التدريب للجماعات الإرهابية المختلفة في المناطق النائية بأفغانستان؛ ما يعرض أمن المنطقة بأكملها للخطر.
كما يُمكن للمنظمات الإرهابية الدولية، والإقليمية، التعبئة والعمل انطلاقاً من المنطقة لتهديد أمن جنوب ووسط آسيا. وسيؤدي ترسيخ أقدام تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في أفغانستان إلى تمكينها من التخطيط لعمليات ضد الغرب أيضاً.
ولم يستبعد المعهد عودة ظهور “داعش” في أفغانستان، بعدما أثبت قدرته على الصمود، ورسخ أقدامه وسيطرته نسبياً في الأجزاء الجنوبية من البلاد.
وخلص إلى ارتفاع خطورة التهديد الإرهابي المُحدق بالغرب، بالنظر إلى أن تنظيمي “القاعدة” و”داعش” لديهما نية إستراتيجية لضرب أهداف في الخارج، انطلاقاً من الملاذ الأفغاني الآمن.