رئاسية 2022 في فرنسا
ستشهد الانتخابات ظهور احتكار القلة اليميني...!
-- قد يشق كزافييه برتران طريقا إلى الجولة الثانية بجذب أصوات يمين الوسط، وأصوات اليمين الشعبي
-- رغم استمرارها، الفجوة بين اليسار واليمين تتقلص
-- تدور معركة الإليزيه الآن بين ثلاثة أحزاب يمينية، ونتائجها غير مؤكدة
-- اليساريون الثلاثة في طريقهم للإقصاء ليس فقط من الجولة الثانية، ولكن أيضًا من معظم الجدل السياسي لسنوات قادمة
-- أفاد استطلاع بأن 13 بالمائة فقط من المستجوبين يضعون أنفسهم «على اليسار»، و39 بالمائة يصطفون على «اليمين»
قبل عشر سنوات، كان بالإمكان طرح الفرضية الجادة المتمثلة في إنشاء احتكار القلة اليميني في فرنسا، بما يتماشى مع الاتجاه القوي الذي لوحظ في القارة. ونعني باحتكار القلة، تحول الخيال الجمعي إلى اليمين، والاستيلاء عليه من قبل قوى سياسية منافسة.
هذا الاحتكار سياسي وعدواني. عدواني بين الشركاء الثلاثة، وعدواني تجاه منافسيه الهامشيين من اليسار. تستعد ثلاثة تيارات يمينية لتتنافس من أجل الفوز في مايو 2022، كما أكد استطلاع ايفوب الأخير لمجلة جورنال دو ديمانش.
وإذا تحول النقاش والناخبون إلى اليمين، فسيكون البلد تحت رحمة “حادث انتخابي”، على حد تعبير دومينيك رينيه.
في الوقت الحالي، بعد أن شهدنا على مر العقود، جزءً متزايدًا من النقاش يستحوذ عليه اليمين، فإن أكثر من ثلثي الناخبين يرغبون في انتخاب أحد المرشحين اليمينيين الثلاثة، منهم الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون وحزبه الجمهورية إلى الأمام.
المرشحون اليساريون
مجرّد بقايا
تشظي اليسار، لم يفرمله كنسه المتوقع من الجولة الأولى. وقد بلغت نسبة نوايا التصويت لمرشحيه 28 بالمائة، و30 بالمائة في أفضل الحالات. هناك تصدع بين ناخبي الحزب الاشتراكي، وأوروبا البيئة -الخضر، وفرنسا المتمردة (أوروبا، الاقتصاد، الدولي، إلخ) التي تمنع اتحادهم. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام أي جدل الآن لإحداث شرخ داخل اليسار، لكسب الوقت في الروزنامة، مع -يجب أن يقال -موافقة المسؤولين اليساريين الذين هم دائمًا أكثر استعدادًا لاحتضان المزيد من المناقشات العبثية والغامضة.
تمر الاشتراكية-الديمقراطية، التي يجسدها الحزب الاشتراكي في فرنسا، بانحدار تاريخي ملحوظ في معظم البلدان الأوروبية وتستمر في دفع ثمن اندفاعها لسياسات التقشف في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على غرار إرث رئاسة هولاند، التي رفضها ناخبوها السابقون. ولا يزال اليسار الراديكالي، الذي أكد نفسه كعنصر فاعل في الحياة السياسية، يعاني من نقص نسبي في مصداقية قدرته على الحكم، وبشكل خاص، منذ أن فشلت تجربة تسيبراس في اليونان بينما يجد بوديموس الاسباني صعوبة لتكرار نتائجه لسنوات 2015 -2016. ورغم أنه دون شك الأسرة السياسية التي تغيرت أكثر من غيرها، إلا أن هناك شيئًا منقوصا في وضعه الحالي، وتحديث غير مكتمل، وطريقة ما لقيادة معركته، الأمر الذي يثير القلق.
إن دعاة حماية البيئة مدفوعون بطموح ملموس على نطاق قاري، لكنهم يعانون أيضًا من افتقارهم لطريقة لتأكيد اختياراتهم مما يثير الارتباك، على غرار التصريحات التي لا تعد ولا تحصى لرؤساء البلديات المنتخبين في يونيو الماضي. ان فرضية مشاركة الخضر في حكومة في ألمانيا، أو حتى الوصول إلى المستشارية بعد انتخابات سبتمبر، لن تشجع أوروبا البيئة –الخضر أو مرشحها المحتمل يانيك جادو على التنحي بل العكس، وعلى حساب التبصر. في الوقت الحالي، اللعب مغلق على اليسار، والفخ الانتخابي يغلق على العائلات الثلاث التي يتكون منها. ويتمثل الخطر الرئيسي لمرشحيه في الظهور كبقايا ومخلفات، وان يهمّشوا أنفسهم أكثر فأكثر على مدار الأشهر. ولئن استمرت الفجوة بين اليسار واليمين، الا انها تضعف.
ويبقى الانتماء إلى اليسار، الذي يحمل رد الفعل السياسي لـ “الجبهة الموحدة”، أو الانتخابي “الانسحاب الجمهوري” حيّا. إن انفجار نسبة الامتناع عن التصويت، والنسبة العالية للأصوات البيضاء واللاغية، هي أيضًا معطيات مهمة للانتخابات المقبلة، إذا تم تأكيد الاتجاه الملحوظ منذ بداية فترة الخمس سنوات.
تكمن مشكلة اليسار بمختلف تياراته في أنه لا يرى في الانعطاف يمينا (إن كان يراه) الا تجسيدًا لأفكار مذنبة، في حين أنه تعبير ماهر إلى حد ما عن عناصر تعطي إجابة لرهانات الزمن الحاضر وتحدياته. ومن هذا الخطأ، ينبع شغف متحمس للإدانة، ولوائح الاتهام، مما تسبب في ضجر محتمل حتى في صفوفه، وطبعا، في جمهور ناخبيه.
ثلاثة مرشحين وكرسي واحد ومكاسب الاتجاه يمينا
اليوم، يمكن لثلاثة مرشحين الطموح لنيل المنصب الأعلى. أولاً، طبعا، الرئيس ماكرون، رئيس الدولة منذ مايو 2017. ثم مارين لوبان، المرشحة للمرة الثالثة ولكن متحررة من شيء واحد مهم هنا: المشاركة في السلطة. وأخيرًا، كزافييه برتران، نائب سابق عن حزب التجمع من اجل الجمهورية، ووزير عن الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، وتم انتخابه عن منطقة أوت دو فرانس الجديدة. إدوارد فيليب، ملجأ محتمل في حال تخلي الرئيس المنتهية ولايته، وفاليري بيكريس، البديل المحتمل الذي ينافس كزافييه برتران، لن يغيرا بشكل جذري الوضع بالنسبة لاحتكار القلة اليميني.
تعود جذور الوضع الأيديولوجي للبلاد إلى زمن بعيد. وأولئك الذين يعتقدون أنه ولد مع سي نيوز أو إريك زمور، يضعون غمّامات أو يعانون من ضعف في الذاكرة، إن لم يكن معرفيًا، مما يثير القلق. لقد عمل الجناح اليميني في موجات متتالية، من خلال عملية امتدت لأربعة عقود، والتي لم تُفرض من الأعلى ولكنها كانت نتيجة جدلية خفية، بين العرض من أعلى والطلب من الأسفل. ومن خلال التعبير عن العناصر المختلفة، وإعادة ترتيب العناصر الأخرى فيما بينها، تم الرد على الأزمات المتتالية من خلال جماعات يمينية متعارضة، متباينة، ولكنها تشترك في تهميش اليسار في مختلف القطاعات الاجتماعية.
في هذه المعركة على اليمين، يمكن للكفاءة والقدرة التي يشعر بها هذا أو ذاك على الحكم، في السباق الانتخابي على اليمين، أن تقضي على شعار قديم للوبان الاب الذي يقول “يفضل الناخب الأصل على النسخة”. في المقابل، قد يجد الغضب الكامن في المجتمع إجابة في “التحالف لدقيقة واحدة” مع المرشحة الوحيدة الذي لم تحكم قط. في هذا الوقت، يمكن الظن أن رئيس الجمهورية لم يفقد مركزيته. من خلال وظيفته، في المقام الأول، هو قادر على التدخل في الروزنامة واجندة البلد ككل، ولكن أيضًا، في اجندة الانتخابات الرئاسية. ستحدد سرعة إنهاء أزمة كوفيد قوة قاعدته الانتخابية، ومع ذلك، فإن قاعدته الانتخابية منفصلة اجتماعيًا عن قاعدة مارين لوبان الى درجة أنه قد يكون في خطر في الجولة الثانية.
تعاني مارين لوبان من عبء لم يعد أيديولوجيًا، بل يتعلق بقدرتها على الحكم لأنها تعاني من تحيز عائلي. كانت لوبان بحاجة إلى الشجاعة الذكية لعدم الذهاب إلى المناظرة بين الجولتين عام 2017، حيث يمكن أن تشوّش الصور التي سيتم بثها بشكل متكرر على حملتها في الجولة الثانية. نعلم أنه عام 1988، حث شارل باسكوا جاك شيراك على عدم النقاش مع فرانسوا ميتران. اتبع المرشح شيراك النصيحة المعاكسة لإدوار بالادور، ولم يكن انتظار النتيجة طويلا.
يسعى كزافييه برتران إلى تجسيد العديد من الشخصيات المحبوبة على اليمين: الممثل الكبير المنتخب لمنطقة شعبية تعاني من صعوبات متعددة، صورة النائب الناشط التي ظلت عالقة معه منذ سنواته الاولى في التجمع من أجل الجمهورية، صورة “السيادي” التي تذكر أنه صوّت بـ “لا” على ماستريخت عام 1992. للوزير السابق عند نيكولا ساركوزي، المعادي (على الأقل ظاهريا) لخط فوكييز، اسبقية مولودة من الكماشة الانتخابية التي يبدو أنه عالق فيها: احتمال عض منافسيه إذا لم يلتهماه. يمكنه أن يشق طريقا إلى الجولة الثانية من خلال جذب أصوات يمين الوسط من إيمانويل ماكرون، وأصوات اليمين الشعبي والبونابارتي من مارين لوبان.
المجهول في خلوة الاقتراع
هل نعرف حقًا الناخب الذي سيدخل غرفة الاقتراع العام المقبل؟ ان تدهور الوضع الاقتصادي، وأزمات “السترات الصفراء”، وكوفيد، والاضطراب الأيديولوجي للبلاد، يجعل هذا الناخب غير قابل للتنبؤ الى درجة أن أدوات استطلاعات الرأي يمكن أن تتعرض لبعض الضرر. هذا الناخب الذي يدخل إلى خلوة الاقتراع سيكون لديه خيال يميني، وسيتوقف نموذجه المثالي على الامتناع النسبي للمجموعات الاجتماعية والأيديولوجية المختلفة التي تشكل الجسم الانتخابي، ومع ذلك، فإن بعض الحقائق أصبحت أكثر وضوحًا.
على مدى ثلاث سنوات، استمر التموقع الذاتي للفرنسيين على اليسار في التدهور. في يوليو 2020، نشرت ايفوب استطلاعًا أفاد بأن 13 بالمائة فقط من المستجوبين وضعوا أنفسهم “على اليسار”، وهي النسبة التي تنخفض مقارنةً بالمسحين السابقين. من ناحية أخرى، تموقع 39 بالمائة على “اليمين”، وهي زيادة ملحوظة. منذ عام 2017، ارتفع رقم الذين يرفضون أن يكونوا على خط الانقسام بين اليسار واليمين من 11 بالمائة إلى 16 بالمائة.
إن وجود فرنسا على اليمين، ويسار أكثر انقسامًا، يحل جزئيًا معادلة مستقبل اليسار في فرنسا، دون تحديد نتيجة المنافسة على اليمين بشكل واضح. قبل عام واحد من الانتخابات، تم إعطاء دليل على إمكانية التصويت لمارين لوبان من خلال النتيجة التي ستحصل عليها ضد آن هيدالغو: 51 بالمائة وفقًا لـ ايفوب في مارس، و50 بالمائة وفقًا لـ ايفوب المنشور في 11 أبريل في لو جورنال دي ديمانش. والأسوأ من ذلك، أن يانيك جادو سيحصل على 47 بالمائة فقط، وجان لوك ميلينشون على 40 بالمائة ضدها... ولا شك أن المعلومة دقت ناقوس الإنذار.
لقد تسببت أزمة كوفيد في ضرر نسبي للسلطة التنفيذية في مسائل الرأي العام. والأكثر صعوبة، من ناحية أخرى، هي عواقب التدابير المقيدة للحريات على البلاد، ولا سيما العواقب على الجسم الاجتماعي من الحجر الصحي المطول والمتكرر. ويمكن للصعوبات المادية أن تجعل الكل يشعر أكثر فأكثر مع مرور الأشهر.
السياسة ليست مجرد مواجهة حزبية أو منافسة بين المرشحين، إنها أيضًا استثمار في الشبكات الاجتماعية ونعلم، على سبيل المثال، أن ضعف النسيج النقابي يؤدي إلى قوة نسبية في تصويت التجمع الوطني / الجبهة الوطنية. وتتم مناقشة هذا أيضًا في الحياة اليومية: داخل الشركة، في الحياة الجمعياتية، في البلدية، ان الرأي والأيديولوجيا يتشكلان في هذا المجتمع المدني. وكل هذا لا يزال معلقا، وسيجد صعوبة وسيجد صعوبة في العودة إلى المسار الصحيح في غضون عام. وبين الانغماس في الصعوبات المادية، والقلق بشأن المستقبل، وانهيار الأماكن والأطر الاجتماعية، يمكن أن يحدث تقلب أكبر ويسبّب مفاجأة محتملة.
ان السياق الأيديولوجي منصهر، بقدر ما تصبح العمليات الانتخابية الوطنية قابلة للانفجار. هناك شيء واحد مؤكد: في الوقت الحالي، يسير اليسار في طريقه نحو التهميش الدائم في الحياة السياسية لفرنسا.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “إلى اللقاء غرامشي” (منشورات سارف 2015).
-- رغم استمرارها، الفجوة بين اليسار واليمين تتقلص
-- تدور معركة الإليزيه الآن بين ثلاثة أحزاب يمينية، ونتائجها غير مؤكدة
-- اليساريون الثلاثة في طريقهم للإقصاء ليس فقط من الجولة الثانية، ولكن أيضًا من معظم الجدل السياسي لسنوات قادمة
-- أفاد استطلاع بأن 13 بالمائة فقط من المستجوبين يضعون أنفسهم «على اليسار»، و39 بالمائة يصطفون على «اليمين»
قبل عشر سنوات، كان بالإمكان طرح الفرضية الجادة المتمثلة في إنشاء احتكار القلة اليميني في فرنسا، بما يتماشى مع الاتجاه القوي الذي لوحظ في القارة. ونعني باحتكار القلة، تحول الخيال الجمعي إلى اليمين، والاستيلاء عليه من قبل قوى سياسية منافسة.
هذا الاحتكار سياسي وعدواني. عدواني بين الشركاء الثلاثة، وعدواني تجاه منافسيه الهامشيين من اليسار. تستعد ثلاثة تيارات يمينية لتتنافس من أجل الفوز في مايو 2022، كما أكد استطلاع ايفوب الأخير لمجلة جورنال دو ديمانش.
وإذا تحول النقاش والناخبون إلى اليمين، فسيكون البلد تحت رحمة “حادث انتخابي”، على حد تعبير دومينيك رينيه.
في الوقت الحالي، بعد أن شهدنا على مر العقود، جزءً متزايدًا من النقاش يستحوذ عليه اليمين، فإن أكثر من ثلثي الناخبين يرغبون في انتخاب أحد المرشحين اليمينيين الثلاثة، منهم الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون وحزبه الجمهورية إلى الأمام.
المرشحون اليساريون
مجرّد بقايا
تشظي اليسار، لم يفرمله كنسه المتوقع من الجولة الأولى. وقد بلغت نسبة نوايا التصويت لمرشحيه 28 بالمائة، و30 بالمائة في أفضل الحالات. هناك تصدع بين ناخبي الحزب الاشتراكي، وأوروبا البيئة -الخضر، وفرنسا المتمردة (أوروبا، الاقتصاد، الدولي، إلخ) التي تمنع اتحادهم. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام أي جدل الآن لإحداث شرخ داخل اليسار، لكسب الوقت في الروزنامة، مع -يجب أن يقال -موافقة المسؤولين اليساريين الذين هم دائمًا أكثر استعدادًا لاحتضان المزيد من المناقشات العبثية والغامضة.
تمر الاشتراكية-الديمقراطية، التي يجسدها الحزب الاشتراكي في فرنسا، بانحدار تاريخي ملحوظ في معظم البلدان الأوروبية وتستمر في دفع ثمن اندفاعها لسياسات التقشف في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على غرار إرث رئاسة هولاند، التي رفضها ناخبوها السابقون. ولا يزال اليسار الراديكالي، الذي أكد نفسه كعنصر فاعل في الحياة السياسية، يعاني من نقص نسبي في مصداقية قدرته على الحكم، وبشكل خاص، منذ أن فشلت تجربة تسيبراس في اليونان بينما يجد بوديموس الاسباني صعوبة لتكرار نتائجه لسنوات 2015 -2016. ورغم أنه دون شك الأسرة السياسية التي تغيرت أكثر من غيرها، إلا أن هناك شيئًا منقوصا في وضعه الحالي، وتحديث غير مكتمل، وطريقة ما لقيادة معركته، الأمر الذي يثير القلق.
إن دعاة حماية البيئة مدفوعون بطموح ملموس على نطاق قاري، لكنهم يعانون أيضًا من افتقارهم لطريقة لتأكيد اختياراتهم مما يثير الارتباك، على غرار التصريحات التي لا تعد ولا تحصى لرؤساء البلديات المنتخبين في يونيو الماضي. ان فرضية مشاركة الخضر في حكومة في ألمانيا، أو حتى الوصول إلى المستشارية بعد انتخابات سبتمبر، لن تشجع أوروبا البيئة –الخضر أو مرشحها المحتمل يانيك جادو على التنحي بل العكس، وعلى حساب التبصر. في الوقت الحالي، اللعب مغلق على اليسار، والفخ الانتخابي يغلق على العائلات الثلاث التي يتكون منها. ويتمثل الخطر الرئيسي لمرشحيه في الظهور كبقايا ومخلفات، وان يهمّشوا أنفسهم أكثر فأكثر على مدار الأشهر. ولئن استمرت الفجوة بين اليسار واليمين، الا انها تضعف.
ويبقى الانتماء إلى اليسار، الذي يحمل رد الفعل السياسي لـ “الجبهة الموحدة”، أو الانتخابي “الانسحاب الجمهوري” حيّا. إن انفجار نسبة الامتناع عن التصويت، والنسبة العالية للأصوات البيضاء واللاغية، هي أيضًا معطيات مهمة للانتخابات المقبلة، إذا تم تأكيد الاتجاه الملحوظ منذ بداية فترة الخمس سنوات.
تكمن مشكلة اليسار بمختلف تياراته في أنه لا يرى في الانعطاف يمينا (إن كان يراه) الا تجسيدًا لأفكار مذنبة، في حين أنه تعبير ماهر إلى حد ما عن عناصر تعطي إجابة لرهانات الزمن الحاضر وتحدياته. ومن هذا الخطأ، ينبع شغف متحمس للإدانة، ولوائح الاتهام، مما تسبب في ضجر محتمل حتى في صفوفه، وطبعا، في جمهور ناخبيه.
ثلاثة مرشحين وكرسي واحد ومكاسب الاتجاه يمينا
اليوم، يمكن لثلاثة مرشحين الطموح لنيل المنصب الأعلى. أولاً، طبعا، الرئيس ماكرون، رئيس الدولة منذ مايو 2017. ثم مارين لوبان، المرشحة للمرة الثالثة ولكن متحررة من شيء واحد مهم هنا: المشاركة في السلطة. وأخيرًا، كزافييه برتران، نائب سابق عن حزب التجمع من اجل الجمهورية، ووزير عن الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، وتم انتخابه عن منطقة أوت دو فرانس الجديدة. إدوارد فيليب، ملجأ محتمل في حال تخلي الرئيس المنتهية ولايته، وفاليري بيكريس، البديل المحتمل الذي ينافس كزافييه برتران، لن يغيرا بشكل جذري الوضع بالنسبة لاحتكار القلة اليميني.
تعود جذور الوضع الأيديولوجي للبلاد إلى زمن بعيد. وأولئك الذين يعتقدون أنه ولد مع سي نيوز أو إريك زمور، يضعون غمّامات أو يعانون من ضعف في الذاكرة، إن لم يكن معرفيًا، مما يثير القلق. لقد عمل الجناح اليميني في موجات متتالية، من خلال عملية امتدت لأربعة عقود، والتي لم تُفرض من الأعلى ولكنها كانت نتيجة جدلية خفية، بين العرض من أعلى والطلب من الأسفل. ومن خلال التعبير عن العناصر المختلفة، وإعادة ترتيب العناصر الأخرى فيما بينها، تم الرد على الأزمات المتتالية من خلال جماعات يمينية متعارضة، متباينة، ولكنها تشترك في تهميش اليسار في مختلف القطاعات الاجتماعية.
في هذه المعركة على اليمين، يمكن للكفاءة والقدرة التي يشعر بها هذا أو ذاك على الحكم، في السباق الانتخابي على اليمين، أن تقضي على شعار قديم للوبان الاب الذي يقول “يفضل الناخب الأصل على النسخة”. في المقابل، قد يجد الغضب الكامن في المجتمع إجابة في “التحالف لدقيقة واحدة” مع المرشحة الوحيدة الذي لم تحكم قط. في هذا الوقت، يمكن الظن أن رئيس الجمهورية لم يفقد مركزيته. من خلال وظيفته، في المقام الأول، هو قادر على التدخل في الروزنامة واجندة البلد ككل، ولكن أيضًا، في اجندة الانتخابات الرئاسية. ستحدد سرعة إنهاء أزمة كوفيد قوة قاعدته الانتخابية، ومع ذلك، فإن قاعدته الانتخابية منفصلة اجتماعيًا عن قاعدة مارين لوبان الى درجة أنه قد يكون في خطر في الجولة الثانية.
تعاني مارين لوبان من عبء لم يعد أيديولوجيًا، بل يتعلق بقدرتها على الحكم لأنها تعاني من تحيز عائلي. كانت لوبان بحاجة إلى الشجاعة الذكية لعدم الذهاب إلى المناظرة بين الجولتين عام 2017، حيث يمكن أن تشوّش الصور التي سيتم بثها بشكل متكرر على حملتها في الجولة الثانية. نعلم أنه عام 1988، حث شارل باسكوا جاك شيراك على عدم النقاش مع فرانسوا ميتران. اتبع المرشح شيراك النصيحة المعاكسة لإدوار بالادور، ولم يكن انتظار النتيجة طويلا.
يسعى كزافييه برتران إلى تجسيد العديد من الشخصيات المحبوبة على اليمين: الممثل الكبير المنتخب لمنطقة شعبية تعاني من صعوبات متعددة، صورة النائب الناشط التي ظلت عالقة معه منذ سنواته الاولى في التجمع من أجل الجمهورية، صورة “السيادي” التي تذكر أنه صوّت بـ “لا” على ماستريخت عام 1992. للوزير السابق عند نيكولا ساركوزي، المعادي (على الأقل ظاهريا) لخط فوكييز، اسبقية مولودة من الكماشة الانتخابية التي يبدو أنه عالق فيها: احتمال عض منافسيه إذا لم يلتهماه. يمكنه أن يشق طريقا إلى الجولة الثانية من خلال جذب أصوات يمين الوسط من إيمانويل ماكرون، وأصوات اليمين الشعبي والبونابارتي من مارين لوبان.
المجهول في خلوة الاقتراع
هل نعرف حقًا الناخب الذي سيدخل غرفة الاقتراع العام المقبل؟ ان تدهور الوضع الاقتصادي، وأزمات “السترات الصفراء”، وكوفيد، والاضطراب الأيديولوجي للبلاد، يجعل هذا الناخب غير قابل للتنبؤ الى درجة أن أدوات استطلاعات الرأي يمكن أن تتعرض لبعض الضرر. هذا الناخب الذي يدخل إلى خلوة الاقتراع سيكون لديه خيال يميني، وسيتوقف نموذجه المثالي على الامتناع النسبي للمجموعات الاجتماعية والأيديولوجية المختلفة التي تشكل الجسم الانتخابي، ومع ذلك، فإن بعض الحقائق أصبحت أكثر وضوحًا.
على مدى ثلاث سنوات، استمر التموقع الذاتي للفرنسيين على اليسار في التدهور. في يوليو 2020، نشرت ايفوب استطلاعًا أفاد بأن 13 بالمائة فقط من المستجوبين وضعوا أنفسهم “على اليسار”، وهي النسبة التي تنخفض مقارنةً بالمسحين السابقين. من ناحية أخرى، تموقع 39 بالمائة على “اليمين”، وهي زيادة ملحوظة. منذ عام 2017، ارتفع رقم الذين يرفضون أن يكونوا على خط الانقسام بين اليسار واليمين من 11 بالمائة إلى 16 بالمائة.
إن وجود فرنسا على اليمين، ويسار أكثر انقسامًا، يحل جزئيًا معادلة مستقبل اليسار في فرنسا، دون تحديد نتيجة المنافسة على اليمين بشكل واضح. قبل عام واحد من الانتخابات، تم إعطاء دليل على إمكانية التصويت لمارين لوبان من خلال النتيجة التي ستحصل عليها ضد آن هيدالغو: 51 بالمائة وفقًا لـ ايفوب في مارس، و50 بالمائة وفقًا لـ ايفوب المنشور في 11 أبريل في لو جورنال دي ديمانش. والأسوأ من ذلك، أن يانيك جادو سيحصل على 47 بالمائة فقط، وجان لوك ميلينشون على 40 بالمائة ضدها... ولا شك أن المعلومة دقت ناقوس الإنذار.
لقد تسببت أزمة كوفيد في ضرر نسبي للسلطة التنفيذية في مسائل الرأي العام. والأكثر صعوبة، من ناحية أخرى، هي عواقب التدابير المقيدة للحريات على البلاد، ولا سيما العواقب على الجسم الاجتماعي من الحجر الصحي المطول والمتكرر. ويمكن للصعوبات المادية أن تجعل الكل يشعر أكثر فأكثر مع مرور الأشهر.
السياسة ليست مجرد مواجهة حزبية أو منافسة بين المرشحين، إنها أيضًا استثمار في الشبكات الاجتماعية ونعلم، على سبيل المثال، أن ضعف النسيج النقابي يؤدي إلى قوة نسبية في تصويت التجمع الوطني / الجبهة الوطنية. وتتم مناقشة هذا أيضًا في الحياة اليومية: داخل الشركة، في الحياة الجمعياتية، في البلدية، ان الرأي والأيديولوجيا يتشكلان في هذا المجتمع المدني. وكل هذا لا يزال معلقا، وسيجد صعوبة وسيجد صعوبة في العودة إلى المسار الصحيح في غضون عام. وبين الانغماس في الصعوبات المادية، والقلق بشأن المستقبل، وانهيار الأماكن والأطر الاجتماعية، يمكن أن يحدث تقلب أكبر ويسبّب مفاجأة محتملة.
ان السياق الأيديولوجي منصهر، بقدر ما تصبح العمليات الانتخابية الوطنية قابلة للانفجار. هناك شيء واحد مؤكد: في الوقت الحالي، يسير اليسار في طريقه نحو التهميش الدائم في الحياة السياسية لفرنسا.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “إلى اللقاء غرامشي” (منشورات سارف 2015).