الثروة نعم... النموذج والقدوة لا:
سعيد ومراقب مثل الملياردير في الصين...!
-- يسيطر 1 بالمائة من الأسر الصينية على ثلث ثروة البلاد، في حين يتقاسم أفقر 25 بالمائة سوى 1 بالمائة
-- ليست هذه هي المرة الأولى التي يشجع فيها حزب شيوعي حاكم المبادرة الخاصة ثم يوقفها
-- تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود 992 مليارديرًا في الصين، بزيادة 253 عن العام السابق
-- لئن شجعت بكين لفترة من الوقت ثراء السكان، فإنها تريد الآن إظهار أن أسس النظام لم تُنسى
«من الجيد أن نصبح أغنياء”، و”تحقيق الثراء أمر مجيد”... هكذا تحدث دنغ شياو بينغ بشكل ملحوظ عام 1992 خلال جولة في جنوب الصين، وتم نشر دعوته على نطاق واسع إعلاميا في البلاد. وكان “القائد القصير القائمة” إلى السلطة عام 1978، بعد عامين من وفاة ماو تسي تونغ، وأطلق على الفور عملية تحديث الاقتصاد الصيني. الا ان الحملة الصارمة ضد احتلال الطلاب لساحة تيان آن مين في بكين، عام 1989، أدت إلى عزل الصين بشكل كبير على المسرح الدولي. لقد أتاح تشجيع المبادرات الخاصة وثراء السكان، إمكانية طي صفحة المبادرات الماويّة المحفوفة بالمخاطر مثل “القفزة الكبرى إلى الأمام”، أو الثورة الثقافية، وبالتالي فتح آفاق جديدة. فهم الصينيون تماما الرسالة التي أطلقها دنغ شياو بينغ، وفي مارس 2021، بعد حوالي ثلاثين عامًا، تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود 992 مليارديرًا في الصين، بزيادة 253 عن العام السابق. ولم يوقف كوفيد-19، الذي اندلع في النصف الأول من عام 2020، هذا التقدم.
تتنوع المناطق التي يوجد فيها أكبر الثروات في الصين.
وتحدد مجلة فوربس الأمريكية، تصنيفًا عالميًا كل عام: حاليًا، يتصدر الأمريكي جيف بيزوس، الرئيس المدير العام لشركة أمازون، بثروة تقدر بـ 177 مليار دولار، يليه الجنوب أفريقي الذي تحول إلى أمريكي، إيلون ماسك (151 مليارًا دولار)، رئيس تسلا، وفي المركز الثالث، الفرنسي برنارد أرنو، الرئيس المدير العام لشركة بيع المواد الفاخرة (150 مليار دولار). والثروة الثالثة عشرة في العالم، والتي تقدر بنحو 68 مليار دولار، يملكها صيني: تشونغ شانشان. كان في الأصل، بنّاءً ثم صحفيًا قبل الشروع في تعبئة مياه الينابيع تحت العلامة التجارية نونغفو سبرينغ، التي صنعت ثروته.
ثم، في مجال البرمجيات، نجد تشانغ يى مينغ، الذي تبلغ قيمة شركته بايت دانس التي تتخذ من بكين مقراً لها 75 مليار دولار، وأنشأت تطبيق تيك توك للفيديو القصير على الهاتف المحمول الذي يحظى بشعبية كبيرة في الصين ولكن أيضًا في الولايات المتحدة الى درجة أن دونالد ترامب حاول حتى منعه. بعيدا في الترتيب نجد هو يا شيانغ جيان، الذي تقدر ثروته بـ 37 مليار دولار، وتقوم شركته، مجموعة ميديا، الواقعة في فوشان، بالقرب من كانتون، بتصنيع الأجهزة المنزلية. أو تشين ينجلين، 33 مليار دولار، الذي تربي شركته مويوان أكثر من 10 ملايين خنزير سنويًا.
ممثلو المصالح الخاصة
في معظم المدن الصينية الكبرى، تعدّ الأحياء الفاخرة موطنًا لمساكن أغنى الصينيين. وقد حققت رولزرويس، شركة السيارات البريطانية المملوكة لشركة بي ام دبليو، أفضل مبيعاتها في الصين. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحت رئاسة جيانغ زيمين، وضعت السلطة الشيوعية المليارديرات الصينيين في واجهة المسرح. وهكذا أصبح ليو جون، مؤسس شاومى للهواتف الذكية، التي تبيع أيضًا أجهزة تنقية الهواء، أو دونغ مينغزو، صاحب العلامة التجارية للأجهزة المنزلية غري، من اعضاء المؤتمر الشعبي الوطني إلى جانب 3000 من كبار مسؤولي الحزب. ولكن تم تكثيف عضوية المليارديرات خاصة، في الغرفة الثانية للجمعية الصينية، المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني.
تجتمع هذه المؤسسة في أوائل مارس طيلة عشرة أيام، إلى جانب المجلس الشعبي الوطني. يرأسها شخصية رفيعة من النظام، غير ان أعضاءها، البالغ عددهم 2200، ليسوا جميعا من الشيوعيين. بالإضافة إلى رجال الأعمال الأثرياء هؤلاء، يجمع المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، ممثلين عن الأحزاب الصغيرة التي كانت حليفة للحزب الشيوعي عندما تولى السلطة عام 1949، بالإضافة إلى مشاهير الرياضة والغناء والتلفزيون.
هذا المجلس مدعو لإعطاء رأي استشاري في مختلف الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية. ويسمح هذا للنظام بالقول إنه قبل قرارات الحكومة، تتم استشارة ممثلي المصالح الخاصة واساسا من عالم الأعمال الذين يمكنهم التعبير عن أنفسهم هناك، دون -بالطبع -الذهاب إلى حد الاعتراض.
مضاعفة السيطرة والرقابة
لذلك، هناك فرص في الصين للحوار بين قيادة الحزب الشيوعي وبعض قادة الأعمال الأبرز والأثرياء في البلاد. لكن هؤلاء، مثل جميع أرباب العمل، يخضعون للمراقبة المستمرة والدقيقة. عام 2014، نظمت مدينة بكين، على سبيل المثال، الإعلان عن السلع الكمالية بالتفصيل. مُنعت كلمات مثل “الارفع والاعلى” أو “ملكي” أو “فاخر” من الملصقات على الطريق العام السريع. وكان التفسير الذي قدمته الصحافة الصينية، هو أن “عرض الكماليات الفاخرة جدا له تأثير سلبي على المجتمع بأسره”، لأنه “يخاطر بإثارة الشعور بالاستياء بين أفقر الفئات”. عام 2015، كشفت دراسة أجرتها جامعة بكين أن ثلث ثروة البلاد يسيطر عليها 1 بالمائة من الأسر الصينية، في حين أن أفقر 25 بالمائة لا يتقاسمون سوى 1 بالمائة.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن السلطات الصينية تريد منع رجال الأعمال الأثرياء من احتلال مكانة وأهمية كبيرة في النظام الاقتصادي. ومن هنا، جاءت جميع أنواع الضوابط والرقابة التي تضاعفت في السنوات الأخيرة، والتي تمارس ضغطا كبيرا على عمالقة الاقتصاد الصيني. عام 2015، تم استهداف شركة فوسون. وينشط هذا التكتل الضخم في مجالات الصيدلة والتمويل والسياحة. واختفى رئيسها المدير العام، قوه قوانغتشانغ، طيلة أربعة أيام. وقيل فقط أنه كان “يساعد” الشرطة في التحقيق في ثروته.
وعام 2017، تم القبض على وانغ جيانلين. على رأس مجموعة واندا، يمتلك عددًا كبيرًا من الاستوديوهات ودور السينما في الصين. لكن واندا زادت استثماراتها في الخارج مما أدى، حسب شكوك الشرطة في بكين، إلى هروب رؤوس أموال ضخمة. بعد أسابيع قليلة، تم إطلاق سراح وانغ جيانلين، وأعلنت المجموعة أنها ستبيع ما يعادل 8 مليارات يورو من الفنادق والمتنزهات حول العالم.
في الآونة الأخيرة، كان هناك تقييد يتعلق بـ “علي بابا”، أكبر منصة للتجارة B2B في العالم برئاسة جاك ما. في ديسمبر 2020، اتُهمت المجموعة بـ “ممارسات احتكارية”. وعلى وجه التحديد، تم انتقادها لمنعها المتداولين، الذين يرغبون في استخدام منصتها، من بيع منتجاتهم عبر المواقع المنافسة. في أبريل 2021، تم تغريم علي بابا 2.8 مليار دولار، أي 3 بالمائة من إيراداتها. وبيّنت المجموعة على شبكاتها: “نحن نقبل هذه العقوبة بصدق وسنلتزم بها بحزم».
نموذج لا يجب اتباعه
تُظهر حالة علي بابا هذه، أن السلطات في بكين مصممة على تعميق سيطرتها على المجموعات الصينية الكبرى. الهدف هو أن يكونوا أكثر في خدمة سياسة الحكومة الصينية بدلاً من توسيع مصالحهم الخاصة. فمن وجهة نظر بكين، إن قوة عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، غوغل أو فيسبوك، هي مثال لا ينبغي اتباعه. في الصين، تستهدف صرامة السلطات بشكل خاص عمالقة الاقتصاد الصيني الجديد، بايدو أو تينسنت أو شاومي، والتي نمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأثرت في الصين وفي بقية العالم.
يريد شي جين بينغ وقيادة الحزب الشيوعي، السيطرة على هذه الشركات الكبرى والتكتلات الضخمة الأخرى التي نشأت مع نمو الاقتصاد الصيني بقوة، حتى لا تمنحهم أهميتهم استقلالية متزايدة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يشجع فيها حزب شيوعي حاكم المبادرة الخاصة ثم يوقفها. للقادة الصينيين معرفة كاملة بما حدث عام 1921، عندما لم يتجاوز عمر روسيا السوفياتية الأربع سنوات فقط. أسس لينين التحرير الاقتصادي تحت اسم “السياسة الاقتصادية الجديدة”. وكان حينها من الملحّ إعطاء ديناميكية للنظام الذي كان قد واجه للتو حربًا أهلية، ووجد نفسه في مواجهة مجاعة مروعة. كانت السياسة الاقتصادية الجديدة “تراجعا استراتيجيًا” في بناء الاشتراكية..
وقد أعلن لينين أن الأمر يتعلق “بمنح الرأسمالية مكانًا محدودًا لفترة محدودة».
من هناك، لم تعد الدولة تطلب الفوائض الزراعية في الاتحاد السوفياتي، وسمح للمزارعين ببيعها في السوق الحرة، الى درجة أن إنتاج المزارع العائلية زاد بسرعة، وفضّل الفلاحون الاحتفاظ بإنتاجهم لبيعه لاحقًا بسعر أفضل. وكانت النتيجة زيادة عامة في أسعار المنتجات الزراعية، مما دفع الصناعات الثقيلة أو البنوك، في أيدي الدولة، إلى زيادة أسعارها أيضًا.
أعلنت الحكومة تجميد الأسعار عام 1925. وبعد أربع سنوات، نظم ستالين تأميمًا للاقتصاد بأكمله، مصحوبًا بتخطيط مكثف يعطي الأولوية لتصنيع الاتحاد السوفياتي. كان الهدف بعد ذلك هو اللحاق بالركب وتجاوز أداء الاقتصادات الرأسمالية. في 6 يناير 1930، أنهى مرسوم السياسة الاقتصادية الجديدة.
زيادة الثروة الصينية
في الصين، الحكومة ليست بعيدة اليوم عن أن ترى في الشركات الكبرى القوية والحديثة في البلاد، ما يعادل ما كان عليه أصحاب المزارع في أيام السياسة الاقتصادية الجديدة في الاتحاد السوفياتي.
لم يعد منطق بكين يشجع الإثراء، بل إظهار أن الأسس الشيوعية للنظام لم تُنسى، ولا مجال للانخراط في روح المشاريع الحرة التي هي من أسس الاقتصاد في الغرب.
إن التنمية الاقتصادية في الصين وجميع الإصلاحات التي كانت ضرورية منذ عام 1980 كانت دائما من صنع، وبقيادة، الحزب الشيوعي بشكل صارم. والهدف ليس إقامة الرأسمالية الصينية، وانما على العكس، يتعلق الأمر أولاً بالاستغلال الأمثل لموارد السوق لزيادة الثروة الصينية، ومن ثم تعزيز احتكار الحزب الشيوعي عبر تعزيز قوته.
وفي مواجهة هذه الأهداف، يتمتع المليارديرات في الصين بوظيفة اقتصادية تشجعهم على الاثراء، لكن لا يُطلب منهم أن يكونوا قدوة ونموذجا للمجتمع... وهذا ما يحاول الحزب الشيوعي الصيني إبلاغهم به في الآونة الاخيرة.
-- ليست هذه هي المرة الأولى التي يشجع فيها حزب شيوعي حاكم المبادرة الخاصة ثم يوقفها
-- تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود 992 مليارديرًا في الصين، بزيادة 253 عن العام السابق
-- لئن شجعت بكين لفترة من الوقت ثراء السكان، فإنها تريد الآن إظهار أن أسس النظام لم تُنسى
«من الجيد أن نصبح أغنياء”، و”تحقيق الثراء أمر مجيد”... هكذا تحدث دنغ شياو بينغ بشكل ملحوظ عام 1992 خلال جولة في جنوب الصين، وتم نشر دعوته على نطاق واسع إعلاميا في البلاد. وكان “القائد القصير القائمة” إلى السلطة عام 1978، بعد عامين من وفاة ماو تسي تونغ، وأطلق على الفور عملية تحديث الاقتصاد الصيني. الا ان الحملة الصارمة ضد احتلال الطلاب لساحة تيان آن مين في بكين، عام 1989، أدت إلى عزل الصين بشكل كبير على المسرح الدولي. لقد أتاح تشجيع المبادرات الخاصة وثراء السكان، إمكانية طي صفحة المبادرات الماويّة المحفوفة بالمخاطر مثل “القفزة الكبرى إلى الأمام”، أو الثورة الثقافية، وبالتالي فتح آفاق جديدة. فهم الصينيون تماما الرسالة التي أطلقها دنغ شياو بينغ، وفي مارس 2021، بعد حوالي ثلاثين عامًا، تشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود 992 مليارديرًا في الصين، بزيادة 253 عن العام السابق. ولم يوقف كوفيد-19، الذي اندلع في النصف الأول من عام 2020، هذا التقدم.
تتنوع المناطق التي يوجد فيها أكبر الثروات في الصين.
وتحدد مجلة فوربس الأمريكية، تصنيفًا عالميًا كل عام: حاليًا، يتصدر الأمريكي جيف بيزوس، الرئيس المدير العام لشركة أمازون، بثروة تقدر بـ 177 مليار دولار، يليه الجنوب أفريقي الذي تحول إلى أمريكي، إيلون ماسك (151 مليارًا دولار)، رئيس تسلا، وفي المركز الثالث، الفرنسي برنارد أرنو، الرئيس المدير العام لشركة بيع المواد الفاخرة (150 مليار دولار). والثروة الثالثة عشرة في العالم، والتي تقدر بنحو 68 مليار دولار، يملكها صيني: تشونغ شانشان. كان في الأصل، بنّاءً ثم صحفيًا قبل الشروع في تعبئة مياه الينابيع تحت العلامة التجارية نونغفو سبرينغ، التي صنعت ثروته.
ثم، في مجال البرمجيات، نجد تشانغ يى مينغ، الذي تبلغ قيمة شركته بايت دانس التي تتخذ من بكين مقراً لها 75 مليار دولار، وأنشأت تطبيق تيك توك للفيديو القصير على الهاتف المحمول الذي يحظى بشعبية كبيرة في الصين ولكن أيضًا في الولايات المتحدة الى درجة أن دونالد ترامب حاول حتى منعه. بعيدا في الترتيب نجد هو يا شيانغ جيان، الذي تقدر ثروته بـ 37 مليار دولار، وتقوم شركته، مجموعة ميديا، الواقعة في فوشان، بالقرب من كانتون، بتصنيع الأجهزة المنزلية. أو تشين ينجلين، 33 مليار دولار، الذي تربي شركته مويوان أكثر من 10 ملايين خنزير سنويًا.
ممثلو المصالح الخاصة
في معظم المدن الصينية الكبرى، تعدّ الأحياء الفاخرة موطنًا لمساكن أغنى الصينيين. وقد حققت رولزرويس، شركة السيارات البريطانية المملوكة لشركة بي ام دبليو، أفضل مبيعاتها في الصين. في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحت رئاسة جيانغ زيمين، وضعت السلطة الشيوعية المليارديرات الصينيين في واجهة المسرح. وهكذا أصبح ليو جون، مؤسس شاومى للهواتف الذكية، التي تبيع أيضًا أجهزة تنقية الهواء، أو دونغ مينغزو، صاحب العلامة التجارية للأجهزة المنزلية غري، من اعضاء المؤتمر الشعبي الوطني إلى جانب 3000 من كبار مسؤولي الحزب. ولكن تم تكثيف عضوية المليارديرات خاصة، في الغرفة الثانية للجمعية الصينية، المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني.
تجتمع هذه المؤسسة في أوائل مارس طيلة عشرة أيام، إلى جانب المجلس الشعبي الوطني. يرأسها شخصية رفيعة من النظام، غير ان أعضاءها، البالغ عددهم 2200، ليسوا جميعا من الشيوعيين. بالإضافة إلى رجال الأعمال الأثرياء هؤلاء، يجمع المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، ممثلين عن الأحزاب الصغيرة التي كانت حليفة للحزب الشيوعي عندما تولى السلطة عام 1949، بالإضافة إلى مشاهير الرياضة والغناء والتلفزيون.
هذا المجلس مدعو لإعطاء رأي استشاري في مختلف الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية. ويسمح هذا للنظام بالقول إنه قبل قرارات الحكومة، تتم استشارة ممثلي المصالح الخاصة واساسا من عالم الأعمال الذين يمكنهم التعبير عن أنفسهم هناك، دون -بالطبع -الذهاب إلى حد الاعتراض.
مضاعفة السيطرة والرقابة
لذلك، هناك فرص في الصين للحوار بين قيادة الحزب الشيوعي وبعض قادة الأعمال الأبرز والأثرياء في البلاد. لكن هؤلاء، مثل جميع أرباب العمل، يخضعون للمراقبة المستمرة والدقيقة. عام 2014، نظمت مدينة بكين، على سبيل المثال، الإعلان عن السلع الكمالية بالتفصيل. مُنعت كلمات مثل “الارفع والاعلى” أو “ملكي” أو “فاخر” من الملصقات على الطريق العام السريع. وكان التفسير الذي قدمته الصحافة الصينية، هو أن “عرض الكماليات الفاخرة جدا له تأثير سلبي على المجتمع بأسره”، لأنه “يخاطر بإثارة الشعور بالاستياء بين أفقر الفئات”. عام 2015، كشفت دراسة أجرتها جامعة بكين أن ثلث ثروة البلاد يسيطر عليها 1 بالمائة من الأسر الصينية، في حين أن أفقر 25 بالمائة لا يتقاسمون سوى 1 بالمائة.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن السلطات الصينية تريد منع رجال الأعمال الأثرياء من احتلال مكانة وأهمية كبيرة في النظام الاقتصادي. ومن هنا، جاءت جميع أنواع الضوابط والرقابة التي تضاعفت في السنوات الأخيرة، والتي تمارس ضغطا كبيرا على عمالقة الاقتصاد الصيني. عام 2015، تم استهداف شركة فوسون. وينشط هذا التكتل الضخم في مجالات الصيدلة والتمويل والسياحة. واختفى رئيسها المدير العام، قوه قوانغتشانغ، طيلة أربعة أيام. وقيل فقط أنه كان “يساعد” الشرطة في التحقيق في ثروته.
وعام 2017، تم القبض على وانغ جيانلين. على رأس مجموعة واندا، يمتلك عددًا كبيرًا من الاستوديوهات ودور السينما في الصين. لكن واندا زادت استثماراتها في الخارج مما أدى، حسب شكوك الشرطة في بكين، إلى هروب رؤوس أموال ضخمة. بعد أسابيع قليلة، تم إطلاق سراح وانغ جيانلين، وأعلنت المجموعة أنها ستبيع ما يعادل 8 مليارات يورو من الفنادق والمتنزهات حول العالم.
في الآونة الأخيرة، كان هناك تقييد يتعلق بـ “علي بابا”، أكبر منصة للتجارة B2B في العالم برئاسة جاك ما. في ديسمبر 2020، اتُهمت المجموعة بـ “ممارسات احتكارية”. وعلى وجه التحديد، تم انتقادها لمنعها المتداولين، الذين يرغبون في استخدام منصتها، من بيع منتجاتهم عبر المواقع المنافسة. في أبريل 2021، تم تغريم علي بابا 2.8 مليار دولار، أي 3 بالمائة من إيراداتها. وبيّنت المجموعة على شبكاتها: “نحن نقبل هذه العقوبة بصدق وسنلتزم بها بحزم».
نموذج لا يجب اتباعه
تُظهر حالة علي بابا هذه، أن السلطات في بكين مصممة على تعميق سيطرتها على المجموعات الصينية الكبرى. الهدف هو أن يكونوا أكثر في خدمة سياسة الحكومة الصينية بدلاً من توسيع مصالحهم الخاصة. فمن وجهة نظر بكين، إن قوة عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين، غوغل أو فيسبوك، هي مثال لا ينبغي اتباعه. في الصين، تستهدف صرامة السلطات بشكل خاص عمالقة الاقتصاد الصيني الجديد، بايدو أو تينسنت أو شاومي، والتي نمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأثرت في الصين وفي بقية العالم.
يريد شي جين بينغ وقيادة الحزب الشيوعي، السيطرة على هذه الشركات الكبرى والتكتلات الضخمة الأخرى التي نشأت مع نمو الاقتصاد الصيني بقوة، حتى لا تمنحهم أهميتهم استقلالية متزايدة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يشجع فيها حزب شيوعي حاكم المبادرة الخاصة ثم يوقفها. للقادة الصينيين معرفة كاملة بما حدث عام 1921، عندما لم يتجاوز عمر روسيا السوفياتية الأربع سنوات فقط. أسس لينين التحرير الاقتصادي تحت اسم “السياسة الاقتصادية الجديدة”. وكان حينها من الملحّ إعطاء ديناميكية للنظام الذي كان قد واجه للتو حربًا أهلية، ووجد نفسه في مواجهة مجاعة مروعة. كانت السياسة الاقتصادية الجديدة “تراجعا استراتيجيًا” في بناء الاشتراكية..
وقد أعلن لينين أن الأمر يتعلق “بمنح الرأسمالية مكانًا محدودًا لفترة محدودة».
من هناك، لم تعد الدولة تطلب الفوائض الزراعية في الاتحاد السوفياتي، وسمح للمزارعين ببيعها في السوق الحرة، الى درجة أن إنتاج المزارع العائلية زاد بسرعة، وفضّل الفلاحون الاحتفاظ بإنتاجهم لبيعه لاحقًا بسعر أفضل. وكانت النتيجة زيادة عامة في أسعار المنتجات الزراعية، مما دفع الصناعات الثقيلة أو البنوك، في أيدي الدولة، إلى زيادة أسعارها أيضًا.
أعلنت الحكومة تجميد الأسعار عام 1925. وبعد أربع سنوات، نظم ستالين تأميمًا للاقتصاد بأكمله، مصحوبًا بتخطيط مكثف يعطي الأولوية لتصنيع الاتحاد السوفياتي. كان الهدف بعد ذلك هو اللحاق بالركب وتجاوز أداء الاقتصادات الرأسمالية. في 6 يناير 1930، أنهى مرسوم السياسة الاقتصادية الجديدة.
زيادة الثروة الصينية
في الصين، الحكومة ليست بعيدة اليوم عن أن ترى في الشركات الكبرى القوية والحديثة في البلاد، ما يعادل ما كان عليه أصحاب المزارع في أيام السياسة الاقتصادية الجديدة في الاتحاد السوفياتي.
لم يعد منطق بكين يشجع الإثراء، بل إظهار أن الأسس الشيوعية للنظام لم تُنسى، ولا مجال للانخراط في روح المشاريع الحرة التي هي من أسس الاقتصاد في الغرب.
إن التنمية الاقتصادية في الصين وجميع الإصلاحات التي كانت ضرورية منذ عام 1980 كانت دائما من صنع، وبقيادة، الحزب الشيوعي بشكل صارم. والهدف ليس إقامة الرأسمالية الصينية، وانما على العكس، يتعلق الأمر أولاً بالاستغلال الأمثل لموارد السوق لزيادة الثروة الصينية، ومن ثم تعزيز احتكار الحزب الشيوعي عبر تعزيز قوته.
وفي مواجهة هذه الأهداف، يتمتع المليارديرات في الصين بوظيفة اقتصادية تشجعهم على الاثراء، لكن لا يُطلب منهم أن يكونوا قدوة ونموذجا للمجتمع... وهذا ما يحاول الحزب الشيوعي الصيني إبلاغهم به في الآونة الاخيرة.