تأتي استقالته في أسوأ الأوقات بالنسبة للإيطاليين

سوبر ماريو، «المنقذ» الذي حاصرته السياسة...!

سوبر ماريو، «المنقذ» الذي حاصرته السياسة...!

- هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة للخروج من هذه الأزمة
- أسباب هذه الأزمة السياسية الداخلية الجديدة موجودة أيضًا في أوكرانيا وفي إرث البلاد
- ماريو دراجي زعيم سياسي كبير لكنه ليس سياسياً
- الناس في غاية القلق بسبب المشاكل الاقتصادية


   في إيطاليا، تأتي استقالة ماريو دراجي، المرفوضة، في أسوأ وقت للبلاد، في مواجهة تضخم مرتفع. يجب على الأحزاب التي تشكل أغلبية رئيس الوزراء أن تقرر بحلول يوم الأربعاء ما إذا كانت ستغادرها أم لا.
   اذن، أيام معدودة أمامهم لترميم القطع التي تفككت، وتفادي إضعاف البلاد في أسوأ الأوقات، وفي لحظة يتعيّن عليهم فيها مواجهة عواقب الحرب على أبواب أوروبا. منذ استقالة رئيس الوزراء، ماريو دراجي، التي رفضها رئيس الجمهورية، سيرجيو ماتاريلا يوم الخميس الماضي، غرقت إيطاليا في أزمة أخرى تقلق حتى باريس وبروكسل. هذا الأربعاء، سيمثل ماريو دراجي أمام البرلمان لعرض بيان يشرح فيه قراره، وبعد ذلك ستقرر الأحزاب علنًا إنهاء حكومة الوحدة الوطنية هذه أو الحفاظ عليها.

   لا يوجد متخصص اليوم يخاطر بالتنبؤ بموقف مكوّنات التحالف. وفي انتظار الأربعاء، ستتضاعف المكالمات الهاتفية والمفاوضات والمناورات والاجتماعات السرية وما إلى ذلك. وتجدر الإشارة الى أن ماريو دراجي يرأس، منذ بداية عام 2021، مجلس وزراء يقوم على أغلبية غير متجانسة تمتد من وسط اليسار، مع الحزب الديمقراطي، إلى أقصى اليمين، مع رابطة ماتيو سالفيني، مرورا، من بين تشكيلات أخرى، بالمناهضين للنظام، كحركة 5 نجوم، والوسط فيفا إيطاليا بقيادة ماتيو رينزي.

التمرد الذي أفاض الكأس
   «الأمور تترنح منذ عدة أشهر داخل الأغلبية، يوضح مارك لازار، أستاذ التاريخ وعلم الاجتماع السياسي في معهد العلوم السياسية بباريس ورئيس مدرسة لويس الحكومية في روما، وأصبح وضع ماريو دراجي أكثر تعقيدًا، وأصبحت السهام التي يتلقاها من الرابطة وحركة 5 نجوم أكبر. تصاعدت التوترات في الأيام الأخيرة بسبب موقف جوزيبي كونتي، رئيس الوزراء السابق وعلى رأس حركة 5 نجوم”، الى ان ألقى ماريو دراجي المنديل يوم الخميس. لقد تمت المصادقة على خطة المساعدة البالغة 23 مليار يورو لدعم العائلات والشركات في مواجهة التضخم وارتفاع أسعار الطاقة التي قدمها دراجي إلى البرلمان في ذلك اليوم. ولكن، اعتقادًا منها بأن هذه المساعدة لم تكن كافية، وتحت ذريعة بناء محرقة نفايات في روما، وهو ما تعارضه، قاطعت حركة 5 نجوم التصويت.
   بالنسبة لماريو دراجي، كان تمرد حركة 5 نجوم هذا القطرة التي أفاضت الكأس. يفضل الوحدة وبخيل بالكلمات، وافق الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، 74 عامًا، على الخروج من التقاعد “لإنقاذ إيطاليا” العالقة في أزمة كوفيد وعواقبها الاقتصادية، بتوليه رئاسة “اتحاد الوطني” وضعه شرطًا أساسيًا لبقائه كرئيس للوزراء. “لقد ضرب بقبضته على الطاولة لأنه لم يعد يقبل بأن تُساء معاملته”، يؤكد باولو مودوجنو، أستاذ الحضارة الإيطالية في معهد العلوم السياسية بباريس، ماريو دراجي زعيم سياسي كبير لكنه ليس سياسياً».

الحرب تشوّش المشهد السياسي
   ومع ذلك، يتعلق الامر بالكثير من الرهانات السياسية في الأسابيع الأخيرة في إيطاليا. تتجه أنظار الأحزاب إلى انتخابات ربيع عام 2023. منذ أربع سنوات، عاجزة على ترتيب مرشحين مسؤولين على استعداد لإدارة الأعمال، تعرضت حركة 5 نجوم لسلسلة من الهزائم الانتخابية. فالحركة التي فازت بالانتخابات التشريعية عام 2018 بنسبة 32 بالمائة من الأصوات، لن تتجاوز 11 بالمائة عام 2023 بحسب استطلاعات الرأي. إن اعادة ارتداء بدلة الخصم المناهض للنظام سيسمح لها باستعادة جمهورها الانتخابي.
   لكن أسباب هذه الأزمة السياسية الداخلية الجديدة موجودة أيضًا في أوكرانيا وفي ارث البلاد. أدى الغزو الروسي في 24 فبراير إلى تفاقم التناقضات بين التشكيلات السياسية المكوّنة للأغلبية وداخل الأحزاب نفسها. تعرضت حركة 5 نجوم لأزمة داخلية. في نهاية يونيو، أغلق لويجي ديمايو، وزير الخارجية الحالي والزعيم السياسي السابق للحركة، الباب بحوالي ستين برلمانيًا وأسس حزبه. لماذا؟ بسبب إحجام صديقه السابق جوزيبي كونتي عن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا وتفضيله لحلّ تفاوضي مع بوتين.
   «معسكر السلام مهم للغاية في إيطاليا”، يُذكّر المؤرخ مارك لازار، منذ الخمسينات من القرن الماضي، البلاد مخترقة من قبل عنصرين مسالمين رئيسيين، الثقافة اليسارية، النابعة من الحزب الشيوعي الذي اختفى، والثقافة الكاثوليكية، حتى لو كان الدين علمانيًا اليوم. هذه المكونات تعبر الأحزاب، وتزيد من تشويش المشهد السياسي.
   وتأتي استقالة ماريو دراجي المرفوضة، في كل الاحوال، في أسوأ الأوقات بالنسبة للإيطاليين. “ارتهان البلاد للطاقة كبير”، يضيف مارك لازار، واحتمال حدوث زيادة أخرى في أسعار الغاز خلال الخريف والشتاء بسبب الحرب أمر مثير للقلق بشكل خاص”. ناهيك عن التضخم القياسي عند 8 بالمائة “في يونيو”، والتباطؤ في الاقتصاد بعد انتعاش ما بعد كوفيد ... من بولونيا، حيث هو حاليًا، يشعر باولو مودوجنو بتزايد القلق: “الناس قلقون جدًا بسبب هذه المشاكل الاقتصادية”. ففي شمال البلاد، القوة الصناعية الثانية في أوروبا، أضعفت الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتاجر مع أوروبا الشرقية، بما في ذلك روسيا، بسبب الصراع، وتساورها أسئلة حول كيفية تعامل إيطاليا مع الأزمة.

خسارة لماكرون
    ان “الوضع السياسي آخذ في التغيّر، وحسّاس، يحدد باولو مودوجنو، لكن إيطاليا ليست دولة مسيّسة للغاية. هناك أزمة زعامة وقيادة، ولا تبرز أي شخصية مؤثرة باستثناء ماريو دراجي. بالنسبة لفرنسا وإيمانويل ماكرون، فإن رحيل رئيس الوزراء سيكون خسارة فادحة. يقول مارك لازار، “التفاهم الشخصي بين الرجلين ممتاز، إلى جانب ألمانيا، تعدّ إيطاليا الحليف الرئيسي لفرنسا في أوروبا، ولن أتفاجأ إذا تدخلت فرنسا بطريقة أو بأخرى هذه الأيام للحفاظ على دراجي».
   هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة للخروج من هذه الأزمة، مع رئيس الجمهورية، سيرجيو ماتاريلا، كربّان. الأول، سيشهد الإبقاء على ماريو دراجي، الذي سيسحب استقالته ويمكنه تشكيل حكومة جديدة، بدعم حركة 5 نجوم أو بدونها. والثاني، سيشهد تثبيت استقالته ثم تشكيل حكومة تكنوقراط لمواصلة الإدارة والاستفادة المثلى من 200 مليار يورو من خطة التعافي الأوروبية التي حصلت عليها إيطاليا.
   والفرضية الثالثة، حل البرلمان والدعوة لانتخابات 25 سبتمبر أو 2 أكتوبر بعد حملة انتخابية مختصرة، مع خطر رؤية تشكيل اليمين المتطرف فراتيللي ديتاليا، الذي سيحصل على 23 بالمائة من نوايا التصويت، مستفيدا من هذه الأزمة. ومع حزب الرابطة وحزب فورزا إيطاليا اليميني، يمكن أن يشكل كتلة أغلبية... عندها سينفرد اليمين المتشدد بالسلطة، بعد عشر سنوات من سقوط سيلفيو برلسكوني.
---------------------------
عن لو جورنال دي ديمانش