البديل هو أن يتوقف الغرب عن تقديم مساعداته العسكرية فوراً
شرق أوكرانيا هل يستحقّ حرباً بين روسيا والناتو؟
يعتبر”حوار ميلوس” من بين أكثر المواضيع تحليلاً في كتاب المؤرخ الإغريقي ثيوسيديس عن “تاريخ الحرب البيلوبونيزية».
أراد الأثينيون السيطرة على ميلوس، الجزيرة الصغيرة وضمها لإمبراطوريتهم، وأرسلوا مبعوثين للتفاوض مع سكان ميلوس، الذين لم يكن لديهم وسيلة حقيقية لمقاومة قوة عظمى مثل أثينا إلا إذا قرر حلفاؤهم الإسبرطيون، مجدداً خوض حرب طويلة ودامية مع أثينا دفاعاً عنهم. ويقول الكاتب السياسي مايكل غاي في مقال نشره في مجلة “ناشيونال إنترست” إنه بخلاف ميلوس، التي لم تحصل أبداً على مساعدة من إسبرطة والتي تعرض شعبها في نهاية المطاف لإبادة، فإن أوكرانيا تتلقى مساعدات عسكرية لا حدود لها من البلدان الغربية. ويحذر الزعماء الروس بانتظام من أن الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا قد يؤدي إلى حرب واسعة النطاق بين حلف الناتو وروسيا. وعلاوة على ذلك، فإن الحقيقة هي أن الأمريكيين والأعضاء الآخرين في الناتو يرسلون الأسلحة إلى أوكرانيا من أجل قتل الجنود الروس.
رفض المفاوضات
وإلى ذلك، أنه بينما كان “حوار ميلوس” يتضمن الكثير من الكلام، فإنه بالكاد كان هناك مفاوضات حقيقية. وتمسك كل طرف بمواقف غير مشروطة كانت متناقضة مع بعضها البعض، مما جعل تحقيق تقدم ذي مغزى أمراً مستحيلاً. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن روسيا وأوكرانيا، حيث أن كل طرف يرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات حتى يوافق الطرف الآخر على مطالبه. ومن أجل تفادي نهاية على طريقة ميلوس، يتعين على الطرفين أن يعدلا مواقفهما. ومن أجل تجنب نهاية أسوأ، يتعين على الناتو التفكير بهذه الأسئلة: هل كانت خطوة متعقلة من إسبرطة عندما لم تتدخل في ميلوس، أم كان عليها المجازفة بحرب شاملة أخرى مع أثينا بسبب الجزيرة؟ وفي الوقت الذي تستعر فيه حرب أوكرانيا ومحادثات السلام لم تبدأ بعد، فقد انقضى وقت طويل قبل أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت مساعدة كييف من أجل استعادة سيطرتها على شرق أوكرانيا تستحق هذه المخاطرة، وعما إذا لم يكن ثمة طريقة أخرى لإحراز تقدم؟
سبق وأن قدمت كييف للروس اقتراحاً للسلام من عشرة بنود، بينها انسحاب روسيا من أوكرانيا واستعادة حدود ما قبل الحرب. ولم يكن مفاجئاً أن ترفض موسكو هذا الاقتراح. وحض الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أوكرانيا على القبول “بالوقائع الجديدة” وإذا لم تفعل فإن “أي نوع من التقدم سيكون ممكناً”. ومن بين هذه “الوقائع الجديدة” أن تكون المناطق التي جرى ضمها في شرق أوكرانيا، جزءاً من الاتحاد الروسي. وأجريت استفتاءات في كل من هذه المناطق، مع زعم أنها وافقت على الانضمام إلى الاتحاد الروسي، على رغم أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومعظم العالم الغربي، قد ندد بهذه الإستفتاءات معتبراً إياها بأنها “صورية” ولا “قيمة قانونية لها».
نتيجتان محتملتان
أمام أوكرانيا
هناك نتيجتان محتملتان فقط أمام أوكرانيا. فإما أن يبقى معظم أوكرانيا تحت سيطرة كييف، أو سيلحق الدمار بكامل أوكرانيا، وسيطاح بقيادتها، ومن المحتمل أن يواجه معظم البلاد الضم. إن النتيجة الأولى تعتمد على بدء مفاوضات سلام قبل أن يواجه الجيش الأوكراني هزيمة صريحة. وستتضمن هذه المفاوضات تسليم كييف أراضيها الشرقية لروسيا. والنتيجة الثانية ستكون مؤكدة، إذا ما تلقت أوكرانيا هزيمة قبل أن توافق على معاهدة سلام تتضمن فقدان أراضٍ لم تكن أصلاً تفرض عليها سيطرة كاملة منذ عام 2014. وهذه حقيقة على رغم استمرار الدعم العسكري الغربي.
وسيلاحظ القراء أنه خارج هاتين النتيجتين هناك النتيجة التي يأمل معظم الناس التوصل إليها وهي أن تهزم أوكرانيا روسيا عسكرياً وتستعيد سيطرتها على كامل أراضيها. وأولئك الموجودون في الغرب الذين يروجون لهذه النتيجة يزودون الأوكرانيين “بمهدئ خطر”. وكلما طال الأمد الذي يزود به الغرب أوكرانيا بالمساعدة العسكرية، فإن الأوكرانيين سيكونون مخدوعين في مواجهة أخطار أكبر من تلك التي واجهوها.
وكلما زاد الغرب كمية الأسلحة المتطورة لأوكرانيا، كلما أثار ذلك غضب الروس حيال الحكومات الغربية، من طريق قطع العلاقات والخروج من المعاهدات، ويهددون في كل مناسبة بالحرب النووية. هل مساعدة كييف على استعادة السيطرة على أراضيها الشرقية تستحق هذه المخاطرة؟ والبديل، هو أن يتوقف الغرب عن تقديم مساعداته العسكرية فوراً من أجل تجنب هذه المخاطرة. لكن هذا ما سيؤدي بأوكرانيا إلى هزيمة محققة ويؤذي غرور القادة الغربيين. وهناك درس يتعين تعلمه من قرار إسبرطة عدم التدخل في ميلوس.