قمة البريكس الرابعة عشرة:
شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، المعركة نفسها...!
-- ندد شي بـ «توسيع التحالفات العسكرية»، في إشارة إلى تحميل الناتو والأمريكان، مسؤولية الحرب في أوكرانيا
-- يمكن تفسير إقالة لو يوتشنغ على أنها إشارة إلى أنّ بكين لا تريد السقوط بالكامل في الفلك الروسي
-- تمثل الدول الأعضاء ما لا يقل عن 42 بالمائة من سكان العالم وحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي للكوكب
-- تستورد الصين الآن مليوني برميل من النفط الروسي يوميًا، بزيادة قدرها 25 بالمائة عن بداية العام
خلال قمة البريكس الرابعة عشرة في 23 و24 يونيو، عزز الخطـــاب الافتتاحي للرئيس الصيني شي جين بينغ الانطباع بوجود دعم غير مشروط تقريبًا لنظيره فلاديمير بوتين. تأكيد جديد على أن الصين تقف الآن إلى جانب روسيا.
منتدى تأسّس في يونيو 2009 من قبل البرازيل وروسيا والهند والصين، انضمت إليه جنوب إفريقيا لاحقا، تضاد مجموعة البريكس، اذن، القمم الغربية مثل قمة السبع. وتمثل الدول الخمس الأعضاء، ما لا يقل عن 42 بالمائة من سكان العالم، وحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي لكوكب الأرض. والغرض من قممهم هو تعزيز التعاون بين هذه الدول، وكذلك تعزيز انفتاحها الاقتصادي، ومحاربة الأزمات.
من الخميس 23 يونيو إلى الجمعة 24 يونيو، شارك حوالي ألف مشارك، عبر الإنترنت أو وجهاً لوجه، في خمس ندوات على جدول أعمال الحدث. تم إيواء جميع الشخصيات الحاضرة في دياويوتاي، المقر المرموق للقادة الأجانب في بكين حيث أجريت جميع اللقاءات. هدف مشترك آخر لهذه القمة: إصلاح النظام متعدد الأطراف، والانتعاش الاقتصادي، وتبادل التكنولوجيا، ومكافحة الأوبئة، والتنمية المستدامة.
«الناس قلقون من سقوط الاقتصاد العالمي في مستنقع الأزمات”، قال شي جين بينغ في كلمته الافتتاحية، ودول البريكس، وسيلة لإحياء الاقتصاد العالمي. هذه هي الرسالة التي تكررت في بكين بينما تريد الصين، وخاصة روسيا، تقديم سردية “إيجابية” مضادة لعقوبات مجموعة السبع، أو حتى نموذج آخر تقدمه إلى البلدان النامية يختلف عن نموذج الولايات المتحدة و”زمرتها الصغيرة”، على حد تعبير الدبلوماسية الصينية.
لم تدّخر موسكو جهدا في المجال الاتصالي. معظم الأخبار المنشورة على موقع بريكس الإلكتروني، تعلقت بمشاريع صينية روسية. من بينها، الجهد المشترك للحفاظ على النمر السيبيري وبيئته، أو توسيع خط سكة حديد بين الصين وروسيا. وذكر وزير الخارجية الصيني وانغ يي مؤخرًا فكرة “توسيع المنتدى ليشمل دولًا مثل الأرجنتين أو باكستان. وقال المندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة على تويتر: “دعت الصين كازاخستان والأرجنتين وإندونيسيا ونيجيريا والسنغال وتايلاند وغيرها، للانضمام إلى حوار بريكس».
من جانبه، دعا فلاديمير بوتين، الأربعاء 22 يونيو، إلى تعزيز العلاقات بين دول البريكس: “الشركاء الغربيون يتجاهلون المبادئ الأساسية لاقتصاد السوق والتجارة الحرة وحرمة الملكية الخاصة، إنهم ينتهجون سياسات اقتصاد كلي غير مسؤولة، وبالتوازي، يتم باستمرار فرض عقوبات جديدة ذات دوافع سياسية. هناك قطع طوعي لعلاقات التعاون، سلاسل النقل واللوجستيات آخذة في الانهيار.
وكل هذا يتعارض مع الحكمة والمنطق الاقتصادي الأساسي، ويتم القيام به على حساب المصالح التجارية العالمية، ويؤثر سلبًا على رفاهية السكان في جميع البلدان تقريبًا”، شجب الرئيس الروسي. في اليوم التالي، الخميس، كانت سردية الرئيس الروسي حادة بعض الشيء. فقد حرص على انتقاد “التصرفات الأنانية” للدول الغربية، على خلفية عقوبات غير مسبوقة ضد موسكو بسبب الصراع الأوكراني.
“فقط على أساس التعاون الصادق وتبادل المنافع، يمكن البحث عن حلول لحالة الأزمة التي تؤثر على الاقتصاد العالمي بسبب الأفعال الأنانية والمتهورة لبعض البلدان. وليستنكر محاولات الدول الغربية “استخدام الآليات المالية لجعل العالم كله مسؤولاً عن أخطائهم في سياسة الاقتصاد الكلي. هناك حاجة إلى دور قيادي من جانب دول البريكس اليوم أكثر من أي وقت مضى لتطوير سياسة موحدة وإيجابية تهدف إلى إنشاء نظام متعدد الأقطاب “عالمي” حقيقي. ووفق فلاديمير بوتين، يمكن أن تعتمد دول البريكس هنا على دعم “العديد من البلدان في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي تطمح إلى اتباع سياسة مستقلة».
هل تبتعد الهند عن روسيا؟
لكن الأمور ليست بهذه البساطة. حتى الهند، على الرغم من كونها حليفًا وثيقًا لروسيا، فإنها تنأى بنفسها تدريجياً عن هذا البلد، كما يتضح من رغبة الحكومة الهندية في تنويع مشترياتها من الأسلحة. لذلك فهي تتطلع الآن إلى إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا لتقليل اعتمادها على روسيا في هذا المجال. علاوة على ذلك، يمثل التقارب الصيني الروسي تهديدًا جديدًا لنيودلهي، حيث تعتبر بكين عدوها الطبيعي. وقد أوضحت الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين الصين والهند ديمومة هذه الطبيعة.
وخلال جولته في أوروبا في مايو، أصر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع محاوريه على رغبة بلاده في تنويع مصادر إمدادها بالمعدات العسكرية. “إن أهم درس تتعلمه الهند من الأزمة الأوكرانية هو أن الاعتماد المفرط على دولة واحدة ليس جيدًا”، يقول هارش بانت، نائب رئيس مؤسسة أوبزرفر للأبحاث في نيودلهي، وسيساعد التعاون الدفاعي مع إسرائيل والدول الأخرى الهند على تقليل اعتمادها على روسيا».
تعود العلاقات العسكرية بين الهند وروسيا إلى العهد السوفياتي. ومن بين واردات الهند من الأسلحة، البالغة 13.2 مليار دولار، تمثل روسيا 49 بالمائة من إجمالي الشحنات خلال الفترة 2016-2022، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وتبلغ نسبة الشحنات 18 بالمائة من فرنسا، و13 بالمائة من إسرائيل، و11 بالمائة من الولايات المتحدة.
«توسيع
التحالفات العسكرية»
هل تم إغلاق الدائرة في بكين؟ آخر مرة سافر فيها فلاديمير بوتين إلى الخارج كانت للعاصمة الصينية يوم 4 فبراير لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. وهذه المرة، لم يسافر الرئيس الروسي فعليًا إلى الصين، فقد شارك افتراضيا في قمة البريكس.
في 4 فبراير، قدم فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، التعاون الروسي الصيني “اللامحدود”. وكرّس ذاك الاجتماع محور القوتين في رغبتهما المشتركة في تحدي “هيمنة” الولايات المتحدة. وبحكم هذه العلاقة الخاصة، هل أبلغ فلاديمير بوتين حليفه أنه يستعد لغزو أوكرانيا؟ بعد ثلاثة أسابيع من قمة بكين، كانت الدبابات الروسية تندفع نحو كييف. وفي بداية الحرب، واجهت الصين صعوبة في إخفاء حرجها المرتبط بـ “سيادة” الدول و”عدم التدخل». مع تصريحات شي جين بينغ في قمة البريكس، يبدو الآن أن الالتباس والغموض الصيني قد زال. في الواقع، يوم الأربعاء، لم ينتقي شي جين بينغ كلماته. لقد ندد الرئيس الصيني بـ “توسيع التحالفات العسكرية”، وهو وسيلة لتحميل الناتو والولايات المتحدة، دون أن يسميهما، مسؤولية الحرب في أوكرانيا. كما انتقد شي العقوبات، “سيف ذو حدين” يمكن أن تأتي بنتائج عكسية على الغربيين مثل “بوميرانغ».
خلافات داخل الحزب
الحقيقة جلية الآن: اختارت الصين بوضوح معسكرها، وفضّل النظام الصيني المخاطرة بفرض عقوبات اقتصادية من الغرب على اقتصاده وسكانه الصينيين. في الواقع، الالتحاق بالمعسكر الغربي مستحيل تمامًا لأن القيام بذلك سيعني تنكّر الحزب الشيوعي الصيني لنفسه، وهو المعادي حتى النخاع لأمريكا. إنه خيار أيديولوجي بحت، لأن بقاء الحزب هو الذي على المحك.
ومع ذلك، لا يبدو أن هذا الاصطفاف مع روسيا يحظى بإجماع دوائر السلطة الصينية. لكن تجدر الإشارة إلى أنه في أوقات التوتر الشديد، لقادة الحزب الشيوعي الصيني ميل طبيعي لرص الصفوف، وهي ظاهرة يمكن أن تضمن إعادة تعيين شي جين بينغ في المؤتمر العشرين للحزب، الخريف القادم.
مثال على هذه الخلافات داخل النخبة الحزبية: في 14 يونيو، الإقالة المفاجئة لنائب وزير الخارجية الصيني، لو يوتشنغ، الذي عُهد إليه بمسؤولية نائب مدير الإدارة الصينية للإذاعة والتلفزيون. لكن لي يوتشنغ، وهو أيضًا عضو مناوب في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني ومصرح له بهذه الصفة المشاركة في جميع اجتماعاته، كان معروفًا بمواقفه المؤيدة لروسيا.
في 4 فبراير، في نهاية قمة شي-بوتين، كان هو الذي أعلن أن العلاقات الصينية الروسية أصبحت “لا حدود لها”. واضاف ان “القطار السريع بين الصين وروسيا يواصل السير بدون محطة وصول”. كلمات ربما أثارت تحفظات في أركان السلطة الصينية حيث كانت من نتائج هذه التصريحات، زيادة الفجوة المتفاقمة التي تفصل الصين عن الولايات المتحدة، وقدمت الصين كحليف وثيق لروسيا. ويمكن تفسير إقالته على أنها إشارة إلى أن بكين لا تريد السقوط بالكامل في الفلك الروسي.
علامة أخرى: إقالة تشين تشوانغو، سكرتير الحزب الشيوعي الصيني لشينجيانغ، مفاجأة أيضًا. بهذه الصفة، كان منذ 2016 الرجل القوي في بكين، المسؤول عن قيادة الحملة ضد الأقلية المسلمة الأويغور على الأرض. ومن الآن، هو مكلف بمنصب رفيع المستوى في المجال الزراعي في مكان غير محدد. ويبدو أن هذا التهميش يعكس أيضًا رغبة بكين في عدم قطع جميع العلاقات مع الولايات المتحدة مع اقتراب المؤتمر العشرين، لأنه كان يُنظر إلى تشين تشوانغو على وجه التحديد في واشنطن، بأنه المنفذ الرئيسي لسياسة شي جين بينغ في شينجيانغ حيث تُتّهم الصين باحتجاز أكثر من مليون شخص من الأويغور في معسكرات العمل.
خط أحمر
ومع ذلك، فإن دعم الصين لروسيا ليس مجرد دعم خطابي. مشتريات النفط الروسية تستمر في الزيادة، وتتميز عمليات التسليم، التي ارتفعت بنسبة 55 بالمائة في مايو مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، بكونها تتم بأسعار تفاضلية، وهو أمر مهم لبلد مثقل بالديون مثل الصين. ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، تستورد الصين الآن مليوني برميل من النفط الروسي يوميًا، بزيادة قدرها 25 بالمائة عن بداية العام. وضاعفت الهند، من جانبها، وارداتها من الخام الروسي بمقدار تسعة، وتشتري اليوم ما يقرب من مليون برميل يوميًا من موسكو.
لكن يمكن القول إن فلاديمير بوتين يتوقع المزيد من حليفه الصيني، بينما يخوض الجيش الروسي حرب استنزاف منذ أكثر من أربعة أشهر في أوكرانيا، وتتأثر صناعة الأسلحة الروسية بالعقوبات الغربية. وهذا هو السؤال المركزي: هل توافق الصين على تقديم مساعدات عسكرية لروسيا؟
سيكون هذا خطًا أحمر للولايات المتحدة وحلفائها. إن عبور نهر الروبيكون سيؤدي بلا شك إلى عقوبات اقتصادية ومالية هائلة ضد الصين، والتي سيُنظر إليها حينها على أنها تهديد مباشر.
اختتمت القمة يوم الجمعة بإصدار “بيان بكين” أعلنت فيه الدول الأعضاء التزامها “باحترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول”، و”التزامها بالعمل من أجل الحل السلمي للخلافات والصراعات بين الدول من خلال الحوار».
وفيما يتعلق بأوكرانيا، توخى البيان الحذر الشديد لأنه اقتصر على التأكيد على أهمية “المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا”، وكذلك قلق الدول الأعضاء بشأن الوضع الإنساني في هذا البلد ومحيطه. هكذا أنقذت روسيا شرفها، وكذلك بكين، لكن الانقسامات باقية.
*مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. من مؤلفاته كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.
-- يمكن تفسير إقالة لو يوتشنغ على أنها إشارة إلى أنّ بكين لا تريد السقوط بالكامل في الفلك الروسي
-- تمثل الدول الأعضاء ما لا يقل عن 42 بالمائة من سكان العالم وحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي للكوكب
-- تستورد الصين الآن مليوني برميل من النفط الروسي يوميًا، بزيادة قدرها 25 بالمائة عن بداية العام
خلال قمة البريكس الرابعة عشرة في 23 و24 يونيو، عزز الخطـــاب الافتتاحي للرئيس الصيني شي جين بينغ الانطباع بوجود دعم غير مشروط تقريبًا لنظيره فلاديمير بوتين. تأكيد جديد على أن الصين تقف الآن إلى جانب روسيا.
منتدى تأسّس في يونيو 2009 من قبل البرازيل وروسيا والهند والصين، انضمت إليه جنوب إفريقيا لاحقا، تضاد مجموعة البريكس، اذن، القمم الغربية مثل قمة السبع. وتمثل الدول الخمس الأعضاء، ما لا يقل عن 42 بالمائة من سكان العالم، وحوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي لكوكب الأرض. والغرض من قممهم هو تعزيز التعاون بين هذه الدول، وكذلك تعزيز انفتاحها الاقتصادي، ومحاربة الأزمات.
من الخميس 23 يونيو إلى الجمعة 24 يونيو، شارك حوالي ألف مشارك، عبر الإنترنت أو وجهاً لوجه، في خمس ندوات على جدول أعمال الحدث. تم إيواء جميع الشخصيات الحاضرة في دياويوتاي، المقر المرموق للقادة الأجانب في بكين حيث أجريت جميع اللقاءات. هدف مشترك آخر لهذه القمة: إصلاح النظام متعدد الأطراف، والانتعاش الاقتصادي، وتبادل التكنولوجيا، ومكافحة الأوبئة، والتنمية المستدامة.
«الناس قلقون من سقوط الاقتصاد العالمي في مستنقع الأزمات”، قال شي جين بينغ في كلمته الافتتاحية، ودول البريكس، وسيلة لإحياء الاقتصاد العالمي. هذه هي الرسالة التي تكررت في بكين بينما تريد الصين، وخاصة روسيا، تقديم سردية “إيجابية” مضادة لعقوبات مجموعة السبع، أو حتى نموذج آخر تقدمه إلى البلدان النامية يختلف عن نموذج الولايات المتحدة و”زمرتها الصغيرة”، على حد تعبير الدبلوماسية الصينية.
لم تدّخر موسكو جهدا في المجال الاتصالي. معظم الأخبار المنشورة على موقع بريكس الإلكتروني، تعلقت بمشاريع صينية روسية. من بينها، الجهد المشترك للحفاظ على النمر السيبيري وبيئته، أو توسيع خط سكة حديد بين الصين وروسيا. وذكر وزير الخارجية الصيني وانغ يي مؤخرًا فكرة “توسيع المنتدى ليشمل دولًا مثل الأرجنتين أو باكستان. وقال المندوب الدائم للصين لدى الأمم المتحدة على تويتر: “دعت الصين كازاخستان والأرجنتين وإندونيسيا ونيجيريا والسنغال وتايلاند وغيرها، للانضمام إلى حوار بريكس».
من جانبه، دعا فلاديمير بوتين، الأربعاء 22 يونيو، إلى تعزيز العلاقات بين دول البريكس: “الشركاء الغربيون يتجاهلون المبادئ الأساسية لاقتصاد السوق والتجارة الحرة وحرمة الملكية الخاصة، إنهم ينتهجون سياسات اقتصاد كلي غير مسؤولة، وبالتوازي، يتم باستمرار فرض عقوبات جديدة ذات دوافع سياسية. هناك قطع طوعي لعلاقات التعاون، سلاسل النقل واللوجستيات آخذة في الانهيار.
وكل هذا يتعارض مع الحكمة والمنطق الاقتصادي الأساسي، ويتم القيام به على حساب المصالح التجارية العالمية، ويؤثر سلبًا على رفاهية السكان في جميع البلدان تقريبًا”، شجب الرئيس الروسي. في اليوم التالي، الخميس، كانت سردية الرئيس الروسي حادة بعض الشيء. فقد حرص على انتقاد “التصرفات الأنانية” للدول الغربية، على خلفية عقوبات غير مسبوقة ضد موسكو بسبب الصراع الأوكراني.
“فقط على أساس التعاون الصادق وتبادل المنافع، يمكن البحث عن حلول لحالة الأزمة التي تؤثر على الاقتصاد العالمي بسبب الأفعال الأنانية والمتهورة لبعض البلدان. وليستنكر محاولات الدول الغربية “استخدام الآليات المالية لجعل العالم كله مسؤولاً عن أخطائهم في سياسة الاقتصاد الكلي. هناك حاجة إلى دور قيادي من جانب دول البريكس اليوم أكثر من أي وقت مضى لتطوير سياسة موحدة وإيجابية تهدف إلى إنشاء نظام متعدد الأقطاب “عالمي” حقيقي. ووفق فلاديمير بوتين، يمكن أن تعتمد دول البريكس هنا على دعم “العديد من البلدان في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي تطمح إلى اتباع سياسة مستقلة».
هل تبتعد الهند عن روسيا؟
لكن الأمور ليست بهذه البساطة. حتى الهند، على الرغم من كونها حليفًا وثيقًا لروسيا، فإنها تنأى بنفسها تدريجياً عن هذا البلد، كما يتضح من رغبة الحكومة الهندية في تنويع مشترياتها من الأسلحة. لذلك فهي تتطلع الآن إلى إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا لتقليل اعتمادها على روسيا في هذا المجال. علاوة على ذلك، يمثل التقارب الصيني الروسي تهديدًا جديدًا لنيودلهي، حيث تعتبر بكين عدوها الطبيعي. وقد أوضحت الاشتباكات الحدودية الأخيرة بين الصين والهند ديمومة هذه الطبيعة.
وخلال جولته في أوروبا في مايو، أصر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع محاوريه على رغبة بلاده في تنويع مصادر إمدادها بالمعدات العسكرية. “إن أهم درس تتعلمه الهند من الأزمة الأوكرانية هو أن الاعتماد المفرط على دولة واحدة ليس جيدًا”، يقول هارش بانت، نائب رئيس مؤسسة أوبزرفر للأبحاث في نيودلهي، وسيساعد التعاون الدفاعي مع إسرائيل والدول الأخرى الهند على تقليل اعتمادها على روسيا».
تعود العلاقات العسكرية بين الهند وروسيا إلى العهد السوفياتي. ومن بين واردات الهند من الأسلحة، البالغة 13.2 مليار دولار، تمثل روسيا 49 بالمائة من إجمالي الشحنات خلال الفترة 2016-2022، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. وتبلغ نسبة الشحنات 18 بالمائة من فرنسا، و13 بالمائة من إسرائيل، و11 بالمائة من الولايات المتحدة.
«توسيع
التحالفات العسكرية»
هل تم إغلاق الدائرة في بكين؟ آخر مرة سافر فيها فلاديمير بوتين إلى الخارج كانت للعاصمة الصينية يوم 4 فبراير لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية. وهذه المرة، لم يسافر الرئيس الروسي فعليًا إلى الصين، فقد شارك افتراضيا في قمة البريكس.
في 4 فبراير، قدم فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، التعاون الروسي الصيني “اللامحدود”. وكرّس ذاك الاجتماع محور القوتين في رغبتهما المشتركة في تحدي “هيمنة” الولايات المتحدة. وبحكم هذه العلاقة الخاصة، هل أبلغ فلاديمير بوتين حليفه أنه يستعد لغزو أوكرانيا؟ بعد ثلاثة أسابيع من قمة بكين، كانت الدبابات الروسية تندفع نحو كييف. وفي بداية الحرب، واجهت الصين صعوبة في إخفاء حرجها المرتبط بـ “سيادة” الدول و”عدم التدخل». مع تصريحات شي جين بينغ في قمة البريكس، يبدو الآن أن الالتباس والغموض الصيني قد زال. في الواقع، يوم الأربعاء، لم ينتقي شي جين بينغ كلماته. لقد ندد الرئيس الصيني بـ “توسيع التحالفات العسكرية”، وهو وسيلة لتحميل الناتو والولايات المتحدة، دون أن يسميهما، مسؤولية الحرب في أوكرانيا. كما انتقد شي العقوبات، “سيف ذو حدين” يمكن أن تأتي بنتائج عكسية على الغربيين مثل “بوميرانغ».
خلافات داخل الحزب
الحقيقة جلية الآن: اختارت الصين بوضوح معسكرها، وفضّل النظام الصيني المخاطرة بفرض عقوبات اقتصادية من الغرب على اقتصاده وسكانه الصينيين. في الواقع، الالتحاق بالمعسكر الغربي مستحيل تمامًا لأن القيام بذلك سيعني تنكّر الحزب الشيوعي الصيني لنفسه، وهو المعادي حتى النخاع لأمريكا. إنه خيار أيديولوجي بحت، لأن بقاء الحزب هو الذي على المحك.
ومع ذلك، لا يبدو أن هذا الاصطفاف مع روسيا يحظى بإجماع دوائر السلطة الصينية. لكن تجدر الإشارة إلى أنه في أوقات التوتر الشديد، لقادة الحزب الشيوعي الصيني ميل طبيعي لرص الصفوف، وهي ظاهرة يمكن أن تضمن إعادة تعيين شي جين بينغ في المؤتمر العشرين للحزب، الخريف القادم.
مثال على هذه الخلافات داخل النخبة الحزبية: في 14 يونيو، الإقالة المفاجئة لنائب وزير الخارجية الصيني، لو يوتشنغ، الذي عُهد إليه بمسؤولية نائب مدير الإدارة الصينية للإذاعة والتلفزيون. لكن لي يوتشنغ، وهو أيضًا عضو مناوب في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني ومصرح له بهذه الصفة المشاركة في جميع اجتماعاته، كان معروفًا بمواقفه المؤيدة لروسيا.
في 4 فبراير، في نهاية قمة شي-بوتين، كان هو الذي أعلن أن العلاقات الصينية الروسية أصبحت “لا حدود لها”. واضاف ان “القطار السريع بين الصين وروسيا يواصل السير بدون محطة وصول”. كلمات ربما أثارت تحفظات في أركان السلطة الصينية حيث كانت من نتائج هذه التصريحات، زيادة الفجوة المتفاقمة التي تفصل الصين عن الولايات المتحدة، وقدمت الصين كحليف وثيق لروسيا. ويمكن تفسير إقالته على أنها إشارة إلى أن بكين لا تريد السقوط بالكامل في الفلك الروسي.
علامة أخرى: إقالة تشين تشوانغو، سكرتير الحزب الشيوعي الصيني لشينجيانغ، مفاجأة أيضًا. بهذه الصفة، كان منذ 2016 الرجل القوي في بكين، المسؤول عن قيادة الحملة ضد الأقلية المسلمة الأويغور على الأرض. ومن الآن، هو مكلف بمنصب رفيع المستوى في المجال الزراعي في مكان غير محدد. ويبدو أن هذا التهميش يعكس أيضًا رغبة بكين في عدم قطع جميع العلاقات مع الولايات المتحدة مع اقتراب المؤتمر العشرين، لأنه كان يُنظر إلى تشين تشوانغو على وجه التحديد في واشنطن، بأنه المنفذ الرئيسي لسياسة شي جين بينغ في شينجيانغ حيث تُتّهم الصين باحتجاز أكثر من مليون شخص من الأويغور في معسكرات العمل.
خط أحمر
ومع ذلك، فإن دعم الصين لروسيا ليس مجرد دعم خطابي. مشتريات النفط الروسية تستمر في الزيادة، وتتميز عمليات التسليم، التي ارتفعت بنسبة 55 بالمائة في مايو مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، بكونها تتم بأسعار تفاضلية، وهو أمر مهم لبلد مثقل بالديون مثل الصين. ووفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، تستورد الصين الآن مليوني برميل من النفط الروسي يوميًا، بزيادة قدرها 25 بالمائة عن بداية العام. وضاعفت الهند، من جانبها، وارداتها من الخام الروسي بمقدار تسعة، وتشتري اليوم ما يقرب من مليون برميل يوميًا من موسكو.
لكن يمكن القول إن فلاديمير بوتين يتوقع المزيد من حليفه الصيني، بينما يخوض الجيش الروسي حرب استنزاف منذ أكثر من أربعة أشهر في أوكرانيا، وتتأثر صناعة الأسلحة الروسية بالعقوبات الغربية. وهذا هو السؤال المركزي: هل توافق الصين على تقديم مساعدات عسكرية لروسيا؟
سيكون هذا خطًا أحمر للولايات المتحدة وحلفائها. إن عبور نهر الروبيكون سيؤدي بلا شك إلى عقوبات اقتصادية ومالية هائلة ضد الصين، والتي سيُنظر إليها حينها على أنها تهديد مباشر.
اختتمت القمة يوم الجمعة بإصدار “بيان بكين” أعلنت فيه الدول الأعضاء التزامها “باحترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول”، و”التزامها بالعمل من أجل الحل السلمي للخلافات والصراعات بين الدول من خلال الحوار».
وفيما يتعلق بأوكرانيا، توخى البيان الحذر الشديد لأنه اقتصر على التأكيد على أهمية “المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا”، وكذلك قلق الدول الأعضاء بشأن الوضع الإنساني في هذا البلد ومحيطه. هكذا أنقذت روسيا شرفها، وكذلك بكين، لكن الانقسامات باقية.
*مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. من مؤلفاته كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.