رئيس الدولة والرئيس الأميركي يبحثان العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتطورات الإقليمية
حادثة مختبر ووهان:
عندما تكون نظريات المؤامرة صحيحة أحيانًا...!
-- محو جميع الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة، سيمكّن من إقامة مجتمع أفضل تحكمه الشفافية والحقيقة
-- في الولايات المتحدة، يتبنى نصف الأمريكيين اليــوم نظريــة مؤامــرة واحـدة على الأقـل
-- أجرى الجيش الأمريكي تجارب سرية للتلاعب بالعقول
-- نظريات المؤامرة كانت صحيحة في التاريخ، من مذبحة كاتين إلى «مشروع إم كي ألترا»
-- ستكون هناك مؤامرات دائمًا، وستكون هناك دائمًا نظريات عنها، وستتضح صحة بعض هذه النظريات
-- إن الحظـــــــــر التــام لنظريات المؤامرة يعد بأن يكون عملاً هائلاً
نظريات المؤامرة هي الشر الجديد لقرننا -على الأقل هذا ما نميل إلى الاعتقاد فيه. على مدى الأشهر الستة الماضية، تضافرت جهود السياسيين وشركات التكنولوجيا الكبرى لوضع قائمة سوداء بجميع النظريات ومنظري المؤامرة على الإنترنت. وتم حظر أو تعليق كيو انون وأليكس جونز وديفيد ايسكي ومجموعة من مناهضي التطعيم ودونالد ترامب من تويتر ويوتيوب، إلى جانب عشرات الشخصيات العامة، بينما سيزيل فيسبوك وانستغرام أكثر من 12 مليون قطعة من المحتوى، يرون انها تنشر معلومات مضللة، وتروّج لنظريات مؤامرة كاذبة وخطيرة وفاقدة للمصداقية.
قبل عشر سنوات، اعتقد البعض أن شبكة عالمية وغير منظمة يمكن أن تكون المنقذ لحرية التعبير وتؤدي إلى التحرر الثوري الذي طال انتظاره. في الآونة الأخيرة -وخاصة منذ الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي في يناير 2021 -فكرة أن نظريات المؤامرة يمكن أن تغذي عنف المتطرفين، ولّدت فكرة أخرى: إذا تمكنا من محو جميع الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة، فسيكون من الممكن إنشاء مجتمع أفضل تحكمه الشفافية والحقيقة.
إن الحظر التام لنظريات المؤامرة يعد بأن يكون عملاً هائلاً. في الولايات المتحدة وحدها، يلتزم نصف الأمريكيين اليوم بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل. وهذا لم يمنع كبار هذا العالم من الانضمام إلى هذا المشروع النبيل الهادف إلى محو، إلى الأبد ولصالح الجميع، الأخطاء والنظريات الباطلة.
مختبر ووهان: من «نظرية موازية مشوهة»
إلى مقدمة معقولة
لكن هذا المشروع الضخم انقلب رأسًا على عقب في مايو، حيث تم إدانة إحدى نظريات المؤامرة على نطاق واسع العام الماضي -الفرضية القائلة بأن وباء سارس-كوف-2 كان نتيجة تسرّب عرضي من مختبر من معهد ووهان لعلم الفيروسات -تبيّن أنها ليست كذلك على الإطلاق.
عام 2020، سخرت كبرى وسائل الإعلام من نظرية التسرب من مختبر. وقال جيك تابر من شبكة سي إن إن، إنه يجب “حشوها في الكيس الكبير لنظريات المؤامرة”. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، كانت هذه “نظرية موازية”. وبالنسبة إلى هافينغتون بوست، يجب أن يُنظر إليها على أنها “نظرية موازية فقدت مصداقيتها مسبقا”. وبالنسبة للواشنطن بوست، “نظرية مؤامرة فقدت مصداقيتها». كما قامت المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي بنسخ ولصق نفس الرفض المتسرع، بدعوى أن فرضية التسرّب المختبري كانت غير علمية، وأنها يمينية وعنصرية ومعادية للصين، وأنها مدعومة بأكاذيب ذات دوافع سياسية. ولا يتسع المجال في هذا المقال لسرد جميع الوسائط التي اتبعت هذا الخط.
لكن منذ مايو، دعا علماء مشهورون عالميًا، وصحفيون علميون، ومنظمة الصحة العالمية، إلى بداية جديدة لنظرية التسرّب المختبري، قائلين إنها “بحاجة إلى مزيد من التحقيق”. هذه النظرية “فرضت نفسها” و “تبقى معقولة”. حتى رويترز، تقول إنه “لا يمكن استبعادها”، ويدعو رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الآن إلى إجراء تحقيق أكثر شمولاً وشفافية في أصول فيروس سارس-كوف 2، متراجعا عن غلق إدارته لتحقيق أجرته عام 2020 في أصول كوفيد -19 وزارة الخارجية في عهد ترامب. وفي 28 مايو 2021، رفع فيسبوك أيضًا الحظر المفروض على المنشورات التي تشير إلى أصل بشري لـ كوفيد-19.
وهذا أمر محرج للغاية لجميع الصحفيين ووسائل التواصل الاجتماعي، الذين قاموا بحجب هذه النظرية وحظرها والسخرية منها وتعتيمها، وكذلك جميع الشركات التقنية الكبرى التي خفضت تصنيفها على محركات البحث وتطبيقاتهم. لكن علاوة على ذلك، إذا كان بإمكان موضوع كامل الانتقال من “نظرية مؤامرة مجنونة” إلى “معقولة” في أقل من عام، ألا يؤدي ذلك أيضًا إلى تدمير الحجة القائلة بأن نظريات المؤامرة خطيرة ويجب حظرها؟ كيف يمكننا التحقيق في موضوع حرمته الرقابة من الوجود؟
«مشروع إم كي ألترا»
هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها مثل هذا الموقف. على مدار التاريخ، ثبت أن عددًا من نظريات المؤامرة صحيحة -وغالبًا ما كان للانعطاف السياسي آثار تنذر بالسوء.
يُعتقد، على سبيل المثال، في النظرية السائدة في كتابات الخيال العلمي لفيليب ك.ديك، في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، أن حكومة الولايات المتحدة كانت تتدخل في “السيطرة على العقل”، وتدفع الناس إلى الجنون، الى حد الانتحار. في ذلك الوقت، تم رفض هذه الفكرة على أنها تعكس نزعات بارانويا و”معادية لأمريكا” -خاصة أن ديك، كان عبقريًا مضطربًا، وكان عقله هشًا.
الا ان الوثائق التي رفعت عنها السرية، أثبتت التسريبات والشهادات المباشرة الآن، أن الجيش الأمريكي أجرى بالفعل تجارب للتلاعب بالعقل، في إطار “مشروع إم كي ألترا”، تحت سيطرة الكيميائي سيدني جوتليب. وتم تمويل هذه التجارب وإجرائها سرًا على طلاب في 44 جامعة وكلية أمريكية، و80 جامعة وكلية كندية، بالإضافة إلى نزلاء السجون ومراكز الاحتجاز الأمريكية في اليابان وألمانيا والفلبين.
وبالتالي، فإن هؤلاء الأشخاص غير المتطوعين في الغالب، قد خضعوا لـ “أكثر الأبحاث استدامة في تاريخ تقنيات التحكم في العقل”. وتعرّض الذين استخدموا كحقل تجارب في غوتليب، للتعذيب النفسي، وتلقوا جرعات كبيرة من عقار إل إس دي، وللحرمان من النوم، والصعق بالصدمات الكهربائية، والاستجواب المتكرر. لم يتعاف الكثير منهم، وكان اونابومبرأحد الذين مروا بالتجربة، ومن المحتمل أن الضرر النفسي الناجم عن تجارب “مشروع إم كي ألترا”، قد يفسر تدمير صحته العقلية.
الرقابة الحكومية
ولدت فكرة أن حكومة الولايات المتحدة ستتجسس عليك وتتّبع كل تحركاتك خلال الحرب الباردة. في البداية، ظهر تعبير “قبعة الألمنيوم” في الخمسينات من القرن الماضي بمعنى ازدرائي لتشويه النقاد وتصويرهم كمتآمرين، وتشويه أقوالهم. كان من المعروف أن ألمانيا الشرقية الشيوعية أخضعت سكانها المدنيين لمراقبة ستاسي المكثفة، في المقابل يسود اعتقاد أن حكومة الولايات المتحدة تتعالى على مثل هذه الممارسات. ورغم ذلك، في الثمانينات، ظهر الاعتقاد في انتشار الرقابة الحكومية بشكل كامل في بعض الدوائر اللاسلطوية والليبرالية المناهضة للتكنولوجيا. حتى أن الأمر كان سيتخذ منعطفًا متناقضًا منذ أن أصبح ما كان في البداية خيالًا بارانويا، حقيقة واقعة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع ظهور الهواتف الذكية.
وربما لو لم توجد نظرية المؤامرة على الإطلاق، لما كانت لدى الحكومات فكرة التعاون مع شركات التكنولوجيا لتطوير تقنيات مراقبة مدنية ذكية. وربما تكون هذه هي الحالة التاريخية الأولى لنظرية مؤامرة تلهم مؤامرة حقيقية.
في مناسبات عديدة، نفت وكالة الأمن القومي (التي تأسست عام 1952) علانية أي تورط في المراقبة الجماعية للسكان المدنيين. لكن تلك الواجهة تحطمت عام 2013، عندما تم تسريب وثائق سرية تتعلق ببرنامج بريزم إلى مراسلي الجارديان وواشنطن بوست من قبل إدوارد سنودن، الذي كان حينها متعاقدًا مع وكالة الأمن القومي.
وحسب سنودن، يمكن لوكالة الأمن القومي الوصول سرًا إلى البيانات من الدردشات الصوتية ورسائل البريد الإلكتروني والصور ومقاطع الفيديو وإشارات الموقع والصوت عبر بروتوكول الإنترنت (مثل سكايب) ونقل الملفات والمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي لإجراء “مراقبة مكثفة ومتعمقة للاتصالات الحية والمعلومات المخزنة “. وادعى سنودن، أن وكالة الامن القومي واف بي اي وسي أي اي وديا، يمكنهم جميعًا الوصول إلى بيانات أي فرد بموجب برنامج بريزم.
عام 2013، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن وكالة الأمن القومي لديها القدرة على تحديد موقع الهواتف المحمولة حتى عند إيقاف تشغيلها. هذه التكنولوجيا ليست جديدة: تستخدم وكالة الأمن القومي هذه التقنية، “الاكتشاف”، منذ سبتمبر 2004. ووفقًا لضابط العمليات الخاصة، فقد تم استخدامها لتحديد “الآلاف من الأهداف الجديدة، منها أعضاء تمرد بصدد التشكل تؤيده القاعدة في العراق «.
ويمكن للحكومة والشرطة والمتسللين الوصول إلى هاتفك وتفعيل الميكروفون والكاميرا ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS). ويقوم أي جهاز ذكي بالبحث باستمرار عن محطات الهاتف المحمول القريبة، وفي كل مرة يرسل فيها هاتفك إشارة، يقوم أحد هذه الأبراج بتسجيل البيانات الوصفية الخاصة بهاتفك، والتي يتم جمعها بواسطة مزودك والاحتفاظ بها طيلة خمس سنوات. نحن نعلم الآن أنه منذ السبعينات، تعاونت شبكة المراقبة السرية لوكالة الأمن القومي مع ما يصل إلى 100 “شركة أمريكية موثوقة” للتجسس على مئات الملايين من المكالمات الهاتفية من المواطنين الأمريكيين.
ومنذ سنوات، وكما يزعم “المتآمرون”، تم القبض على حكومة الولايات المتحدة وهي تتجسس على الجمهور. سواء كنا نشير إلى غرفة 614 أ، أو الشراكة المحدودة، أو توربيلنس، أو ايكس كيستور، أو فيرفيو، أو ندناد في المملكة المتحدة، أو مشاريع ماتريكس، وخيط رفيع.
تجارب على الأطفال
كانت نظرية المؤامرة الأخرى، التي انتشرت بين عشرينات وأربعينات القرن الماضي، هي أن السوفيات والفاشيين أجروا معًا تجارب غير إنسانية على الأطفال. وقد سخر نفس الأشخاص من هذه النظرية باعتبارها دعاية وادعوا أن السوفيات لن يتعاونوا أبدًا مع الفاشيين. ولكن كان هناك أساس حقيقي مرعب لهذه النظرية: لقد أخضع إيفان بافلوف (1849-1936) الأطفال لنفس الاختبارات التي أجراها على كلابه التي تحمل اسمه: تجارب تتكون من ثقب في خد الشخص موضوع الاختبار. وتركيب لعاب جهاز قياس هناك لرصد “ردود الفعل المشروطة”، مثل إفراز اللعاب عند صوت الجرس.
تم إخراج الأطفال المعنيين من دور الأيتام في إيطاليا في عهد موسوليني، بينما جاء التمويل من الاتحاد السوفياتي. وتم التخطيط لمؤامرة حقيقية لإخفاء هذه التجارب غير الإنسانية وغير القانونية، خاصة أن الحلفاء أرادوا التستر على التعاون السوفياتي الفاشي بعد انضمام الاتحاد السوفياتي إلى معركة الحلفاء عام 1941. وسيتم الكشف عن الحقيقة بالصدفة مع الإفراج عن أرشيف الفيلم الوثائقي “ميكانيكا الدماغ”، لسيفولود بودوفكين (1926) بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
تشمل نظريات المؤامرة الأخرى التي ثبت أنها صحيحة مشروع سونشين (1953-1956)، الذي تعرض فيه البشر عمدًا لاختبارات ذرية واستخدمت جلودهم لجمع البيانات عن تأثيرات الإشعاع. وكانت هناك نظرية مفادها أن شركات الأدوية تنشر الإيدز من خلال الدم الملوث، ويبدو أنها كانت صحيحة في بعض الحالات. وكذلك القصة التي تقول ان الحكومة الأمريكية وظفت علماء نازيين بعد الحرب العالمية الثانية، وهي قصة نعرف الآن أنها صحيحة، وكانت تسمى عملية مشبك الورق.
مثال آخر هو مذبحة كاتين في مايو 1940، حيث قتلت الشرطة السرية السوفياتية 22 الفا من ضباط الجيش وممثلي النخبة البولندية. وكان ستالين يمرر هذه المأساة كنظرية مؤامرة نازية، وعندما أصبحت الولايات المتحدة والسوفيات حلفاء في القتال ضد النازيين، فإن الأمريكيين التزموا بالرواية السوفياتية للوقائع. ولم تظهر الحقيقة الا في نهاية الثمانينات والبيريسترويكا.
افتراءات عصابية
في ضوء ذلك، تعتبر نظرية المؤامرة مصطلحًا مهينًا مفيدًا لمن هم في السلطة لتشويه سمعة أولئك الذين يشتبهون أو يعرفون حقيقة ما يحاول الأقوياء التستر عليها. ويمكن بسهولة حماية الحقائق المرعبة للغاية، بحيث لا يمكن تصديقها، من التدقيق العام من خلال الادعاء بأن هذه مجرد نظرية مؤامرة.
الطريقة الأخرى لاستبعاد نظريات المؤامرة، هي الإيحاء بأنه من المستحيل على البشر إكمال مشاريع معينة لأنها ستكون معقدة للغاية وبالتالي تتطلب مشاركة عدد كبير جدًا من المتآمرين لتكون ناجحة. وغالبًا ما يكون هذا صحيحًا بالطبع: لا توجد ولم تكن هناك ابدا مؤامرة سرية نجحت في السيطرة على العالم.
معظم نظريات المنظمات السرية الكبرى عبارة عن تلفيقات عصابية وغالبًا ما تكون متغيرات في نفس الموضوع: يحكم العالم مجتمع سري من الكروكميتين، سواء كانت مؤامرة البنك الدولي، أو المتنورين، أو الكارتل المصرفي العالمي لروتشيلد، أو حكومة الاحتلال الصهيوني، أو حتى نوع سري من السحالي.
ولأّنّ معظم هذه النظريات تحتوي على عامل عنصري -فكثير منها معاد للسامية -يؤكد النقاد أحيانًا أن كل هذه المعتقدات تستند إلى كراهية الأجانب. ومن الأمثلة الزائفة الواضحة، التي يفترض أن تثبت وجود مثل هذه المؤامرة، مثال بروتوكولات حكماء صهيون لعام 1903، وهو نص تم إنشاؤه في الأصل من قبل الشرطة السرية القيصرية، ثم استخدمه النازيون للإشارة إلى وجود مؤامرة يهودية تهدف إلى الهيمنة على العالم.
ومع ذلك، فإن التاريخ مليء بالجمعيات السرية الحقيقية ومخططات الإطاحة بالأمم والسيطرة على العالم. ربما تكون مؤامرة المسحوق هي الأكثر شهرة، لكنها واحدة فقط من ست مؤامرات من هذا النوع حدثت في تلك الفترة وحدها (يمكننا أيضًا الاستشهاد بمؤامرة ريدولفي، مؤامرة ثروغمورتون، ثورة إيرلز الشمالية، مؤامرة بابينجتون والمؤامرة المساعدة).
كومنترن وسي أي أي
ان نظرية النظام العالمي الجديد الأخرى التي ثبتت صحتها، هي نظرية المؤامرة الشيوعية للهيمنة على العالم: وهي نظرية قاسية للغاية، وانتقدت كثيرًا خلال حقبة مكارثي في الولايات المتحدة. في الواقع، كانت الأممية الشيوعية (كومنترن) عبارة عن عصابة من المتآمرين الذين يخططون للسيطرة على العالم، وعقدت سبعة اجتماعات دولية بين 1919 و1943. ومن بين خططها، منظمات الجبهة الممولة دوليًا التي تهدف إلى إثارة الثورات، وإثارة الإضرابات العامة في البلدان النامية والأراضي المستعمرة، والتسلل إلى الأحزاب الإصلاحية في الغرب. (المفارقة في القصة هي أنه في وقت رعب مكارثي الأحمر، لم يعد للكومنترن تهديد حقيقي).
كما تدخلت وكالة المخابرات المركزية و”إم أي 6”، في الشرق الأوسط في عدة مناسبات: من انقلاب عام 1953 الذي أطاح برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق إلى قضية إيران كونترا عام 1987، تشكل هذه التدخلات مؤامرات من نوع “العصابة الكبرى” تهدف إلى السيطرة على الدول الأخرى والتأثير على مستقبل التجارة والاقتصاد والهيمنة السياسية العالمية. وسواء اجتمع المخططون أمام خريطة العالم في غرف مظلمة بالدخان أو عن طريق التداول بالفيديو بين قادة دوليين، لا يغير شيئًا: فالدول الغربية تواصل التآمر للسيطرة على الشرق الأوسط وموارده.
لذلك، بالنظر للعديد من نظريات المؤامرة التي تم العثور عليها في التاريخ، وأن المؤامرات الحقيقية للسيطرة على الشعوب وتشكيل مستقبل الأمم والعالم قد وجدت فعلا ولا تزال موجودة، فماذا يمكن أن تكون عواقب تنظيفنا لوسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية من نظريات المؤامرة اليوم؟
هل نرغب في محو الحقيقة المعتمدة الآن لـ “مشروع إم كي ألترا” أو مشروع صن شاين؟ أو كيف قامت شركة باير بنشر الإيدز عن طريق الخطأ عام 1983، لأن أصحاب السلطة ادعوا ذات مرة أنها كانت نظريات مؤامرة؟
إذا تبين أن نظرية تسرب مختبر سارس-كوف-2 هي حقيقة مؤكدة علميًا، فربما تكون العديد من وسائل الإعلام الرئيسية التي رفضتها باعتبارها نظرية مؤامرة، متواطئة في التستر على السبب الحقيقي لوفاة 3.4 مليون شخص. ستكون هناك مؤامرات دائمًا، وستكون هناك دائمًا نظريات عنها، وستتضح صحة بعض هذه النظريات. وفي غضون ذلك، يجب أن نكون حذرين من أولئك الذين يحاولون إسكات أعدائهم السياسيين من خلال وصفهم بالمتآمرين.
*مؤلف وروائي وكاتب سيناريو إسكتلندي وصف بأنه “الكاتب الأكثر طلاقة وذكاء من أبناء جيله هنا في اسكتلندا”. نشرت اخر روايته “كيف ننجو من كل شيء” في يونيو 2021.
-- في الولايات المتحدة، يتبنى نصف الأمريكيين اليــوم نظريــة مؤامــرة واحـدة على الأقـل
-- أجرى الجيش الأمريكي تجارب سرية للتلاعب بالعقول
-- نظريات المؤامرة كانت صحيحة في التاريخ، من مذبحة كاتين إلى «مشروع إم كي ألترا»
-- ستكون هناك مؤامرات دائمًا، وستكون هناك دائمًا نظريات عنها، وستتضح صحة بعض هذه النظريات
-- إن الحظـــــــــر التــام لنظريات المؤامرة يعد بأن يكون عملاً هائلاً
نظريات المؤامرة هي الشر الجديد لقرننا -على الأقل هذا ما نميل إلى الاعتقاد فيه. على مدى الأشهر الستة الماضية، تضافرت جهود السياسيين وشركات التكنولوجيا الكبرى لوضع قائمة سوداء بجميع النظريات ومنظري المؤامرة على الإنترنت. وتم حظر أو تعليق كيو انون وأليكس جونز وديفيد ايسكي ومجموعة من مناهضي التطعيم ودونالد ترامب من تويتر ويوتيوب، إلى جانب عشرات الشخصيات العامة، بينما سيزيل فيسبوك وانستغرام أكثر من 12 مليون قطعة من المحتوى، يرون انها تنشر معلومات مضللة، وتروّج لنظريات مؤامرة كاذبة وخطيرة وفاقدة للمصداقية.
قبل عشر سنوات، اعتقد البعض أن شبكة عالمية وغير منظمة يمكن أن تكون المنقذ لحرية التعبير وتؤدي إلى التحرر الثوري الذي طال انتظاره. في الآونة الأخيرة -وخاصة منذ الهجوم على مبنى الكابيتول الأمريكي في يناير 2021 -فكرة أن نظريات المؤامرة يمكن أن تغذي عنف المتطرفين، ولّدت فكرة أخرى: إذا تمكنا من محو جميع الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة، فسيكون من الممكن إنشاء مجتمع أفضل تحكمه الشفافية والحقيقة.
إن الحظر التام لنظريات المؤامرة يعد بأن يكون عملاً هائلاً. في الولايات المتحدة وحدها، يلتزم نصف الأمريكيين اليوم بنظرية مؤامرة واحدة على الأقل. وهذا لم يمنع كبار هذا العالم من الانضمام إلى هذا المشروع النبيل الهادف إلى محو، إلى الأبد ولصالح الجميع، الأخطاء والنظريات الباطلة.
مختبر ووهان: من «نظرية موازية مشوهة»
إلى مقدمة معقولة
لكن هذا المشروع الضخم انقلب رأسًا على عقب في مايو، حيث تم إدانة إحدى نظريات المؤامرة على نطاق واسع العام الماضي -الفرضية القائلة بأن وباء سارس-كوف-2 كان نتيجة تسرّب عرضي من مختبر من معهد ووهان لعلم الفيروسات -تبيّن أنها ليست كذلك على الإطلاق.
عام 2020، سخرت كبرى وسائل الإعلام من نظرية التسرب من مختبر. وقال جيك تابر من شبكة سي إن إن، إنه يجب “حشوها في الكيس الكبير لنظريات المؤامرة”. ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، كانت هذه “نظرية موازية”. وبالنسبة إلى هافينغتون بوست، يجب أن يُنظر إليها على أنها “نظرية موازية فقدت مصداقيتها مسبقا”. وبالنسبة للواشنطن بوست، “نظرية مؤامرة فقدت مصداقيتها». كما قامت المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي بنسخ ولصق نفس الرفض المتسرع، بدعوى أن فرضية التسرّب المختبري كانت غير علمية، وأنها يمينية وعنصرية ومعادية للصين، وأنها مدعومة بأكاذيب ذات دوافع سياسية. ولا يتسع المجال في هذا المقال لسرد جميع الوسائط التي اتبعت هذا الخط.
لكن منذ مايو، دعا علماء مشهورون عالميًا، وصحفيون علميون، ومنظمة الصحة العالمية، إلى بداية جديدة لنظرية التسرّب المختبري، قائلين إنها “بحاجة إلى مزيد من التحقيق”. هذه النظرية “فرضت نفسها” و “تبقى معقولة”. حتى رويترز، تقول إنه “لا يمكن استبعادها”، ويدعو رئيس الولايات المتحدة جو بايدن الآن إلى إجراء تحقيق أكثر شمولاً وشفافية في أصول فيروس سارس-كوف 2، متراجعا عن غلق إدارته لتحقيق أجرته عام 2020 في أصول كوفيد -19 وزارة الخارجية في عهد ترامب. وفي 28 مايو 2021، رفع فيسبوك أيضًا الحظر المفروض على المنشورات التي تشير إلى أصل بشري لـ كوفيد-19.
وهذا أمر محرج للغاية لجميع الصحفيين ووسائل التواصل الاجتماعي، الذين قاموا بحجب هذه النظرية وحظرها والسخرية منها وتعتيمها، وكذلك جميع الشركات التقنية الكبرى التي خفضت تصنيفها على محركات البحث وتطبيقاتهم. لكن علاوة على ذلك، إذا كان بإمكان موضوع كامل الانتقال من “نظرية مؤامرة مجنونة” إلى “معقولة” في أقل من عام، ألا يؤدي ذلك أيضًا إلى تدمير الحجة القائلة بأن نظريات المؤامرة خطيرة ويجب حظرها؟ كيف يمكننا التحقيق في موضوع حرمته الرقابة من الوجود؟
«مشروع إم كي ألترا»
هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها مثل هذا الموقف. على مدار التاريخ، ثبت أن عددًا من نظريات المؤامرة صحيحة -وغالبًا ما كان للانعطاف السياسي آثار تنذر بالسوء.
يُعتقد، على سبيل المثال، في النظرية السائدة في كتابات الخيال العلمي لفيليب ك.ديك، في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، أن حكومة الولايات المتحدة كانت تتدخل في “السيطرة على العقل”، وتدفع الناس إلى الجنون، الى حد الانتحار. في ذلك الوقت، تم رفض هذه الفكرة على أنها تعكس نزعات بارانويا و”معادية لأمريكا” -خاصة أن ديك، كان عبقريًا مضطربًا، وكان عقله هشًا.
الا ان الوثائق التي رفعت عنها السرية، أثبتت التسريبات والشهادات المباشرة الآن، أن الجيش الأمريكي أجرى بالفعل تجارب للتلاعب بالعقل، في إطار “مشروع إم كي ألترا”، تحت سيطرة الكيميائي سيدني جوتليب. وتم تمويل هذه التجارب وإجرائها سرًا على طلاب في 44 جامعة وكلية أمريكية، و80 جامعة وكلية كندية، بالإضافة إلى نزلاء السجون ومراكز الاحتجاز الأمريكية في اليابان وألمانيا والفلبين.
وبالتالي، فإن هؤلاء الأشخاص غير المتطوعين في الغالب، قد خضعوا لـ “أكثر الأبحاث استدامة في تاريخ تقنيات التحكم في العقل”. وتعرّض الذين استخدموا كحقل تجارب في غوتليب، للتعذيب النفسي، وتلقوا جرعات كبيرة من عقار إل إس دي، وللحرمان من النوم، والصعق بالصدمات الكهربائية، والاستجواب المتكرر. لم يتعاف الكثير منهم، وكان اونابومبرأحد الذين مروا بالتجربة، ومن المحتمل أن الضرر النفسي الناجم عن تجارب “مشروع إم كي ألترا”، قد يفسر تدمير صحته العقلية.
الرقابة الحكومية
ولدت فكرة أن حكومة الولايات المتحدة ستتجسس عليك وتتّبع كل تحركاتك خلال الحرب الباردة. في البداية، ظهر تعبير “قبعة الألمنيوم” في الخمسينات من القرن الماضي بمعنى ازدرائي لتشويه النقاد وتصويرهم كمتآمرين، وتشويه أقوالهم. كان من المعروف أن ألمانيا الشرقية الشيوعية أخضعت سكانها المدنيين لمراقبة ستاسي المكثفة، في المقابل يسود اعتقاد أن حكومة الولايات المتحدة تتعالى على مثل هذه الممارسات. ورغم ذلك، في الثمانينات، ظهر الاعتقاد في انتشار الرقابة الحكومية بشكل كامل في بعض الدوائر اللاسلطوية والليبرالية المناهضة للتكنولوجيا. حتى أن الأمر كان سيتخذ منعطفًا متناقضًا منذ أن أصبح ما كان في البداية خيالًا بارانويا، حقيقة واقعة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مع ظهور الهواتف الذكية.
وربما لو لم توجد نظرية المؤامرة على الإطلاق، لما كانت لدى الحكومات فكرة التعاون مع شركات التكنولوجيا لتطوير تقنيات مراقبة مدنية ذكية. وربما تكون هذه هي الحالة التاريخية الأولى لنظرية مؤامرة تلهم مؤامرة حقيقية.
في مناسبات عديدة، نفت وكالة الأمن القومي (التي تأسست عام 1952) علانية أي تورط في المراقبة الجماعية للسكان المدنيين. لكن تلك الواجهة تحطمت عام 2013، عندما تم تسريب وثائق سرية تتعلق ببرنامج بريزم إلى مراسلي الجارديان وواشنطن بوست من قبل إدوارد سنودن، الذي كان حينها متعاقدًا مع وكالة الأمن القومي.
وحسب سنودن، يمكن لوكالة الأمن القومي الوصول سرًا إلى البيانات من الدردشات الصوتية ورسائل البريد الإلكتروني والصور ومقاطع الفيديو وإشارات الموقع والصوت عبر بروتوكول الإنترنت (مثل سكايب) ونقل الملفات والمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي لإجراء “مراقبة مكثفة ومتعمقة للاتصالات الحية والمعلومات المخزنة “. وادعى سنودن، أن وكالة الامن القومي واف بي اي وسي أي اي وديا، يمكنهم جميعًا الوصول إلى بيانات أي فرد بموجب برنامج بريزم.
عام 2013، ذكرت صحيفة واشنطن بوست، أن وكالة الأمن القومي لديها القدرة على تحديد موقع الهواتف المحمولة حتى عند إيقاف تشغيلها. هذه التكنولوجيا ليست جديدة: تستخدم وكالة الأمن القومي هذه التقنية، “الاكتشاف”، منذ سبتمبر 2004. ووفقًا لضابط العمليات الخاصة، فقد تم استخدامها لتحديد “الآلاف من الأهداف الجديدة، منها أعضاء تمرد بصدد التشكل تؤيده القاعدة في العراق «.
ويمكن للحكومة والشرطة والمتسللين الوصول إلى هاتفك وتفعيل الميكروفون والكاميرا ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS). ويقوم أي جهاز ذكي بالبحث باستمرار عن محطات الهاتف المحمول القريبة، وفي كل مرة يرسل فيها هاتفك إشارة، يقوم أحد هذه الأبراج بتسجيل البيانات الوصفية الخاصة بهاتفك، والتي يتم جمعها بواسطة مزودك والاحتفاظ بها طيلة خمس سنوات. نحن نعلم الآن أنه منذ السبعينات، تعاونت شبكة المراقبة السرية لوكالة الأمن القومي مع ما يصل إلى 100 “شركة أمريكية موثوقة” للتجسس على مئات الملايين من المكالمات الهاتفية من المواطنين الأمريكيين.
ومنذ سنوات، وكما يزعم “المتآمرون”، تم القبض على حكومة الولايات المتحدة وهي تتجسس على الجمهور. سواء كنا نشير إلى غرفة 614 أ، أو الشراكة المحدودة، أو توربيلنس، أو ايكس كيستور، أو فيرفيو، أو ندناد في المملكة المتحدة، أو مشاريع ماتريكس، وخيط رفيع.
تجارب على الأطفال
كانت نظرية المؤامرة الأخرى، التي انتشرت بين عشرينات وأربعينات القرن الماضي، هي أن السوفيات والفاشيين أجروا معًا تجارب غير إنسانية على الأطفال. وقد سخر نفس الأشخاص من هذه النظرية باعتبارها دعاية وادعوا أن السوفيات لن يتعاونوا أبدًا مع الفاشيين. ولكن كان هناك أساس حقيقي مرعب لهذه النظرية: لقد أخضع إيفان بافلوف (1849-1936) الأطفال لنفس الاختبارات التي أجراها على كلابه التي تحمل اسمه: تجارب تتكون من ثقب في خد الشخص موضوع الاختبار. وتركيب لعاب جهاز قياس هناك لرصد “ردود الفعل المشروطة”، مثل إفراز اللعاب عند صوت الجرس.
تم إخراج الأطفال المعنيين من دور الأيتام في إيطاليا في عهد موسوليني، بينما جاء التمويل من الاتحاد السوفياتي. وتم التخطيط لمؤامرة حقيقية لإخفاء هذه التجارب غير الإنسانية وغير القانونية، خاصة أن الحلفاء أرادوا التستر على التعاون السوفياتي الفاشي بعد انضمام الاتحاد السوفياتي إلى معركة الحلفاء عام 1941. وسيتم الكشف عن الحقيقة بالصدفة مع الإفراج عن أرشيف الفيلم الوثائقي “ميكانيكا الدماغ”، لسيفولود بودوفكين (1926) بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
تشمل نظريات المؤامرة الأخرى التي ثبت أنها صحيحة مشروع سونشين (1953-1956)، الذي تعرض فيه البشر عمدًا لاختبارات ذرية واستخدمت جلودهم لجمع البيانات عن تأثيرات الإشعاع. وكانت هناك نظرية مفادها أن شركات الأدوية تنشر الإيدز من خلال الدم الملوث، ويبدو أنها كانت صحيحة في بعض الحالات. وكذلك القصة التي تقول ان الحكومة الأمريكية وظفت علماء نازيين بعد الحرب العالمية الثانية، وهي قصة نعرف الآن أنها صحيحة، وكانت تسمى عملية مشبك الورق.
مثال آخر هو مذبحة كاتين في مايو 1940، حيث قتلت الشرطة السرية السوفياتية 22 الفا من ضباط الجيش وممثلي النخبة البولندية. وكان ستالين يمرر هذه المأساة كنظرية مؤامرة نازية، وعندما أصبحت الولايات المتحدة والسوفيات حلفاء في القتال ضد النازيين، فإن الأمريكيين التزموا بالرواية السوفياتية للوقائع. ولم تظهر الحقيقة الا في نهاية الثمانينات والبيريسترويكا.
افتراءات عصابية
في ضوء ذلك، تعتبر نظرية المؤامرة مصطلحًا مهينًا مفيدًا لمن هم في السلطة لتشويه سمعة أولئك الذين يشتبهون أو يعرفون حقيقة ما يحاول الأقوياء التستر عليها. ويمكن بسهولة حماية الحقائق المرعبة للغاية، بحيث لا يمكن تصديقها، من التدقيق العام من خلال الادعاء بأن هذه مجرد نظرية مؤامرة.
الطريقة الأخرى لاستبعاد نظريات المؤامرة، هي الإيحاء بأنه من المستحيل على البشر إكمال مشاريع معينة لأنها ستكون معقدة للغاية وبالتالي تتطلب مشاركة عدد كبير جدًا من المتآمرين لتكون ناجحة. وغالبًا ما يكون هذا صحيحًا بالطبع: لا توجد ولم تكن هناك ابدا مؤامرة سرية نجحت في السيطرة على العالم.
معظم نظريات المنظمات السرية الكبرى عبارة عن تلفيقات عصابية وغالبًا ما تكون متغيرات في نفس الموضوع: يحكم العالم مجتمع سري من الكروكميتين، سواء كانت مؤامرة البنك الدولي، أو المتنورين، أو الكارتل المصرفي العالمي لروتشيلد، أو حكومة الاحتلال الصهيوني، أو حتى نوع سري من السحالي.
ولأّنّ معظم هذه النظريات تحتوي على عامل عنصري -فكثير منها معاد للسامية -يؤكد النقاد أحيانًا أن كل هذه المعتقدات تستند إلى كراهية الأجانب. ومن الأمثلة الزائفة الواضحة، التي يفترض أن تثبت وجود مثل هذه المؤامرة، مثال بروتوكولات حكماء صهيون لعام 1903، وهو نص تم إنشاؤه في الأصل من قبل الشرطة السرية القيصرية، ثم استخدمه النازيون للإشارة إلى وجود مؤامرة يهودية تهدف إلى الهيمنة على العالم.
ومع ذلك، فإن التاريخ مليء بالجمعيات السرية الحقيقية ومخططات الإطاحة بالأمم والسيطرة على العالم. ربما تكون مؤامرة المسحوق هي الأكثر شهرة، لكنها واحدة فقط من ست مؤامرات من هذا النوع حدثت في تلك الفترة وحدها (يمكننا أيضًا الاستشهاد بمؤامرة ريدولفي، مؤامرة ثروغمورتون، ثورة إيرلز الشمالية، مؤامرة بابينجتون والمؤامرة المساعدة).
كومنترن وسي أي أي
ان نظرية النظام العالمي الجديد الأخرى التي ثبتت صحتها، هي نظرية المؤامرة الشيوعية للهيمنة على العالم: وهي نظرية قاسية للغاية، وانتقدت كثيرًا خلال حقبة مكارثي في الولايات المتحدة. في الواقع، كانت الأممية الشيوعية (كومنترن) عبارة عن عصابة من المتآمرين الذين يخططون للسيطرة على العالم، وعقدت سبعة اجتماعات دولية بين 1919 و1943. ومن بين خططها، منظمات الجبهة الممولة دوليًا التي تهدف إلى إثارة الثورات، وإثارة الإضرابات العامة في البلدان النامية والأراضي المستعمرة، والتسلل إلى الأحزاب الإصلاحية في الغرب. (المفارقة في القصة هي أنه في وقت رعب مكارثي الأحمر، لم يعد للكومنترن تهديد حقيقي).
كما تدخلت وكالة المخابرات المركزية و”إم أي 6”، في الشرق الأوسط في عدة مناسبات: من انقلاب عام 1953 الذي أطاح برئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق إلى قضية إيران كونترا عام 1987، تشكل هذه التدخلات مؤامرات من نوع “العصابة الكبرى” تهدف إلى السيطرة على الدول الأخرى والتأثير على مستقبل التجارة والاقتصاد والهيمنة السياسية العالمية. وسواء اجتمع المخططون أمام خريطة العالم في غرف مظلمة بالدخان أو عن طريق التداول بالفيديو بين قادة دوليين، لا يغير شيئًا: فالدول الغربية تواصل التآمر للسيطرة على الشرق الأوسط وموارده.
لذلك، بالنظر للعديد من نظريات المؤامرة التي تم العثور عليها في التاريخ، وأن المؤامرات الحقيقية للسيطرة على الشعوب وتشكيل مستقبل الأمم والعالم قد وجدت فعلا ولا تزال موجودة، فماذا يمكن أن تكون عواقب تنظيفنا لوسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية من نظريات المؤامرة اليوم؟
هل نرغب في محو الحقيقة المعتمدة الآن لـ “مشروع إم كي ألترا” أو مشروع صن شاين؟ أو كيف قامت شركة باير بنشر الإيدز عن طريق الخطأ عام 1983، لأن أصحاب السلطة ادعوا ذات مرة أنها كانت نظريات مؤامرة؟
إذا تبين أن نظرية تسرب مختبر سارس-كوف-2 هي حقيقة مؤكدة علميًا، فربما تكون العديد من وسائل الإعلام الرئيسية التي رفضتها باعتبارها نظرية مؤامرة، متواطئة في التستر على السبب الحقيقي لوفاة 3.4 مليون شخص. ستكون هناك مؤامرات دائمًا، وستكون هناك دائمًا نظريات عنها، وستتضح صحة بعض هذه النظريات. وفي غضون ذلك، يجب أن نكون حذرين من أولئك الذين يحاولون إسكات أعدائهم السياسيين من خلال وصفهم بالمتآمرين.
*مؤلف وروائي وكاتب سيناريو إسكتلندي وصف بأنه “الكاتب الأكثر طلاقة وذكاء من أبناء جيله هنا في اسكتلندا”. نشرت اخر روايته “كيف ننجو من كل شيء” في يونيو 2021.