رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيسي إندونيسيا والغابون بذكرى استقلال بلديهما
عودة اللاجئين السوريين.. معضلة مشروطة بين الأمل والواقع
أثارت التطورات الأخيرة في سوريا، مع سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرع، نقاشاً واسعاً حول إمكانية عودة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم. وفي مقالة تحليلية بموقع مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية بعنوان «هل تُعيد سوريا لاجئيها»، سلّطت الباحثة المختصة في شؤون الشرق الأوسط إيفار يانسن، الضوء على التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تجعل هذه العودة محفوفة بالمخاطر ما لم تتوفر خطة شاملة تضمن الأمن والكرامة.
واقع اللاجئين بين التفاؤل والحذر
قالت الكاتبة إنّ نحو 14 مليون سوري ما زالوا يعيشون حالة نزوح أو لجوء، بينهم 6 ملايين في دول الجوار وأوروبا.
وأضافت أنّ بعض الأطراف الدولية تروّج لعودة اللاجئين مع وعود الحكومة الانتقالية بإجراء انتخابات وحماية الأقليات.
لكنها أوضحت أنّ تجربة 500 ألف عائد حتى الآن تكشف عن استمرار غياب الأمن والخدمات، وتهالك البنية التحتية، والأزمة الاقتصادية الحادة.
وتابعت الكاتبة أن أي عودة واسعة في ظل هذا الوضع قد تولّد نزوحاً جديداً، ما يستدعي حذراً شديداً.
الانقسامات الطائفية والعقبات المجتمعية
أشارت يانسن إلى أنّ سقوط النظام لم ينهِ الانقسامات المجتمعية، وأضافت أنّ الإجراءات الإيجابية مثل إشراك الأكراد والمسيحيين في الحكومة، أو إصدار فتوى لوقف الانتقام، لا تكفي وحدها لضمان العودة.
وأوضحت الكاتبة أنّ الأقليات ما زالت عرضة للهجمات، مستشهدةً بتفجير كنيسة مار إلياس في دمشق، والغارات الإسرائيلية على خلفية صدامات في السويداء. وتابعت أنّ التعايش بين العائدين وخصوم الأمس قد يشعل نزاعات جديدة، ما لم تتحقق مصالحة محلية وضمانات حماية فعلية.
الحاجة إلى دعم دولي منظم
أكدت الكاتبة أنّ المساعدات ومنها تعهد الاتحاد الأوروبي بـ 2.5 مليار يورو، خطوة مهمة لكنها غير كافية، وأضافت أنّ التمويل يجب أن يُوجَّه إلى بناء الثقة والمصالحة، ودعم الأمن المحلي، وتمويل برامج إعادة الاندماج.
وشددت يانسن على أنّ إشراف الأمم المتحدة ضروري لضمان الشفافية، مع ربط المساعدات بالتزام الحكومة الانتقالية بحماية الأقليات وتنفيذ الإصلاحات.
أزمة الصحة والألغام الأرضية
وقالت الكاتبة إنّ انهيار النظام الصحي يشكّل عقبة مركزية أمام العودة، وأضافت أنّ المستشفيات مدمّرة والكوادر الطبية هاجرت، ما يجعل العائدين أمام كارثة إنسانية.
وأوضحت أنّ آلاف الأطفال وقعوا ضحايا للألغام والعبوات الناسفة، مؤكدة أن أي خطة للعودة يجب أن تسبقها استثمارات ضخمة في الصحة وإزالة الألغام وتدريب الكوادر المحلية.
حقوق الملكية وشروط العودة الآمنة
أشارت الكاتبة إلى أنّ فقدان الضمانات على الملكية يمثّل تحدياً رئيساً، خاصة مع نهب الممتلكات والقوانين التي سمحت بالمصادرة دون تعويض.
وتابعت أنّ الحل يتطلب لجاناً وطنية بدعم دولي، على غرار تجربة البوسنة بعد اتفاق دايتون، لضمان العدالة والشفافية في تسوية قضايا الملكية.
نحو عودة آمنة ومستدامة
خلصت إيفار يانسن إلى أنّ عودة اللاجئين مشروطة بتحقق أربعة عوامل مترابطة: الأمن الحقيقي، وحماية الأقليات، وإعادة تأهيل الصحة وإزالة الألغام، وضمان حقوق الملكية.
وأضافت أنّ العودة يجب أن تكون طوعية وتدريجية وتحت إشراف دولي، مع خطة أوروبية شاملة تتضمن بعثة مراقبة مدنية لضمان الشفافية.
ورأت الكاتبة أنّ مستقبل سوريا لن يكون قابلاً لاحتضان أبنائها إلا إذا جرى تلبية هذه الشروط الصارمة.
وحتى يتحقق ذلك، يبقى على المجتمع الدولي أن يوازن بين ضغوط سياسات اللجوء في أوروبا وبين واجباته الإنسانية تجاه ملايين السوريين. عندها فقط يمكن أن تتحول عودة اللاجئين من حلم بعيد إلى بداية لمرحلة جديدة من الاستقرار.