تحت رعاية رئيس الدولة.. خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل تخريج جامعة خليفة لعام 2025
في مواجهة طعنات الظهر الأمريكية:
غواصات وطائرات: عندما تدفع فرنسا ثمناً باهظاً لسذاجتها...!
-- لن تتمكن التعويضات من محو الإذلال والشعور القوي بانهيار المكانة في صفوف الفرنسيين
-- تحوّل يحدث ببطء في اتحاد أوروبي يتغذى على سراب التجارة الحرة
-- التوقف عن أن تكون فرنسا، أحمــق القريـــــة العـالميـــة
-- المطلوب تغيير حقيقي للبرمجية للخروج من السذاجة تجاه الولايات المتحدة إلى الأبد
-- لم يكن المحاورون الأستراليون على علم بالاتفاق الذي كان يختمر من جانب السياسيين
لئن تظل الصفعة الأسترالية -التي شهدت ميلبورن تبطل العقد مع مجموعة نافال مفضّلة الغواصات المصنوعة في الولايات المتحدة -محفورة في سجلاّت التاريخ، فإنها كانت مجرد حلقة أخرى في قائمة طويلة من الضربات الأمريكية الرخيصة.
ما كان يوم 15 سبتمبر ليبدأ تحت فَأْل أفضل. في الساعة 6:45 صباحًا، القهوة في يد الجميع، اكتشف القادة الرئيسيون لمجموعة نافال بريدًا إلكترونيًا موقعًا من الأدميرال بورك الأسترالي: يقول الأخير إنه “راضٍ عن تقدم البرنامج”. واذا كان الوقت مبكرًا لرفع نخب الشمبانيا، في مقر الصناعي الفرنسي، فان الوقت للتهاني: “عقد القرن” الشهير، الذي ينص على بناء 12 غواصة للجيش الأسترالي، بمبلغ يلامس 10 مليارات يورو (من أصل 56 مليارًا من المغلف الكامل) يؤهل الشركة للانتقال إلى مستوى أعلى. “كنا سعداء، لأننا اعتقدنا أن هذا يعني أننا سننتقل إلى مرحلة التصميم الأساسية، قبل قطع الصّفيحة الأولى عام 2024”، يروي أحد المهندسين الحاضرين ذلك الصباح. بعد ساعات قليلة، تم اعلام رئيس المجموعة الفرنسية أن وزير الدفاع الأسترالي، بيتر داتون، يرغب في التحدث إليه.
مقتنعًا بأن الأخير سيؤكد له الخبر السار، تلقّى بيير إريك بوميليه صاعقة: العقد الذي بدأ عام 2016 تم إبطاله بكل بساطة من قبل ملبورن، التي تفضل الغواصات المصنوعة في الولايات المتحدة. في نفس المساء، أيد الرئيس جو بايدن القرار بالكشف عن مشروع اوكوس، وهو تحالف جديد تم تشكيله مع أستراليا وبريطانيا.
أسباب هذا التحول المفاجئ؟ “يبدو من الواضح أن ذراع الأستراليين قد لويت من قبل الأمريكيين المهووسين تمامًا بالتهديد الصيني، والذين رأوا في ذلك فرصة لإنشاء قاعدة أمامية، وفي نفس الوقت، يبعثون برسالة قوية إلى بكين، يحلل إريك دينيسيه، مدير المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات. و”ربما أراد بايدن أيضًا معاقبة فرنسا، التي جعلت من نفسها حاملة لواء طريق ثالث محتمل في سياق المواجهة الصينية الأمريكية، يضيف فابري، كبير الباحثين في معهد جاك ديلور.
خيانة «عصابة منظمة»
المؤكد، أنّ حلفاء باريس قد خدعوها. “طعنة في الظهر”، وجه وزير الخارجية جان إيف لودريان... وللاحتجاج، قرر الإليزيه استدعاء سفيريه في واشنطن وكانبيرا “للتشاور”... قرار تاريخي. ولئن تحسنت العلاقات مع الولايات المتحدة منذئذ، إذ أدرك بايدن أن “المشاورات المفتوحة بين الحلفاء” من شأنها أن “تسمح بتفادي” هذه الأزمة، فإن الإصلاح والمصالحة مع ملبورن سيستغرقان وقتًا أطول، وسيخضعان لتعويض كبير. بالتأكيد أنّ لمجموعة نافال دفتر طلبات ممتلئ جيدًا، وقد وقّع الصناعي الفرنسي للتو عقدًا بقيمة عدة مليارات من اليورو لتسليم ثلاث فرقاطات إلى اليونان، ولكن لا يزال يتعين عليه العثور على زبائن جدد إذ إن العقد الأسترالي كان ساريًا حتى عام 2070. “يجب ألا ننسى عشرات مقاولي الباطن الفرنسيين الذين أنشأوا أو اشتروا شركات على الجانب الآخر من العالم لمرافقة مجموعة نافال، ويجدون أنفسهم اليوم بخفيّ حنين”، يقول فيليب ميسوف، المندوب العام لـ مجموعة الصناعات الإنشائية والأنشطة البحرية.
تعويضات، لن تتمكن مع ذلك من محو الإذلال والشعور الفرنسيين القوي بانهيار مكانة بلدهم. خاصة، أنه في تاريخ مجموعة نافال –دي سي ان اس سابقًا -فإن هذه الإهانة الضخمة تذكّر بأخرى: الغواصات الهجومية النووية الـ 12 التي كانت فرنسا ستسلمها إلى البحرية الكندية في نهاية الثمانينات. سنوات من المناقشات والتبادلات السياسية في أعلى مستوى انتهت في اعماق سانت لورانس.
في ربيع عام 1989، تم الحصول على تفضيل الكنديين للغواصات الفرنسية. حتى أن رئيس المديرية العامة للأسلحة في ذلك الوقت، إيف سيلارد، سافر إلى أوتاوا لتوقيع اتفاقية بين الحكومتين تؤكد الأمر. خلال العشاء الرسمي، بين كأسين من الشمبانيا، اكتشف الرجلان على الهواء مباشرة على التلفزيون الكندي، أنّ وزير المالية المحلي قد أعلن للتو الإلغاء التام للبرنامج.
ستعرف فرنسا لاحقًا، أن رئيس الوزراء براين مولروني قد أذعن للضغوط الأمريكية. فحتى مع اقتراب الحرب الباردة من نهايتها، لا تميل واشنطن إلى رؤية كندا تعكّر وتشوّش على حرب الغواصات التي تشنها الولايات المتحدة على الروس تحت الغطاء الجليدي في القطب الشمالي ... ففي مجال العقود العسكرية الكبيرة، للصناعة أسبابها التي تجهلها السياسة. وفي هذا المجال، فإن الأمريكيين هم السادة (تمامًا مثل الصين اليوم) في مواءمة مصالحهم الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية. حتى لو كان ذلك يعني استخدام كل وسائل الضغط والتأثير لتحقيق غاياتهم.
سوابق كثيرة «جدا»
داخل الفرع العسكري لشركة ايرباص أو شركة تصنيع الطائرات داسو، يجمعون أيضًا قصص العقود التي انهارت في اللحظات الأخيرة. مثل تلك التي حدثت مع سنغافورة عام 2005، تم التخلص من مقاتلة رافال في اللحظة الأخيرة لصالح طائرة بوينغ إف -15 إيجل. وكانت واشنطن قد وعدت بأن الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي سيقضي جزءً من العام في سواحل المدينة-الدولة... حرب نفوذ مستعرة أيضًا في أوروبا.
خريف عام 2015، توقفت فجأة المفاوضات المتقدمة للغاية بين الحكومة البولندية والشركة الفرنسية إيرباص هليكوبتر للتزوّد بحوالي خمسين كاراكال، بسبب وصول الفريق الأطلنطي الجديد لحزب القانون والعدالة إلى السلطة. “إن ضمان الدعم الأمريكي الثابت ضد الروس هو الذي انتصر”، يقول جان بيير مولني، المدير المساعد والمتخصص في قضايا الدفاع في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
وفي الآونة الأخيرة، يثير اختيار سويسرا الحصول على حوالي ثلاثين طائرة من طراز اف 35 الدهشة حد الصمت -لم تكن المقاتلات المفضلة في البداية من قبل السلطات السويسرية، التي خيّرت مقاتلات رافال عليها... وهنا تطرح الروزنامة أسئلة:
في 10 يونيو، جو بايدن، الذي جاء للقاء فلاديمير بوتين في جنيف، لم يتخلف في الإشادة بمزايا الطائرات الأمريكية. وبعد ثلاثة أسابيع، قام المجلس الفيدرالي بإضفاء الطابع الرسمي على الأمر، مدعيا أن الطائرة المقاتلة الأمريكية “أرخص بنحو ملياري فرنك سويسري من منافسيها».
حجة تدفع للترنّح عندما ندرك أن برنامج اف 35 هو هوّة مالية تندد به مجموعة من التقارير البرلمانية من الكونجرس الأمريكي. وفي هذه الحالة، فإن رفع العقوبات المحتملة عن البنوك السويسرية في الولايات المتحدة كان من شأنه أن يرجّح الكفّة.
الجزرة المالية …
في كل مرة، يصيب ضغط العم سام وينجح... خاصة أنه يعرف أيضًا كيف يستخدم الجزرة المالية. في صناعة الدفاع، تسمى هذه عقود المبيعات العسكرية الخارجية. تتفاوض الدولة المشترية مباشرة مع البنتاغون الذي يتكفّل بشراء المعدات بنفسه من الشركة المصنعة الأمريكية، ويتنزّل الطلب في مشترياته الخاصة. وهنا المكسب ثلاثي الأبعاد: بالنسبة للمشتري، ضمان الاستفادة من تأثير كمّ مشتريات البنتاغون، وبالتالي الحصول على سعر أقل. المصنّع، من جانبه، يقلل من مخاطر الديون غير المسددة، أما بالنسبة للبنتاغون، فهو يبقي صناعته الدفاعية حيّة، ويأخذ عمولة ضخمة من هذه العملية ... انه نظام راسخ. و “قد استخدموا هذا النوع من التجميع للعقد السويسري”، يقول أحد المتخصصين في القطاع، وهو رائد سابق في المديرية العامة للتسليح.
تكمن المشكلة، في أن فرنسا لم ترغب أبدًا (أو لم تستطع، لأن الطلب العسكري ضعيف جدًا) على تجهيز نفسها بمثل هذه الأداة: الدولة، شديدة الحذر ولا تريد ان تتحمل وحدها المخاطر المالية لديون لم تسدد، والصناعيون، خوفًا من تقييد أيديهم من قبل السلطات العمومية...
...أو العصا القضائية
عندما لا تكون الجزرة المالية فاتحة للشهية بما فيه الكفاية، يسحب العم سام العصا. ومن المستحيل مراجعة الترسانة الأمريكية دون الحديث عن تجاوز القانون الأمريكي للحدود الإقليمية، والذي يسمح لصاعقته القضائية بالضرب في أي مكان من العالم تقريبًا. يكفي حقًا أن يكون لديك نصف إصبع في الولايات المتحدة حتى تكون من مشمولات وزارة العدل. إذا كان لدى شركة أجنبية شركة تابعة في الولايات المتحدة، أو إذا كانت مدرجة في بورصة نيويورك للأوراق المالية، أو إذا تمت معاملة بالدولار، أو إذا مرت رسالة بريد إلكتروني بسيطة تدين، عبر خادم في كاليفورنيا، فإن الرابط للإدارة الأمريكية كاف. ألستوم، سيمنز، بي إن بي باريبا، تكنيب، إتش إس بي سي، توتال ...، سبق أن دفعت العديد من الشركات الثمن، وفي أغلب الأحيان بسبب الفساد أو انتهاك الحظر. بالطبع، كان بإمكانها توفير مليارات الدولارات من الغرامات لو احترمت القواعد. المشكلة، هي أن تحقيقات وزارة العدل الامريكية، في كثير من الأحيان، تعفي المجموعات ذات الراية الامريكية، ويبدو أن العقوبات في بعض الأحيان مدفوعة بشكل أساسي بالمصالح الاقتصادية لواشنطن. والمثال الرئيسي، هو استحواذ شركة جنرال إلكتريك على نشاط الطاقة لشركة ألستوم الفرنسية في ربيع عام 2014، عندما كان سعر سوق الأسهم للأخيرة في أدنى مستوياته ... بسبب التهديد بفرض غرامة كبيرة من وزارة العدل.
في هذه الحرب التي لا تقول اسمها، يمكن اثبات أنّ الخطة الاتصالية أيضًا سلاح شرس. قبل الصيف بوقت قصير، نقل البيت الأبيض لقناة سي إن إن، معلومات تتعلق بالمفاعل الفرنسي الصيني في تايشان، وأبلغ عن “تهديد إشعاعي وشيك”. وباختيار الإفصاح عن هذه المعلومات قبل قمة مجموعة السبع، كانت إدارة بايدن متأكدة من أنها ستعطيها أقصى قدر من التأثير، بهدف مزدوج: تشويه سمعة الصين، والتشكيك في موثوقية التكنولوجيا النووية الفرنسية.
ليس مهمّا إذا تبيّن ان الحادث المعني أقل خطورة مما تم الإعلان عنه. ففي الوقت المناسب، سيتمكن المفاوضون الأمريكيون من تذكير محاوريهم بهذه الحلقة، ساعت يتعلق الأمر ببيع مفاعلات جنرال إلكتريك أو وستنجهاوس في بولندا، أو في أي مكان آخر... وعندما لا يكونون في السباق، ينجح الأمريكان دائمًا في أن يكونوا في موقع الحكم أو المؤثر.
إن فرنسا، تبدو عاجزة جدًا في مواجهة هذه الأداة عالية المستوى. وإذا اكتفينا بمسالة الاستخبارات فقط، كيف يمكن تفسير أن الأجهزة الفرنسية لم تتوقع الصفعة الأسترالية القادمة؟ “كانت هناك العديد من الإشارات الضعيفة، مع ذلك، بدءًا من أخبار الصحافة الأسترالية الزائفة، مثل تلك المتعلقة بالقرصنة التي يُزعم أن مجموعة نافال كانت ضحيتها، مما يجعل الصناعي شريكًا لا يمكن الاعتماد عليه”، يشير خبير في هذا القطاع.
بالتأكيد، كما أوضح أحد المقربين من الملف، “كانت عملية الخداع كبيرة، بما أنه حتى المحاورين الأستراليين لم يكونوا على علم بالاتفاق الذي كان يختمر من جانب السياسيين”. وهذا لا يمنع أنه حتى لو كانت المناورة أقل مهارة، من غير المؤكد أنّ أجهزة الاستخبارات الفرنسية كانت ستكتشفها على راداراتها. “75 بالمائة من أعوان المديرية العامة للأمن الخارجي، يعملون اليوم على قضايا الإرهاب، مما يترك مجالًا ضئيلًا للاستخبارات الاقتصادية، ناهيك عن أن التجسس على الأخ الأكبر الأمريكي كان دائمًا من المحرمات عندنا”، يشير إيريك دينيسيه. إنه تغيير حقيقي للبرمجية يجب أن يحدث حتى نخرج من السذاجة مرة واحدة وإلى الأبد.
الخروج من
سذاجتنا الخطيرة
باختصار، التوقف عن أن نكون أحمق القرية العالمية. أن تحوّلا بصدد الحدوث ببطء في اتحاد أوروبي يتغذى على سراب التجارة الحرة. مستوحى من الوحدة الفرنسية المسؤولة عن تنقية الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاستراتيجية، تبنت بروكسل نظامًا مماثلًا. في ديسمبر المقبل، يجب أن تقدم المفوضية أداة “مناهضة للإكراه”، نوعًا من الرد، لا سيما على تجاوز القانون الأمريكي للحدود الإقليمية. انه سلاح للسياسة التجارية سيزيد تلقائيًا الرسوم الجمركية على منتجات دولة ثالثة ذات سياسة تمييزية تجاه أوروبا أو شركاتها. وبالمثل، في الأول من ديسمبر، ينبغي زيادة الرسوم الجمركية على العشرات من المنتجات الأمريكية الرمزية مثل هارلي ديفيدسون أو الويسكي، من 25 إلى 50 بالمائة استجابةً للضرائب التي تؤثر على الفولاذ والألمنيوم الأوروبي.
إن الأمر يتعلّق بامتلاك –وتبنّي وتحمّل، أخيراً! - مفهوم السيادة وترسانة الأدوات التي ترافقه. لا شيء جديد حقا، قد يقول البعض. في أوائل الستينات، رفض ديغول السماح للأمريكيين بالوصول إلى جميع الاتصالات من أول قمر صناعي فرنسي، والذي كان من المقرر أن يدور في المدار، في ذلك الوقت، بواسطة صاروخ أمريكي -وهو الفعل التأسيسي لبرنامج الفضاء الفرنسي. نفس ديغول الذي غادر عام 1966 القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي... منظمة في “حالة موت سريري”، يؤكد إيمانويل ماكرون اليوم... وكأن التاريخ يتلعثم ويتَأْتَأَ.
-- تحوّل يحدث ببطء في اتحاد أوروبي يتغذى على سراب التجارة الحرة
-- التوقف عن أن تكون فرنسا، أحمــق القريـــــة العـالميـــة
-- المطلوب تغيير حقيقي للبرمجية للخروج من السذاجة تجاه الولايات المتحدة إلى الأبد
-- لم يكن المحاورون الأستراليون على علم بالاتفاق الذي كان يختمر من جانب السياسيين
لئن تظل الصفعة الأسترالية -التي شهدت ميلبورن تبطل العقد مع مجموعة نافال مفضّلة الغواصات المصنوعة في الولايات المتحدة -محفورة في سجلاّت التاريخ، فإنها كانت مجرد حلقة أخرى في قائمة طويلة من الضربات الأمريكية الرخيصة.
ما كان يوم 15 سبتمبر ليبدأ تحت فَأْل أفضل. في الساعة 6:45 صباحًا، القهوة في يد الجميع، اكتشف القادة الرئيسيون لمجموعة نافال بريدًا إلكترونيًا موقعًا من الأدميرال بورك الأسترالي: يقول الأخير إنه “راضٍ عن تقدم البرنامج”. واذا كان الوقت مبكرًا لرفع نخب الشمبانيا، في مقر الصناعي الفرنسي، فان الوقت للتهاني: “عقد القرن” الشهير، الذي ينص على بناء 12 غواصة للجيش الأسترالي، بمبلغ يلامس 10 مليارات يورو (من أصل 56 مليارًا من المغلف الكامل) يؤهل الشركة للانتقال إلى مستوى أعلى. “كنا سعداء، لأننا اعتقدنا أن هذا يعني أننا سننتقل إلى مرحلة التصميم الأساسية، قبل قطع الصّفيحة الأولى عام 2024”، يروي أحد المهندسين الحاضرين ذلك الصباح. بعد ساعات قليلة، تم اعلام رئيس المجموعة الفرنسية أن وزير الدفاع الأسترالي، بيتر داتون، يرغب في التحدث إليه.
مقتنعًا بأن الأخير سيؤكد له الخبر السار، تلقّى بيير إريك بوميليه صاعقة: العقد الذي بدأ عام 2016 تم إبطاله بكل بساطة من قبل ملبورن، التي تفضل الغواصات المصنوعة في الولايات المتحدة. في نفس المساء، أيد الرئيس جو بايدن القرار بالكشف عن مشروع اوكوس، وهو تحالف جديد تم تشكيله مع أستراليا وبريطانيا.
أسباب هذا التحول المفاجئ؟ “يبدو من الواضح أن ذراع الأستراليين قد لويت من قبل الأمريكيين المهووسين تمامًا بالتهديد الصيني، والذين رأوا في ذلك فرصة لإنشاء قاعدة أمامية، وفي نفس الوقت، يبعثون برسالة قوية إلى بكين، يحلل إريك دينيسيه، مدير المركز الفرنسي لأبحاث الاستخبارات. و”ربما أراد بايدن أيضًا معاقبة فرنسا، التي جعلت من نفسها حاملة لواء طريق ثالث محتمل في سياق المواجهة الصينية الأمريكية، يضيف فابري، كبير الباحثين في معهد جاك ديلور.
خيانة «عصابة منظمة»
المؤكد، أنّ حلفاء باريس قد خدعوها. “طعنة في الظهر”، وجه وزير الخارجية جان إيف لودريان... وللاحتجاج، قرر الإليزيه استدعاء سفيريه في واشنطن وكانبيرا “للتشاور”... قرار تاريخي. ولئن تحسنت العلاقات مع الولايات المتحدة منذئذ، إذ أدرك بايدن أن “المشاورات المفتوحة بين الحلفاء” من شأنها أن “تسمح بتفادي” هذه الأزمة، فإن الإصلاح والمصالحة مع ملبورن سيستغرقان وقتًا أطول، وسيخضعان لتعويض كبير. بالتأكيد أنّ لمجموعة نافال دفتر طلبات ممتلئ جيدًا، وقد وقّع الصناعي الفرنسي للتو عقدًا بقيمة عدة مليارات من اليورو لتسليم ثلاث فرقاطات إلى اليونان، ولكن لا يزال يتعين عليه العثور على زبائن جدد إذ إن العقد الأسترالي كان ساريًا حتى عام 2070. “يجب ألا ننسى عشرات مقاولي الباطن الفرنسيين الذين أنشأوا أو اشتروا شركات على الجانب الآخر من العالم لمرافقة مجموعة نافال، ويجدون أنفسهم اليوم بخفيّ حنين”، يقول فيليب ميسوف، المندوب العام لـ مجموعة الصناعات الإنشائية والأنشطة البحرية.
تعويضات، لن تتمكن مع ذلك من محو الإذلال والشعور الفرنسيين القوي بانهيار مكانة بلدهم. خاصة، أنه في تاريخ مجموعة نافال –دي سي ان اس سابقًا -فإن هذه الإهانة الضخمة تذكّر بأخرى: الغواصات الهجومية النووية الـ 12 التي كانت فرنسا ستسلمها إلى البحرية الكندية في نهاية الثمانينات. سنوات من المناقشات والتبادلات السياسية في أعلى مستوى انتهت في اعماق سانت لورانس.
في ربيع عام 1989، تم الحصول على تفضيل الكنديين للغواصات الفرنسية. حتى أن رئيس المديرية العامة للأسلحة في ذلك الوقت، إيف سيلارد، سافر إلى أوتاوا لتوقيع اتفاقية بين الحكومتين تؤكد الأمر. خلال العشاء الرسمي، بين كأسين من الشمبانيا، اكتشف الرجلان على الهواء مباشرة على التلفزيون الكندي، أنّ وزير المالية المحلي قد أعلن للتو الإلغاء التام للبرنامج.
ستعرف فرنسا لاحقًا، أن رئيس الوزراء براين مولروني قد أذعن للضغوط الأمريكية. فحتى مع اقتراب الحرب الباردة من نهايتها، لا تميل واشنطن إلى رؤية كندا تعكّر وتشوّش على حرب الغواصات التي تشنها الولايات المتحدة على الروس تحت الغطاء الجليدي في القطب الشمالي ... ففي مجال العقود العسكرية الكبيرة، للصناعة أسبابها التي تجهلها السياسة. وفي هذا المجال، فإن الأمريكيين هم السادة (تمامًا مثل الصين اليوم) في مواءمة مصالحهم الاستراتيجية والجيوسياسية والاقتصادية. حتى لو كان ذلك يعني استخدام كل وسائل الضغط والتأثير لتحقيق غاياتهم.
سوابق كثيرة «جدا»
داخل الفرع العسكري لشركة ايرباص أو شركة تصنيع الطائرات داسو، يجمعون أيضًا قصص العقود التي انهارت في اللحظات الأخيرة. مثل تلك التي حدثت مع سنغافورة عام 2005، تم التخلص من مقاتلة رافال في اللحظة الأخيرة لصالح طائرة بوينغ إف -15 إيجل. وكانت واشنطن قد وعدت بأن الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي سيقضي جزءً من العام في سواحل المدينة-الدولة... حرب نفوذ مستعرة أيضًا في أوروبا.
خريف عام 2015، توقفت فجأة المفاوضات المتقدمة للغاية بين الحكومة البولندية والشركة الفرنسية إيرباص هليكوبتر للتزوّد بحوالي خمسين كاراكال، بسبب وصول الفريق الأطلنطي الجديد لحزب القانون والعدالة إلى السلطة. “إن ضمان الدعم الأمريكي الثابت ضد الروس هو الذي انتصر”، يقول جان بيير مولني، المدير المساعد والمتخصص في قضايا الدفاع في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
وفي الآونة الأخيرة، يثير اختيار سويسرا الحصول على حوالي ثلاثين طائرة من طراز اف 35 الدهشة حد الصمت -لم تكن المقاتلات المفضلة في البداية من قبل السلطات السويسرية، التي خيّرت مقاتلات رافال عليها... وهنا تطرح الروزنامة أسئلة:
في 10 يونيو، جو بايدن، الذي جاء للقاء فلاديمير بوتين في جنيف، لم يتخلف في الإشادة بمزايا الطائرات الأمريكية. وبعد ثلاثة أسابيع، قام المجلس الفيدرالي بإضفاء الطابع الرسمي على الأمر، مدعيا أن الطائرة المقاتلة الأمريكية “أرخص بنحو ملياري فرنك سويسري من منافسيها».
حجة تدفع للترنّح عندما ندرك أن برنامج اف 35 هو هوّة مالية تندد به مجموعة من التقارير البرلمانية من الكونجرس الأمريكي. وفي هذه الحالة، فإن رفع العقوبات المحتملة عن البنوك السويسرية في الولايات المتحدة كان من شأنه أن يرجّح الكفّة.
الجزرة المالية …
في كل مرة، يصيب ضغط العم سام وينجح... خاصة أنه يعرف أيضًا كيف يستخدم الجزرة المالية. في صناعة الدفاع، تسمى هذه عقود المبيعات العسكرية الخارجية. تتفاوض الدولة المشترية مباشرة مع البنتاغون الذي يتكفّل بشراء المعدات بنفسه من الشركة المصنعة الأمريكية، ويتنزّل الطلب في مشترياته الخاصة. وهنا المكسب ثلاثي الأبعاد: بالنسبة للمشتري، ضمان الاستفادة من تأثير كمّ مشتريات البنتاغون، وبالتالي الحصول على سعر أقل. المصنّع، من جانبه، يقلل من مخاطر الديون غير المسددة، أما بالنسبة للبنتاغون، فهو يبقي صناعته الدفاعية حيّة، ويأخذ عمولة ضخمة من هذه العملية ... انه نظام راسخ. و “قد استخدموا هذا النوع من التجميع للعقد السويسري”، يقول أحد المتخصصين في القطاع، وهو رائد سابق في المديرية العامة للتسليح.
تكمن المشكلة، في أن فرنسا لم ترغب أبدًا (أو لم تستطع، لأن الطلب العسكري ضعيف جدًا) على تجهيز نفسها بمثل هذه الأداة: الدولة، شديدة الحذر ولا تريد ان تتحمل وحدها المخاطر المالية لديون لم تسدد، والصناعيون، خوفًا من تقييد أيديهم من قبل السلطات العمومية...
...أو العصا القضائية
عندما لا تكون الجزرة المالية فاتحة للشهية بما فيه الكفاية، يسحب العم سام العصا. ومن المستحيل مراجعة الترسانة الأمريكية دون الحديث عن تجاوز القانون الأمريكي للحدود الإقليمية، والذي يسمح لصاعقته القضائية بالضرب في أي مكان من العالم تقريبًا. يكفي حقًا أن يكون لديك نصف إصبع في الولايات المتحدة حتى تكون من مشمولات وزارة العدل. إذا كان لدى شركة أجنبية شركة تابعة في الولايات المتحدة، أو إذا كانت مدرجة في بورصة نيويورك للأوراق المالية، أو إذا تمت معاملة بالدولار، أو إذا مرت رسالة بريد إلكتروني بسيطة تدين، عبر خادم في كاليفورنيا، فإن الرابط للإدارة الأمريكية كاف. ألستوم، سيمنز، بي إن بي باريبا، تكنيب، إتش إس بي سي، توتال ...، سبق أن دفعت العديد من الشركات الثمن، وفي أغلب الأحيان بسبب الفساد أو انتهاك الحظر. بالطبع، كان بإمكانها توفير مليارات الدولارات من الغرامات لو احترمت القواعد. المشكلة، هي أن تحقيقات وزارة العدل الامريكية، في كثير من الأحيان، تعفي المجموعات ذات الراية الامريكية، ويبدو أن العقوبات في بعض الأحيان مدفوعة بشكل أساسي بالمصالح الاقتصادية لواشنطن. والمثال الرئيسي، هو استحواذ شركة جنرال إلكتريك على نشاط الطاقة لشركة ألستوم الفرنسية في ربيع عام 2014، عندما كان سعر سوق الأسهم للأخيرة في أدنى مستوياته ... بسبب التهديد بفرض غرامة كبيرة من وزارة العدل.
في هذه الحرب التي لا تقول اسمها، يمكن اثبات أنّ الخطة الاتصالية أيضًا سلاح شرس. قبل الصيف بوقت قصير، نقل البيت الأبيض لقناة سي إن إن، معلومات تتعلق بالمفاعل الفرنسي الصيني في تايشان، وأبلغ عن “تهديد إشعاعي وشيك”. وباختيار الإفصاح عن هذه المعلومات قبل قمة مجموعة السبع، كانت إدارة بايدن متأكدة من أنها ستعطيها أقصى قدر من التأثير، بهدف مزدوج: تشويه سمعة الصين، والتشكيك في موثوقية التكنولوجيا النووية الفرنسية.
ليس مهمّا إذا تبيّن ان الحادث المعني أقل خطورة مما تم الإعلان عنه. ففي الوقت المناسب، سيتمكن المفاوضون الأمريكيون من تذكير محاوريهم بهذه الحلقة، ساعت يتعلق الأمر ببيع مفاعلات جنرال إلكتريك أو وستنجهاوس في بولندا، أو في أي مكان آخر... وعندما لا يكونون في السباق، ينجح الأمريكان دائمًا في أن يكونوا في موقع الحكم أو المؤثر.
إن فرنسا، تبدو عاجزة جدًا في مواجهة هذه الأداة عالية المستوى. وإذا اكتفينا بمسالة الاستخبارات فقط، كيف يمكن تفسير أن الأجهزة الفرنسية لم تتوقع الصفعة الأسترالية القادمة؟ “كانت هناك العديد من الإشارات الضعيفة، مع ذلك، بدءًا من أخبار الصحافة الأسترالية الزائفة، مثل تلك المتعلقة بالقرصنة التي يُزعم أن مجموعة نافال كانت ضحيتها، مما يجعل الصناعي شريكًا لا يمكن الاعتماد عليه”، يشير خبير في هذا القطاع.
بالتأكيد، كما أوضح أحد المقربين من الملف، “كانت عملية الخداع كبيرة، بما أنه حتى المحاورين الأستراليين لم يكونوا على علم بالاتفاق الذي كان يختمر من جانب السياسيين”. وهذا لا يمنع أنه حتى لو كانت المناورة أقل مهارة، من غير المؤكد أنّ أجهزة الاستخبارات الفرنسية كانت ستكتشفها على راداراتها. “75 بالمائة من أعوان المديرية العامة للأمن الخارجي، يعملون اليوم على قضايا الإرهاب، مما يترك مجالًا ضئيلًا للاستخبارات الاقتصادية، ناهيك عن أن التجسس على الأخ الأكبر الأمريكي كان دائمًا من المحرمات عندنا”، يشير إيريك دينيسيه. إنه تغيير حقيقي للبرمجية يجب أن يحدث حتى نخرج من السذاجة مرة واحدة وإلى الأبد.
الخروج من
سذاجتنا الخطيرة
باختصار، التوقف عن أن نكون أحمق القرية العالمية. أن تحوّلا بصدد الحدوث ببطء في اتحاد أوروبي يتغذى على سراب التجارة الحرة. مستوحى من الوحدة الفرنسية المسؤولة عن تنقية الاستثمارات الأجنبية في القطاعات الاستراتيجية، تبنت بروكسل نظامًا مماثلًا. في ديسمبر المقبل، يجب أن تقدم المفوضية أداة “مناهضة للإكراه”، نوعًا من الرد، لا سيما على تجاوز القانون الأمريكي للحدود الإقليمية. انه سلاح للسياسة التجارية سيزيد تلقائيًا الرسوم الجمركية على منتجات دولة ثالثة ذات سياسة تمييزية تجاه أوروبا أو شركاتها. وبالمثل، في الأول من ديسمبر، ينبغي زيادة الرسوم الجمركية على العشرات من المنتجات الأمريكية الرمزية مثل هارلي ديفيدسون أو الويسكي، من 25 إلى 50 بالمائة استجابةً للضرائب التي تؤثر على الفولاذ والألمنيوم الأوروبي.
إن الأمر يتعلّق بامتلاك –وتبنّي وتحمّل، أخيراً! - مفهوم السيادة وترسانة الأدوات التي ترافقه. لا شيء جديد حقا، قد يقول البعض. في أوائل الستينات، رفض ديغول السماح للأمريكيين بالوصول إلى جميع الاتصالات من أول قمر صناعي فرنسي، والذي كان من المقرر أن يدور في المدار، في ذلك الوقت، بواسطة صاروخ أمريكي -وهو الفعل التأسيسي لبرنامج الفضاء الفرنسي. نفس ديغول الذي غادر عام 1966 القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي... منظمة في “حالة موت سريري”، يؤكد إيمانويل ماكرون اليوم... وكأن التاريخ يتلعثم ويتَأْتَأَ.