بوتين يفعل كل ما يقول إنه سيفعله

فايننشال تايمز: تحذيرات أطلسية متزايدة من نزاع مع روسيا

فايننشال تايمز: تحذيرات أطلسية متزايدة من نزاع مع روسيا


تزايدت التقييمات العسكرية الغربية التي تحذر من هجوم روسي على دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في المدى المتوسط.
في هذا الإطار، نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» عن مسؤول في الاستخبارات العسكرية البريطانية قوله: «إننا نعيش في أوقات خطيرة حقاً، وفي مرحلة أصبح فيها النزاع الواسع النطاق أكثر احتمالاً مما كان عليه في التاريخ الحديث».
وقال مسؤول دفاعي بريطاني ثانٍ إن نية روسيا العدوانية لا تزال موجودة. لقد تدهورت قواتها البرية في أوكرانيا، لكن قواتها الجوية والبحرية سليمة إلى حد كبير، ولا تزال روسيا قوة نووية كبرى.

حققت ما كان مستحيلاً
أحد أسباب انزعاج المسؤولين الغربيين هو إحياء روسيا لآلتها الدفاعية الصناعية خلال السنة الماضية، وهو ما حدث بسرعة اعتقد كثر في الغرب أنها مستحيلة. وأنتجت روسيا أربعة ملايين قذيفة مدفعية وعدة مئات من الدبابات خلال هذه الفترة. ويتوقع مسؤولون أوكرانيون أن تقوم بتجنيد 400 ألف رجل آخر هذه السنة بدون اللجوء إلى تعبئة واسعة النطاق. في الوقت نفسه، أصبح مستقبل الناتو موضع شك بسبب احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وقال ترامب في نهاية الأسبوع الماضي إنه «سيشجع» روسيا على مهاجمة أي عضو أطلسي يفشل في الوصول إلى هدف الحلف المتمثل في الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
وزادت الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي إنفاقها الدفاعي بنحو الثلث على مدى العقد الماضي، مع زيادة بعض الدول إنفاقها بشكل كبير منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وبالرغم من أن الجيش الروسي منتشر بكثافة في أوكرانيا وقد تكبد خسائر فادحة خلال عامين من الصراع، يتوقع أغلب المسؤولين الغربيين أن يتمكن من إعادة تشكيل قواته في غضون خمسة إلى ستة أعوام.
وقال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس للصحافيين يوم الخميس: «نعلم أن الخصوم يبحثون دائماً عن طرق جديدة لشن الحرب». وأضاف: «لهذا يجب أن نكون في همتنا. لهذا يجب أن نكون جاهزين». وقد أصدر مسؤولون دفاعيون غربيون آخرون في الأسابيع الأخيرة عدداً غير مسبوق من تحذيرات عامة بشأن احتمال نشوب صراع أوسع في أوروبا مع روسيا متمتعة بثقة أكبر وبتسلح متجدد.

ليس خيالاً
حسب الصحيفة نفسها، قال وزير الدفاع الدنماركي ترويلز لوند بولسن الأسبوع الماضي إن روسيا قد تختبر بند الدفاع المشترك لحلف شمال الأطلسي «في غضون فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات». جاء ذلك بعد تحذيرات مماثلة لزملاء من السويد والمملكة المتحدة ورومانيا وألمانيا وكبار المسؤولين في حلف شمال الأطلسي منذ بداية السنة.

وقالت ماري أغنيس ستراك-زيمرمان، رئيسة لجنة الدفاع في البرلمان الألماني إنه يجب الاعتياد على فكرة أنه من الواقعي قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمهاجمة إحدى دول الناتو في غضون 5 إلى 8 أعوام. وقالت إن بوتين «مدفوع بنوع من الإمبريالية لم نعتقد قط أنه يمكن أن يوجد في القرن الحادي والعشرين».
وقال أحد كبار الدبلوماسيين في حلف شمال الأطلسي في تعليق على التحذيرات من هجوم روسي محتمل على أحد أعضاء الحلف: «إنه تهديد حقيقي، وعلينا أن نكون مستعدين لذلك». وأضاف: «لا أجد مثل هذه التنبؤات خيالاً... لا نملك ترف الاعتقاد بأن روسيا ستتوقف في أوكرانيا». وذهب أحد كبار المسؤولين الأوروبيين إلى حد القول إن «نية وقدرة» روسيا على مهاجمة إحدى دول الناتو قبل نهاية العقد كانت «متوافقة إلى حد كبير» داخل التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة. وقال المسؤول: «الفرصة هي المتغير الوحيد».

أكبر مناورة
قال المسؤولون إن أحد أسباب التحذيرات الشديدة هو إعداد المجتمعات للخطر المحتمل، والتأكد من أن البنية التحتية المدنية جاهزة لمواجهة العواقب المحتملة.
وقال مسؤولون إن القيادة المشتركة للدعم والتمكين التابعة لحلف شمال الأطلسي، وهي مركز قيادة للحلف في مدينة أولم بجنوب ألمانيا، تعكف على وضع خطط لكيفية انتشار قوات الناتو العسكرية في جميع أنحاء أوروبا واستدامتها وتعزيزها في حالة نشوب صراع.
وستستند هذه العملية إلى الدروس المستفادة من مناورة «المُدافع الصامد» الجارية والتي تحاكي نزاعاً واسع النطاق مع عدو يقع في شرق الناتو. وهي أكبر مناورات حربية من نوعها في تاريخ الحلف منذ الحرب الباردة.
وقال الأدميرال روب باور الذي يرأس لجنة الناتو التي تقدم المشورة بشأن الاستراتيجية العسكرية للحلف، إن التدريبات كانت حول «الاستعداد لنزاع مع روسيا».

على البريطانيين الاستعداد
حذر قائد الجيش البريطاني المنتهية ولايته الجنرال السير باتريك ساندرز من أن الشعب البريطاني بحاجة إلى أن يكون مستعداً للقتال في حرب محتملة مع روسيا. وقال الشهر الماضي إنه يجب أن يتم «تدريب وتجهيز» المواطنين البريطانيين للقتال، لأن موسكو خططت «لهزيمة نظام وطريقة عيشنا».
وأوضح المسؤول الاستخباري البريطاني الأول إن مثل هذه التحذيرات لم تكن محاولة لإثارة الذعر مضيفاً أن التحذيرات «تهدف إلى أن يكون لدينا البصيرة وإلى أن يتم تحذيرنا مسبقاً لأنه غالباً ما تكون هناك فترة قصيرة جداً بين التحذير والوقوع في أزمة».
وقال مسؤول أوكراني كبير إن لدى كييف «معلومات استخبارية قوية» تفيد بأن بوتين يستعد للحرب ضد دول البلطيق. وتابع: «بوتين لا يستطيع ببساطة التوقف».

ينفذ كل ما يقوله
مع ذلك، تابعت فايننشال تايمز، يشكك بعض أعضاء الحلف بوجود نية لدى الرئيس الروسي بمهاجمة دولة عضو في الناتو. وقال أحد كبار مسؤولي الدفاع الأمريكي: «نعتقد أنه يأخذ التزامنا بالمادة الخامسة على محمل الجد، ولا يريد الدخول في حرب مع حلف شمال الأطلسي».
قال بوتين إن انهيار الاتحاد السوفياتي كان أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين وأدلى بتصريحات متكررة حول رغبة موسكو في حماية السكان الناطقين باللغة الروسية خارج حدودها. وكانت هذه الحجة واحدة من حجج عديدة استخدمها الكرملين لدعم حربه ضد أوكرانيا.
وقال جهاز الاستخبارات الخارجية في إستونيا هذا الأسبوع إن روسيا تعتزم مضاعفة عدد قواتها المتمركزة على طول حدودها مع دول البلطيق وفنلندا، وهي خطوة يمكن أن تنذر بنشوب نزاع عسكري محتمل مع الناتو خلال العقد المقبل.
قال كريستوف هيوسغن الذي يشغل الآن منصب رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن: «بوتين يفعل كل ما يقول إنه سيفعله. الأمر الوحيد الذي يمكن أن يوقفه هو سياسة القوة». وأضاف: «إنه الشيء الوحيد الذي يفهمه».