لمواجهة الإرهابيين:

فرنسا تراجع استراتيجيتها في غرب أفريقيا

فرنسا تراجع استراتيجيتها في غرب أفريقيا

- يعيد النظام الفرنسي تموضعه، لا سيما في النيجر التي أصبحت أفضل حليف لفرنسا في المنطقة
- سيشارك ماكرون في أكتوبر في اجتماع مبادرة أكرا، التي تجمع دول خليج غينيا وبوركينا فاسو


   منذ مغادرة مالي في فبراير، فقدت فرنسا المركز العصبي لنظامها العسكري. وتسعى باريس الآن إلى تعزيز العلاقات مع النيجر ودول خليج غينيا، حيث تتعرض بنين وتوغو بشكل متزايد لهجمات إرهابية.
  لم يتبق الكثير من الوجود الفرنسي في مالي. ثماني سنوات من الانتشار العسكري، تعبئة أكثر من ثلثي القوات الفرنسية المنتشرة في الخارج، كلفتها 880 مليون يورو لعام 2020 فقط.
  ومع ذلك، من المؤكد أن فرنسا لا تزال لها جذور في منطقة الساحل. لكن لئن احتفظت القوة الاستعمارية السابقة بقواعد جوية في نيامي والنيجر ونجامينا بتشاد في السنوات الأخيرة، فإن المركز العصبي للنظام العسكري كان فعليّا في مالي، وبشكل أدق شمال البلاد.

روسيا بدلاً من فرنسا
   أفلتوا من رقابة الدولة المركزية وسيطرتها، بدأ من هناك تمرد الجماعات المسلحة بهدف إسقاط الحكومة عام 2013. ولئن نجحت فرنسا في وقف هذا التقدم، فإنها تعثرت في محاولتها محاربة الإرهابيين المراوغين، ذوي الخبرة في تقنيات حرب العصابات، والذين تتجدد أعدادهم باستمرار، ويختبؤون في المنطقة الشاسعة المعروفة باسم “الحدود    الثلاثة”: مالي، بوركينا فاسو، النيجر.
   «لا يمكن كسب الحرب ضد التمرد إلا بإرادة وطنية، كما كان الحال في موريتانيا “لم تشهد البلاد هجمات إرهابية منذ عام  2011”، حسب تقدير باسكال *، وهو ضابط سام تم تعيينه عدة مرات في البلاد.
   في الأخير، قام انقلابان شاذان تم تنفيذهما في أقل من عام. في 2021، استحوذ مجلس عسكري معادٍ لباريس على السلطة، والذي قرر اللجوء الى مساعدة موسكو وشركة فاغنر شبه العسكرية، مما أدى إلى دق ناقوس موت عملية برخان، التي تم تأبينها رسميا في فبراير 2022. وهكذا، بعد استقبالها كمحررة عام 2013، تم طرد فرنسا، وأجبرت على إعادة التفكير في برمجيتها. وتشبه هذه الدوامة ما حدث في جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث قررت السلطات هناك أيضًا، بعد العملية العسكرية الفرنسية سانغاريس “2013-2016” ، الارتباط بروسيا.

إحياء روح “تاكوبا»
    هذا التحول في النموذج، يضعف القوة المشتركة لمجموعة الساحل الخمس “موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد”، التي تم إنشاؤها عام 2014، والتي جمعت 5 آلاف رجل حتى مغادرة مالي في 15 مايو. واليوم، تحاول تشاد والنيجر تنشيط القوة بدعم من فرنسا وأموال أوروبية.
   الضحية الثانية في نهاية عملية برخان، هي فرقة عمل “تاكوبا”، وهي مجموعة من القوات الخاصة الأوروبية التي تم إحداثها في مارس 2020. ومع ذلك، فإن “فرنسا لديها الإرادة لتكريس روح ‘تاكوبا’، من أجل دفع الدفاع الأوروبي إلى الأمام في الوقت نفسه “، يصف باسكال، الذي كان مسؤولا عن العمليات اللوجستية أثناء إنشاء القوة في جاو، مالي.
   «الهدف بالنسبة لدول مثل إستونيا أو الدنمارك، هو الحصول على خبرة ميدانية، من أجل تفادي أن تكون مجرّد جيوش اجتماعية كما نرى في 80 بالمائة من الدول الأوروبية. كان للقوات ردود فعل جيدة، ويستمر التفكير في إحياء روح “تاكوبا».

النيجر حليف مهم
   لذلك، يعيد النظام الفرنسي تموضعه، لا سيما في النيجر، البلد المحاط بجماعات إرهابية، والذي أصبح أفضل حليف لفرنسا في المنطقة. “الرئيس النيجيري، محمد بازوم، مصمم وكفؤ للغاية، على عكس إبراهيم بوبكر كيتا، رئيس الدولة المالي السابق الذي أطاح به المجلس العسكري “في أغسطس 2020، ملاحظة المحرر” يقول نيكولاس نورماند، السفير الفرنسي السابق في مالي والسنغال وغامبيا.
   في قاعدة أولام العسكرية، في النيجر، بالقرب من الحدود المالية، يعمل جنود من الفيلق الفرنسي مع الجنود النيجيريين. ومع ذلك، فإن علم النيجر البرتقالي والأبيض والأخضر فقط هو الذي يرفرف فوق القاعدة، وفقًا لوكالة الأنباء الفرنسية.

   وبالتالي، شراكة سرية، على الرغم من تصريحات الرئيس النيجيري محمد بازوم، الذي يفضل مع ذلك التعاون “غير المقيد كليًا” مع باريس. “بازوم متحمس للغاية للفرنكوفونية، ويعرف أن فرنسا قادرة على مساعدته بشكل كبير، لكنه لا يملك كل القوة، والنيجر هي بلد كل الأخطار لأنها تعاني من الإسلاموية والفقر وتركيبة سكانية لا يمكن السيطرة عليها.»
   يمكن لهذا الشريك المركزي الجديد أيضًا الاعتماد على مفتاح الحرب ضد الإرهاب، مما يجعل من الممكن تحييد 40 بالمائة من المقاتلين الإرهابيين: طائرات ريبر الأمريكية بدون طيار، المنتشرة في قاعدة أغاديز العسكرية، ثاني أكبر قاعدة للولايات المتحدة في أفريقيا بعد جيبوتي، حيث توجد فرنسا أيضًا.
   و “مع ذلك، يجب أن يتطور مفهوم الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل في اتجاه التكتم” يضيف نيكولا نورماند.
“العمل الاتصالي يجب أن يظل مهمة السلطات المحلية وحدها، بينما تبقى القوات الفرنسية في الخط الثاني”. والطائرات بدون طيار هي جزء لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية.

التعامل مع التهديدات
   منذ عام 2015، انتشرت القوات الجهادية تدريجياً في دول خليج غينيا، الواقعة على أطراف منطقة الساحل، لا سيما في المتنزهات الوطنية والمناطق الريفية التي يسكنها السكان المسلمون. وتتعرض بنين وتوغو لهجمات متكررة ومميتة بشكل متزايد، تنسب إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي جماعة مسلحة مرتبطة بالقاعدة وتشكلت في مالي.
   وتريد فرنسا، التي لا تزال لديها عناصر منتشرة في السنغال والغابون وكوت ديفوار، تكثيف تعاونها في المنطقة الفرعية، كما يتضح من زيارة إيمانويل ماكرون إلى كوتونو، بنين، في 27 يوليو. “ما نريد أن نفعله هو أن نبني معًا بطريقة ملموسة للغاية تجديد الوجود الفرنسي وهذه الشراكة كدعم، وسند: تدريب وتجهيز ومصاحبة”، قال الرئيس الفرنسي.

   بالإضافة إلى ذلك، ستساعد أداة أوروبية جديدة تسمى “مرفق السلام الأوروبي” في هذه المهمة. إنها تسمح بتمويل المساعدات الثنائية المباشرة، وبالتالي تمويل الرواتب ومشتريات الأسلحة والذخيرة. “إنها ثورة مؤسسية مهمة للغاية، يؤكد نيكولا نورماند،
 ستطبّق الآلية في غرب أفريقيا، بفضل التمويل الأوروبي، لتقوية جيوش بوركينا فاسو وكوت ديفوار والبنين ايضا».
   من جهة اخرى، سيشارك إيمانويل ماكرون في أكتوبر في اجتماع لمبادرة أكرا، التي تجمع دول خليج غينيا وكذلك بوركينا فاسو، رغبة في التنسيق لمواجهة التهديدات، وبالنسبة لفرنسا طريقة لإعادة صياغة استراتيجيتها العسكرية والسياسية في غرب إفريقيا.
* تم تغيير الاسم.