توتر شديد يعصف بعلاقاتهما:

فرنسا -مالي، طلاق تحت مجهر التحليل...!

فرنسا -مالي، طلاق تحت مجهر التحليل...!

-- المزايدة بين ماكرون ورئيس المجلس العسكري في باماكو، هي حلقة أخرى في مسلسل الاستياء
-- على مدى سنوات تراكم الاستياء وسوء الفهم والإحباط بين البلدين
-- تخطط الحكومة المالية لتوقيع عقد مع شركة المرتزقة الروسية «فاغنر»
-- لوران بيغو: لقد ارتكبنا الأخطاء نفسها التي ارتكبها الأمريكيون في أفغانستان


   «عار»، «غير مقبول»، «شرعية باطلة ديمقراطياً”... مساء الخميس، لم يكن في جعبة إيمانويل ماكرون ما يكفي من الكلمات القاسية ضد رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي. ويقول مقرب من الرئيس الفرنسي: «إنها كلمات تتناسب مع التصريحات البذيئة التي أدلى بها رئيس الوزراء الأسبوع الماضي».   من على منبر الأمم المتحدة، وصف شوغيل مايغا، قرار فرنسا بتقليص قوة عملية برخان من 5100 إلى أقل من 3000 رجل بحلول عام 2023 بأنه “تخلي عن بلاده في منتصف الطريق”.

ولم تصل العلاقات بين باريس وباماكو أبدًا، منذ ثماني سنوات، إلى مثل هذه الدرجة من التوتر.
   وفي الإليزيه، ما زال رفض الحديث عن الطلاق هو سيد الموقف. “رغم ان الأمر يبدو كذلك، يلاحظ خبير من الساحل. إننا في اللحظة التي يفرغ فيها الزوجان ما يثقل قلبيهما”، لأنه على مدى سنوات تراكم الاستياء وسوء الفهم والإحباط بين البلدين.

كيدال، الخطيئة الأصلية
   في الثاني من فبراير 2013. قام الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، بدخول مظفّر إلى تمبكتو، حيث انطلقت عملية “سيرفال” قبل ثلاثة أسابيع، وتم تحريرها من الجماعات المتطرفة. لم تدم افراح الملحمة طويلا... في كيدال، المدينة الاستراتيجية أقصى الشمال، ظهرت التوترات الأولى. “إنها عقدة توتر أساسية”، يشير الدبلوماسي السابق لوران بيغو.
   لئن أعادت القوات المالية وجودها في غاو وتمبكتو، فلن تطأ أقدامها كيدال.
“لم تكن تملك وسائل القيام بذلك”، يؤكد الخبير من منطقة الساحل. في حين يؤكد الباحث بوبكر حيدرة، أن “جزء من الماليين اعتبر أن فرنسا منعتهم من ذلك لأنها أرادت حماية الانفصاليين الطوارق التابعين للحركة الوطنية لتحرير أزواد».
   وهكذا، فإن باريس تلعب لعبة مزدوجة، ولن يتطلب الأمر المزيد لفتح صندوق التخيلات. “لماذا بقي الفرنسيون في كيدال؟ من أجل الذهب والنفط”، هذا ما يقوله خليل سارموي سيسي، الرئيس السابق لحركة الوطنيين من أجل مالي، وهي حركة مناهضة لفرنسا ومؤيدة لروسيا.

انحراف إبراهيم
 أبو بكر كيتا
   في سبتمبر 2013، تم انتخاب إبراهيم أبو بكر كيتا، رئيسًا لمالي. وعد هذا الاشتراكي بالأمن والازدهار للبلاد. الا ان فترة ولايته الأولى تميزت خصوصا بالركود: اتفاقات الجزائر الموقعة مع بعض الجماعات المتمردة عام 2015 لم تنفذ، واقتصاد وحشي يترسخ، وإعادة بناء القوات المسلحة المالية تعثّر، وإقامة برخان، التي خلفت سرفال، لم تمنع الجماعات الإرهابية من الازدهار.
   ولئن اعترف فريق فرانسوا هولاند، بسخطه في المجالس الخاصة، فرسميًا، يظل إبراهيم أبو بكر كيتا هو الرجل المناسب للوظيفة. “لقد دعمت فرنسا سلطة أصبحت قمعية وفاسدة، يقيّم لوران بيغو، وقد ارتكبنا الأخطاء نفسها  التي ارتكبها الأمريكيون في أفغانستان».
   مثّل وصول إيمانويل ماكرون إلى السلطة تغيرًا في اللهجة مع الرئيس المالي، الذي أعيد انتخابه عام 2018. في يناير 2020، في قمة باو، ثم في نواكشوط بعد ستة أشهر، ندد الرئيس الفرنسي بنظيره وطالبه بان تعود إدارته الى مناطق الشمال وخاصة وسط البلاد، التي أصبحت بؤرة العمل الجهادي. “في مالي، كان يُنظر إلى هذا على أنه سلوك أبوي”، يلاحظ المتخصص في منطقة الساحل. بمعنى تذكير بالفترة الاستعمارية، التي “لم تتم تسوية حساباتها بالكامل”، حسب جان هيرفي جيزيكيل، من مجموعة الأزمات الدولية.

التفاوض خط أحمر
   «لن نتفاوض مع إرهابيين ملطخة أيديهم بالدماء”. هذه دوكسا فرنسا، التي تبررها على وجه الخصوص بمن سقط من جنودها -عددهم 52 -في منطقة الساحل منذ عام 2013. “ولكن السكان المدنيين خاصة هم المبتهجون، يؤكد الباحث بوبكر حيدرة، فالعديد من الماليين الآن يؤيدون الحوار مع الجهاديين، ولا يفهمون هذا التصلّب الأيديولوجي لفرنسا، مما ساعد على تشويه صورتها».
  منذ عام 2016، بدأت دولة مالي مناقشات مع الجماعات المسلحة، لكن تحت ضغط باريس، تم التخلي عنها. في فبراير 2020، طرح إبراهيم أبو بكر كيتا مجددًا حوارًا وطنيًا. مرة أخرى، تبقى باريس تبقى حذرة. وهذا “خلق الكثير من الإحباطات على الجانب المالي”، يحلل جان هيرفي جيزيكيل. لم يلق الموقف الفرنسي قبولًا جيدًا، لأن الاتفاقات التي أبرمت محليًا مع المتمردين جعلت من الممكن الحد من العنف.

الروس على الخط
   لئن كانت الحكومة المالية تخطط لتوقيع عقد مع شركة المرتزقة الروسية “فاغنر”، فإن التقارب بين باماكو والكرملين، الحليفين خلال الحرب الباردة، ليس وليد اليوم. عام 2017، قدمت روسيا طائرتين مروحيتين إلى باماكو، وعام 2019، ذهب إبراهيم أبو بكر كيتا إلى سوتشي لحضور القمة الأفريقية التي نظمها فلاديمير بوتين، وتم توقيع اتفاقية تعاون عسكري في نفس العام. وفي مالي، تنتفض الحركات الموالية لروسيا، مثل حركة الوطنيين من اجل مالي، مطالبة برحيل برخان. إنها حركات مجهرية لكنها تروّج لنغمة مناهضة لفرنسا على الشبكات الاجتماعية، منسقة من موسكو. المظاهرات ضد الوجود الفرنسي تتزايد.

قطيعة مع
المجلس العسكري
   في الثامن عشر من أغسطس 2020، سلطة إبراهيم أبو بكر كيتا المحتضرة، لم تصمد امام انقلاب عسكري. استبشرت باريس بالدماء الجديدة التي سيضخها هؤلاء الضباط الشباب بقيادة العقيد غوتا، غير ان الانقلاب الثاني في مايو الماضي سيدفن هذه الآمال.
  علّقت فرنسا تعاونها مع القوات المسلحة المالية لفترة، وعلمت باريس أن المجلس العسكري يتفاوض من وراء الكواليس –”منذ شهور” بحسب الإليزيه -مع روس فاغنر. وبالتالي، فإن حجة رئيس الوزراء، الذي يقول إنه يبحث عن تحالفات جديدة بسبب “التخلي” الفرنسي، لا تصمد. خاصة أن “تغيير حجم برخان نوقش فعلا مع السلطات المالية”، كما تشدد حاشية إيمانويل ماكرون. ولئن لم يرد أي مسؤول مالي حتى الآن، تحدثت جيمايل بيطار، المتحدث باسم حركة 5 يونيو وتجمع القوى الوطنية التي تدعم المجلس العسكري، على راديو فرنسا الدولي السبت الماضي عن فرنسا باعتبارها “عدوًا محجّبا”، يجب أن يغادر مالي.
---------------------------