التشريعية على الأبواب:
فرنسا: هل أغرق الجمهوريون اليمين نهائيا...؟
-- كانت فاليري بيكريس ضحية استراتيجية تم تطويرها داخل معسكرها بهدف إسقاطها لصالح إيمانويل ماكرون
-- حزب الجمهوريين هو وريث العائلات السياسية لليمين الجمهوري الذي حكم فرنسا منذ 1958
-- يعيش اليمين الفرنسي منذ فترة طويلة أزمة وجودية زاحفة
-- يفتقر الجمهوريون إلـى مجموعة أيديولوجية حازمة ومؤكدة
-- كما في كثير من الكوارث، يوجد في اليمين الجمهوري خلل بنيوي، وسلسلة من الإهمال، أو الأخطاء البشرية
قبل أسـابيع قليلـــة من الانتخابات التشريعية، وبعد انتخابــات رئاسية مأســــاوية، يجد الجمهوريون صعوبة لإجراء حملة وطنية.
فهـــل هــي نهايـــة اليمين الفرنسـي؟
«الجمهوريون”، هو الاسم الذي اختاره نيكولا ســــاركوزي لإعــــادة تسمية “الاتحاد من أجل الحركة الشـــــعبية”، الحـــزب الـــــــذي كــــان يقـــــوده ولكنــــه كـــــــان على وجـــــــه الخصوص، المنجــز الكبير لجاك شيراك وآلان جوبيـــه، المؤسس والقائـد التاريخي للحركة الديغولية الجديدة “التجمع من أجل الجمهورية” بهدف ضم أبرز وجوه لما كان يسمّى “الاتحـاد من أجل الديمقراطية الفرنسية”.
باختصار، حزب الجمهوريين هو وريث العائلات السياسية لليمين الجمهوري، اليمين الذي حكم البلاد منذ عام 1958. وعلى غرار الحزب الاشتراكي، القوة السياسية الأخرى التي حكمت البلاد في ظل الجمهورية الخامسة، عانى حزب الجمهوريين من نكسات كبيرة في الانتخابات الوطنية بعد عام 2017، مما بات يشكك في وجود هذا التنظيم السياسي.
انشقاقات، امّحاء ... هزيمة؟
يشير انشقاق داميان أباد، رئيس مجموعة الجمهوريين في قصر بوربون، إلى القلق الذي يستبد بالجمهوريين. فقد اختار هذا العضو السابق في “الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية”، الوسطي المشهور، أن يصبح وزيراً بناءً على دعوة الرئيس ماكرون.
والانشقاق في منتصف الحملة الانتخابية التشريعية لرئيس المجموعة البرلمانية، هو بحكم الأمر الواقع لمصلحة الأغلبية الرئاسية، وهو في حد ذاته حقيقة سياسية لا تشجع الأسرة السياسية على يمين الحكومة.
وللوقوف عند ابعاد هذه الخطوة، هل يمكن تخيّل التحاق شارل باسكوا أو برنار بونس، اللذين كانا على رأس مجموعة “التجمع من أجل الجمهورية” في مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، بأغلبية فرانسوا ميتران؟
إذا كان حزب الجمهوريين يتفكك، فذلك لأن تيارين أيديولوجيين متعارضين، وعائلتين سياسيتين متنافستين تقودان إلى تصدع وتشتت العناصر المكونة له. بالنسبة لعائلة سياسية، فإن ترك رايتها وشعارها على الرف ليس سوى علامة على التخلي عن أي استراتيجية جماعية، وهذا يعني بكل بساطة عن كل استراتيجية. ان الهويات السياسية “القوية”، الأكثر تماسكًا نسبيًا، التي تحملها قوى سياسية قادرة على تمويه خلافاتها، تزيح الأكثر هشاشة.
الانكفاء المحلي الخطأ
الذي لا مفر منه
كل شخص “مشغول بالدفاع عن دائرته” يصبح “رجل ملفات خالص يقوم فقط بالمهمة”. نعثر على هذه الملاحظة، مع فوارق عريضة الى حد ما، بين المرشحين المختلفين مثل غيوم لاريفه (يون) أو أوريلين براديه (اللوت). يحاجون بأن يافطتهم معروفة -وهي معروفة فعلا لناخبيهم –فانهم يكشفون خصوصا، مصاعب اليمين في تنفيذ حملة متماسكة من حيث المشروع والمكانة بين أقصى اليمين وقطب الماكرونية.
وفق أوريلين براديه، المدافع عن خط، تقليديًا “التجمع من أجل الجمهورية” (جاك شيراك وبرنار بونس، سلفه في اللوت)، يجب على اليمين أن يتحدث عن كل ما هو اقتصادي واجتماعي. ولم يتردد النائب الشاب، “الرجل الثاني” في حزب الجمهوريين، في نبذ الساركوزية وإرثها.
وبالنسبة لمرشح شاب مثل غيلهم كارايون، فإن الخط يرتبط أكثر بالهوية، ومن الصعب تمييزه، في فلك والده برنارد كارايون، عن إريك زمور. أما جوليان أوبير، نائب فوكلوز، فهو يكرر خطه، الذي يريده وريث خط شارل باسكوا وفيليب سوغان قبل ربع قرن، ويقول إنّ رئاسة الجمهوريين تعنيه.
وإذا كان التنوع نعمة سياسية عندما يكون الزخم السياسي موجودًا، فإنه يصبح عذابًا عندما يكون التقاعد على وشك الظهور. في مكان آخر، كما هو الحال في أورليان، رمى مرشحو الجمهوريين المنديل في أوائل مايو، موضحين أن انسحابهم هو نتيجة المفارقات التي تضرب اليمين، وشكل الإهمال الذي، في الوقت الحاضر، يدفعه للهاوية.
اختار كريستيان جاكوب، رئيس الجمهوريين، على وجه الخصوص، ساحة مكافحة “اليسار-الإسلاموي” لتبرير دور حزبه في المعركة الانتخابية التشريعية. كل شيء يحمل اليمين إلى هذا الوضع الذي، بمرور الوقت، أصبح لا مفر منه.
عشرون عاما من
العيوب في بناء اليمين
يعيش اليمين الفرنسي منذ فترة طويلة أزمة وجودية زاحفة. لم يكن الاندماج عام 2002، ولا حكومة رافاران، ولا غروب الشيراكية، قد سمح بتعويض انسحاب الوريث المفترض (آلان جوبيه) أو، أكثر من ذلك بكثير، العجز أو الفراغ الأيديولوجي للتشكيل الجديد، حزب “الاتحاد من أجل الحركة الشعبية”. ان أزمة 2008-2009، على الرغم من خطاب طولون، حطمت الاندفاعة المنتصرة لعام 2007، نيكولا ساركوزي.
وكما في كثير من الكوارث، يوجد في ما يخص اليمين الجمهوري خلل بنيوي وسلسلة من الإهمال أو الأخطاء البشرية. في الأصل، في تجربة اندماج العائلات المختلفة لليمين الحكومي، نجد عجزًا أيديولوجيًا. الأخطاء البشرية متعددة: اختيار تكتيكي لمواجهة اليسار على أرض الهوية من قبل نيكولا ساركوزي في خطاب غرينوبل، والمواجهة بين فيون -كوبيه، وفضيحة فيون ...
لقد كانت فاليري بيكريس ضحية استراتيجية تم تطويرها داخل معسكرها بهدف إسقاطها لصالح إيمانويل ماكرون. وهكذا، على الجانب المحافظ، طلب فرانسوا كزافييه بيلامي من نيكولا ساركوزي توضيح موقفه، ومع ذلك فإن الداء تلقّح في الحزب الذي قاده بنفسه، وأعيد تشكيله، وأعيد تسميته من قبل رئيس الدولة السابق. كان يمكن أن يظهر الخط المحافظ الذي احتضنه لوران ووكيز لبعض الوقت، كمعقل استراتيجي في سياق حركة الكماشة التي وجد حزب الجمهوريين نفسه فيها. وقد يميل البعض إلى الاعتقاد بأن هذا الخط أفضل من لا شيء.
الجمهوريون لا، اليمين ربما
سيترك كريستيان جاكوب رئاسة الحزب، وذهب داميان أباد إلى الحكومة، واليمين الذي “يتحرك بزعيم”، ستبدأ معركة جديدة لإدارة حزب الجمهوريين. ولئن يؤكد جاكوب أن الجمهوريين عائدون مع هذه الحملة التشريعية، يمكن للبعض أن يرد عليه بأن الجمهوريين لا، ولكن اليمين ربما. لقد شهد القطب الماكروني بشكل خاص ظهور “أوريزون”، بقيادة إدوارد فيليب، حيث جمع العديد من الكوادر السياسية وليس فقط اتباع جوبيه السابقين.
خصوصا، إن الجاذبية التي تمارس على ناخبي الجمهوريين أو على يمين الوسط ستستمر بسرعة أو بشكل تدريجي في خنق الحزب. يفتقر الجمهوريون إلى مجموعة أيديولوجية حازمة وثابتة، تمامًا كما تفتقر إلى استراتيجية قوية، ومن يجسده، وتأكيد رؤية طويلة المدى. المأساة بالنسبة لـ الجمهوريين، هي الآن أن طريق اليمين يمر، على وجه الخصوص، عبر القطب الماكروني.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في الحقوق والأبعاد الثقافية للسياسة، من مؤلفاته “إلى غد غرامشي».
-- حزب الجمهوريين هو وريث العائلات السياسية لليمين الجمهوري الذي حكم فرنسا منذ 1958
-- يعيش اليمين الفرنسي منذ فترة طويلة أزمة وجودية زاحفة
-- يفتقر الجمهوريون إلـى مجموعة أيديولوجية حازمة ومؤكدة
-- كما في كثير من الكوارث، يوجد في اليمين الجمهوري خلل بنيوي، وسلسلة من الإهمال، أو الأخطاء البشرية
قبل أسـابيع قليلـــة من الانتخابات التشريعية، وبعد انتخابــات رئاسية مأســــاوية، يجد الجمهوريون صعوبة لإجراء حملة وطنية.
فهـــل هــي نهايـــة اليمين الفرنسـي؟
«الجمهوريون”، هو الاسم الذي اختاره نيكولا ســــاركوزي لإعــــادة تسمية “الاتحاد من أجل الحركة الشـــــعبية”، الحـــزب الـــــــذي كــــان يقـــــوده ولكنــــه كـــــــان على وجـــــــه الخصوص، المنجــز الكبير لجاك شيراك وآلان جوبيـــه، المؤسس والقائـد التاريخي للحركة الديغولية الجديدة “التجمع من أجل الجمهورية” بهدف ضم أبرز وجوه لما كان يسمّى “الاتحـاد من أجل الديمقراطية الفرنسية”.
باختصار، حزب الجمهوريين هو وريث العائلات السياسية لليمين الجمهوري، اليمين الذي حكم البلاد منذ عام 1958. وعلى غرار الحزب الاشتراكي، القوة السياسية الأخرى التي حكمت البلاد في ظل الجمهورية الخامسة، عانى حزب الجمهوريين من نكسات كبيرة في الانتخابات الوطنية بعد عام 2017، مما بات يشكك في وجود هذا التنظيم السياسي.
انشقاقات، امّحاء ... هزيمة؟
يشير انشقاق داميان أباد، رئيس مجموعة الجمهوريين في قصر بوربون، إلى القلق الذي يستبد بالجمهوريين. فقد اختار هذا العضو السابق في “الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية”، الوسطي المشهور، أن يصبح وزيراً بناءً على دعوة الرئيس ماكرون.
والانشقاق في منتصف الحملة الانتخابية التشريعية لرئيس المجموعة البرلمانية، هو بحكم الأمر الواقع لمصلحة الأغلبية الرئاسية، وهو في حد ذاته حقيقة سياسية لا تشجع الأسرة السياسية على يمين الحكومة.
وللوقوف عند ابعاد هذه الخطوة، هل يمكن تخيّل التحاق شارل باسكوا أو برنار بونس، اللذين كانا على رأس مجموعة “التجمع من أجل الجمهورية” في مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، بأغلبية فرانسوا ميتران؟
إذا كان حزب الجمهوريين يتفكك، فذلك لأن تيارين أيديولوجيين متعارضين، وعائلتين سياسيتين متنافستين تقودان إلى تصدع وتشتت العناصر المكونة له. بالنسبة لعائلة سياسية، فإن ترك رايتها وشعارها على الرف ليس سوى علامة على التخلي عن أي استراتيجية جماعية، وهذا يعني بكل بساطة عن كل استراتيجية. ان الهويات السياسية “القوية”، الأكثر تماسكًا نسبيًا، التي تحملها قوى سياسية قادرة على تمويه خلافاتها، تزيح الأكثر هشاشة.
الانكفاء المحلي الخطأ
الذي لا مفر منه
كل شخص “مشغول بالدفاع عن دائرته” يصبح “رجل ملفات خالص يقوم فقط بالمهمة”. نعثر على هذه الملاحظة، مع فوارق عريضة الى حد ما، بين المرشحين المختلفين مثل غيوم لاريفه (يون) أو أوريلين براديه (اللوت). يحاجون بأن يافطتهم معروفة -وهي معروفة فعلا لناخبيهم –فانهم يكشفون خصوصا، مصاعب اليمين في تنفيذ حملة متماسكة من حيث المشروع والمكانة بين أقصى اليمين وقطب الماكرونية.
وفق أوريلين براديه، المدافع عن خط، تقليديًا “التجمع من أجل الجمهورية” (جاك شيراك وبرنار بونس، سلفه في اللوت)، يجب على اليمين أن يتحدث عن كل ما هو اقتصادي واجتماعي. ولم يتردد النائب الشاب، “الرجل الثاني” في حزب الجمهوريين، في نبذ الساركوزية وإرثها.
وبالنسبة لمرشح شاب مثل غيلهم كارايون، فإن الخط يرتبط أكثر بالهوية، ومن الصعب تمييزه، في فلك والده برنارد كارايون، عن إريك زمور. أما جوليان أوبير، نائب فوكلوز، فهو يكرر خطه، الذي يريده وريث خط شارل باسكوا وفيليب سوغان قبل ربع قرن، ويقول إنّ رئاسة الجمهوريين تعنيه.
وإذا كان التنوع نعمة سياسية عندما يكون الزخم السياسي موجودًا، فإنه يصبح عذابًا عندما يكون التقاعد على وشك الظهور. في مكان آخر، كما هو الحال في أورليان، رمى مرشحو الجمهوريين المنديل في أوائل مايو، موضحين أن انسحابهم هو نتيجة المفارقات التي تضرب اليمين، وشكل الإهمال الذي، في الوقت الحاضر، يدفعه للهاوية.
اختار كريستيان جاكوب، رئيس الجمهوريين، على وجه الخصوص، ساحة مكافحة “اليسار-الإسلاموي” لتبرير دور حزبه في المعركة الانتخابية التشريعية. كل شيء يحمل اليمين إلى هذا الوضع الذي، بمرور الوقت، أصبح لا مفر منه.
عشرون عاما من
العيوب في بناء اليمين
يعيش اليمين الفرنسي منذ فترة طويلة أزمة وجودية زاحفة. لم يكن الاندماج عام 2002، ولا حكومة رافاران، ولا غروب الشيراكية، قد سمح بتعويض انسحاب الوريث المفترض (آلان جوبيه) أو، أكثر من ذلك بكثير، العجز أو الفراغ الأيديولوجي للتشكيل الجديد، حزب “الاتحاد من أجل الحركة الشعبية”. ان أزمة 2008-2009، على الرغم من خطاب طولون، حطمت الاندفاعة المنتصرة لعام 2007، نيكولا ساركوزي.
وكما في كثير من الكوارث، يوجد في ما يخص اليمين الجمهوري خلل بنيوي وسلسلة من الإهمال أو الأخطاء البشرية. في الأصل، في تجربة اندماج العائلات المختلفة لليمين الحكومي، نجد عجزًا أيديولوجيًا. الأخطاء البشرية متعددة: اختيار تكتيكي لمواجهة اليسار على أرض الهوية من قبل نيكولا ساركوزي في خطاب غرينوبل، والمواجهة بين فيون -كوبيه، وفضيحة فيون ...
لقد كانت فاليري بيكريس ضحية استراتيجية تم تطويرها داخل معسكرها بهدف إسقاطها لصالح إيمانويل ماكرون. وهكذا، على الجانب المحافظ، طلب فرانسوا كزافييه بيلامي من نيكولا ساركوزي توضيح موقفه، ومع ذلك فإن الداء تلقّح في الحزب الذي قاده بنفسه، وأعيد تشكيله، وأعيد تسميته من قبل رئيس الدولة السابق. كان يمكن أن يظهر الخط المحافظ الذي احتضنه لوران ووكيز لبعض الوقت، كمعقل استراتيجي في سياق حركة الكماشة التي وجد حزب الجمهوريين نفسه فيها. وقد يميل البعض إلى الاعتقاد بأن هذا الخط أفضل من لا شيء.
الجمهوريون لا، اليمين ربما
سيترك كريستيان جاكوب رئاسة الحزب، وذهب داميان أباد إلى الحكومة، واليمين الذي “يتحرك بزعيم”، ستبدأ معركة جديدة لإدارة حزب الجمهوريين. ولئن يؤكد جاكوب أن الجمهوريين عائدون مع هذه الحملة التشريعية، يمكن للبعض أن يرد عليه بأن الجمهوريين لا، ولكن اليمين ربما. لقد شهد القطب الماكروني بشكل خاص ظهور “أوريزون”، بقيادة إدوارد فيليب، حيث جمع العديد من الكوادر السياسية وليس فقط اتباع جوبيه السابقين.
خصوصا، إن الجاذبية التي تمارس على ناخبي الجمهوريين أو على يمين الوسط ستستمر بسرعة أو بشكل تدريجي في خنق الحزب. يفتقر الجمهوريون إلى مجموعة أيديولوجية حازمة وثابتة، تمامًا كما تفتقر إلى استراتيجية قوية، ومن يجسده، وتأكيد رؤية طويلة المدى. المأساة بالنسبة لـ الجمهوريين، هي الآن أن طريق اليمين يمر، على وجه الخصوص، عبر القطب الماكروني.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في الحقوق والأبعاد الثقافية للسياسة، من مؤلفاته “إلى غد غرامشي».