رئيس الدولة ورئيس الوزراء البريطاني يبحثان هاتفياً التطورات الإقليمية
ليّ ذراع مع الاتحاد الأوروبي:
فهم استراتيجية السلطات البولندية...!
هل تتجه أوروبا على المدى القصير نحو الـ “بوليكسيت”؟ يبدو السؤال محوريًا: لقد ذكر العديد من القادة والمعلقين السياسيين الأوروبيين خروج بولندا من الاتحاد الأوروبي منذ أن أكدت المحكمة الدستورية البولندية، في 7 أكتوبر، أسبقية الدستور البولندي على القانون الاتحادي. هذه الحلقة، هي تجسيد جديد للتحولات السلطوية التي تحدث في بولندا “بلمسات صغيرة”، والتي أدت إلى عدة أزمات بين وارسو والسلطات الأوروبية. يذكر أنه عام 2017، بدأت المفوضية الأوروبية ما يسمّى بإجراء “المادة 7”، والذي يجعل من الممكن معاقبة انتهاكات سيادة القانون في دولة عضو.
محكمة دستورية فقدت استقلاليتها
المحكمة الدستورية، التي اعتبرت رئيستها جوليا برزينبسكا، أن المؤسسات الأوروبية كانت تتصرف “خارج مجال اختصاصها”، حكمت بعد أن لجات اليها الحكومة في أبريل 2021، بقيادة الحزب المحافظ والسيادي، القانون والعدالة، في سياق الخلاف بينها وبين العدالة الأوروبية حول إصلاح العدالة البولندية. بدأ هذا عام 2018، وهو يعرّض استقلالية القضاة للخطر بشكل خطير، لا سيما من خلال إخضاعهم لهيئة تأديبية جديدة، طلبت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بإلغائها.
نتج عن ذلك حالة مشوشة في بولندا. تم تعيين بعض القضاة وفق القانون الذي اراده حزب القانون والعدالة، الا ان الاتحاد الأوروبي أدانه، مما أثار شكوكًا بعدم شرعية بعض قرارات العدالة. وبالتالي، يسعى حزب القانون والعدالة الحاكم، إلى إيجاد مخرج من هذا الوضع المحفوف بالمخاطر من خلال استخدام العديد من الحيل السياسية والقانونية.
ولذلك، فإنه يحاول الاستفادة من موقف قانوني بديل عن موقف محكمة العدل الأوروبية -في نقطة يجدر أيضًا ملاحظة أنها خارج النزاع المعني، نظرًا لأن محكمة العدل الأوروبية قد أصدرت حكمها بشأن قانون (إصلاح العدالة البولندية لعام 2018)، وليس على الدستور البولندي نفسه.
علاوة على ذلك، فإن هذا الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية البولندية، ليس الأول في هذه المسألة: ففي يوليو 2021، سبق ان حكمت بعدم دستورية قرارات العدالة الأوروبية التي تتطلب أن تعيد وارسو النظر في جوانب معينة من إصلاحها القضائي، مما سمح للحكومة بالتهرب من التزاماتها الأوروبية لأول مرة.
ويلقي التواطؤ السياسي المستمر بين العدالة الدستورية البولندية والحزب الحاكم، إذا اقتضى الأمر مرة اخرى، ضوءً قاسيًا على القبضة الخانقة التي يمارسها حزب القانون والعدالة على هذه المحكمة. إن استقلال المحكمة الدستورية البولندية يقع في قلب نزاع طويل المدى. فبمجرد فوزه الانتخابي عام 2015، شن حزب القانون والعدالة هجومًا ضد هذه الهيئة، التي يعدّ إضعافها شرطًا أساسيًا للتحولات السلطوية والمناهضة للديمقراطية، كما يتضح من مثال المجر بشكل أكثر وضوحًا.
في نهاية الإصلاح الفوضوي والمثير للجدل، شهدت المحكمة الدستورية تعديل تركيبتها. ويمكن الآن -كما في قرار 7 أكتوبر -أن يكتمل نصابها القانوني بحضور القضاة المعينين من قبل حزب القانون والعدالة فقط. نما الصراع على المحكمة الدستورية بشكل كبير عام 2016، مما أدى إلى مظاهرات حاشدة لصالح سيادة القانون، تحت رعاية منظمات الحقوق المدنية.
اليوم، يأخذ التواطؤ مع السلطة منعطفًا مأساويًا، حيث صرح رئيس حزب القانون والعدالة، ياروسلاف كاتشينسكي، صراحة، في برنامج ترفيهي على التلفزيون عام 2019، أن رئيسة المحكمة، جوليا برزينيبسكا، واحدة من أصدقائه المقربين.
علاقة حزب القانون والعدالة بالاتحاد الأوروبي
يختلف المعلقون والقادة السياسيون البولنديون حول النوايا الحقيقية لحزب القانون والعدالة فيما يتعلق بعضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي. ويعتقد الرئيس السابق للمجلس الأوروبي (ورئيس الوزراء البولندي السابق) دونالد تاسك، أنه حتى لو لم تسعى السلطة الحالية إلى استفزاز الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن خطواتها الجانبية المتتالية قد تؤدي دون قصد إلى مثل هذه النتيجة، على غرار الديناميكية التي أدت إلى البريكسيت.
وعلى هذا الأساس، تحذر المعارضة البولندية من حدوث تطور قد يؤدي إلى الـ “بوليكسيت” داخل الأغلبية المحافظة، حيث يردد البعض منذ عدة سنوات إنهم معادون للاتحاد الأوروبي. وهكذا ميزت كريستينا باولوفيتش، العضو السابق في حزب القانون والعدالة، نفسها عام 2016 بإعلانها أن الاتحاد الأوروبي في رأيها مجرد “ممسحة”. واليوم، تجلس كريستينا باولوفيتش نفسها ... في المحكمة الدستورية. ولكن بشكل عام، تظل هذه المواقف أقلية، وموقف حزب القانون والعدالة هو خاصة أقرب إلى السيادة المعادية لعمليات نقل السلطة التي يوفرها عمل الاتحاد الأوروبي.
يجب فهم موقف حزب القانون والعدالة بشكل أكبر على أنه إدارة متمايزة متطورة للإكراهات المرتبطة بعضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي. لا يمكن لقادة هذا الحزب تجاهل أن أكثر من 80 بالمائة من البولنديين يؤيدون الاتحاد الأوروبي، وهم يدركون أيضًا أن بولندا تستفيد من الإعانات الأوروبية الكبيرة، وأنهم سيعرّضون أنفسهم لمخاطر سياسية وانتخابية إذا قاموا بوضعها موضع سؤال. وبالمثل، في النزاع الأخير بين بولندا وبيلاروسيا حول اللاجئين العالقين على الحدود الشرقية للبلاد، يدرك القادة البولنديون الفوائد السياسية الدولية والمحلية التي يمكن أن يحصلوا عليها من دعم الاتحاد الأوروبي.
وبدلاً من المعارضة المباشرة، اختار حزب القانون والعدالة سلسلة من التجارب والاختبارات، والتي يمكن في نهايتها قياس قوة المواقف التي يدافع عنها. إن الحزم المستمر للمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء الأخرى (باستثناء المجر)، فضلاً عن الافتقار إلى تطور التشكيك في الاتحاد الأوروبي داخل الرأي العام البولندي، يجعل خيار التحرك نحو صراع مفتوح أكثر مع بولندا أكثر خطورة.
تجدر الملاحظة، انه في مواجهاته مع بروكسل، يتراجع حزب القانون والعدالة بشكل عام في اللحظة الأخيرة، عندما يبدو أن استمرار المواجهة سيكون خطيرًا للغاية بالنسبة له.
وفي الآونة الأخيرة، تدخلت الحكومة على هذا النحو لوقف اعلان بعض التجمعات المحلية أنها “مناطق مناهضة للمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية”، مما يعرّضهم لخطر وشيك بعدم تلقي الإعانات الأوروبية مرة أخرى.
يعتمد حزب القانون والعدالة أيضًا على ظهور سياق أكثر ملاءمة لتطور الاتحاد الأوروبي نحو “أوروبا الامم”، أو حتى لتفكيك الاتحاد الأوروبي بشكل أو بآخر بفضل التحولات المشككة في أوروبا للدول الاعضاء الأخرى.
ويُظهر الدعم شبه الفوري الذي سجلته السلطات البولندية في فرنسا في سياق الانتخابات الرئاسية، من إريك زمور إلى أرنو مونتبورغ، أن هذه الرهانات يتم تداولها الآن بشكل سلس في أوروبا، وأن مغادرة الاتحاد الأوروبي ليست الطريقة الوحيدة لمعارضة “بروكسل».
أخيرًا، بدأ حزب القانون والعدالة في استخدام عناصر لغوية أخرى، مجادلًا بشكل خاص حول عدم جدوى التمويل الأوروبي المفترض. فوفق رئيس البنك المركزي البولندي، آدم غلابينسكي، وهو صديق مقرب لـ ياروسلاف كاتشينسكي منذ الثمانينات، تشهد بولندا نجاحات اقتصادية غير مسبوقة. وبحسب قوله، فإن الأخبار تظهر أننا نشهد حاليًا “معجزة اقتصادية بولندية”: “إنها معجزة أقوى من المعجزة الألمانية بعد عام 1945، ويمكن لبولندا أن تشهد تطورًا ديناميكيًا بدون تمويل أوروبي».
الحجة خادعة، لكنها ذكية، لأنها تسمح للسلطة بوضع نفسها على أرض “اللحاق بالركب” (الاقتصادي والثقافي) الذي توقعت بولندا تحقيقه من خلال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
إعادة تعبئة الشارع؟
وحتى لو كانت أجندة حزب القانون والعدالة الأوروبية يمكن أن تتذبذب وتفتقر أحيانًا إلى الوضوح، فإنها تشير مع ذلك إلى استراتيجية سلطوية. إن حزب القانون والعدالة، من خلال السيطرة المباشرة إلى حد ما على العديد من الهيئات الرسمية (العدالة، البنك المركزي، إلخ) يضع تلك الهيئات في وضع يدفعها للتصرف في تناغم وتوافق مع الحكومة، وان تتحوّل إلى مؤيدة سياسية جديدة. وفي مفترق طرق غير مسبوق، فإن إنشاء “أحصنة طروادة دستورية” (التخريب التدريجي لسيادة القانون) يجعل من الممكن إضفاء الشرعية على المواقف الأوروبية لحزب القانون والعدالة، بينما تضخم الأزمة مع بروكسل رقابتها سيطرتها على العدالة الدستورية.
هناك خطر هنا، يؤثر بالتأكيد على عضوية الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا، بشكل عام، على الديمقراطية البولندية، حيث أن الهدف السياسي لحزب القانون والعدالة، الثابت منذ تأسيسه عام 2001، هو التراجع عن الإجماع الديمقراطي الذي اقيم عام 1989 مع سقوط الشيوعية. ولا يهم في ظل هذه الظروف، كما أكدنا، أن أكثر من 80 بالمائة من البولنديين يؤيدون عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي.
ولإثبات أن الجماهير تدعمه، يمكن لحزب القانون والعدالة أن يستنجد بالاقتراع العام، في نقطة محددة، كما فعل فيكتور أوربان في المجر عام 2016 عندما نظم استفتاء على حصص المهاجرين التي اقترحها الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، خسر الزعيم المجري ذاك الاستفتاء، مما يدل، بالمناسبة، على أن هذه الاستشارات الديمقراطية “المتداخلة” هي أيضًا استراتيجيات تقلل من المخاطر التي تتعرض لها الانظمة السلطوية الجديدة، حيث يمكنها الحفاظ على استراتيجياتها العامة بشكل أو بآخر كما هي حتى وان كانت نتيجة هذه الاستفتاءات ليست في صالحهم.
وعلى العكس، فإن من تأثيرات الموقف الذي اتخذته المحكمة الدستورية، إعادة تعبئة أنصار الاتحاد الأوروبي والدفاع عن سيادة القانون، كما يتضح من المظاهرات التي جرت يوم الأحد 10 أكتوبر، بمبادرة من دونالد تاسك على وجه الخصوص. وهكذا يمكن أن تبدأ دورة جديدة من مظاهرات الشوارع، وستؤخذ نتائجها بعين الاعتبار في قرارات حزب القانون والعدالة. إن نجاح هذه المظاهرات، إذا تم تأكيده، سيكون أكثر خطورة على السلطات البولندية لأنها يمكن أن تستفيد من القوة المتراكمة لدورات التعبئة السابقة، كما يتضح في هذه المسيرات، حيث عادت للظهور أعلام المظاهرات المعروفة باسم –”إضراب النساء” للدفاع عن الإجهاض 2020-2021.
ستكون نتيجة عمليّة ليّ الذراع هذه بمثابة سباق السرعة بين المعارضة الليبرالية وحزب القانون والعدالة، بينما البلاد منقسمة بشدة، كما أظهرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وسيتعين على الليبراليين أن يكونوا قادرين على حشد دعم أوسع بين القوى السياسية التي تنتقد بشدة حزب القانون والعدالة، مثل حزب المزارعين، الذي تعمل معاقله الانتخابية أيضًا على إبطاء تقدم حزب القانون والعدالة في المناطق الريفية. ويستخدم حزب القانون والعدالة الوقت المتاح له لإعادة تنظيم المشهد المؤسسي والسياسي، على أمل إعادة تنظيم النظام القائم بشكل دائم. وفي ظل هذه الظروف، سيكون موقف الاتحاد الأوروبي حاسمًا لتوطيد هذا الطرف أو ذاك.
*أستاذ محاضر في العلوم السياسية في جامعة باريس نانتير وجامعة باريس لوميير، عضو في معهد العلوم السياسية الاجتماعية، المركز القومي للبحث العلمي، يحلل نوايا السلطة البولندية في صراعها مع الاتحاد الأوروبي.
محكمة دستورية فقدت استقلاليتها
المحكمة الدستورية، التي اعتبرت رئيستها جوليا برزينبسكا، أن المؤسسات الأوروبية كانت تتصرف “خارج مجال اختصاصها”، حكمت بعد أن لجات اليها الحكومة في أبريل 2021، بقيادة الحزب المحافظ والسيادي، القانون والعدالة، في سياق الخلاف بينها وبين العدالة الأوروبية حول إصلاح العدالة البولندية. بدأ هذا عام 2018، وهو يعرّض استقلالية القضاة للخطر بشكل خطير، لا سيما من خلال إخضاعهم لهيئة تأديبية جديدة، طلبت محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بإلغائها.
نتج عن ذلك حالة مشوشة في بولندا. تم تعيين بعض القضاة وفق القانون الذي اراده حزب القانون والعدالة، الا ان الاتحاد الأوروبي أدانه، مما أثار شكوكًا بعدم شرعية بعض قرارات العدالة. وبالتالي، يسعى حزب القانون والعدالة الحاكم، إلى إيجاد مخرج من هذا الوضع المحفوف بالمخاطر من خلال استخدام العديد من الحيل السياسية والقانونية.
ولذلك، فإنه يحاول الاستفادة من موقف قانوني بديل عن موقف محكمة العدل الأوروبية -في نقطة يجدر أيضًا ملاحظة أنها خارج النزاع المعني، نظرًا لأن محكمة العدل الأوروبية قد أصدرت حكمها بشأن قانون (إصلاح العدالة البولندية لعام 2018)، وليس على الدستور البولندي نفسه.
علاوة على ذلك، فإن هذا الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية البولندية، ليس الأول في هذه المسألة: ففي يوليو 2021، سبق ان حكمت بعدم دستورية قرارات العدالة الأوروبية التي تتطلب أن تعيد وارسو النظر في جوانب معينة من إصلاحها القضائي، مما سمح للحكومة بالتهرب من التزاماتها الأوروبية لأول مرة.
ويلقي التواطؤ السياسي المستمر بين العدالة الدستورية البولندية والحزب الحاكم، إذا اقتضى الأمر مرة اخرى، ضوءً قاسيًا على القبضة الخانقة التي يمارسها حزب القانون والعدالة على هذه المحكمة. إن استقلال المحكمة الدستورية البولندية يقع في قلب نزاع طويل المدى. فبمجرد فوزه الانتخابي عام 2015، شن حزب القانون والعدالة هجومًا ضد هذه الهيئة، التي يعدّ إضعافها شرطًا أساسيًا للتحولات السلطوية والمناهضة للديمقراطية، كما يتضح من مثال المجر بشكل أكثر وضوحًا.
في نهاية الإصلاح الفوضوي والمثير للجدل، شهدت المحكمة الدستورية تعديل تركيبتها. ويمكن الآن -كما في قرار 7 أكتوبر -أن يكتمل نصابها القانوني بحضور القضاة المعينين من قبل حزب القانون والعدالة فقط. نما الصراع على المحكمة الدستورية بشكل كبير عام 2016، مما أدى إلى مظاهرات حاشدة لصالح سيادة القانون، تحت رعاية منظمات الحقوق المدنية.
اليوم، يأخذ التواطؤ مع السلطة منعطفًا مأساويًا، حيث صرح رئيس حزب القانون والعدالة، ياروسلاف كاتشينسكي، صراحة، في برنامج ترفيهي على التلفزيون عام 2019، أن رئيسة المحكمة، جوليا برزينيبسكا، واحدة من أصدقائه المقربين.
علاقة حزب القانون والعدالة بالاتحاد الأوروبي
يختلف المعلقون والقادة السياسيون البولنديون حول النوايا الحقيقية لحزب القانون والعدالة فيما يتعلق بعضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي. ويعتقد الرئيس السابق للمجلس الأوروبي (ورئيس الوزراء البولندي السابق) دونالد تاسك، أنه حتى لو لم تسعى السلطة الحالية إلى استفزاز الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن خطواتها الجانبية المتتالية قد تؤدي دون قصد إلى مثل هذه النتيجة، على غرار الديناميكية التي أدت إلى البريكسيت.
وعلى هذا الأساس، تحذر المعارضة البولندية من حدوث تطور قد يؤدي إلى الـ “بوليكسيت” داخل الأغلبية المحافظة، حيث يردد البعض منذ عدة سنوات إنهم معادون للاتحاد الأوروبي. وهكذا ميزت كريستينا باولوفيتش، العضو السابق في حزب القانون والعدالة، نفسها عام 2016 بإعلانها أن الاتحاد الأوروبي في رأيها مجرد “ممسحة”. واليوم، تجلس كريستينا باولوفيتش نفسها ... في المحكمة الدستورية. ولكن بشكل عام، تظل هذه المواقف أقلية، وموقف حزب القانون والعدالة هو خاصة أقرب إلى السيادة المعادية لعمليات نقل السلطة التي يوفرها عمل الاتحاد الأوروبي.
يجب فهم موقف حزب القانون والعدالة بشكل أكبر على أنه إدارة متمايزة متطورة للإكراهات المرتبطة بعضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي. لا يمكن لقادة هذا الحزب تجاهل أن أكثر من 80 بالمائة من البولنديين يؤيدون الاتحاد الأوروبي، وهم يدركون أيضًا أن بولندا تستفيد من الإعانات الأوروبية الكبيرة، وأنهم سيعرّضون أنفسهم لمخاطر سياسية وانتخابية إذا قاموا بوضعها موضع سؤال. وبالمثل، في النزاع الأخير بين بولندا وبيلاروسيا حول اللاجئين العالقين على الحدود الشرقية للبلاد، يدرك القادة البولنديون الفوائد السياسية الدولية والمحلية التي يمكن أن يحصلوا عليها من دعم الاتحاد الأوروبي.
وبدلاً من المعارضة المباشرة، اختار حزب القانون والعدالة سلسلة من التجارب والاختبارات، والتي يمكن في نهايتها قياس قوة المواقف التي يدافع عنها. إن الحزم المستمر للمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء الأخرى (باستثناء المجر)، فضلاً عن الافتقار إلى تطور التشكيك في الاتحاد الأوروبي داخل الرأي العام البولندي، يجعل خيار التحرك نحو صراع مفتوح أكثر مع بولندا أكثر خطورة.
تجدر الملاحظة، انه في مواجهاته مع بروكسل، يتراجع حزب القانون والعدالة بشكل عام في اللحظة الأخيرة، عندما يبدو أن استمرار المواجهة سيكون خطيرًا للغاية بالنسبة له.
وفي الآونة الأخيرة، تدخلت الحكومة على هذا النحو لوقف اعلان بعض التجمعات المحلية أنها “مناطق مناهضة للمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية”، مما يعرّضهم لخطر وشيك بعدم تلقي الإعانات الأوروبية مرة أخرى.
يعتمد حزب القانون والعدالة أيضًا على ظهور سياق أكثر ملاءمة لتطور الاتحاد الأوروبي نحو “أوروبا الامم”، أو حتى لتفكيك الاتحاد الأوروبي بشكل أو بآخر بفضل التحولات المشككة في أوروبا للدول الاعضاء الأخرى.
ويُظهر الدعم شبه الفوري الذي سجلته السلطات البولندية في فرنسا في سياق الانتخابات الرئاسية، من إريك زمور إلى أرنو مونتبورغ، أن هذه الرهانات يتم تداولها الآن بشكل سلس في أوروبا، وأن مغادرة الاتحاد الأوروبي ليست الطريقة الوحيدة لمعارضة “بروكسل».
أخيرًا، بدأ حزب القانون والعدالة في استخدام عناصر لغوية أخرى، مجادلًا بشكل خاص حول عدم جدوى التمويل الأوروبي المفترض. فوفق رئيس البنك المركزي البولندي، آدم غلابينسكي، وهو صديق مقرب لـ ياروسلاف كاتشينسكي منذ الثمانينات، تشهد بولندا نجاحات اقتصادية غير مسبوقة. وبحسب قوله، فإن الأخبار تظهر أننا نشهد حاليًا “معجزة اقتصادية بولندية”: “إنها معجزة أقوى من المعجزة الألمانية بعد عام 1945، ويمكن لبولندا أن تشهد تطورًا ديناميكيًا بدون تمويل أوروبي».
الحجة خادعة، لكنها ذكية، لأنها تسمح للسلطة بوضع نفسها على أرض “اللحاق بالركب” (الاقتصادي والثقافي) الذي توقعت بولندا تحقيقه من خلال الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
إعادة تعبئة الشارع؟
وحتى لو كانت أجندة حزب القانون والعدالة الأوروبية يمكن أن تتذبذب وتفتقر أحيانًا إلى الوضوح، فإنها تشير مع ذلك إلى استراتيجية سلطوية. إن حزب القانون والعدالة، من خلال السيطرة المباشرة إلى حد ما على العديد من الهيئات الرسمية (العدالة، البنك المركزي، إلخ) يضع تلك الهيئات في وضع يدفعها للتصرف في تناغم وتوافق مع الحكومة، وان تتحوّل إلى مؤيدة سياسية جديدة. وفي مفترق طرق غير مسبوق، فإن إنشاء “أحصنة طروادة دستورية” (التخريب التدريجي لسيادة القانون) يجعل من الممكن إضفاء الشرعية على المواقف الأوروبية لحزب القانون والعدالة، بينما تضخم الأزمة مع بروكسل رقابتها سيطرتها على العدالة الدستورية.
هناك خطر هنا، يؤثر بالتأكيد على عضوية الاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا، بشكل عام، على الديمقراطية البولندية، حيث أن الهدف السياسي لحزب القانون والعدالة، الثابت منذ تأسيسه عام 2001، هو التراجع عن الإجماع الديمقراطي الذي اقيم عام 1989 مع سقوط الشيوعية. ولا يهم في ظل هذه الظروف، كما أكدنا، أن أكثر من 80 بالمائة من البولنديين يؤيدون عضوية بلادهم في الاتحاد الأوروبي.
ولإثبات أن الجماهير تدعمه، يمكن لحزب القانون والعدالة أن يستنجد بالاقتراع العام، في نقطة محددة، كما فعل فيكتور أوربان في المجر عام 2016 عندما نظم استفتاء على حصص المهاجرين التي اقترحها الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، خسر الزعيم المجري ذاك الاستفتاء، مما يدل، بالمناسبة، على أن هذه الاستشارات الديمقراطية “المتداخلة” هي أيضًا استراتيجيات تقلل من المخاطر التي تتعرض لها الانظمة السلطوية الجديدة، حيث يمكنها الحفاظ على استراتيجياتها العامة بشكل أو بآخر كما هي حتى وان كانت نتيجة هذه الاستفتاءات ليست في صالحهم.
وعلى العكس، فإن من تأثيرات الموقف الذي اتخذته المحكمة الدستورية، إعادة تعبئة أنصار الاتحاد الأوروبي والدفاع عن سيادة القانون، كما يتضح من المظاهرات التي جرت يوم الأحد 10 أكتوبر، بمبادرة من دونالد تاسك على وجه الخصوص. وهكذا يمكن أن تبدأ دورة جديدة من مظاهرات الشوارع، وستؤخذ نتائجها بعين الاعتبار في قرارات حزب القانون والعدالة. إن نجاح هذه المظاهرات، إذا تم تأكيده، سيكون أكثر خطورة على السلطات البولندية لأنها يمكن أن تستفيد من القوة المتراكمة لدورات التعبئة السابقة، كما يتضح في هذه المسيرات، حيث عادت للظهور أعلام المظاهرات المعروفة باسم –”إضراب النساء” للدفاع عن الإجهاض 2020-2021.
ستكون نتيجة عمليّة ليّ الذراع هذه بمثابة سباق السرعة بين المعارضة الليبرالية وحزب القانون والعدالة، بينما البلاد منقسمة بشدة، كما أظهرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وسيتعين على الليبراليين أن يكونوا قادرين على حشد دعم أوسع بين القوى السياسية التي تنتقد بشدة حزب القانون والعدالة، مثل حزب المزارعين، الذي تعمل معاقله الانتخابية أيضًا على إبطاء تقدم حزب القانون والعدالة في المناطق الريفية. ويستخدم حزب القانون والعدالة الوقت المتاح له لإعادة تنظيم المشهد المؤسسي والسياسي، على أمل إعادة تنظيم النظام القائم بشكل دائم. وفي ظل هذه الظروف، سيكون موقف الاتحاد الأوروبي حاسمًا لتوطيد هذا الطرف أو ذاك.
*أستاذ محاضر في العلوم السياسية في جامعة باريس نانتير وجامعة باريس لوميير، عضو في معهد العلوم السياسية الاجتماعية، المركز القومي للبحث العلمي، يحلل نوايا السلطة البولندية في صراعها مع الاتحاد الأوروبي.