فورين بوليسي: روسيا تصحح مشاكل التعبئة العسكرية

فورين بوليسي: روسيا تصحح مشاكل التعبئة العسكرية


لفت الزميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي مكسيم ساموروكوف، إلى ظهور إجماع في الغرب على أن روسيا خسرت بالفعل حربها ضد أوكرانيا.
قد تكون كلفة ونطاق وتوقيت انتصار أوكرانيا مجهولة، لكن نجاة دولة أوكرانيا ذات السيادة، لم تعد موضع تساؤل. بشكل مشابه، من الشائع القول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دمر الاستقرار السياسي الداخلي الذي تتباهى به روسيا، إلى الأبد، بحشد رجال في سن التجنيد للقتال في أوكرانيا. واعتبر مشهد آلاف الهاربين من البلاد لتفادي التجنيد تأكيداً لأن بوتين أخطأ في الحساب بشكل كبير وخاطر بتدمير شرعية النظام في الداخل.

واقع فظ
كتب ساموروكوف في “فورين بوليسي” أن ما يهم الكرملين هو الواقع الفظ المتمثل في أن التجنيد مكّن روسيا من تخفيف النقص في القوات على الجبهة. منع نشر القوات المعبأة في لوغانسك أوكرانيا من تقدم كبير في المنطقة منذ سقوط ليمان أوائل أكتوبر -تشرين الأول.
وفي خيرسون، سهلت التعزيزات انسحاب روسيا المنظم، ما ساعد في تفادي هزيمة كارثية مثل الهزيمة في خاركيف، حتى إن الجيش الروسي حقق مكاسب تدريجية بالقرب من باخموت، في منطقة دونيتسك، على حساب الكثير من الجنود والسجناء المجندين حديثاً.
لم تستطع المعنويات الأفضل والتكنولوجيا المتفوقة للأوكرانيين، ولا نقص التجهيزات والتدريبات والحوافز لدى الروس المجندين، منع روسيا من تحقيق أهدافها العسكرية المؤقتة بكلفة سياسية متواضعة نسبياً. إذا كان وصول بضع عشرات الآلاف من القوات المحشودة، كافياً لتحقيق ذلك، فما الذي سيفعله مليون جندي إضافي؟

تخطي العائق الأول
في محاولتها الأولى للتعبئة في الخريف، واجهت الحكومة الروسية عائقين كبيرين، نقص المعدات الأساسية للمجندين الجدد، ورد الفعل الشعبي ضد التجنيد الإجباري. منذ ذلك الحين، عالجت المشكلتين جزئياً على الأقل وفق الكاتب.
مستعيناً بالإصلاحات الناجحة نسبياً في الجيش الروسي التي أطلقها وزير الدفاع السابق أناتولي سرديوكوف، أسند الكرملين تدبير الجزء الأكبر من مشتريات الجيش إلى البيروقراطية المدنية الأكثر فاعلية. كلف اثنان من كبار التكنوقراطيين، رئيس الحكومة ميخائيل ميشوستين، وعمدة موسكو سيرغي سوبيانين بضمان تلبية الاحتياجات المادية للجيش الروسي، بشكل مناسب. لا يقصد الكاتب القول إن صعوبات الإمداد المتزايدة للقوات المسلحة ستحل، لكن سحب إدارة الإمدادات من أيدي القادة العسكريين يضمن بعض التحسينات. علاوة على ذلك، من المتوقع أن يساعد الروس أصدقاءهم وأقاربهم الذين جُندوا لسوء حظهم، لا خيار لديهم غير تغطية أوجه النقص في المخصصات الرسمية من جيوبهم، ببساطة لحماية أحبائهم المجندين من البرد والجوع.

شعبية بوتين
هل تهدد فوضى التجنيد شعبية النظام في روسيا؟ يرى الكاتب أن من المعبر عودة شعبية بوتين إلى الارتفاع بمجرد إعلان الكرملين، اكتمال الموجة الأولى من التعبئة. تنفس معظم الروس الصعداء لأنهم نجوا من التعفن في خنادق دونباس.
يهيمن مدح المجد العسكري والتفاني المجاني في الدفاع عن الوطن الأم على النظام التعليمي والثقافة الشعبية في روسيا.
سجلت استطلاعات الرأي قبل الحرب تصاعداً في الشعور العسكري، ارتفعت نسبة الذين يعتقدون أن الخدمة العسكرية واجب إلزامي إلى أكثر من 80%، بينما أعرب ثلثا الذكور المستطلعين عن الجاهزية للتضحية بأنفسهم لمصلحة البلاد. لذلك، ليس مستغرباً أن يجد الكثير من الروس أن من الطبيعي أن يموت بعض مواطنيهم على الجبهة حين تكون بلادهم في حرب.

السبب الحقيقي للغضب
أوضح الكاتب أنه في الخريف، صُدم الناس من فوضى التعبئة أكثر من التعبئة نفسها. لم يبدُ صحيحاً للروس العاديين أن يستدعى رجال دون خبرة عسكرية، وطبيبات لديهن أطفال في المنزل ورجال في الستينات من أعمارهم.
ورداً على الاحتجاج العام، تعمل السلطات بجهد لتجعل أي جولة تجنيد في المستقبل أكثر سلاسة، وكل شخص قادر على الاستباق، أو له امتياز أو تصميم على تفادي الجيش بكل ثمن سيحظى بخيارات واقعية لفعل ذلك. بإمكانهم الهروب إلى الخارج أو التسجيل للدراسات العليا أو العثور على وظيفة في شركة تعرض إعفاء تقنياً من الخدمة. في بعض الأوقات، استخدم التجنيد وسيلة لقمع الناشطين المناهضين للحكومة، لكن هذه الحالات تمثل أقلية تأثرت بالتجنيد.

معنى كلام بوتين
أعلن بوتين نفسه من الذي يشكل أولوية في عمليات التعبئة في المستقبل، قائلاً إن من الأفضل التعرض للقتل دفاعاً عن الوطن عوض معاقرة الفودكا
حتى الموت.
والمعنى الواضح هو أن السلطات العسكرية ستلاحق الروس الفقراء والمحرومين، هذا النوع من الذين يقدمون مقاومة أقل وتكون فائدتهم محدودة للدولة على أي حال. ولتحقيق ذلك، تنشغل الحكومة برقمنة ملفات اللجان العسكرية ودمجها في قواعد البيانات لدوائر مختلفة من نظام الرعاية الصحية، إلى الحرس الحدودي، قبل الموعد النهائي لذلك أي أبريل -نيسان 2024، في إشارة إلى أن الكرملين ينظر للتجنيد المرقمن على أنه استراتيجية طويلة المدى ستبقى مناسبة لسنوات عدة.

إغلاق الحدود أمام هؤلاء
أضاف ساموروكوف أن الرقمنة مصممة لتسمح للسطات بتحديد الذين يعتبرون أكثر ملاءمة للتعبئة والعثور عليهم بسهولة، ودمجهم في الجيش.
سيحكم على هؤلاء المجندين ذوي الحظ السيئ بالخضوع، لأن الحدود ستكون على الأرجح مغلقة أمامهم، وأمامهم فقط، كما سيمنعون من الخدمات العامة. بطبيعة الحال، لا يرجح أن تبني روسيا نظام تجنيد رقمياً بشكل مثالي، فالتأخير والثغرات لا مفر منها. لكن للحكومة الروسية خبرة واسعة في السيطرة الرقمية على مواطنيها، فطيلة سنوات، كانت تعتمد على تقنية المراقبة لتعقب المتظاهرين، والمتهربين من الضرائب، ومخالفي قيود مكافحة كورونا.

علف مدافع
نتيجة لذلك، ستكون عمليات التجنيد المقبلة روتينية وموجهة أكثر بكثير من التعبئة الجزئية الأساسية هذه السنة. بدل بث الذعر في المجتمع، ستساعد عمليات التعبئة الغالبية العظمى من الروس على التشبث بما يشبه الحياة الطبيعية، بالإضافة إلى الاستمرار في تجاهل التكاليف المتزايدة للحرب.  وفي غضون ذلك، ستشعر الأقلية البائسة من المجندين في المستقبل بأنها معزولة ويائسة أمام جهاز الدولة. سيرسلون مجهزين بشكل أفضل إلى حد ما بفضل التكنوقراط الأكفاء، علفاً للمدافع، في عمليات هجومية في المستقبل على أوكرانيا، حيث إن إخضاعها أمر ثابت على أجندة الكرملين.