فورين بوليسي: قلق أثينا من أنقرة يعيدها بقوة إلى شرق المتوسط

فورين بوليسي: قلق أثينا من أنقرة يعيدها بقوة إلى شرق المتوسط


عاد وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس مؤخراً من مهمة سلام في إسرائيل والأراضي الفلسطينية وجال رئيس الوزراء اليوناني كرياكوس ميتسوتاكيس على دول في شمال أفريقيا من طرابلس إلى القاهرة.

ويقول الكتب جوناثان غورفيت في موقع مجلة “فورين بوليسي الأمريكية، إن أثينا تحقق حضوراً ديبلوماسياً قوياً في شرق المتوسط. وشكلت زيارة ديندياس في 18 مايو (أيار) لإسرائيل وفلسطين-ضمن جولة شملت أيضاً الأردن ومصر- آخر مسعى ديبلوماسي حثيث له هذه السنة. وفي أبريل (أبريل)، على سبيل المثال، قدمت اليونان صواريخ للمملكة العربية السعودية بينما طار ميتسوتاكيس إلى طرابلس في سبيل استعادة العلاقات الديبلوماسية مع ليبيا. كما أن ديندياس ومسؤولين يونانيين آخرين أجروا محادثات لا تحصى مع مصر والأردن وقبرص ودولة الإمارات العربية المتحدة.

كذلك، تقيم أثينا علاقات جيدة مع الدول الأوروبية، وعلى نحوٍ خاص مع فرنسا التي باتت شريكاً أمنياً رئيسياً عندما وافقت على تزويدها بمقاتلات في يناير (كانون الثاني)، وعرضت بيعها سفناً حربية في مارس (آذار). وفي مايو(أيار)، وصف وزير الدفاع اليوناني نيكولاس باناغيوتوبولوس العلاقات مع الولايات المتحدة بأنها “في أفضل مستوى” من أي وقت مضى. لكن التركيز الواضح للزخم الديبلوماسي اليوناني كان على شرق المتوسط.
ويقول رئيس برنامج تركيا في المعهد الهليني للسياسات الأوروبية والخارجية في أثينا إيونيس ن. غريغورياديس: “بالتأكيد هناك شهية جديدة في أثينا للانخراط في المنطقة...إن اليونان تستعيد نفوذها في منطقة تجاهلتها لسنوات”. وخلف هذا النشاط المتجدد قلق خاص قديم يتمثل في تركيا.

ويرى مدير مركز الدراسات الدولية والأوروبية في جامعة قدير هاس باسطنبول ديميتريوس تريانتافيلو، أن التوترات المتصاعدة مع تركيا حول مروحة واسعة من القضايا العام الماضي، كانت بمثابة “دعوة لإستيقاظ الديبلوماسية اليونانية...وعلى الجبهتين الديبلوماسية والأمنية، أدركت اليونان، أنه حان الوقت من أجل إعادة تفكير استراتيجي».
وعلى رغم التنافس والشكوك بين اليونان وتركيا، فإن الدولتين كانت لهما علاقات مشرقة قبل عقدين من الزمن. وبعدما تعرضت أثينا واسطنبول لزلزالين مدمرين في 1999، انتهز الجانبان الفرصة لإقامة ديبلوماسية تبادل المساعدات. وبدأت مرحلة من التقارب، مع تزايد التبادل التجاري ومع دعم اليونان لتركيا في طموحها للانضمام إلى الإتحاد الأوروبي.

واتفقت أثينا وأنقرة على إجراء محادثات استكشافية في ما يتعلق بكل القضايا الخلافية. ومع ذلك، فإن هذه المحادثات- التي بدأت في 2002- لم تسفر سوى عن تقدم ضئيل. وفي الواقع كان ثمة خلاف منذ البداية حول ماهية المواضيع التي يجب أن تطرح على جدول الأعمال. وامتدت المواضيع من ترسيم الحدود البحرية والجوية في بحر إيجه إلى معاملة الأقلية العرقية التركية في تراقيا اليونانية والجالية اليونانية في اسطنبول.
وبعد مراوحة لمدة أربعة أعوام، علقت هذه المحادثات في مكانها. وجاء ذلك بعدما تساءل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علناً عن شرعية معاهدة لوزان لعام 1923، التي رسمت الحدود الحالية لتركيا. وكان هذا التساؤل مقدمة لما تلا ذلك من شروع أنقرة في تحدي الحدود البحرية لليونان ولقبرص الحليف الأقرب لأثينا.

وفي عام 2017، بدأت أنقرة بإرسال سفن للأبحاث الجيولوجية ومن ثم سفن للتنقيب عن النفط-بمواكبة سفن حربية- إلى مياه تقول قبرص إنها عائدة لها. وفي أواخر 2019، وقعت أنقرة اتفاقاً بحرياً مع حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بليبيا، مُنحت تركيا بموجبه أجزاء واسعة شرق المتوسط بما فيها تلك التي تقول أثينا إنها مياه إقليمية يونانية. وبعثت تركيا سفينة أبحاث جيولوجية بمواكبة بحرية إلى هذه المناطق، مما استدعى نشر قطع بحرية يونانية في المقابل، وتسبب بتصاعد التحذيرات بين أنقرة وأثينا.

وبدأت أثينا في بناء وتطوير علاقات مع قوى إقليمية تقلقها السياسة التركية. وإحدى ثمار التحرك اليوناني كان تأسيس منتدى غاز المتوسط الذي يضم إلى اليونان، قبرص ومصر وفرنسا واليونان وإسرائيل وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية. وكان الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عضوين مراقبين فيما دولة الإمارات العربية المتحدة عضو مرشح.

وفي أوائل أبريل (نيسان)، زار ميتسوتاكيس طرابلس وأعاد العلاقات الديبلوماسية مع طرابلس، وفتح نقاشاً مع الحكومة الليبية الموقتة حول شرعية الإتفاق البحري مع تركيا لعام 2019. واتفقا على إجراء مباحثات إضافية في شأن هذه القضية، لكن ذلك لم يحصل بعد.
وفي الوقت نفسه، أعطى انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، دفعة للعلاقات بين اليونان والولايات المتحدة، لأن الرئيس الأمريكي الجديد يتوقع أن يكون متشدداً حيال تركيا. ولم يجر بايدن اتصالاً هاتفياً بأردوغان حتى 23 أبريل الماضي ليبلغه فيه قراره الاعتراف بالإبادة الأرمينية.