رئيس الدولة والرئيس المصري يبحثان العلاقات الأخوية والتطورات الإقليمية
فيما دخلت الحرب الأوكرانية- الروسية عامها الثالث : أوروبا تواجه تحدي حربٍ طويلة
مع دخول الصراع بين أوكرانيا وروسيا عامه الثالث، يستخلص عالم السياسة المستشار الخاص لجوزيب بوريل رئيس الدبلوماسية الأوروبية، دروس هذه الصدمة الجيوسياسية للقارة الأوروبية .
قبل عامين، أطلق فلاديمير بوتين العنان لقواته ضد أوكرانيا لشن حرب تدخل عامها الثالث .وكان الفشل مساويا لرضاه عن النفس. ومع ذلك، اليوم، إذا لم تنتصر موسكو، فهي لم تُهزم. وفي نهاية المطاف فإن هذا الصراع السياسي العسكري المُعقد هو الذي تجد أوروبا نفسها في مواجهة معه.
شكلت هاتان السنتان الأوليتان من الحرب صدمة جيوسياسية مفيدة لأوروبا. لقد أنكرتا كل الفرضيات التي صاغها منتجو المتشككين في أوروبا والسيادة بحجج مدروسة: غياب الوحدة، والخوف من المواجهة، وأوجه القصور العسكرية. وعلى عكس كل التوقعات، أظهر الاتحاد الأوروبي الوحدة والسرعة في هذا الشأن. ورغم أن مبدأ الإجماع يعتبر منقوصا ، فقد أطلق الاتحاد الأوروبي 88 مليار يورو كمساعدات مالية واقتصادية وعسكرية. علاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو الذي كان دائمًا القوة الدافعة في رفع المستوى النوعي للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، سواء كانت دبابات أو طائرات مقاتلة أو صواريخ بعيدة المدى. كما كشفت هذه الحرب عن الجودة الاستثنائية للمعدات العسكرية الأوروبية في جميع قطاعاتها، باستثناء قطاع الاستخبارات، حيث تظل الهيمنة الأمريكية غير قابلة للجدل. ولكننا لا نستطيع أن نقول بما فيه الكفاية: إن الحرب في أوكرانيا هي نتاج الإنتاج الأوروبي الأميركي المشترك وليست استراتيجية قررتها الولايات المتحدة وحدها. ويدرك الأوروبيون اليوم أن روسيا تشكل تهديداً دائماً وحقيقياً لأمنهم. وعندما يتعين علينا في يوم من الأيام أن نتعامل مع الأمر، فسيتعين علينا أن نفعل ذلك من موقع القوة.
مواجهة شديدة الحدة
لقد تمكنت أوروبا متحدة من خوض المخاطر، وبالتالي تحملت مخاطر المواجهة. و تمكنت من وضع حد للارتهان الطاقي لروسيا و تسعى لاستغلال أرباح الأموال الروسية المجمدة لديها منذ الحرب. إن فكرة أن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يكون لديه رد موحد على موسكو، بسبب التصور المتباين للتهديد الروسي من قبل الدول الأعضاء، لم يتم تأكيدها في اختبار الحرب. إن فرنسا، التي رأت في سلاحها النووي أداة أساسية للردع ضد روسيا، وبالتالي التقليل من خطر نشوب حرب تقليدية معها، تدرس الآن فرضية حرب شديدة الحدة.
ويؤدي هذا إلى تشديد النظرة الاستراتيجية لأوروبا على روسيا، وهو الأمر الذي سهلته وحشية بوتين لفترة طويلة. ولكن إذا كانت هاتان السنتان من الحرب قد سمحتا لأوروبا بالتعبير عن غريزة القوة، فإن السنوات المقبلة مليئة بالشكوك. الأول ذو طبيعة عسكرية. وحتى لو لم تكن أوكرانيا تمتلك الوسائل اللازمة لدفع روسيا إلى الخروج من أراضيها بالكامل، فيتعين عليها أن تعمل على إقامة توازن استراتيجي مناسب للقوى معها قبل الدخول في أي مفاوضات. ومع ذلك، فإن الخسائر الروسية، التي لا تزال كبيرة، ليس لها سوى تأثير محدود على سير العمليات. القوى العاملة الروسية لا تنضب. تضاف إلى ذلك قدرة الجيش الروسي على التكيف مع التضاريس والمناورة بقوات أصغر وأكثر قدرة على الحركة؛ وتحويل جهازها الاقتصادي إلى احتياجات الحرب دون تعطيل الاقتصاد الريعي؛ مع توافر الموارد العسكرية من كوريا الشمالية (الذخائر) وإيران «الطائرات بدون طيار»، والتحايل الكبير على العقوبات من جانب آسيا الوسطى والخليج، وأخيرا السيطرة على الحرب الإلكترونية، مما يجعل من الصعب تدمير بعض البنى التحتية المحمية للغاية، مثل مثل جسر كيرتش الذي يربط شبه جزيرة القرم بالقارة. في صراع بهذا الحجم، كل شيء مهم: الحافز والرجال والذخيرة والطائرات بدون طيار. ومع ذلك، على هذه المستويات الأربعة، لم يعد ميزان القوى في غير صالح موسكو بالضرورة. ويظل الأوكرانيون أكثر تحفيزاً من الروس. ولكن معدل فتك الحرب بلغ اليوم حداً جعل الخوف المشروع من الموت، وبالتالي من التورط، أقوى من ذي قبل، حتى بين الأوكرانيين. ومن هنا جاء قانون التجنيد. ترجع هذه الزيادة في معدل الوفيات إلى حد كبير إلى اختلال توازن الذخيرة بين الروس والأوكرانيين. ولكن يتم تفسير ذلك أيضًا من خلال الشفافية المذهلة في ساحة المعركة بسبب مشاركة الطائرات بدون طيار. و بفضلها الجميع يرى الجميع.
إن التقدم التكنولوجي هائل ويشهد قفزات كل ستة أشهر. لذا، إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد مساعدة أوكرانيا، فيتعين عليه حتماً أن يزودها ليس فقط بالذخائر، بل وأيضاً ببرامج الذكاء الاصطناعي، لتمكين الطائرات بدون طيار الأوكرانية من كسر الحاجز الإلكتروني الذي أقامته روسيا
مرونة روسيا
وبعيداً عن المؤسسة العسكرية، هناك ثلاث قضايا سياسية يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يواجهها. الأولى ترجع إلى صمود النظام الروسي، الذي يتمكن من الحفاظ على نفسه مع التكيف، إلى حد اللجوء إلى تقنيات المافيا في حماية البارونات، وإرضاء المحسوبين، والقضاء على الفاترين. وكل ذلك دون الحاجة إلى القلق بشأن الرأي العام، الذي نادراً ما كان له تأثير في التاريخ السياسي الروسي. والتضحية بنافالني تشهد على ذلك. وتضع هذه النتيجة بوتين في وضع أفضل كثيرا مما كان عليه قبل عام. والعنصر الثاني هو حقيقة أنه بسبب الحرب في غزة، استعادت روسيا جزئياً المساحة الدبلوماسية التي فقدتها. ومن المؤكد أن عدداً قليلاً من البلدان يؤيد ذلك، ولكن عدداً أقل من البلدان ترغب في جعلها منبوذة مثل البرازيل. ويرى الجنوب العالمي في هذه الحرب صراعاً بين الغرب وروسيا، وهو ما يتيح له الفرصة لزيادة مجال المناورة لديه. فهو يوفر له الفرصة للتنديد بممارسة المعايير المزدوجة التي يعتقد أن الغرب يتدخل فيها بين الوضع في أوكرانيا وغزة. تعود روسيا مرة أخرى إلى ممارسة عملها كقوة انتهازية لا يمكن لبكين إلا أن تكون راضية عنها. لكن الانفجار الحقيقي سيأتي من انشقاق أميركي محتمل. ومن أجل التغلب على بايدن، فإن ترامب على استعداد لفعل أي شيء لحرمان أوكرانيا من النصر. ولكن حتى لو أعيد انتخاب بايدن في نوفمبر-تشرين الثاني، فسوف يكون لزاماً على الاتحاد الأوروبي أن يعترف بأنه لابد أن يكون الضامن الرئيسي لأمنه.
ولتحقيق هذه الغاية، يتعين علي المجموعة الاوروبية أن تتغلب على عقبات هائلة وأن تعمل بجدية على بناء ركيزة وظيفية ثانية لحلف شمال الأطلسي قادرة على التعويض عن إضعاف الركيزة الأولى.