«العين بصيرة واليد قصيرة»:

قادة الصين يتفهمون بوتين، لكن لا يمكنهم دعمه...!

قادة الصين يتفهمون بوتين، لكن لا يمكنهم دعمه...!

-- المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، يشغل النظام السياسي بأكمله تاركا المسائل الخارجية في الخلفية
-- الدبلوماسي جاو يوشنغ: «روسيا بصدد الفشل في أوكرانيا»
-- لا تقف الصين إلى جانب الولايات المتحدة، ولا تقــدم دعمــًا غيــر مشــروط لموســــكو
-- الغزو الروسي لأوكرانيا لا يسهّل موقف بكين دوليا
-- كلما حاول الأمريكان احتواء صعود القوة الاقتصادية الصينية، كلما أظهرت الصين علاقات جيدة مع روسيا


      لا يمكن للمنعطف الذي اتخذه الصراع في أوكرانيا إلا أن يُذهل القادة الصينيين. قد يكون فلاديمير بوتين قد أعلمهم بالهجوم الذي كان ينوي شنه على أوكرانيا عندما زار بكين في 4 فبراير، بمناسبة انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، لكن ربما كان واضحا للرئيس الروسي أنها ستنتهي بانتصار في غضون أيام قليلة.
    أيضًا، منذ بدء الأعمال العدائية، حرصت بكين على عدم تقديم دعم غير مشروط لروسيا، مع تفادي الانحياز إلى الولايات المتحدة. لذلك في كل مرة تناول فيها مجلس الأمن قضية الهجوم الروسي على أوكرانيا، لم تدنه الصين ولم توافق عليه، بل ببساطة تمتنع عن التصويت. وهذا يؤكد، على أقل تقدير، الحرص على عدم الانخراط في هذا الصراع.
   من الواضح، أنّ هذا الحذر يفسره الالتزام خصوصا بعدم استعداء الدول الغربية والأوروبية والأمريكية، والتي تمثل الجزء الأكثر أهمية، والأكثر ربحية في التجارة الخارجية الصينية. علاوة على ذلك، أبلغت الولايات المتحدة الصين أنها ستواجه انتقامًا اقتصاديًا خطيرًا إذا حاولت مساعدة روسيا.

  ويبدو أنه تمت صياغة هذه الرسالة، في 14 مارس، من قبل كاتب الدولة الأمريكي جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس جو بايدن، عندما التقى طيلة سبع ساعات في روما مع يانغ جيتشي، أكبر مسؤول دبلوماسي في الهيئات القيادية للحزب الشيوعي الصيني. التحذير الأمريكي، الذي وصفته واشنطن بأنه “صريح للغاية” و “مكثف”، لم يعجب بكين بالتأكيد، لكنه يضاف إلى كل الأسباب التي تشجع الصين على عدم التدخل في المجهود الحربي الروسي.

ترديد الدعاية الروسية
    منذئذ، وللتعويض عن هذا الغياب المفروض للتعاون مع روسيا، تبنت الدعاية الصينية أطروحات موسكو حول الحرب في أوكرانيا، والتي يطلق عليها، كما هو الحال في روسيا، “العملية العسكرية الخاصة”. وهكذا تكرر وسائل الإعلام الصينية، أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مسؤولان بشكل أساسي عن اندلاع الأعمال العدائية في أوكرانيا. فمن خلال دعم دفاعات جيران روسيا، والاستعداد لفعل الشيء نفسه  في أوكرانيا، ألم تجبر الولايات المتحدة روسيا على الدفاع عن نفسها؟
     يؤكد الإعلام الصيني أيضًا، كما تفعل موسكو، أن الأمريكيين أنشؤوا، منذ عدة سنوات، مختبرات لتطوير أسلحة بيولوجية في أوكرانيا. كل هذا يتم تناوله ونشره على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية في الصين، ويسلّم به جزء كبير من السكان على أنه حقائق حول أصل المواجهة في أوكرانيا. أما الحكومة الصينية، فهي بنشرها تقول ضمنيا أنها تتفهم موقف موسكو.
   لم يكن تقارب وجهات النظر هذا قائمًا دائمًا بين هذين البلدين اللذين يشتركان في 42093 كيلومترات من الحدود. في النصف الثاني من القرن العشرين، كانت العلاقات بين الصين والاتحاد السوفياتي مضطربة بشكل خاص. عام 1950، بعد عام من تولي الحزب الشيوعي السلطة في الصين، قام زعيمه، ماو تسي تونغ، برحلة إلى موسكو. وسيروي لاحقًا، أن ستالين أهانه بجعله ينتظر ما يقرب من أسبوع قبل أن يتنازل لمقابلته.
    ومع ذلك، اعترف ماو تمامًا بصلاح النظام الستاليني الى درجة أنه بعد وفاة ستالين، عندما عاد للمرة الثانية والأخيرة إلى موسكو عام 1957، بمناسبة مهرجان الشباب العالمي الذي نظمه الحزب الشيوعي السوفياتي، انه فزع لإلغاء الستالينية الذي أعلنه نيكيتا خروتشوف.
   انفرد ماو بزعيمين شعر أنه قريب منهما، الألباني أنور خوجا والفرنسي موريس ثوريز، واتفق الثلاثة على أن مهاجمة إرث ستالين خطأ كبير وخطير. تمّ تسجيل محادثتهم بالكامل بواسطة ميكروفونات مخبأة في سقف الغرفة حيث يوجدون، وستتوفر نسخ هذه المناقشة بعد خمسة وثلاثين عامًا إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، عندما تم فتح أرشيفات الشرطة السياسية الـ “كي جي بي».

القطيعة
الصينية السوفياتية
   بعد عشر سنوات من الصداقة الرسمية، اندلعت القطيعة بين الصين والاتحاد السوفياتي. يرفض الصينيون سيطرة الاتحاد السوفياتي عليهم، ويعتقدون أن بإمكانهم تطوير مجتمع قائم على المساواة حقًا ويرتكز على العالم الثالث. وجاءت القفزة العظيمة الى الأمام عام 1960، وهي فشل اقتصادي مرير، ثم منذ عام 1966، الثورة الثقافية، لتعزلا الصين تمامًا على الساحة الدولية.
   في نفس الوقت، عام 1969، اندلعت أحداث عنيفة على ضفاف نهر أوسوري بين القوات الروسية والصينية وصلت حد تبادل قصف قاذفات الصواريخ. وأدى ذلك بالقادة الصينيين إلى طلب الحماية وبدء التقارب مع الولايات المتحدة، والذي تحقق في فبراير 1972 مع زيارة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إلى بكين.
   ان عداء الصين للاتحاد السوفياتي سيستمر بعد ماو. في فبراير 1981، قرر فرانسوا ميتران زيارة استمرت عشرة أيام للصين ليأخذ مسافة عن حملة الانتخابات الرئاسية التي سيفوز بها بعد ثلاثة أشهر. في بكين، استقبله رجل النظام القوي الجديد، دنغ شياو بينغ.
وشجعه هذا الاخير على انتقاد السلوك الإمبريالي للاتحاد السوفياتي، لكن رئيس الدولة الفرنسي المستقبلي حرص على عدم الانحياز إلى الحجج الصينية.
   لم تتغير الصين بشكل جذري إلا في السنوات التي تلت ذلك: فقد طورت اقتصادها، وخرجت من عزلتها، وبدأت المصالحة مع الاتحاد السوفياتي. تم إضفاء الطابع الرسمي على هذا في مايو 1989، مع زيارة ميخائيل جورباتشوف إلى بكين. لكنها تزامنت حينها مع بداية احتلال الطلاب الصينيين لساحة تيان آن مين.
   كان في البرنامج، حضور الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي المجلس الشعبي الوطني غرب الميدان. لم يتمكن من الدخول من المدخل الرئيسي المهيب، وتسلّل من باب يقع في الجزء الخلفي من المبنى.
   في ذلك اليوم، فقد القادة الصينيون ماء الوجه، وسيستعيدون قوتهم بعد شهرين، بقمع عنيف للحركة الطلابية. بينما في موسكو، سينهار النظام السوفياتي بعد ذلك بعامين، عام 1991.

التجارة تصنع
صداقات جيدة
   منذ ذلك الوقت، حافظت بكين على نظام سياسي حازم بشكل خاص، بينما أطلقت إصلاحات اقتصادية تسمح اليوم للصين باحتلال المرتبة الثانية بين القوى العالمية، وراء الولايات المتحدة. في حين لم تشهد روسيا مثل هذا التطور حيث يحتل اقتصادها على الصعيد العالمي، المرتبة 19 فقط.
   ومع ذلك، على مدى السنوات العشر الماضية، أقامت الصين تدفقًا تجاريًا مع روسيا، مهتمّة بشكل خاص بالموارد المعدنية في باطن الأرض الروسية، بينما تعزّز اقتصاد المناطق المهملة، مثل سيبيريا، من قبل العديد من الصينيين الذين استقروا هناك.
   في 4 فبراير في بكين، اختتم فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، توقيع العقود الرئيسية لبيع النفط والغاز الروسي. وعلى الهامش، وإثباتًا لتفاهمهما الجيد، وقع الزعيمان على نص يدينان فيه، على وجه الخصوص، النظام الغربي والقوة المطلقة للولايات المتحدة.

   وبمرور السنوات، حدث تقارب سياسي واضح بين الزعيمين. في السلطة منذ عام 2000، تطور سيد الكرملين نحو قيادة سلطوية تجد بشكل واضح هوى عند شي جين بينغ، الذي تولى منصبه عام 2013. على أي حال، كلما حاولت الولايات المتحدة، بقيادة دونالد ترامب ثم جو بايدن، احتواء الصعود الكبير لقوة الاقتصاد الصيني، كلما أظهر النظام الصيني علاقات جيدة مع روسيا.
   تم تعزيز هذا الاتجاه عندما، عام 2020، مع ظهور كوفيد-19، ستنغلق الصين إلى حد كبير على نفسها. منذئذ، لم يعد للدولة، القوية اقتصاديًا ولكنها معزولة دبلوماسياً إلى حد كبير، العديد من الاتصالات الودية في العالم، ولذلك حازت روسيا المكانة الأهم. علاوة على ذلك، في 4 فبراير، أكدت الصين وروسيا جودة علاقاتهما “غير المسبوقة”، وصداقتهما “اللامحدودة».

وجود نقاش في الصين؟
    بعد شهرين من بدء القتال في أوكرانيا، وبينما ضاعفت دول مجموعة السبع “ألمانيا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة” والاتحاد الأوروبي عمليات الحظر والأعمال الانتقامية التجارية والعقوبات المالية ضد روسيا، تمكنت هذه الأخيرة من الحفاظ على بعض الأمل في أن يتم تعويض خسارة الدخل من خلال المشتريات الصينية، وخاصة من مواد الطاقة. وقد يكون عدم إعاقة هذا الاحتمال الاقتصادي أحد أسباب عدم انتقاد بكين لاستراتيجية فلاديمير بوتين.
   في الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك ما يشير إلى أن الصين تنظم أدنى قدر من الالتفاف على العقوبات الغربية ضد روسيا. وبالمثل، لا يبدو أن أسلحة من الصين تُباع لروسيا. وأخيرًا، خوفًا من التعرض بدورها لعقوبات، لا تندفع الشركات الصينية إلى روسيا للاستيلاء على الأماكن التي تخلت عنها بعض الشركات الغربية. من ناحية أخرى، فإن جائحة كوفيد-19، الضخمة نسبيًا في العديد من المدن الصينية، تقلل من النشاط الاقتصادي الصيني، وبالتالي، فهي أقل احتياجا للنفط، وقد يكفيها اللجوء للفحم.

   كان يمكن أن يكون الوضع مختلفًا تمامًا إذا قررت الصين إدانة سلوك روسيا في أوكرانيا وانضمت إلى وجهة النظر الغربية. قد يكون هناك نقاش حول هذا الموضوع في بكين، فمن حين لآخر تظهر حجج بهذا المعنى في الصحافة الصينية تتعارض مع المواقف التي تؤكدها السلطات. وهكذا، في 10 مايو، امام الأكاديمية الرسمية للعلوم الاجتماعية في بكين، اعتقد جاو يوشنغ، وهو دبلوماسي كبير وسفير صيني سابق لدى أوكرانيا من 2005 إلى 2007، أن فلاديمير بوتين، بعيدًا عن “إحياء الإمبراطورية السوفياتية”، قد ساهم، على العكس من ذلك، في “انحدار روسيا».

   وأضاف، أنه من وجهة نظره، “كل يوم يضاف إلى الحرب يصبح عبئًا أثقل وأثقل تتحمله روسيا”، وأن “تفوق روسيا على أوكرانيا من حيث القوة العسكرية والتنمية الاقتصادية قد أجهضته عزيمة المقاومة الشديدة للأوكرانيين، وكذلك من خلال المساعدات الكبيرة والمستمرة والفعالة من الدول الغربية “. وهو ما يقود الدبلوماسي الصيني إلى استنتاج أن “روسيا بصدد الفشل”. بثت هذه التصريحات شبكة تليفزيون هونغ كونغ فينيكس، المعروفة بخضوعها لرقابة مشددة من قبل الحزب الشيوعي الصيني. لذلك تسنّى سماعها من قبل العديد من المشاهدين، قبل حذفها من قبل الرقابة.

   إن إمكانية تقاسم مثل هذه الأفكار في الصين يثير العديد من الأسئلة. هل يعني بثها في وسائل الإعلام الكبرى أن هناك انقسامات قوية على رأس الحزب الشيوعي الصيني، وأن البعض يريد الإفصاح عن عدم موافقته على العرض الرسمي للنزاع في أوكرانيا؟ أم أن جميع القادة الصينيين يريدون إظهار أنهم بدأوا في التطور في مواجهة استمرار المعارك؟

أولويات أخرى
   على أي حال، يبدو أن التعليمات الرئيسية الموجهة للبيروقراطية الصينية هي تفادي أي إمكانية لإغضاب روسيا، حتى في موضوع ثانوي. في 31 مارس، في بكين، دعت السفارة السويسرية حوالي ستين شخصًا، أوروبيًا وصينيًا، لحضور عرض خاص لفيلم أولغا.
  من إخراج إيلي جرابي، يحكي هذا الفيلم الروائي قصة لاعبة جمباز في أوكرانيا خلال مظاهرات عام 2013 التي دعت إلى عضوية البلاد في الاتحاد الأوروبي. من بكين، يعتبر الموضوع حساسًا بشكل واضح وبما يكفي لوقف العرض بعد بضع دقائق، بحجة انقطاع التيار الكهربائي، دون أي احتجاج يسمح باستئنافه.

      نفس الفيلم كان يفترض أن يعرض يوم 6 أبريل في المعهد الفرنسي في بكين. في توقيت الحصة، كانت الشرطة عند مدخل المبنى وفحصت بعناية جميع المداخل. وفضلت السفارة الفرنسية في الصين تأجيل الجلسة إلى موعد لاحق غير محدد.
   ستستمر السلطة الصينية في إصدار تعليمات بفرض رقابة على المعلومات غير المواتية لروسيا، كما، من جهة أخرى، مراقبة دقيقة لردود الدول الغربية لصالح أوكرانيا.

   ويتوفر هنا ما يكفي لدراسة مقارنة لما يمكن أن تكون عليه التعبئة الدولية ضد الصين إذا قررت غزو جزيرة تايوان القومية.
لكن هذه النية ليست على جدول الأعمال في وقت يتعين فيه على بكين أولاً إدارة الاضطرابات الاقتصادية التي سببتها الحرب الروسية في أوكرانيا. علاوة على ذلك، فإن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، المقرر عقده في الخريف، بدأ يشغل النظام السياسي بأكمله تاركا المسائل الخارجة عن أراضي الصين الشعبية في الخلفية.
 

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot
https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/sv388/ https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/ladangtoto/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/scatter-hitam/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/blog/sv388/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/uploads/depo-5k/ https://smpn9prob.sch.id/content/luckybet89/