انتهى بجلسة محاكمة عن بعد:

قضية هواوي: صفقة تنهي مسلسلا طالت حلقاته...!

قضية هواوي: صفقة تنهي مسلسلا طالت حلقاته...!

-- واشنطن تفرج عن منغ وانتشو، وبكين تطلق سراح الكنديين
-- تسوية دبلوماسية أكثر منه بداية حقبة جديدة في العلاقات بين «التنين» و «العم سام»


   أفرجـت الحكومــــــة الكندية، بضــــوء أخضر من الولايات المتحـدة، يــــــوم الجمعـة، 24 ســـــبتمبر، عن المديــرة الماليـــــة لشركة هواوي، عملاق الاتصالات الصيني.
 وبعد ساعتين أطلقت الحكومة الصينية سراح مايكل كوفريغ ومايكل سبافور، الرهينتين الكنديتين المحتجزتين كورقة مساومة منذ أكثر من عام.
الاتفاق، الذي سمح لمنغ بالعودة إلى الصين، ينهي ملحمة قانونية استمرت ثلاث سنوات أدت إلى تعقيد العلاقات بين الأمريكيين والكنديين والصينيين بشدة.
اعتقلت منغ وانتشو في مطار فانكوفر عام 2018 بأمر من الولايات المتحدة، وغادرت كندا يوم الجمعة كجزء من صفقة مع السلطات القضائية الكندية ومتهميها الأمريكيين. وبعد ساعات، أعلنت السلطات الكندية إطلاق سراح مايكل سبافور ومايكل كوفريغ، المتهمين من قبل بكين بالتجسس في نفس العام.
  لطالما أنكرت بكين بشدة أي صلة بين اعتقالهما واعتقال منغ وانتشو.

 لكن هذا الإنكار لم يخدع أحداً: فقد أصبح هذان الكنديان رهائن، وأوراق مساومة لانتزاع إطلاق سراح منغ وانتشو من الحكومتين الكندية والأمريكية. ولم يغيّر اصرار مايكل سبافور ومايكل كوفريغ على براءتهما شيئا، والمنطق المتصلّب للعدالة الصينية تحت أوامر السلطة، أبقاهما في زنزاناتهما.

اعتراف بالكذب
   في مكتب محاميها في فانكوفر، انتظرت منغ وانتشو أكثر من ساعة يوم الجمعة، حتى تبدأ القاضية الأمريكية، التي تأخرت، آن دونلي جلسة استماع في محكمة اتحادية في بروكلين بنيويورك، والتي من شأنها أن تمهد الطريق لإطلاق سراحها.
   أمام شاشتها، كانت منغ تشرب الشاي، تبتسم أحيانًا، وتحاول ان تسوّي شعرها، تتنفس بقوة وبشكل منتظم، في تعبير عن توترها من هذا الاجتماع الرسمي الأول عن بعد مع العدالة الأمريكية. ثم تسارعت الأمور: تخلت منغ وانتشو عن قراءة لائحة الاتهام. ودافعت في البداية على أنها غير مذنبة في التزوير المصرفي والتحويل الإلكتروني والتآمر لتنفيذ هذه الجرائم.

   ومع ذلك، قدم المدعي العام شروط الاتفاق المختوم معها. يطرح النص تعليق الإجراءات ضدها حتى 1 ديسمبر 2022 والتخلي عنها نهائيًا إذا وعدت باحترام شروط اتفاقية حسن السلوك.
   المطلب الرئيسي: عدم التشكيك في سرد الوقائع الذي يروي في أربع صفحات كيف سيطرت شركة هواوي، التي كانت منغ وانتشو مديرتها المالية على شركة تابعة للاتصالات في إيران تسمى سكاي كوم، وتمكنت من جعلها تحصل على مواد محظورة، رغم الحظر الأمريكي. وكما هو الحال دائمًا، فإن استخدام الدولار (في المعاملات التي ينفذها إتش إس بي سي، والذي يتم إخفاؤها) هو الذي يسمح للمحاكم الأمريكية بالتحرك بطريقة فوق وطنية عند أطراف ثالثة.

   وفي بيان، انتصر الادعاء الأمريكي، موضحًا أن منغ وانتشو قد اعترفت بخطئها، واعترفت بأنها كذبت عن عمد لبنك إتش إس بي سي حول حقيقة سيطرة هواوي على سكاي كوم خلال عرض باوربوينت في هونغ كونغ عام 2013. “اعترافاتها تؤكد أن منغ وانتشو، بصفتها المديرة المالية لشركة هواوي، أدلت ببيانات كاذبة متعددة “للحفاظ على العلاقة المصرفية للمجموعة” مع إتش إس بي سي، والتي لم يكن البنك ليحتفظ بها إذا كان يعرف حقيقة الروابط مع إيران، اتهمت نائب المدعي العام في بروكلين، نيكول بوكمان. وهكذا فُتح الطريق امام منغ وانتشو.
   وُضعت منغ قيد الإقامة الجبرية في فيلتها الفاخرة في فانكوفر، وكانت حرة في التجول في المدينة ولكنها مزودة بسوار إلكتروني.
هذه الإقامة الجبرية استمرت ثلاث سنوات. وقالت وهي تبتسم بإشراق خارج الفيلا قبل أن تتوجه إلى مطار فانكوفر: “لأكثر من ثلاث سنوات انقلبت حياتي رأساً على عقب... لن أنسى أبدًا كل رسائل الدعم التي تلقيتها من الناس في جميع أنحاء العالم».
    بعد ساعات، وطائرتها تحلق فوق القطب الشمالي، أرسلت رسالة على وي تشات: “بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، وطننا الأم يسير بحزم نحو الازدهار. وبدون دعم الوطن الذي ولدت فيه، ما كنت لأكون حرة اليوم”. من جهتها، أصدرت شركة هواوي بيانًا ترحب فيه بعودة منغ إلى عائلتها.

«مصير بالغ الصعوبة»
   في حديثه للصحافة، أوضح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أن “المايكلين”  عرفا “مصيرًا صعبًا للغاية”، و”على مدى الألف يوم الماضية، أظهرا شجاعة ومثابرة وصمودا، إنهما مصدر إلهام لنا جميعًا».
   مايكل كوفريغ دبلوماسي سابق يعمل لدى مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية مقرها بروكسل.
 اما مايكل سبافور، فهو أحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة متخصصة في تقديم المشورة بشأن تسهيل التبادل التجاري والثقافي مع كوريا الشمالية.
في أغسطس الماضي، حكمت محكمة صينية على مايكل سبافور بالسجن 11 عامًا بتهمة “التجسس”. ولم يصدر حكم مايكل كوفريغ بعد.
   وفي بيان، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، إن بلاده “سعيدة” بالقرار الصيني، مضيفًا، مع ذلك، أن الرجلين عانا “لأكثر من عامين ونصف العام من الاعتقال التعسفي».

هل هي التهدئة؟
   منغ وانتشو، هي الابنة الكبرى لـ “رن تشانغ فاي”، مؤسس هواوي عام 1987. عضو في الحزب الشيوعي، هذا الأخير هو أيضًا ضابط كبير سابق في جيش التحرير الشعبي، الذي تركه عام 1983. وهذه الروابط مع جيش التحرير الشعبي، هي التي دفعت الإدارة الأمريكية إلى تبنّي عقوبات ضد شركة هواوي، إحدى أكبر الشركات المصنعة لمعدات الاتصالات في العالم.
 واتهمت واشنطن شركة هواوي بالتجسس عبر “الأبواب الخلفية” في أجهزتها التي تسمح بالوصول إلى البيانات السرية لمستخدميها. اتهامات لطالما نفتها المجموعة بشدة.

   عام 2019، أدرجت الحكومة الأمريكية شركة هواوي على القائمة السوداء، وحظرت تصدير أجهزة الشركة الصينية إلى الأراضي الأمريكية. وقد حذت المملكة المتحدة والسويد وأستراليا واليابان وإسرائيل ثم فرنسا والهند والعديد من الدول الأخرى، حذوها.
   كانت هواوي حتى وقت قريب أكبر مصدّر في العالم لشبكات الاتصالات، وحتى وقت قريب، كانت أكبر شركة لتصنيع الهواتف الذكية في الصين. يقع المقر الرئيسي للشركة في شنتشن، عشرين كيلومترًا شمال هونغ كونغ.
ومع تزايد التحديات، اضطرت هواوي مؤخرًا إلى بيع هونور، العلامة التجارية للهواتف المحمولة، وتحويل أعمالها إلى مجالات جديدة مثل الكلود أو السيارات الذكية.

   يذكر أن تسويق الهواتف الذكية يمثل الجزء الأكبر من حجم مبيعات هواوي، والذي بلغ 36.5 مليار دولار في النصف الأول من عام 2020، متقدما بفارق كبير عن معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية، بما في ذلك تلك المستخدمة من قبل شبكات الجيل الخامس. وبسبب العقوبات الأمريكية، “ستخسر هواوي، في جميع الاحتمالات، الكثير من مبيعاتها من الهواتف الذكية”، قدّر في 19 أغسطس 2019، غريغ أوستن، الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في سنغافورة، نقلاً عن صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست.
   فهل حلّ هذه القضية يهدئ العلاقات بين الصين والولايات المتحدة؟ هذا في وقت أصبحت فيه العلاقات أكثر توتراً إثر اتفاقية أوكوس الثلاثية بين الأمريكيين والأستراليين والبريطانيين.

  ابرمت الأسبوع الماضي، تهدف هذه الاتفاقية إلى مواجهة النزعة العسكرية الصينية من خلال استلام كانبرا غواصات تعمل بالطاقة النووية.
   وفي كل الاحوال، من الواضح أن هذه القضية التي أسدل الستار عليها كانت موضوع مفاوضات بين بكين وواشنطن.  ويبدو أن الإفراج المتزامن عن منغ وانتشو والكنديين هو نتيجة لتسوية دبلوماسية بين واشنطن وبكين أكثر من كونه بداية حقبة جديدة في العلاقات بينهما، والتي لم تكن أبدًا بهذه الدرجة من التوتر منذ قرار الحكومة الأمريكية الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية عام 1979.