قمة ألاسكا.. لحظة إذلال لأوروبا فضحت هشاشة القارة
قال الكاتب البريطاني تيم بلاك، في مقال بمجلة spiked إن القمة التي استضافها البيت الأبيض عقب لقاء الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، لم تكن استعراضاً لقوة أوروبا، ولا لوحدتها في دعم أوكرانيا، بل كانت، على حد تعبيره «إهانة مدوية» فضحت هشاشة القارة العجوز، واعتمادها المزمن على الحماية الأمريكية.
وأوضح الكاتب أن القادة الأوروبيين، من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، اصطفّوا إلى جانب بعض المسؤولين الآخرين في واشنطن لإلقاء خطابات عن الأمن الأوروبي والتضامن مع أوكرانيا. وأضاف «لكن مجرد حضورهم في العاصمة الأمريكية كان كفيلاً بإظهار عجزهم أكثر مما أظهر وحدتهم. وأكد أن أوروبا بدت وكأنها تبحث عن مظلّة طمأنة أمريكية، لا عن فرصة لإثبات استقلالها الاستراتيجي».
التزام ضعيف
وتابع الكاتب أن خطابات القادة الأوروبيين اتسمت بالحدة والصرامة، لكن الواقع كشف ضعف التزامهم العملي تجاه أوكرانيا. فالدعم العسكري كان متأخراً ومحدوداً، والمساعدات المالية لم ترتقِ إلى مستوى احتياجات كييف. والأسوأ، حسب الكاتب، أنّ دول الاتحاد الأوروبي واصلت إنفاق مليارات على شراء النفط والغاز الروسيين، بما تجاوز قيمة دعمها المباشر لأوكرانيا.
وأردف أن عقوداً من سياسات نزع السلاح وضعف القدرات الصناعية والبيروقراطية الثقيلة جعلت أوروبا «مجرد قوة عاجزة» عن حماية نفسها أو حتى جارتها أوكرانيا.
ترامب يذكّر أوروبا
وقال الكاتب إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتوانَ عن توجيه رسالة واضحة، بأن على أوروبا أن تتحمّل المسؤولية الأولى في الدفاع عن نفسها. وأوضح أن واشنطن ستبقى شريكاً داعماً، لكنها لن تزج بقواتها البرية في المعارك. واعتبر بلاك أن هذا الموقف يعيد إلى الأذهان الدور التقليدي لحلف ناتو في الحرب الباردة، حين كان الهدف الأساسي إبقاء أمريكا منخرطة في أمن أوروبا ومنع روسيا من التمدد.
القضايا الجوهرية
وأضاف الكاتب أن القمة، رغم التصريحات الرنانة والوعود البراقة، تجنّبت الخوض في القضايا المصيرية لأي تسوية مقبلة. ولم تُطرح بشكل مباشر مسألة التنازلات الإقليمية، ولا مصير الأطفال الأوكرانيين، ولا التعويضات المحتمل أن تُطالَب بها موسكو. وفي المقابل، ركّزت القمة على مطلب أوروبي أساسي، أي الضمانات الأمنية الأمريكية لما بعد الحرب.
صمت أوروبي
وأشار بلاك إلى أن محادثات ألاسكا بين ترامب وبوتين كشفت مداولات حساسة عن «تبادل الأراضي»، وكأنها صفقة عقارية وليست قضية سيادة وطنية. وأوضح الكاتب أنّ بوتين أصرّ على ضم كامل إقليم دونباس، بما في ذلك مناطق لم تُحسَم عسكرياً بعد. والمدهش، حسب الكاتب، أن القادة الأوروبيين لزموا الصمت، فلم يرفضوا علناً ولم يعترضوا حتى تلميحاً، خشية إغضاب ترامب، وخسارة مظلته السياسية. وهكذا لبس المشهد ثوب الوحدة الغربية، بينما الحقيقة أنه جاء على حساب المصالح الجوهرية لأوكرانيا وتضحياتها.
قمة خاوية
وأردف الكاتب أن القمة لم تُحقّق تقدماً في المفاوضات لكنها لم تعرقلها أيضاً، مشيراً إلى أن الأنظار تتجه الآن نحو لقاءات محتملة بين ممثلين عن كييف وموسكو. ولفت الكاتب إلى مشهد رمزي بالغ الدلالة، حيث اتصل ترامب ببوتين قبل اجتماع القادة الأوروبيين، ثم اتصل به مرة أخرى بعد القمة، ليطلعه على مجرياتها، في إشارة إلى أنّ أوروبا تُعامَل مثل الطفل الذي يحتاج إلى تطمين، فيما تُدار اللعبة الكبرى بين «الكبار».
وختم تيم بلاك مقاله بالقول إن ما كان يفترض أن يكون عرضاً للقوة الأوروبية تحول إلى فضيحة سياسية، إذ أظهرت القمة أنّ القارة العجوز لا تزال أسيرة تبعيتها التاريخية لواشنطن. وأضاف أن غياب رؤية استراتيجية أوروبية مستقلة يجعلها عاجزة عن مواجهة روسيا بفاعلية، ويتركها رهينة «لعبة الكبار» بين الولايات المتحدة وروسيا.