قيادة الأمم المتحدة.. معركة نفوذ مرتقبة بين واشنطن وبكين وموسكو

قيادة الأمم المتحدة.. معركة نفوذ مرتقبة بين واشنطن وبكين وموسكو


بالنظر من نافذة الأمن القومي الأمريكي، فإن الأمم المتحدة اليوم أشبه بمبنى تاريخي جميل في نيويورك، لكنه فقد بوصلته الوظيفية.وكانت المؤسسة التي أنشأها فرانكلين روزفلت وهاري ترومان، بعد الحرب العالمية الثانية بمثابة صمام أمان للعالم، لكن في زمن الذكاء الاصطناعي وصعود القوى الإقليمية، باتت أشبه بمتحف للنوايا الحسنة. ومع قرب انتهاء مهمة الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش، تتجه الأنظار للمرشحين القادرين على الوصول لهذا المنصب، والذين معظمهم حتى الآن نساء، أبرزهم رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة جاسيندا أرديرن، التي تحظى بقبول في الأوساط التقدمية الغربية، وميشيل باشليه الرئيسة السابقة لتشيلي التي تحظى بدعم أمريكا اللاتينية، إضافة إلى ريبيكا جرينسبان من كوستاريكا، وهي شخصية اقتصادية بارزة.
وينتخب الأمين العام العاشر للأمم المتحدة العام المقبل لولاية مدتها خمس سنوات تبدأ في أول يناير2027، وعادة ما تتناوب المناطق على هذا المنصب، وتأتي أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي على رأس القائمة هذه المرة.

نادٍ للمناظرة 
ويؤكد مسؤول الاتصالات السابق في البيت الأبيض، الدبلوماسي الأمريكي، مارك فايفل، أن هيئة الأمم المتحدة تحتاج إلى شخص قادر على حل المشاكل، وأن يجعل من هذه المنظمة منصة ذات أهمية تتجاوز مجرد انعقاد الجمعية العامة التي تجرى سنويا، والتي يحضرها زعماء العالم للتحدث مرة واحدة في العام.
وبين فايفل في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن الأمم المتحدة أصبحت مجرد نادٍ للمناظرة، وتلعب دورا أقل في حل النزاعات الدولية، وهو ما يجعل هناك أهمية في تحسين حضورها ودورها الدولي.

صفات الأمين الجديد
وأوضح فايفل أن إحدى طرق تحسين ذلك هي اختيار قائد للمنظمة يتمتع بالجاذبية ومهارات الإقناع والشرعية التي تثق بها الأطراف المتورطة في صراعات صعبة، ليدفع عملية السلام قدما».
وتابع: “لا يقتصر دورها على أنها ساحة للجدل وعقد اجتماعات لا تنتهي والقيام بزيارات لمسؤولين دون أن تكون هناك قوة بناءة للتفاوض، وإحلال السلام الدائم، في ظل احتياج المجتمع الدولي لا سيما في هذا التوقيت إلى منصة تحقق الأهداف والمساعي التي أسست من أجلها».
وأشار فايفل إلى أن الأسماء المرشحة بشكل كبير لشخصيات من أمريكا اللاتينية، ولكن الولايات المتحدة تريد توسيع نطاق عملية الاختيار خارج تلك المنطقة.
وبدوره، يقول الباحث الاستراتيجي، هشام معتضد، إن المشاورات داخل البيت الأبيض، بشأن الأمين العام المقبل للأمم المتحدة، لم تعد مجرد ملف دبلوماسي روتيني، بل تحولت إلى ساحة اختبار لميزان النفوذ بين واشنطن وبكين وموسكو. 
وأضاف معتضد في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن الإدارة الأمريكية تدرك أن لحظة ما بعد غوتيريش ستكون لحظة هندسة جديدة للنظام الدولي، ولهذا فهي تميل إلى مرشح يجمع بين الانضباط البيروقراطي الأممي والقدرة على التكيف مع أجندة الإصلاح الأمريكية. 

النساء قادمات
وبحسب معتضد، في الكواليس، يتم تداول أسماء نسائية بقوة لخلافة غوتيريش، أبرزها رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة جاسيندا أرديرن، التي تحظى بقبول في الأوساط التقدمية الغربية، وميشيل باشليه الرئيسة السابقة لتشيلي التي تحظى بدعم في أمريكا اللاتينية، إضافة إلى ريبيكا جرينسبان من كوستاريكا، وهي شخصية اقتصادية قادرة على مخاطبة الجنوب العالمي بلغة التنمية لا الصراع.
وذكر أن ثمة حديثا هادئا داخل البيت الأبيض عن خيار “غير متوقع” من خارج الدائرة التقليدية للأمم المتحدة، شخصية تملك خبرة في المؤسسات المالية الدولية، أو حتى شخصية أمريكية من أصول لاتينية، في محاولة لتدوير المشهد من دون تسليم القيادة فعليا إلى أمريكا الجنوبية، وذلك انطلاقا من رغبة واشنطن في أمين عام جديد “عالمي الهوى أمريكي المزاج” وفق تعبيره.

استهداف للفيتو الروسي والصيني
ولفت إلى أن العرف الدبلوماسي يشير إلى أن الدور المقبل من نصيب أمريكا اللاتينية، إلا أن القاعدة غير المكتوبة في الأمم المتحدة هي أن من يملك الفيتو يملك التعيين، لذلك من المرجح أن نرى مرشحا يحظى بتوافق واشنطن ولندن وباريس، وتغض موسكو وبكين الطرف عنه، بدلا من أن يكون مرشحا يمثل طموح الجنوب العالمي. 
ويعتقد معتضد أنه “لا يمكن دفن الأمم المتحدة بعد لأنها بالنسبة للبيت الأبيض، تظل أداة ناعمة لتصريف النزاعات، وواجهة أخلاقية للقرارات الصعبة، ومختبرا لتجربة النفوذ».وقال إن الولايات المتحدة تريد إصلاح المنظمة لا دفنها، لكنها تريد إصلاحا على طريقتها يكون بتقليص الفيتو الروسي-الصيني من خلال إصلاح إجرائي لا مؤسسي، وإعطاء مساحة أكبر للتمثيل الأفريقي واللاتيني دون المساس بالهيمنة الغربية على القرار، الإصلاح من هذا المنظور، عبارة عن عملية تجميل لا جراحة سياسية.