سقوط حواجز عقلية ورمزية

كوبا: هل تترجم المظاهرات بداية انهيار الكاستروية...؟

كوبا: هل تترجم المظاهرات بداية انهيار الكاستروية...؟

- ليس الكوفيد أو الحظر الأمريكي هو الذي يفسر مظاهرات 11 يوليو التاريخية
- سلطت الانتفاضة الضوء أيضًا على حدود النظام الذي ابتكره راؤول كاسترو لإطالة عمر الكاستروية
- السخط ليس نتيجة ثلاثة أشهر من سوء الإدارة، إنه ثمرة سنوات من الإحباط تحت حكم راؤول وقبله فيدل
- لا يملك دياز كانيل الشرعية التاريخية لقادة الثورة، او للذين شاركوا في الثورة الكوبية أو الحرب الأنغولية


ثورة داخل ثورة! بعد ثلاثة أشهر من رحيل راؤول كاسترو، كانت مظاهرات 11 يوليو نقطة تحول تاريخية. ما يدعو للقلق بشأن النظام.
من المستحيل عدم استحضار ارتياب لويس السادس عشر وقت اقتحام الباستيل بعد التظاهرات التاريخية التي هزت جزيرة كوبا الأحد 11 يوليو، وفاجأت جهاز الدولة كله، بدءً من الزعيم الشيوعي ميغيل دياز كانيل، الذي خلف راؤول كاسترو على رأس البلاد قبل ثلاثة أشهر فقط.
لم يجرؤ الكوبيون قط، منذ بداية الثورة الكوبية عام 1959، على تحدي السلطة بهذه الصراحة.
من هافانا إلى شرق البلاد، مرورا بعشرات المدن، سار آلاف المتظاهرين من أفقر الطبقات، صارخين “الحرية!”، “لتسقط الديكتاتورية!” والأهم من ذلك: “لم نعد نخاف!”.
وضع غير مسبوق، مما يجعل المراقبين المطلعين يقولون إن 11 يوليو، هو نقطة تحول في تاريخ الكاستروية.

 بالتأكيد، عام 1994، أثارت حركة احتجاج عفوية في ماليكون (طريق هافانا البحري) قلق النظام لفترة وجيزة، وقد كان تحت كلكل الأزمة الاقتصادية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي. ولكن، في ذلك الوقت، كان الخطاب الماهر لفيدل كاسترو، إلى جانب تدخل قوات الشرطة، قد تمكنا بلطف من التغلب على “ماليكونازو” (ضربة ماليكون)، وهي حركة اقتصرت على بضع مئات من الأشخاص، وفي العاصمة وحدها.«ما نشهده هو انهيار الكاستروية”، تقول المؤرخة الفرنسية الفنزويلية اليزابيث بورغوس، واحدة من أرقى المحللين في شؤون النظام الكوبي، والتي تعاملت معه قبل أن تبتعد عنه. إن ظاهرة تأكيد المتظاهرين من خلال صرخاتهم أنهم “تخلصوا من الخوف”، أمر بالغ الأهمية: انه سقوط حواجز ذهنية وعقلية ورمزية كانت تمنع السكان من الحركة”. وأشارت المؤرخة، إلى أنه لأول مرة، تم تصوير عناصر الشرطة وهم يفرون أمام المتظاهرين... لم يسبق لهذا مثيل.

في هافانا، هناك مشهد آخر، لوحظ يوم الأحد، يشي بالكثير عن الحالة الذهنية للسكان. بينما كان شرطي في ثياب مدنية يوجه سلاحه أمام متظاهر شاب، تحداه هذا الأخير بشجاعة: “هيا، أطلق النار! أطلق!”، فأخفى عون أمن الدولة (الشرطة السرية) سلاحه ... “بالنسبة للسلطات، الوضع حساس للغاية لأن التاريخ يظهر أنه عندما يقرر الكوبيون القتال، فإنهم قادرون على الذهاب بعيدًا جدًا ...»

«الحقيقة هي أنه، يكمل خورخي ريكاردو ماسيتي، وهو نفسه من النومينكلاتورا (كان والده، المقاتل الثوري خورخي ماسيتي، الملقب بـ” كوماندانتي سيجوندو”، مقرّبا من تشي جيفارا)، أن الأمر يتطلب الكثير من الشجاعة للذهاب والتظاهر في كوبا. ففي فرنسا أو تشيلي أو كولومبيا، بعد المشاركة في مظاهرة، تعود إلى المنزل بهدوء لتتذكر الأوقات الجميلة لذاك اليوم؛ اما في كوبا، الأمر مختلف: التظاهر يعني بالتأكيد أن تتم الوشاية بك من قبل وشاة الحي الخاضعين لأوامر الحزب الشيوعي، وقد ينتهي الأمر بالمتظاهر الى السجن ليخضع للاستجواب من قبل الشرطة السياسية. ويشير الكوبيون المشاركون في مظاهرات الاحد، إلى أنهم على دراية كاملة بالمخاطر التي يتعرضون لها، وليس لديهم ما يخسرونه «.

الرئيس دياز كانيل؟ خطأ في الكاستينغ
بعد أقل من مائة يوم من تولي ميغيل دياز كانيل منصبه، سلطت الثورة الشعبية الضوء أيضًا على حدود النظام الذي ابتكره راؤول كاسترو لإطالة عمر الكاستروية.
«ستاليني خالص، ظن شقيق فيدل الصغير، انه حلّ جميع المشاكل من خلال المراهنة على الحزب الشيوعي -وهو ما تجنبه فيدل بعناية -وعلى هيكلة تنظيمية مغلقة، من المفترض أن تضمن استقرار السلطة”، تستأنف إليزابيث بورجوس. المشكلة الوحيدة، ان دياز كانيل لا يملك الشرعية التاريخية “لقادة الثورة”، او الضباط الكبار الذين شاركوا في الثورة الكوبية أو الحرب الأنغولية (1975-2002)، وكثير منهم باق في قمة الدولة. كما انه يفتقر الى الكاريزما الشخصية. “في نظر الكوبيين، يتابع بورغوس، الرئيس هو مجرد صناعة مصطنعة لراؤول لا يحترمونها كثيرًا».

وجاء الأداء المتلفز الضعيف لميغيل دياز كانيل، في اللحظة المحددة التي اندلعت فيها المظاهرات العفوية الأولى في سان أنطونيو دي لوس بانيوس (حوالي ثلاثين كيلومترًا من العاصمة)، لتعزّز الانطباع بوجود خطأ في الكاستينغ.
لقد بدا القلق واضحًا على دياز-كانيل، وكان يعطي انطباعًا، في بعض الأحيان، بأن الخوف قد غيّر معسكره. وعلاوة على ذلك، عندما يتبنى رجل الحزب الشيوعي، هذا الذي لا خبرة عسكرية له، نبرة عسكرية، فإن وجهة نظره تكون خاطئة، ولا يمكن أن تثير الخوف بين السكان.

أخيرًا، تهوّر رئيس الدولة الجديد، البالغ من العمر 61 عامًا، بالدعوة إلى حرب أهلية: “نطلب من جميع الثوار وجميع الشيوعيين النزول إلى الشوارع للدفاع عن الثورة في كل مكان”، قال دياز كانيل، بدون نجاح في الوقت الحالي. “رئيس دولة يدعو علنًا إلى القتال ضد شعبه لم يسمع بهذا من قبل أحد في كوبا: يا له من غياب للحس السياسي!”، يرى خورخي ماسيتي.ما هو رد الجهاز الكوبي على التحدي المطروح؟، “لا يوجد سوى حلول سيئة بالنسبة له... إما أنه يضحّي بدياز كانيل؛ أو يحافظ عليه بالمراهنة على القمع، كما كان يفعل دائمًا”، يحسب ماسيتي. وفي الحالتين، هي علامة ضعف. في الاثناء، اجبر النظام على اختزال شرحه بأن كل هذا يجد تفسيره في الإحباط الناتج عن أزمة كوفيد، وهذا خطأ... ان كوفيد عامل فقط في المعادلة من بين أمور أخرى»...

الخطأ الفادح لجهاز المخابرات
بالإضافة إلى شخصية الرئيس دياز كانيل، كشفت حركة 11 يوليو عن ثغرة كبيرة في النظام القمعي. بينما كان الرئيس يتحدث على شاشة التلفزيون، ويعتقد أن الحركة تقتصر على حفنة من المحرضين، كانت أعداد المتظاهرين تتزايد كل دقيقة لتنتشر مثل بقعة زيت، وذلك بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، في جميع أنحاء البلاد، في سانتياغو، في هولغوين، في هافانا.
و”يُظهر هذا الذي حدث، ثغرة كبيرة في نظام المخابرات الداخلية”، يضيف ماسيتي، الذي كان والد زوجته، توني دي لا غوارديا، هو جيمس بوند فيدل كاسترو، الى ان ضحى به هذا الأخير وأعدمه رميا بالرصاص عام 1989. ويضيف: “لقد فشلت الشرطة السرية في المهمة الأساسية المتمثلة في أخذ نبض المجتمع لتوقّع المشاكل. وهذا أيضًا لم يحدث من قبل. ولا شك أن رئيس المخابرات يواجه الان اوقاتا عصيبة ...»

 في الحالتين، لا ينبغي الباس دياز كانيل قبعة أكبر من حجمه. لقد تولى خليفة راؤول كاسترو رئاسة الوزراء منذ ثلاثة أشهر فقط. ومع ذلك، فإن السخط ليس نتيجة ثلاثة أشهر من سوء الإدارة، بل على العكس، إنه ثمرة سنوات من الإحباط المتراكم تحت حكم راؤول كاسترو وقبله تحت زعامة فيدل.
وعلى عكس ما تكتبه الصحيفة الرسمية الكوبية غرانما، التي ينقل عنها بسذاجة جزء من الصحافة الدولية، ليس كوفيد أو الحظر الأمريكي هو الذي يفسر مظاهرات 11 يوليو التاريخية. وللتحقق من ذلك، يكفي الاستماع على اليوتيوب إلى الشعارات التي رددها المتظاهرون، غالبًا من الشباب، مختلط الأعراق، الفقراء والنساء.
في الشوارع الكوبية، لم يصرخ أحد “يسقط كوفيد!” أو “تسقط الولايات المتحدة”، ولكن، يجب ان نكرر: “تسقط الديكتاتورية!”، “تعيش الحرية!” ، و”لم نعد خائفين!».