زلزال حقيقي هزّ المنطقة:

كولومبيا: صعود اليسار إلى السلطة نهاية محرمة...!

كولومبيا: صعود اليسار إلى السلطة نهاية محرمة...!

-- تم انتخاب جوستافو بترو بمشاركة تاريخية فـــي المقاطعـــات الأكثــر تضـــررًا مـــن الفقـر
-- كانت كولومبيا معقلًا حقيقيًا لليمين  القاري، حيث لم يحكم اليسار البلاد أبدًا
-- لم يتمكن المعسكر اليميني من منح الكولومبيين انتقالًا مقنعًا للسلام


كان يوم الأحد 19 يونيو هو يوم الانتخابات. ولئن تسببت الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في فرنسا في حدوث هزة في المشهد السياسي، فإن انتخاب الرئيس الجديد غوستافو بيترو في كولومبيا، شكّل زلزالًا حقيقيًا، معلنا من خلال تقدم اليسار طيلة عشرين عامًا.
    وبينما أثر تهديد العنف السياسي على الحملة بأكملها -تم اغتيال خمسة مرشحين رئاسيين منذ عام 1948 في كولومبيا- فقد تمّ في الأخير انتخاب غوستافو بيترو، مرشح حزب كولومبيا هيومانا، والمرشح للمرة الثالثة، والمهزوم في الدور الثاني عام 2018، برفقة نائب الرئيس، فرانسيا ماركيز صاحبة الشعبية الكبيرة، والناشطة في مجال حقوق الإنسان والبيئة، والنسوية، وقبل كل شيء، أول نائب رئيس من أصل أفريقي في هذا البلد.

منذ فترة طويلة فقد اليسار اعتباره
   عرفت أمريكا اللاتينية العديد من الرؤساء اليساريين اليوم وفي الماضي، ولكن حتى 19 يونيو، كانت كولومبيا معقلًا حقيقيًا لليمين القاري، حيث لم يحكم اليسار البلاد أبدًا.
   ساهمت عدة عناصر في تهميش وشيطنة اليسار في البلاد. من ناحية، ساهم النزاع المسلح المستمر منذ ما يقرب من ستين عامًا والذي يتزايد باستمرار عدد ضحاياه المدنيين والمفقودين والمشردين، في ربط اليسار بالحركات المتمردة، وفي مقدمتها القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك).

    وعلى الرغم من الانتهاكات العديدة التي ارتكبها الجيش الرسمي، فقد حمّل الخطاب الرسمي دائمًا المسؤولية الكاملة عن الصراع للمقاتلين الماركسيين. وبعد الفوز الضيق لـ “لا” في الاستفتاء على اتفاقيات السلام في أكتوبر 2016، صادق الكونجرس على اتفاقيات منقحة جديدة في نهاية عام 2016. ومع ذلك، فإن الوضع لم يستقر تمامًا: فالمقاتلون السابقون في فارك، وكذلك المراقبون الدوليون يدينون بانتظام انتهاكات الحكومة للاتفاقيات، بينما يواصل عدد من الجماعات المسلحة العمل في السريّة.
   من ناحية أخرى، أولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة اهتمامًا خاصًا لكولومبيا. كجزء من الحرب الباردة، دعمت واشنطن بأغلبية ساحقة بوغوتا في قمعها للجماعات المتمردة، ولاحقًا في “الحرب على المخدرات”.

في المقابل، وضعت كولومبيا نفسها كحليف قوي للولايات المتحدة دوليًا “لا سيما في تصويتها في الأمم المتحدة، وبأن تصبح شريكًا في الناتو” وفي المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بعزل فنزويلا.
   إن تطور الأوضاع في فنزويلا، بقيادة هوغو تشافيز من 1999 إلى 2013، وخلفه نيكولاس مادورو منذ 2013، هو أحدث عنصر ساهم في جعل اليسار نقطة ضعف حقيقية في المنطقة. بالنسبة لكولومبيا، التي تشترك مع جارتها البوليفارية في حدود يزيد طولها عن 2000 كيلومتر، تتميّز بحركية كبيرة وخاصة بتدفقات هجرة غير مسبوقة “تستضيف كولومبيا اثنين من الخمسة ملايين فنزويلي المنفيين”، أدت هذه العلاقة إلى أزمات دبلوماسية متتالية، وصلت حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود عام 2019.

أسباب الانتصار
   في هذا السياق، كيف يمكن تفسير انتصار اليسار هذا؟ من ناحية، يتسم السياق الاجتماعي والاقتصادي للبلد بشدة بعودة التفاوت الاجتماعي والفقر “كولومبيا اليوم هي أكثر دول القارة تفاوتًا، وهي نفسها الأكثر تفاوتًا في العالم».
   وهكذا، أدى الوباء إلى تراجع عقد بأكمله من حيث مكافحة الفقر، مع 3.6 مليون فقير جديد. في بعض المقاطعات مثل غواخيرا أو شوكو، يعيش حوالي 65 بالمائة من السكان تحت خط الفقر.

وصوتت هذه المناطق بأغلبية ساحقة لصالح بترو، الذي اغرى وعده بتنفيذ سياسات اجتماعية شاملة، وخصوصا، بالحكم من اجل البلد بأسره، وليس فقط من وإلى المراكز الحضرية الكبرى في وسط كولومبيا، اغرى أولا المناطق الساحلية والطرفية.
   كما شابت مظاهرات حاشدة ولاية إيفان دوكي، الرئيس المنتهية ولايته والمنتخب عام 2018، بسبب عدم رضا السكان عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وانعدام الإرادة السياسية لتطبيق اتفاقيات السلام. تم قمع هذه المظاهرات بوحشية، وتحدثت الأمم المتحدة عن 28 حالة وفاة على الأقل في شهر ديسمبر 2021 وحده.

 استخدام القوة، والعجز على وضع حد لاغتيالات القادة الاجتماعيين والناشطين البيئيين، كلها عناصر انتهت بتقويض مصداقية اليمين الكولومبي.
   أجبرت اتفاقيات السلام والخروج التدريجي من النزاع المسلح المرشحين على التموقع حول مواضيع أخرى، اقتصادية واجتماعية وبيئية، يتمتع فيها بترو وماركيز بأسبقية ضد اليمين.
خلال خطاب فوزه الانتخابي، هتف أنصاره “ماس غيرا” “لا مزيد من الحرب!”، مما يؤكد أيضًا أن المعسكر اليميني، الذي عارض تاريخيًا اتفاقيات السلام، وتباطأ في تنفيذ إجراءات التعويضات، لم يتمكن من منح الكولومبيين انتقالًا مقنعًا للسلام.

  لذلك تم انتخاب جوستافو بترو بمشاركة تاريخية في المقاطعات المحيطية والأكثر تضررًا من الفقر، ولكن أيضًا على نطاق واسع في بوغوتا. وهكذا، فإن خريطة التصويت لصالح بترو تتطابق تمامًا مع التصويت بنعم في الاستفتاء على اتفاقيات السلام في أكتوبر 2016.
   لقد تم التعليق على تأثير الكنائس الإنجيلية على السياسة الكولومبية على نطاق واسع عند الاستفتاء على اتفاقيات السلام. فقد قامت بعض الكنائس العملاقة “الطوائف الإنجيلية التي يحضرها آلاف الاتباع” بحملات لصالح الرفض، لا سيما بسبب المواقف الحقيقية أو المفترضة الواردة في نص الاتفاقات بشأن مسألة الجندر.
  ومع ذلك، فإن أقدم حزب إنجيلي في القارة، وهو الحركة المستقلة للتجديد المطلق، قام بحملة من أجل الـ “نعم”. وبالتالي، فإن الطبيعة الحاسمة لتأثير الكنائس لم تثبت.

ان الإنجيليين لا يتّبعون بالضرورة تعليمات راعيهم بشأن المسائل الانتخابية بشكل جماعي، وهذه ليست بالضرورة التعليمات نفسها  من كنيسة إلى أخرى. وهكذا، انقسم الحزبان الإنجيليان في الجولة الأولى بين مرشح خاص، تحصل بالكاد على 1 فاصل 29 بالمائة من الأصوات “بينما يمثل القطاع حوالي 18 بالمائة من السكان».

مقاتل سابق في السلطة...
   حاول خصوم بترو نزع الشرعية عنه طوال الحملة من خلال الإصرار على ماضيه في حرب العصابات، والذي كان مع ذلك محدودًا نسبيًا وتخلى عنه منذ أكثر من ثلاثين عامًا.
   من خلال الابتعاد عن طريق السلاح للانخراط في المعركة السياسية الانتخابية، انضم بترو إلى عدد من الشخصيات الرئيسية الأخرى في القارة، اشتراكيون سياسياً في الوقت الذي كان فيه اليسار موجودًا في السريّة فقط، والذين، مع التحولات الديمقراطية، قاموا هم أنفسهم بعملية الانتقال للسياسة الانتخابية والمؤسسية. قبل أن يصبح رئيساً، كان قد انتخب نائباً ثلاث مرات، وعمدة بوغوتا مرتين، وسيناتور في مناسبتين؛ وبانتخابه رئيسًا للدولة، انضم إلى مجموعة نجد فيها شخصيات مثل بيبي موخيكا في أوروغواي “2010-2015”، أو ديلما روسيف في البرازيل “2011-2016”، أو سلفادور سانشيز سيرين في سلفادور “2014-2019”، جميعهم جاؤوا من اليسار السري ومسلحين قبل أن ينتهي بهم المطاف الى قيادة بلادهم بشكل ديمقراطي.

   ان التحديات التي تنتظره كبيرة: تتطلب مكافحة الفقر والتفاوت الاجتماعي تنفيذ برامج اجتماعية طموحة، وبالتالي إصلاح ضريبي كبير “الضرائب فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي أقل بنحو 15 نقطة من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية”. وستصطدم متابعة عملية السلام وتحسين حماية حقوق الإنسان بمعارضة ومصالح راسخة مترددة؛ نفس الاشكاليات فيما يتعلق بكل شيء، مثل قضية الاتجار بالمخدرات المستمرة، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا المجاورة أو حتى التكيف مع تغيّر المناخ، وهو جانب أساسي لبلد معرض بشكل خاص له.
   سيتعين على جوستافو بيترو التعامل مع ديون ارتفعت بشكل حاد منذ الوباء، وعملة البيزو التي انخفضت قيمتها إلى حد كبير، والحاجة إلى إصلاح ضريبي دقيق.

 بالإضافة إلى هذه الصعوبات الاقتصادية والمتعلقة بالميزانية، سيتعين على بترو محاولة تطبيق برنامجه على الرغم من أنه لا يتمتع بأغلبية واضحة في الكونجرس. لذلك سيكون من الضروري على الأرجح تعديل الإصلاحات لإقناع المعارضة -المجزأة والفاقدة لزعامة -بالتصويت لها. من المحتمل أن تكون السنوات القليلة المقبلة عملية موازنة صعبة، بين المفاوضات الإجبارية مع المعارضة وضرورة عدم تخييب الأمل في التغيير.


*طالبة دكتوراة في العلوم السياسية، جامعة بروكسل الحرة

Daftar Situs Ladangtoto Link Gampang Menang Malam ini Slot Gacor Starlight Princess Slot
https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/sv388/ https://ejournal.unperba.ac.id/pages/uploads/ladangtoto/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/scatter-hitam/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/assets/blog/sv388/ https://poltekkespangkalpinang.ac.id/public/uploads/depo-5k/ https://smpn9prob.sch.id/content/luckybet89/