رئيس الدولة والرئيس الأميركي يبحثان العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتطورات الإقليمية
كيف ارتكب بايدن «أخطاء هواة» في التعامل مع روسيا؟
لم يكد الإعلام الأمريكي يطلق عبارات الإشادة بالعقوبات “القاسية” و”الكاسحة” التي فرضتها إدارة بايدن على روسيا في الخامس عشر من الشهر الحالي، حتى بدت الإدارة وكأنّها ليّنت موقفها بشكل كبير.
عن هذه الليونة المستجدة، يكتب البروفسور الفخري في العلوم الاقتصادية في جامعة هيوستن بول غريغوري مقالاً في صحيفة “ذا هيل” مشيراً إلى التبريرات التي أطلقها بايدن لتفسير إجراءاته: التدخل الروسي المفترض في انتخابات 2020، القرصنة والحرب السيبيرانية الروسية، نشاطات التضليل الإعلامي التي يمارسها الجيش الروسي إضافة إلى أعمال عدوانية أخرى لم تعددها.
إحراج
أراد بايدن من خلال العقوبات “فرض أكلاف على النشاطات الأجنبية الضارة من قبل الحكومة الروسية” بينما استهدف النشاطات التي “تقوض الأمن في دول ومناطق مهمة للأمن القومي الأمريكي، والتي تنتهك مبادئ القانون الدولي الراسخة، بما فيها احترام وحدة أراضي الدول”. وكان الرئيس الأمريكي يقصد السلوك الروسي تجاه أوكرانيا. في هذا السياق، تم إسقاط تبرير إضافي وبشكل محرج في الدقيقة الأخيرة.
لم يعد بإمكان المجتمع الاستخباري الأمريكي التأكيد بما يكفي من الحزم على أن روسيا عرضت مكافآت مالية على حركة طالبان من أجل قتل قوات أمريكية في أفغانستان. إن وثيقة فرض العقوبات تعلن أنه “بالنظر إلى حساسية هذه المسألة التي تشمل سلامة ورفاه قواتنا، يتم التعامل معها من خلال قنوات استخبارية وعسكرية وديبلوماسية”. بكلمة أخرى، قالت الإدارة “لا تهتموا للأمر” – على الرغم من أن هذه المكافآت المالية لعبت دوراً جوهرياً في الانتخابات الرئاسية الماضية وفقاً للبروفسور الفخري.
الكرملين مرتاح
يوضح غريغوري أن عقوبات بايدن تحظر على الأسواق المالية التعامل بالديون السيادية الروسية. هذه العقوبة ستزيد من كلفة التمويل العام للدولة الروسية. في الوقت نفسه، تم طرد عشرة ديبلوماسيين روس وهذا ما يحصل عادة بالتزامن مع فرض هذه العقوبات. وتمت معاقبة 32 فرداً وكياناً روسياً. المفقود في هذا الإطار هو العقوبات الهادفة إلى وقف مشروع نورد ستريم-2 الذي ينقل الغاز الروسي من شمال روسيا إلى ألمانيا. يبدو أن تلك العقوبات التي تم التهديد بفرضها منذ وقت طويل لا تزال خاضعة للنقاش. ويضيف الكاتب أن بإمكانه تخيل مدى ارتياح الكرملين حين أدرك أن المشروع لم يواجه الإجراءات وأنه سيكون بالإمكان الاستمرار في مد أنابيبه. لكن ثمة عقوبات أخرى مفقودة أيضاً.
لم تشمل إجراءات بايدن الحلقة الضيقة المحيطة ببوتين وهي الحلقة التي طالب بمعاقبتها داعمو المعارض الروسي السجين أليكسي نافالني. قال هؤلاء إن بوتين سيلحظ فقط العقوبات المفروضة على المسؤولين داخل الكرملين لا تلك التي تطال مسؤولين في الدولة والجيش كما هو حاصل.
متضرع ضعيف
وجه بايدن دعوة لبوتين من أجل عقد لقاء قمة في منطقة محايدة للتباحث في القضايا العالقة قبل فرض العقوبات. يصف المراقبون الروس المؤيدون للديموقراطية تلك الدعوة بأنها هبة دعائية لبوتين وخطأ فادح لبايدن. أما الإعلام الروسي فيصف بايدن بأنه متضرع ضعيف أمام بوتين. حين قيل لمحلل إن بايدن وجّه الدعوة لنظيره الروسي، ظن أولاً أن الخبر مزيف خصوصاً بعدما نعت الرئيس الأمريكي بوتين بأنه “قاتل”. لقد ظن أيضاً أنه لم يكن بإمكان أحد أن يرتكب خطأ هواة كهذا.
إهانة
زاد بوتين الطين بلة عبر اشتراط تعديل واشنطن سلوكها، أي رفع العقوبات، قبل قبول الدعوة. كما كان متوقعاً، بعد فترة قصيرة على إعلان العقوبات، رفضت روسيا الدعوة مشيرة بشكل مهين إلى أن اللوجستيات لا تسمح بلقاء كهذا قبل إخطار قصير. رأى غريغوري أن طرد الديبلوماسيين الروس هو مجرد رد روتيني.
أما العقوبات الأمريكية على 32 كياناً وفرداً فتساوي العقوبات المتواضعة التي فرضها الاتحاد الأوروبي. سيؤدي إلزام الأسواق المالية بعدم التعامل بالديون السيادية الروسية إلى بعض الضرر على شكل أسعار صرف منخفضة. لكن الاقتصاد الروسي كان في كارثة لفترة طويلة وكل ما تفعله هذه الإجراءات هو مجرد إضافة بعض الإزعاج.
ما يراه بوتين
يتوقع غريغوري أن يرى بوتين عقوبات بايدن على أنها دليل إلى أن الإدارة الجديدة عبارة عن كلام كثير مقابل فعل قليل وأنها معرضة لارتكاب أخطاء هواة. ويشك الكاتب أيضاً في أن تؤدي هذه العقوبات إلى تخفيض حشده العسكري وحدّته الإعلامية فوراً في أوكرانيا. إن عقوبات بايدن الضعيفة والمرتبكة ستجعل بوتين أكثر جرأة، هو الذي أغلق مضيق كيرتش سريعاً أمام السفن البحرية الأمريكية التي تعبر من البحر الأسود إلى بحر آزوف.