الحياة السياسية في السنوات القادمة
كيف ستبدو فرنسا ما بعد إيمانويل ماكرون...؟
- على اليمين، راديكالية الجبهة الوطنية تخترق المجتمع السياسي من خلال موضوعاتها، و«أفكارها»
- إعادة اختراع نظام سياسي؟ التعبئة الاجتماعية؟ الفرضيات التي يمكن طرحها لا تبشر بمستقبل مشرق
- يجد جزء من اليمين الكلاسيكي صعوبة في التمايز عن التجمع الوطني وتبني فئات قريبة منه
- المجتمع الفرنسي أكثر حداثة من الناحية الثقافية، وأقل يمينية بكثير من غيره
- على اليسار، التطرف المنسوب إلى حركة فرنسا المتمردة يغفل عن حقيقتين
من يمكنه اليوم أن يتطلع الى المستقبل بثقة؟ الفرنسيون في غالبيتهم مقتنعون بأن أطفالهم سيعيشون حياة أقل رفاهية منهم، وبالكاد توجد أي قوة سياسية يمكن أن تعد بـ “غد مشرق”. الأزمنة تعبّر أكثر عن الشعور بانعدام الأمن، وفكرة التهديد، والكارثة، والمخاطر -النووية، والمناخية، والإرهابية، والصحية -والحرب أيضًا.
في السياسة الداخلية، يتعلق الأمر خصوصا بالتوجه نحو اليمين والنجاح المحتمل للتجمع الوطني خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. وعلى الرغم من أن فترة الخمس سنوات قد بدأت للتو، يكفي الاستماع إلى الشخصيات الرئيسية على اليمين، على سبيل المثال جيرالد دارمانين، برونو لو مير، إدوارد فيليب من جانب السلطة، أو لوران واكيز للمعارضة، لنرى أنهم في خط الانطلاق، بصدد الاستعداد من الان لحقبة ما بعد ماكرون وانتخابات عام 2027.
أدى فشل إيمانويل ماكرون الذريع في الانتخابات التشريعية في يونيو الماضي، من خلال حرمانه من الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، إلى فتح اللعب بشكل فعال، وأثار تساؤلات حول ما يمكن أن تكون عليه الحياة السياسية في السنوات المقبلة.
يتخيل البعض الدخول في فترة تراجعية تذكّر بأسوأ العيوب المنسوبة إلى الجمهورية الرابعة، بألعابها السياسية قصيرة النظر في كثير من الأحيان، وعدم استقرارها، وعدم قدرتها على إدارة مشكلة اللحظة الكبرى -الحرب في الجزائر. البعض الآخر، على العكس من ذلك، يتصور ديناميكيات جديدة، بل هي مقدمة، لأكثر الناس تفاؤلاً، لإعادة اختراع نظام سياسي. من المرجح أن تكمن الحقيقة بين الاثنين، ومن هنا، ليس من العبث أن نتساءل: ما هو الشكل الذي يمكن أن يتخذه المشهد الجديد؟
لقد وضع المعطى الجديد في الجمعية الوطنية الجمهوريين، على الرغم من النتيجة الكارثية في الانتخابات الرئاسية، والمتوسطة نسبيًا في الانتخابات التشريعية، في وضع يمكنهم من إجبار السلطة عمليًا على التوافق معهم. كما أنه وضع حركة فرنسا المتمردة والتجمع الوطني في قلب النقاش. فهل من المناسب، كما يفعل الذين يمسكون السلطة، رفض هذين الحزبين بشكل متتالٍ، واستخدام مصطلح “التطرف” لتوصيف الاثنين، وهو ما يرفضه الطرفان؟
أقصى اليسار؟
على اليسار، التطرف المنسوب إلى حركة فرنسا المتمردة يغفل عن حقيقتين. الأولى، هي أن هناك يسارًا متطرفًا حقيقيًا، غير برلماني، تروتسكي على وجه الخصوص، ولكنه أيضًا أناركي، بالإضافة إلى يسار متطرف مكون من مجموعات صغيرة وشبكات ذات أيديولوجيات متنوعة، وفي بعض الأحيان مناصرة للعنف.
لا ينبغي الخلط بين هذه العوالم وحركة فرنسا المتمردة. وحتى لو كان لخطابها نبرة ثورية، وحتى تمردية، كما رأينا في سياق حركة السترات الصفراء، فان حركة فرنسا المتمردة لا تنوي اتخاذ مسارات أخرى غير الديمقراطية.
لقد استطاعت هذه القوة، مع الانتخابات التشريعية الأخيرة، أن تجد وسيلة للاقتراب من آخرين، الاشتراكيين والشيوعيين والخضر. إنها بالتأكيد ليست ديمقراطية اشتراكية: الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد، هو تجمع يضم، حتى وان كان ظرفيا، برلمانيين، باستثناء حركة فرنسا المتمردة، يتنزلون أكثر في ثقافة التفاوض والحلول الوسط والتسويات، والذين معهم يمكن ان تميل السلطة إلى البحث عن اتفاقات أو تحالفات حول نقاط محددة.
وإذا قيّض لعملية الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد الاستمرار، فسيكون بالطبع انطلاقا من الراديكالية التي تجسدها حركة فرنسا المتمردة لكن بشرط الانفتاح على مكوناتها الإصلاحية، وليس بدفعها نحو التطرف. لا شيء مكتوب مقدما، لكن إذا كان علينا ألا نستبعد إعادة تشكيل محتملة لليسار، من منظور حكومي، فلن يكون ذلك الا من خلال استبعاد فكرة التطرف المعمم لمكوناته.
لكن ما هو المشروع الذي يمكنه أن يحرك يسارا قادما غير راديكالي، ويجمع انتظارات متباينة بتفاوت لدمجها في رؤية شاملة؟ لم نعد في عصر الطبقات، وكما يظهر فرانسوا دوبي جيدًا في كتابه “كلنا متفاوتون كلنا متفردون” (منشورات سوي)، فإن الزمن هو لإدانة التمييز بجميع أنواعه -وهو موضوع حل محل موضوع الاستغلال، وهذا ما يجعل من الصعب إعادة بناء اليسار الإصلاحي أو الاشتراكي الديمقراطي.
ان التمييز متعدد، يعاش على مستوى كل فرد على أنه متفرد، ويؤدي إلى تأثيرات وسلوكيات بالكاد تجد وحدتها: غضب، سخط، انكفاء على الذات، يأس، امتناع، التصويت المتطرف، إلخ. المشكلة الأساسية، على اليسار، هي هنا: في الصعوبة الهائلة لاقتراح، خارج شعبوية عدوانية، راديكالية أكثر منها متطرفة، ودمج الانتظارات الناتجة عن تضاعف التفاوت والتمييز والشعور العام بأنهم ضحايا الظلم.
اليمين المتطرف
في الطرف الآخر من الطيف السياسي، لا يمكن للتطور أن يكون متماثلًا، ولا أن يكون مصاحبًا بالضرورة. مع 89 نائبًا، وطريقة لتقديم نفسه تتسم بكل مظاهر العقل والجدية والاحترام، لم يعد حزب التجمع الوطني القوة المناهضة للنظام التي كان قادتها يستطيبون استخدامها في الماضي. ولنتوقف عن منحه صفة المعارض “للنظام” الذي يقدم الحزب داخله، على العكس من ذلك، صورة الاستمتاع بأنه وجد مكانه!
يجد جزء من اليمين الكلاسيكي، من إريك سيوتي إلى لوران ووكيز، صعوبة في التمايز عن التجمع الوطني وتبنى فئات قريبة منه. وإيمانويل ماكرون، والسلطة على نطاق أوسع، من نواحٍ عديدة، لا تجعل جميع نواب التجمع الوطني طاعونا. فمن أجل إعادة انتخابه رئيساً، كان عليه أن ينصّب مارين لوبان وحزبها باعتبارهما الخصوم الوحيدين، وحتى يحكم، بات عليه أن يتعايش معهم. ليس صراحة ولكن من خلال تنازلات، على سبيل المثال، من خلال عدم إعاقة وصول نواب الجبهة الوطنية إلى مسؤوليات مختلفة في الجمعية الوطنية. وعن طريق التخلي عن مبدأ “الجبهة الجمهورية”، وهي استراتيجية تقوم على دعم أي ترشيح، حتى لو كان خصمًا سياسيًا، لمنع انتخاب ممثل عن التجمع الوطني: لقد تعددت طعناته لمبدأ الجبهة الجمهورية، وباتت ظاهرة على الرغم من التصريحات التي تشير إلى تطرف التجمع الوطني المناهض للجمهورية. فمن ناحية، وجهت مارين لوبان حزبها الى طريق “إزالة الشيطنة”، ومن ناحية أخرى، وضعت السلطة عمليًا حدًا للجبهة الجمهورية.
لقد عومل حزب التجمع الوطني منذ فترة طويلة مثل القوى السياسية الأخرى من قبل وسائل الإعلام، التي همّشته ثم اعطته وجاهة؛ إنه في طور تطبيق مأسسة تمنحه الاحترام النظامي، على أي حال على اليمين وفي وسط الطيف السياسي. لكن القصة الكاملة لهذا الحزب هي قصة قوة عرفت كيف تعيش في ظل التوتر، دون أن تخجل من التناقض، من خلال الجمع بين الاستفزازات والمواقف النارية، وقبول اللعبة الديمقراطية. وجميع الذين ابتعدوا عنه، بطريقة أو بأخرى، مثل برونو ميغريه، وفلوريان فيليبو، وماريون ماريشال، دائمًا ما جسدوا عجزًا معينًا، أو رفضًا لإدارة هذا التوتر. ويحتاج حزب التجمع الوطني إلى الحفاظ على جماهيره الأكثر احتجاجًا، حتى لا ينفضوا من حوله، كما رأينا في المحاولة التي تدعو للرثاء في النهاية، التي قام بها إريك زمور، وفي نفس الوقت إغواء جزء من السكان الحريصين على النظام والاحترام.
كيف يمكن أن يأمل في التطور أكثر، إن لم يكن من خلال الاستمرار في “نزع الشيطنة” عنه، دون وضع حد للمبالغات والانزلاقات والتجاوزات التي حققت نجاحاته الأولى، الثروة السياسية لجان ماري لوبان وتأثير اريك زمور؟ يمكن أن تتمثل إحدى الإجابات بالنسبة له في تفادي الإفراط حيث يتعلق الأمر بإظهار الواقعية الإدارية، والاحساس بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية للفقراء، والمثابرة في نزوعه القومي والمتطرف حيث يجعل الإجماع أكثر وأبعد بكثير من قاعدته الانتخابية: حول الهجرة أو الإسلام أو العلمانية أو انعدام الأمن.
بقطع النظر عما تبقى من حزب الجمهوريين، لا يوجد لدى التجمع الوطني على يساره مساحات واحتياط من الناخبين مماثلا لذاك الذي تتمتع بها حركة فرنسا المتمردة على يمينها. سيكون من الصعب عليه المساهمة في إعادة تشكيل اليمين، لأسباب تختلف عن تلك التي تجعل المهمة صعبة على اليسار. فهذا الاخير يحتاج إلى الانفتاح على ثقافة سياسية إصلاحية، وهي ليست ثقافة حركة فرنسا المتمردة، في حين يراهن التجمع الوطني بدلاً من ذلك على احتمال الترويج لفئاته المفضلة -الإسلام، والهجرة، وما إلى ذلك. - وأن تكون له الزعامة الأيديولوجية.
وهكذا، يمكن تخيّل يسار إصلاحي وحكومي يبني نفسه بعد عمل حركة فرنسا المتمردة انطلاقا من الوضع الحالي -وعلى أي حال الحلم به؛
ولا يمكن تصور ما يعادل انطلاقا من التجمع الوطني، الا إذا تخلص هذا الاخير تمامًا من مناهضته للنظامية ويأتي إلى اليمين الشعبي ليحتل الميدان الذي خسره الجمهوريون.
ولكن لكي يظهر على أنه مسؤول وجمهوري بعمق، سيتعين على التجمع الوطني أن يتجنب أي مزايدات مبالغ فيها، وأن يتوقف عن إظهار نفسه في ثوبه الاستفزازي. وهذا لم يتحقق بالنسبة له،
حيث يتجلى هذا سريعًا لدى قادته الذين لا يعرفون دائمًا كيف يروّضون أنفسهم، مثل نائبه جان فيليب تانجوي الذي أكد في 11 يوليو أن إيمانويل ماكرون “عرف كيف يلتمس التطلعات المثلية لعدد من الكوادر” عندما كان موظفًا في بنك روتشيلد.
يمينان، ويسار واحد؟
في الواقع، بمجرد أن يتم تبديد الأسطورة التأسيسية لـ “في نفس الوقت” العزيزة على الرئيس ماكرون تمامًا، وهو يسلك الطريق إليها بشكل أكثر وضوحًا كل يوم، يمكن أن تتمتع فرنسا في النهاية بيمينين متميزين نسبيًا. واحد إداري –”حكومي” -نتاج السلطة الحالية، يجمع عوالم إدوارد فيليب أو برونو لو مير، مع عوالم المنشقين الجدد، وحتى الذين سيأتون، من جزء من السياسيين الجمهوريين السابقين، مع، على سبيل المثال، إريك ويرث أو رينو موسيليه. والآخر شعبي واجتماعي، ولد من اتساع النفوذ الإيديولوجي للتجمع الوطني. لا شيء يمنع التفكير في مسامية ما بين هذين اليمينين.
لكن لنبتعد عن كل تناظر. من المرجح أن يتم تعديل خطاب الراديكالية على اليسار لصالح إعادة البناء، وإن كانت افتراضية للغاية، ليسار واحد عريض، يغلب عليه الطابع الاجتماعي والديمقراطي، وهو ما لن يكون المرة الأولى في التاريخ: عام 1936، عام 1981، بدأ اليسار العمل من خلال جمع الشيوعيين والاشتراكيين. إن انتقاد اليسارين المتناقضين، كما رأينا مع تجاوزات مانويل فالس، ليس سوى مقدمة تسمح بالابتعاد عن أي فكرة يسارية.
على اليمين، فإن راديكالية الجبهة الوطنية، على العكس، تخترق المجتمع السياسي من خلال موضوعاتها، و”أفكارها” كما نقول في كثير من الأحيان. التقارب الذي يمكن للتجمع الوطني إحداثه مع قوى سياسية أخرى، أو على الأرجح شبه استيعابها، يتطلب أن يكون ناخبيهم قابلين لخطابه، وأن يمروا الى قبول ما يجسده -وهو ما لا ينبغي استبعاده. إن نشر “أفكاره” هو شرط لاحتمال صعود مثل هذا اليمين، والذي يمكن أن يتعارض بعد ذلك مع يمين هو الوريث المباشر للماكرونية المنهكة.
والمجتمع المدني؟
هل يمكن للمجتمع المدني أن يتعرف على نفسه في مثل هذه الافاق؟ في معظم الأوقات، عندما يستحضره الخطاب السياسي، يكون الأمر مختصرا، وفي كثير من الأحيان ليتم اختزاله في فرضية: تلك التي تلخص كلمة “شارع” الصغيرة. إذا كان هناك انسداد، وإذا لم تؤد الديناميكيات السياسية إلى أي احتمال للتغيير، يشرحون لنا، سنرى تطور العنف، وخلافات قوية، واحتجاجات تعبّر من خارج النظام المؤسسي عن مطالب لا يقدر هذا الاخير على معالجتها بشكل صحيح. وعندما لا يكون المأزق السياسي هو الذي يُطرح للنظر في تدخل “الشارع”، يوكل الامر الى الصعوبات الاقتصادية: التضخم، أسعار الطاقة، على سبيل المثال، هل ستخلق خريفًا ساخنا، يقترح بعض المتخصصين أو السياسيين؟
يجب أولاً أن نقول إن هذا النوع من المقاربة مشكوك فيها للغاية: التعبئة، بما في ذلك في الشارع، ليست بالضرورة استجابة لعرقلة مؤسسية، أو للصعوبات الاقتصادية، ويمكن نشرها في العديد من السياقات الأخرى. وبشكل متماثل، يمكن أن يؤدي الانسداد أو الأزمة إلى العديد من الظواهر الاجتماعية الأخرى غير مظاهرات “الشوارع”. إنه علم اجتماع مختصر جدا ويُكذّب بسرعة، ذاك الذي يعد بـ “الشارع” في حالة حدوث أزمة سياسية أو اقتصادية. وكل من يدرس الحركات الاجتماعية يعرف ذلك جيدًا.
يجب إذن، وخاصة، أن نذكّر بالنسبة المرتفعة للامتناع عن التصويت في الانتخابات الأخيرة. إنه يشهد على عدم الرضا، وبالتالي عدم الاهتمام، من الشعور بأن التمثيل السياسي لا يستمع إلى الانتظارات التي تنشأ من المجتمع. ومن المؤسف، من وجهة النظر هذه، أن رئيس الدولة سمح بتحريف الفكرة الجميلة للديمقراطية التشاركية، كمكمّل للديمقراطية التمثيلية، من خلال “نقاش كبير” لم يحشد الأطراف المعنية الرئيسية، السترات الصفراء، أو مع اتفاقية مواطنية بشأن المناخ مخيبة للآمال من حيث تطبيق توصياتها، ناهيك عن إعلان المجلس الوطني لإعادة التأسيس الذي لا يزال ينتظر تعريفه. أخيرًا، المجتمع الفرنسي أكثر حداثة من الناحية الثقافية، وأقل يمينية بكثير من غيره. استطلاع بعد استطلاع للرأي، يمكّننا من التحقق من ذلك في رهانات أخلاقية حساسة بشكل خاص: مواطنونا متمسكون بشدة بالحق في الإجهاض، وهم أيضًا في غالبيتهم العظمى مؤيدون لسياسة المساعدة النشطة للموت. توجد طرق هنا يمكن أن تشكل العديد من الجادات للسلطة، دون أن تتورط. وإذا أردنا أن نفهم حركة السترات الصفراء، فعلينا أيضًا أن نقحم، على الأقل جزئيًا، فكرة الشعور المتفاقم بالاحتقار من قبل سلطة “جوبتيرية” متغطرسة تجهل ما هي التجربة اليومية للعديد من المواطنين.
لا شيء يقول أن وضعًا حرجًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا يمكنه في حد ذاته إيقاظ “الشارع”. في المقابل، يمكن للقرارات التي تظهر غياب الانصات وانعدام التواضع، وتتنزل في إطار منطق رفض “الهيئات الوسيطة” والوساطات، التي تميز فترة ولاية إيمانويل ماكرون الأولى، أن يكون لها هذا التأثير. ومن وجهة النظر هذه، فإن الطريقة التي يتشكل بها إصلاح نظام التقاعد المعلن هي أمر مثير للقلق.
إعادة اختراع نظام سياسي؟ التعبئة الاجتماعية؟ الافتراضات التي يمكننا القيام بها لا تبشر بمستقبل مشرق. لكن كل شيء يشير إلى أن هناك احتمالات وفرضيات لجميع الفاعلين، سياسيًا واجتماعيًا. ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للدهشة هنا هو أنه لا يوجد سيناريو حتى الآن يسمح لنا بالقول عن رئاستي إيمانويل ماكرون أنهما كانتا تاريخيتين، وأنهما طبعتا البلاد بعمق.
* عالم اجتماع ومدير الدراسات في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. لقد نشر مؤخرًا “إذاً سيد ماكرون، هل أنت سعيد؟ “منشورات شارع السين».
- إعادة اختراع نظام سياسي؟ التعبئة الاجتماعية؟ الفرضيات التي يمكن طرحها لا تبشر بمستقبل مشرق
- يجد جزء من اليمين الكلاسيكي صعوبة في التمايز عن التجمع الوطني وتبني فئات قريبة منه
- المجتمع الفرنسي أكثر حداثة من الناحية الثقافية، وأقل يمينية بكثير من غيره
- على اليسار، التطرف المنسوب إلى حركة فرنسا المتمردة يغفل عن حقيقتين
من يمكنه اليوم أن يتطلع الى المستقبل بثقة؟ الفرنسيون في غالبيتهم مقتنعون بأن أطفالهم سيعيشون حياة أقل رفاهية منهم، وبالكاد توجد أي قوة سياسية يمكن أن تعد بـ “غد مشرق”. الأزمنة تعبّر أكثر عن الشعور بانعدام الأمن، وفكرة التهديد، والكارثة، والمخاطر -النووية، والمناخية، والإرهابية، والصحية -والحرب أيضًا.
في السياسة الداخلية، يتعلق الأمر خصوصا بالتوجه نحو اليمين والنجاح المحتمل للتجمع الوطني خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. وعلى الرغم من أن فترة الخمس سنوات قد بدأت للتو، يكفي الاستماع إلى الشخصيات الرئيسية على اليمين، على سبيل المثال جيرالد دارمانين، برونو لو مير، إدوارد فيليب من جانب السلطة، أو لوران واكيز للمعارضة، لنرى أنهم في خط الانطلاق، بصدد الاستعداد من الان لحقبة ما بعد ماكرون وانتخابات عام 2027.
أدى فشل إيمانويل ماكرون الذريع في الانتخابات التشريعية في يونيو الماضي، من خلال حرمانه من الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، إلى فتح اللعب بشكل فعال، وأثار تساؤلات حول ما يمكن أن تكون عليه الحياة السياسية في السنوات المقبلة.
يتخيل البعض الدخول في فترة تراجعية تذكّر بأسوأ العيوب المنسوبة إلى الجمهورية الرابعة، بألعابها السياسية قصيرة النظر في كثير من الأحيان، وعدم استقرارها، وعدم قدرتها على إدارة مشكلة اللحظة الكبرى -الحرب في الجزائر. البعض الآخر، على العكس من ذلك، يتصور ديناميكيات جديدة، بل هي مقدمة، لأكثر الناس تفاؤلاً، لإعادة اختراع نظام سياسي. من المرجح أن تكمن الحقيقة بين الاثنين، ومن هنا، ليس من العبث أن نتساءل: ما هو الشكل الذي يمكن أن يتخذه المشهد الجديد؟
لقد وضع المعطى الجديد في الجمعية الوطنية الجمهوريين، على الرغم من النتيجة الكارثية في الانتخابات الرئاسية، والمتوسطة نسبيًا في الانتخابات التشريعية، في وضع يمكنهم من إجبار السلطة عمليًا على التوافق معهم. كما أنه وضع حركة فرنسا المتمردة والتجمع الوطني في قلب النقاش. فهل من المناسب، كما يفعل الذين يمسكون السلطة، رفض هذين الحزبين بشكل متتالٍ، واستخدام مصطلح “التطرف” لتوصيف الاثنين، وهو ما يرفضه الطرفان؟
أقصى اليسار؟
على اليسار، التطرف المنسوب إلى حركة فرنسا المتمردة يغفل عن حقيقتين. الأولى، هي أن هناك يسارًا متطرفًا حقيقيًا، غير برلماني، تروتسكي على وجه الخصوص، ولكنه أيضًا أناركي، بالإضافة إلى يسار متطرف مكون من مجموعات صغيرة وشبكات ذات أيديولوجيات متنوعة، وفي بعض الأحيان مناصرة للعنف.
لا ينبغي الخلط بين هذه العوالم وحركة فرنسا المتمردة. وحتى لو كان لخطابها نبرة ثورية، وحتى تمردية، كما رأينا في سياق حركة السترات الصفراء، فان حركة فرنسا المتمردة لا تنوي اتخاذ مسارات أخرى غير الديمقراطية.
لقد استطاعت هذه القوة، مع الانتخابات التشريعية الأخيرة، أن تجد وسيلة للاقتراب من آخرين، الاشتراكيين والشيوعيين والخضر. إنها بالتأكيد ليست ديمقراطية اشتراكية: الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد، هو تجمع يضم، حتى وان كان ظرفيا، برلمانيين، باستثناء حركة فرنسا المتمردة، يتنزلون أكثر في ثقافة التفاوض والحلول الوسط والتسويات، والذين معهم يمكن ان تميل السلطة إلى البحث عن اتفاقات أو تحالفات حول نقاط محددة.
وإذا قيّض لعملية الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد الاستمرار، فسيكون بالطبع انطلاقا من الراديكالية التي تجسدها حركة فرنسا المتمردة لكن بشرط الانفتاح على مكوناتها الإصلاحية، وليس بدفعها نحو التطرف. لا شيء مكتوب مقدما، لكن إذا كان علينا ألا نستبعد إعادة تشكيل محتملة لليسار، من منظور حكومي، فلن يكون ذلك الا من خلال استبعاد فكرة التطرف المعمم لمكوناته.
لكن ما هو المشروع الذي يمكنه أن يحرك يسارا قادما غير راديكالي، ويجمع انتظارات متباينة بتفاوت لدمجها في رؤية شاملة؟ لم نعد في عصر الطبقات، وكما يظهر فرانسوا دوبي جيدًا في كتابه “كلنا متفاوتون كلنا متفردون” (منشورات سوي)، فإن الزمن هو لإدانة التمييز بجميع أنواعه -وهو موضوع حل محل موضوع الاستغلال، وهذا ما يجعل من الصعب إعادة بناء اليسار الإصلاحي أو الاشتراكي الديمقراطي.
ان التمييز متعدد، يعاش على مستوى كل فرد على أنه متفرد، ويؤدي إلى تأثيرات وسلوكيات بالكاد تجد وحدتها: غضب، سخط، انكفاء على الذات، يأس، امتناع، التصويت المتطرف، إلخ. المشكلة الأساسية، على اليسار، هي هنا: في الصعوبة الهائلة لاقتراح، خارج شعبوية عدوانية، راديكالية أكثر منها متطرفة، ودمج الانتظارات الناتجة عن تضاعف التفاوت والتمييز والشعور العام بأنهم ضحايا الظلم.
اليمين المتطرف
في الطرف الآخر من الطيف السياسي، لا يمكن للتطور أن يكون متماثلًا، ولا أن يكون مصاحبًا بالضرورة. مع 89 نائبًا، وطريقة لتقديم نفسه تتسم بكل مظاهر العقل والجدية والاحترام، لم يعد حزب التجمع الوطني القوة المناهضة للنظام التي كان قادتها يستطيبون استخدامها في الماضي. ولنتوقف عن منحه صفة المعارض “للنظام” الذي يقدم الحزب داخله، على العكس من ذلك، صورة الاستمتاع بأنه وجد مكانه!
يجد جزء من اليمين الكلاسيكي، من إريك سيوتي إلى لوران ووكيز، صعوبة في التمايز عن التجمع الوطني وتبنى فئات قريبة منه. وإيمانويل ماكرون، والسلطة على نطاق أوسع، من نواحٍ عديدة، لا تجعل جميع نواب التجمع الوطني طاعونا. فمن أجل إعادة انتخابه رئيساً، كان عليه أن ينصّب مارين لوبان وحزبها باعتبارهما الخصوم الوحيدين، وحتى يحكم، بات عليه أن يتعايش معهم. ليس صراحة ولكن من خلال تنازلات، على سبيل المثال، من خلال عدم إعاقة وصول نواب الجبهة الوطنية إلى مسؤوليات مختلفة في الجمعية الوطنية. وعن طريق التخلي عن مبدأ “الجبهة الجمهورية”، وهي استراتيجية تقوم على دعم أي ترشيح، حتى لو كان خصمًا سياسيًا، لمنع انتخاب ممثل عن التجمع الوطني: لقد تعددت طعناته لمبدأ الجبهة الجمهورية، وباتت ظاهرة على الرغم من التصريحات التي تشير إلى تطرف التجمع الوطني المناهض للجمهورية. فمن ناحية، وجهت مارين لوبان حزبها الى طريق “إزالة الشيطنة”، ومن ناحية أخرى، وضعت السلطة عمليًا حدًا للجبهة الجمهورية.
لقد عومل حزب التجمع الوطني منذ فترة طويلة مثل القوى السياسية الأخرى من قبل وسائل الإعلام، التي همّشته ثم اعطته وجاهة؛ إنه في طور تطبيق مأسسة تمنحه الاحترام النظامي، على أي حال على اليمين وفي وسط الطيف السياسي. لكن القصة الكاملة لهذا الحزب هي قصة قوة عرفت كيف تعيش في ظل التوتر، دون أن تخجل من التناقض، من خلال الجمع بين الاستفزازات والمواقف النارية، وقبول اللعبة الديمقراطية. وجميع الذين ابتعدوا عنه، بطريقة أو بأخرى، مثل برونو ميغريه، وفلوريان فيليبو، وماريون ماريشال، دائمًا ما جسدوا عجزًا معينًا، أو رفضًا لإدارة هذا التوتر. ويحتاج حزب التجمع الوطني إلى الحفاظ على جماهيره الأكثر احتجاجًا، حتى لا ينفضوا من حوله، كما رأينا في المحاولة التي تدعو للرثاء في النهاية، التي قام بها إريك زمور، وفي نفس الوقت إغواء جزء من السكان الحريصين على النظام والاحترام.
كيف يمكن أن يأمل في التطور أكثر، إن لم يكن من خلال الاستمرار في “نزع الشيطنة” عنه، دون وضع حد للمبالغات والانزلاقات والتجاوزات التي حققت نجاحاته الأولى، الثروة السياسية لجان ماري لوبان وتأثير اريك زمور؟ يمكن أن تتمثل إحدى الإجابات بالنسبة له في تفادي الإفراط حيث يتعلق الأمر بإظهار الواقعية الإدارية، والاحساس بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية للفقراء، والمثابرة في نزوعه القومي والمتطرف حيث يجعل الإجماع أكثر وأبعد بكثير من قاعدته الانتخابية: حول الهجرة أو الإسلام أو العلمانية أو انعدام الأمن.
بقطع النظر عما تبقى من حزب الجمهوريين، لا يوجد لدى التجمع الوطني على يساره مساحات واحتياط من الناخبين مماثلا لذاك الذي تتمتع بها حركة فرنسا المتمردة على يمينها. سيكون من الصعب عليه المساهمة في إعادة تشكيل اليمين، لأسباب تختلف عن تلك التي تجعل المهمة صعبة على اليسار. فهذا الاخير يحتاج إلى الانفتاح على ثقافة سياسية إصلاحية، وهي ليست ثقافة حركة فرنسا المتمردة، في حين يراهن التجمع الوطني بدلاً من ذلك على احتمال الترويج لفئاته المفضلة -الإسلام، والهجرة، وما إلى ذلك. - وأن تكون له الزعامة الأيديولوجية.
وهكذا، يمكن تخيّل يسار إصلاحي وحكومي يبني نفسه بعد عمل حركة فرنسا المتمردة انطلاقا من الوضع الحالي -وعلى أي حال الحلم به؛
ولا يمكن تصور ما يعادل انطلاقا من التجمع الوطني، الا إذا تخلص هذا الاخير تمامًا من مناهضته للنظامية ويأتي إلى اليمين الشعبي ليحتل الميدان الذي خسره الجمهوريون.
ولكن لكي يظهر على أنه مسؤول وجمهوري بعمق، سيتعين على التجمع الوطني أن يتجنب أي مزايدات مبالغ فيها، وأن يتوقف عن إظهار نفسه في ثوبه الاستفزازي. وهذا لم يتحقق بالنسبة له،
حيث يتجلى هذا سريعًا لدى قادته الذين لا يعرفون دائمًا كيف يروّضون أنفسهم، مثل نائبه جان فيليب تانجوي الذي أكد في 11 يوليو أن إيمانويل ماكرون “عرف كيف يلتمس التطلعات المثلية لعدد من الكوادر” عندما كان موظفًا في بنك روتشيلد.
يمينان، ويسار واحد؟
في الواقع، بمجرد أن يتم تبديد الأسطورة التأسيسية لـ “في نفس الوقت” العزيزة على الرئيس ماكرون تمامًا، وهو يسلك الطريق إليها بشكل أكثر وضوحًا كل يوم، يمكن أن تتمتع فرنسا في النهاية بيمينين متميزين نسبيًا. واحد إداري –”حكومي” -نتاج السلطة الحالية، يجمع عوالم إدوارد فيليب أو برونو لو مير، مع عوالم المنشقين الجدد، وحتى الذين سيأتون، من جزء من السياسيين الجمهوريين السابقين، مع، على سبيل المثال، إريك ويرث أو رينو موسيليه. والآخر شعبي واجتماعي، ولد من اتساع النفوذ الإيديولوجي للتجمع الوطني. لا شيء يمنع التفكير في مسامية ما بين هذين اليمينين.
لكن لنبتعد عن كل تناظر. من المرجح أن يتم تعديل خطاب الراديكالية على اليسار لصالح إعادة البناء، وإن كانت افتراضية للغاية، ليسار واحد عريض، يغلب عليه الطابع الاجتماعي والديمقراطي، وهو ما لن يكون المرة الأولى في التاريخ: عام 1936، عام 1981، بدأ اليسار العمل من خلال جمع الشيوعيين والاشتراكيين. إن انتقاد اليسارين المتناقضين، كما رأينا مع تجاوزات مانويل فالس، ليس سوى مقدمة تسمح بالابتعاد عن أي فكرة يسارية.
على اليمين، فإن راديكالية الجبهة الوطنية، على العكس، تخترق المجتمع السياسي من خلال موضوعاتها، و”أفكارها” كما نقول في كثير من الأحيان. التقارب الذي يمكن للتجمع الوطني إحداثه مع قوى سياسية أخرى، أو على الأرجح شبه استيعابها، يتطلب أن يكون ناخبيهم قابلين لخطابه، وأن يمروا الى قبول ما يجسده -وهو ما لا ينبغي استبعاده. إن نشر “أفكاره” هو شرط لاحتمال صعود مثل هذا اليمين، والذي يمكن أن يتعارض بعد ذلك مع يمين هو الوريث المباشر للماكرونية المنهكة.
والمجتمع المدني؟
هل يمكن للمجتمع المدني أن يتعرف على نفسه في مثل هذه الافاق؟ في معظم الأوقات، عندما يستحضره الخطاب السياسي، يكون الأمر مختصرا، وفي كثير من الأحيان ليتم اختزاله في فرضية: تلك التي تلخص كلمة “شارع” الصغيرة. إذا كان هناك انسداد، وإذا لم تؤد الديناميكيات السياسية إلى أي احتمال للتغيير، يشرحون لنا، سنرى تطور العنف، وخلافات قوية، واحتجاجات تعبّر من خارج النظام المؤسسي عن مطالب لا يقدر هذا الاخير على معالجتها بشكل صحيح. وعندما لا يكون المأزق السياسي هو الذي يُطرح للنظر في تدخل “الشارع”، يوكل الامر الى الصعوبات الاقتصادية: التضخم، أسعار الطاقة، على سبيل المثال، هل ستخلق خريفًا ساخنا، يقترح بعض المتخصصين أو السياسيين؟
يجب أولاً أن نقول إن هذا النوع من المقاربة مشكوك فيها للغاية: التعبئة، بما في ذلك في الشارع، ليست بالضرورة استجابة لعرقلة مؤسسية، أو للصعوبات الاقتصادية، ويمكن نشرها في العديد من السياقات الأخرى. وبشكل متماثل، يمكن أن يؤدي الانسداد أو الأزمة إلى العديد من الظواهر الاجتماعية الأخرى غير مظاهرات “الشوارع”. إنه علم اجتماع مختصر جدا ويُكذّب بسرعة، ذاك الذي يعد بـ “الشارع” في حالة حدوث أزمة سياسية أو اقتصادية. وكل من يدرس الحركات الاجتماعية يعرف ذلك جيدًا.
يجب إذن، وخاصة، أن نذكّر بالنسبة المرتفعة للامتناع عن التصويت في الانتخابات الأخيرة. إنه يشهد على عدم الرضا، وبالتالي عدم الاهتمام، من الشعور بأن التمثيل السياسي لا يستمع إلى الانتظارات التي تنشأ من المجتمع. ومن المؤسف، من وجهة النظر هذه، أن رئيس الدولة سمح بتحريف الفكرة الجميلة للديمقراطية التشاركية، كمكمّل للديمقراطية التمثيلية، من خلال “نقاش كبير” لم يحشد الأطراف المعنية الرئيسية، السترات الصفراء، أو مع اتفاقية مواطنية بشأن المناخ مخيبة للآمال من حيث تطبيق توصياتها، ناهيك عن إعلان المجلس الوطني لإعادة التأسيس الذي لا يزال ينتظر تعريفه. أخيرًا، المجتمع الفرنسي أكثر حداثة من الناحية الثقافية، وأقل يمينية بكثير من غيره. استطلاع بعد استطلاع للرأي، يمكّننا من التحقق من ذلك في رهانات أخلاقية حساسة بشكل خاص: مواطنونا متمسكون بشدة بالحق في الإجهاض، وهم أيضًا في غالبيتهم العظمى مؤيدون لسياسة المساعدة النشطة للموت. توجد طرق هنا يمكن أن تشكل العديد من الجادات للسلطة، دون أن تتورط. وإذا أردنا أن نفهم حركة السترات الصفراء، فعلينا أيضًا أن نقحم، على الأقل جزئيًا، فكرة الشعور المتفاقم بالاحتقار من قبل سلطة “جوبتيرية” متغطرسة تجهل ما هي التجربة اليومية للعديد من المواطنين.
لا شيء يقول أن وضعًا حرجًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا يمكنه في حد ذاته إيقاظ “الشارع”. في المقابل، يمكن للقرارات التي تظهر غياب الانصات وانعدام التواضع، وتتنزل في إطار منطق رفض “الهيئات الوسيطة” والوساطات، التي تميز فترة ولاية إيمانويل ماكرون الأولى، أن يكون لها هذا التأثير. ومن وجهة النظر هذه، فإن الطريقة التي يتشكل بها إصلاح نظام التقاعد المعلن هي أمر مثير للقلق.
إعادة اختراع نظام سياسي؟ التعبئة الاجتماعية؟ الافتراضات التي يمكننا القيام بها لا تبشر بمستقبل مشرق. لكن كل شيء يشير إلى أن هناك احتمالات وفرضيات لجميع الفاعلين، سياسيًا واجتماعيًا. ربما يكون الأمر الأكثر إثارة للدهشة هنا هو أنه لا يوجد سيناريو حتى الآن يسمح لنا بالقول عن رئاستي إيمانويل ماكرون أنهما كانتا تاريخيتين، وأنهما طبعتا البلاد بعمق.
* عالم اجتماع ومدير الدراسات في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية. لقد نشر مؤخرًا “إذاً سيد ماكرون، هل أنت سعيد؟ “منشورات شارع السين».