رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
كيف وصلت أمريكا إلى هذه النهاية الأفغانية؟
سرد ديفيد لوين في مجلة “سبكتايتور” البريطانية مجموعة من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في أفغانستان على مدى سنوات طويلة والتي أدت إلى إخفاق سياستها في نهاية المطاف.
لوين، وهو زميل زائر بارز في قسم دراسات الحرب التابع لكلية كينغز كوليدج، أشار إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال إن بلاده تركت أفغانستان متمتعة بجيش مذهل قوامه 300 ألف عنصر مع شرطة شبه عسكرية وحوالي 30 ألف عنصر من القوات الخاصة. هذا ما أعلنه بايدن حين أعطى أوامره بسحب جنوده من أفغانستان.
أشباح
على الورق، هذا أكثر من كاف لضمان أمن دولة ضد التمرد فيما لو تم نشر تلك القوات ببراعة وكانت متمتعة بحافز جيد. إن أفضل القوات الأفغانية تتمتع بجودة تضاهي جودة القوات الموجودة في المنطقة. لكن الجيش الأفغاني انتهى منفلشاً في الآلاف من نقاط التفتيش على امتداد البلاد، حاصلاً على تغذية سيئة ورواتب نادراً ما كانت تُدفع. حتى الوقود والذخيرة بيعت قبل الوصول إليه. وتألفت العديد من الوحدات من جنود أشباح، حيث تلقى ضباط كبار الرواتب المخصصة للجنود المفترضين.
قبل بضعة أسابيع، قلل جو بايدن من مخاطر فقدان كابول. كانت استراتيجيته تقضي بترك القوات الأفغانية تقيد طالبان لأشهر فيما كان المفاوضون يحاولون التوصل إلى اتفاق سلام.
وقال الرئيس الأمريكي: “إن احتمال قيام طالبان باجتياح كل شيء وامتلاك البلاد بأكملها مستبعد جداً”. ولم يغير بايدن موقفه لاحقاً معلناً أنه لا يمكن توقع نتائج مختلفة لو أبقى على جنوده مضيفاً أنه لن يورث الحرب في أفغانستان إلى رئيس خامس.
الخطأ التأسيسي
وفقاً للوين، ارتكب الرئيس الأسبق جورج بوش الابن خطأ كبيراً مع وزير دفاعه دونالد رامسفيلد حين جعلا الميليشيات الأفغانية القوة الأساسية على الأرض من أجل إلحاق الهزيمة بطالبان و”القاعدة”.
اقتصر الدعم الدولي على القوات الجوية وبصمة خفيفة من القوات الخاصة. لكن الميليشيات الأفغانية التي تم إمطارها بملايين الدولارات كانت برئاسة أمراء الحرب أنفسهم الذين أدى سطوهم وعنفهم في أواسط التسعينات إلى نشوء طالبان رداً على ذلك الإجرام.
بعد 2001، استخدم أمراء الحرب احترامهم الجديد الذي مولته واشنطن لشق طريقهم إلى المناصب السلطوية في تسوية ما بعد طالبان. وهو أمر تحول إلى دافع دائم للفساد. كانت هنالك أخطاء أخرى في السنوات العشرين اللاحقة مثل الضبابية حول أهداف الحرب وتشتيت حرب العراق تركيز الأمريكيين والفشل في تقييد باكستان وإرسال جنود إلى ولاية هلمند من دون هدف واضح. لكن جميع هذه الأخطاء بدت صغيرة مقابل الإخفاق التأسيسي في الحرب الأفغانية.
فقدوا قدراتهم القتالية
حاول الرئيس الأفغاني أشرف غني حشد الأمة مع خطاب إلى البرلمان وزيارات إلى المدن الكبيرة التي واجهت تهديداً من طالبان كما شجع أمراء الحرب على القتال إلى جانب القوات الحكومية.
لكن بينما كان أمراء الحرب عائقاً أمام الحكم الجيد طوال 20 عاماً، تبين أنهم خسروا إمكاناتهم لخوض الحروب. ظهر ضعفهم حين سخر مقاتلو طالبان من أمير الحرب عبد الرشيد دوستم مستعرضين أنفسهم بزيه الميداني العسكري بعد السيطرة على مقراته في الشمال. في الوقت نفسه، تم أسر أمير حرب أسطوري آخر هو اسماعيل خان بعد سقوط مدينته هرات.
نزعتان
لم تدم البصمة العسكرية الخفيفة للولايات المتحدة لفترة طويلة بعد 2001، فراحت واشنطن تزيد أعداد قواتها حتى وصلت إلى الذروة مع 150 ألف جندي دولي.
لكن لم يتم التخطيط للتدخل، بسبب النفور الأمريكي من كل ما يشبه “بناء الدول”. لهذا السبب، تابع الكاتب، افتقدت البلاد سياسة متجانسة طوال سنوات. انتشرت نزعتان في إدارة بوش الابن.
الأولى هي عدم التورط في تدخلات عسكرية طويلة المدى والاكتفاء ببصمة خفيفة ثم إعلان “إنجاز المهمة”. لكن من جهة أخرى، انجرف بوش إلى خطاب حول نشر الحلم الأمريكي مع خطة لإعادة بناء أفغانستان شبيهة بخطة مارشال التي أعادت إعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
لم تكونا عبثيتين
بعد عشرين عاماً، يرى لوين أن أمريكا أنفقت أموالاً تضاهي ما أنفقته على خطة مارشال بأرقام اليوم. ومع أنها لم تبنِ ألمانيا جديدة، كان هنالك تقدم ملحوظ.
لم تكن الحرب ولا المساعدة عبثيتين. برزت أفغانستان جديدة واثقة بنفسها. تغيرت المواقف الاجتماعية، وليس في المدن فقط.
توقعت النساء في مختلف أنحاء البلاد حياة مختلفة عن المسار الضيق والمغلق الذي فرضته حركة طالبان الكارهة للمرأة. اعترف بايدن بهذا الأمر حتى أنه تحدث مؤخراً عن زيارة قام بها سابقاً لمدرسة في أفغانستان.
حينها، كان بايدن يتحدث عن مجيء الولايات المتحدة إلى أفغانستان للتخلص من الإرهابيين وضمان ألا يشكلوا خطراً قبل المغادرة.
عندها، قالت إحدى الشابات: “لا يمكنكم الرحيل. لا يمكنكم الرحيل. أريد أن أصبح طبيبة. أريد أن أصبح طبيبة... إن غادرتم لن أصبح أبداً طبيبة”.
وتابع بايدن: “حسناً، لهذا السبب أمضينا وقتاً طويلاً (وأنفقنا) مالاً لتدريب القوات الأمنية الأفغانية للدفاع عن ذلك».
بالتوازي مع الانتقادات
تتلقى إدارة بايدن انتقادات بسبب قرارها سحب البساط من تحت الدولة الأفغانية مع عواقب لا توصف بالنسبة إلى المنطقة الأوسع والعالم.
بالتوازي، يجب أن يتم طرح أسئلة عن بداية الحرب وسبب جر أمريكا حلفاءها إلى دولة فاشلة معقدة من دون خطة متجانسة، متوقعة تحقيق النجاح في البداية عبر القوة الجوية وبضعة قوات برية لكن من دون فهم خلفية من تلقوا الأموال للقتال على الأرض. بحسب لوين، قد يمضي وقت قليل للانخراط مجدداً في تدخل معقد.
إن لم يتم استخلاص الدروس من الفشل في العراق وليبيا وأفغانستان، سيكون هنالك تبديد لتضحية من دفعوا الثمن الأكبر.