كيف يحاول أردوغان إنهاء عزلته في شرق المتوسط؟

كيف يحاول أردوغان إنهاء عزلته في شرق المتوسط؟


في محاولة للخروج من عزلته الإقليمية، يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التواصل مع دول عربية عدة لتحسين علاقاته معها. وأوضح الزميل المشارك في معهد “تشاتام هاوس” الملكي غاليب دالاي، الظروف التي دفعت أردوغان إلى البحث عن مخرج من أزماته، مشيراً في البداية إلى تدهور علاقاته مع دول عربية. ظلت العلاقات مع هذه الدول متوترة وباردة بينما حمل النزاع الليبي، وأزمة شرقي المتوسط تهديدات بمفاقمة الوضع. لكن تركيا تعيد ضبط سياستها في الشرق الأوسط وتعتمد لغة أكثر تصالحية، خاصةً بخطوات لإصلاح علاقاتها مع مصر.

في وقت سابق من الشهر الجاري، توجه وفد تركي يرأسه نائب وزير الخارجية سيدات أونال إلى مصر، ومن المتوقع أن يلتقي وزيرا خارجية الدولتين في نهاية مايو (أيار) الجاري. يتصدر اتفاق ترسيم الحدود مع مصر شرقي المتوسط أولويات تركيا. فهذا الاتفاق سيمنع ظهور نظام إقليمي للطاقة والأمن، يستثني تركيا. أما الأولوية بالنسبة لمصر فهي النزاع الليبي والحضور الإخواني في الإعلام التركي.

إن الإطار الأوسع لجهود تركيا للانفتاح على مصر، هو شعور أنقرة بأن الشرق الأوسط تخطى حقبة “الربيع العربي” حيث تقلص نفوذ الإسلام السياسي، وبالتحديد نفوذ الإخوان المسلمين بشكل درامي. وعوض التطبيع الشامل، ستلاقي تركيا مصر في منتصف الطريق. ولا يتوقع دالاي توقيع مصر على اتفاق لترسيم الحدود مع تركيا في شرق المتوسط قريباً. وعوض ذلك، يرى الكاتب أن مصر ستأخذ في الاعتبار الحدود البحرية التي تطالب بها تركيا، ومعايير الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا، حين تريد توقيع اتفاقات مع أطراف ثالثة أو شركات طاقة دولية.

وفي المقابل، من المرجح أن تعتمد تركيا موقفاً أكثر ملاءمة لمصر في ليبيا، حيث ستتقبل مطالب القاهرة بسحب مقاتليها السوريين من البلاد.
لكن هذا الانسحاب سيكون مشروطاً بسحب مقاتلين آخرين من ليبيا بمن فيهم مقاتلو شركة فاغنر الروسية. وتواصلُ أنقرة مقاومة طلب سحب القوات التركية من ليبيا بحجة أن وجودها هناك كان بعد الاتفاق مع حكومة الوفاق. وتضغط تركيا على الإعلاميين المعارضين المقيمين في اسطنبول ليخففوا انتقاد الحكومة المصرية.

ويرى دالاي أن من المعقول أن توقع تبادل القاهرة وأنقرة السفراء وعقد المزيد من الاجتماعات على مستوى وزاري، لكن قمة رئاسية ليست في الأفق. مع ذلك، تبقى رغبات تركيا في تحسين العلاقات مع السعودية قوية، وهذا ما بينته زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى الرياض، رغم إعلان الأخيرة إغلاق ثمانية مدارس تركية، والمقاطعة غير رسمية للسلع التركية. ويرجح الكاتب أن تعتمد أنقرة موقفاً قريباً من السعودية في النزاع الليبي للتقرب أكثر منها. إن سبب الرغبة التركية في إصلاح العلاقات مع الدول العربية يكمن في أن أي اتفاق نووي بين الولايات المتحدة وإيران، سيؤثر على الكتل الإقليمية.

وتنخرط طهران وأنقرة اليوم في خلاف حاد تاركتين علاقتهما في توتر متزايد، ما يعزز ميل تركيا إلى إصلاح العلاقات مع الدول العربية. أضاف الكاتب أن السياسة الخارجية التركية العسكرية التي كانت رائجة بين 2016 و2020، والخالية نسبياً من المخاطر بفضل الرئيس السابق دونالد ترامب، انتهت، باستثناء العمليات العسكرية في العراق. وحلت محلها الآن ثلاثة عوامل بارزة ترسم نهج تركيا، الإدارة الأمريكية الجديدة، والاتفاق النووي المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران، والاصطفاف الجيوسياسي المناهض لتركيا في شرق المتوسط. أما من منظور السياسة الخارجية الأوسع، فيقول دالاي في نهاية تحليله إن تركيا تحاول بوضوح العمل على وضع حد لعزلتها الدولية، ووحدتها في شرق المتوسط.