رئيس الدولة والرئيس الروسي يبحثان سبل احتواء التصعيد في المنطقة والاحتكام إلى الحوار
إستراتيجية كييف .. «التجويع والتوغل والضرب»
كيف يمكن أن تنهار حرب روسيا في أوكرانيا؟
يرى د. جيمس هولمز، رئيس كرسي جيه سي ويلي للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية الأمريكية، أن روسيا لا تملك رفاهية خفض أعداد الجنود في خطوطها الدفاعية، ما لم تكن تود أن تتخلى عن الأراضي القابعة وراءها.. وإذا استطاعت القوات الأوكرانية أن تحرم خصومها من القوة النارية بقطع طرق إمداداتهم، فمن الممكن أن تنهار الخطوط الدفاعية الروسية برمتها.
وقال الكاتب في مقاله بموقع “1945” الأمريكي: “كان القائد البروسي هيلموت فون مولتكه، المهندس العسكري لتوحيد ألمانيا وواحداً من أشهر الجنود في التاريخ العسكري، ليفهم على الفور الوضع في صيف السخط الأوكراني الذي نشهده حالياً.. فبعد أن روجت كييف وداعموها الغربيون لاحتمالات الهجوم الأوكراني المضاد في ربيع العام الجاري ضد روسيا، سجل الهجوم المضاد تقدماً متقطعاً حتى الآن».
نجاح إستراتيجي وسياسي
كان مولتكه سيعزو النتائج المخيبة للآمال إلى أن الجيش الأوكراني يواجه عدواً يشن أقوى أشكال الحرب، ولكان قد بيّن منطقه بإيجاز قائلاً إن “الدفاع التكتيكي هو الأقوى، والهجوم الإستراتيجي هو الشكل الأكثر فاعلية والوحيد الذي يؤدي إلى الهدف».
وبتعبير آخر، المنافس الذي يستولي على جزء ولو صغير من أي إقليم، ثم يدافع عنه تكتيكياً، يهيئ نفسه للنجاح الإستراتيجي والسياسي في نهاية المطاف.
بعد سلسلة مذهلة من الانتكاسات في الشرق في خريف العام الماضي، أمضى الجيش الروسي شهوراً في إقامة دفاعات وتحصينات كثيفة ومعقدة في العمق الأوكراني كي يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على القوات الأوكرانية أن تستعيد أراضيها في المناطق الشرقية والجنوبية.. وهذا هو عنصر الدفاع التكتيكي في مخطط روسيا.
هل كان مولكته ليزعم أن على أوكرانيا أن تستسلم لليأس والقنوط؟ وهل منطقه يعني أن الطرف المحتل للأراضي المتنازَع عليها سيفوز دائماً وأبداً؟ يتساءل الكاتب ويقول: “بالطبع لا. إن اتباع أساليب مولكته الحربية سيفضي إلى التحيز لنتائج في صالح روسيا.. ولكن في سجلات التاريخ العسكري، سُلبت جيوش كثيرة مدافعة عما احتلته من أراض، الأراضي التي سيطرت عليها».
الحرب الأهلية الأمريكية
على سبيل المثال، أراد جيش الاتحاد دحر الكونفدرالية الجنوبية خلال الحرب الأهلية الأمريكية، من دون أن يطيح بوجودها السياسي بصفتها دولة مستقلة، بالضبط كما تعقد روسيا الآمال على الإطاحة بالنظام السياسي الأوكراني وتنصيب نظام تابع لموسكو.. وحقق الكونفدراليون هدفهم الإستراتيجي بالتكاتف معاً للانفصال عن الاتحاد.
وعندما حث الرئيس إبراهام لينكولن جنرالاته على تكثيف ضرباتهم على المحيط الكونفدرالي بقوة، استطاعت قوات الاتحاد أخيراً اختراق الدفاعات الكونفدرالية.وساعدت بحرية الاتحاد الجيش على إحكام السيطرة على الأنهار الجنوبية بعد انتزاعها من الكونفدرالية، ما ساعد قوات الاتحاد الأمريكية على الالتفاف بِحُريّة.. ولذلك، فأوكرانيا لم تخسر كل شيء رغم نتائج المعارك المحبطة صيف هذا العام.
ويصف الأدميرال السير توني راداكين، رئيس أركان الدفاع البريطاني، إستراتيجية أوكرانيا بـ “التجويع والتوغل والضرب”.. والتجويع يعني مهاجمة المراكز اللوجستية الروسية و”خطوط الاتصال”، أي طرق النقل التي تنقل الذخيرة والمخازن إلى الأراضي المحتلة والقوات التي تدير الخطوط الأمامية، فإذا حرمت الجنود مما يحتاجون إليه ليعيشوا ويقاتلوا، فستُضعف قبضة روسيا على الأراضي الأوكرانية. وأوضح الكاتب أنه إذا تمكنت القوات الأوكرانية من التقدم نحو بحر آزوف جنوباً بما فيه الكفاية، فسيقع خط الإمدادات الذي يربط شبه جزيرة القرم بروسيا تحت نيران المدفعية الصاروخية الأوكرانية.. فإذا انقطع خط الإمدادات هذا، سيجد القادة الروس أنفسهم في أزمة كبيرة، والتوغل يعني استغلال الخطوط الدفاعية المتمددة.
حرب التطويق
ويحذر سلف مولتكه العظيم، كارل فون كلاوزفيتز، مما يطلق عليه اسم “حرب التطويق”، والتطويق خط يتألف من عدد لا حصر له من النقاط المُتراصة على هيئة سلسلة.. ومحاولة الاحتفاظ بجميع النقاط الممتدة على طول خط ممتد تُضعف قوة المدافعين، وتسمح في الوقت عينه للمهاجمين بحشد قوة قتالية متفوقة في مكان ما على طول ذاك الخط لاختراقه.ويوصي كلاوزفيتز بأنه إذا أُجبر الجيش على الدخول في حرب تطويق، فعلى القادة الحرص على إبقاء خطوطهم قصيرة، وإتاحة دعم ناري في حالة تهديد العدو باختراق الخط الدفاعي.ويرى الكاتب أن روسيا لا تملك رفاهية خفض أعداد الجنود عند خطوط دفاعها، ما لم تكن تود أن تتخلى عن الأراضي القابعة وراء تلك الخطوط.. وإذا استطاعت القوات الأوكرانية أن تحرم خصومها من القوة النارية بقطع طريق إمداداتهم، فمن الممكن أن تنهار الخطوط الدفاعية الروسية برمتها، وإذا نجحت مرحلتا الحرمان والتوغل، فستسنح الفرصة لأوكرانيا لأن تضرب في عمق الأراضي التي استولت عليها روسيا.
ومع ذلك، يقول الكاتب: “ما زالت فرص روسيا في النصر أفضل استناداً إلى منطق مولتكه أو بحكم التفوق الديموغرافي والاقتصادي والعسكري الهائل لروسيا على أوكرانيا».