كييف الهدف.. بوتين قد يربح المعركة لا الحرب
لم تستبعد الكاتبة السياسية في شبكة “بلومبرغ” كلارا فيريرا ماركيس أن تسيطر القوات الروسية على العاصمة الأوكرانية. لكن الحفاظ على تلك السيطرة في مواجهة قوات مدافعة متحفزة وسكان عدوانيين، ناهيكم عن تحقيق بوتين هدفه الأبعد المتمثل بتغيير النظام هما مسألتان مختلفتان تماماً.
قد يتمكن بوتين من الاستيلاء على كييف. من المؤكد أنه سيتسبب بحال من عدم الاستقرار، وهو حقق ذلك فعلاً لاحظت الكاتبة أن أوكرانيا أعاقت روسيا بفاعلية أكبر مما ظنها كثر. لا تزال الحرب في أيامها الأولى، لكن الهجوم الروسي لم يكن جراحياً ولا أظهر تكتيكات معقدة. شهدت معركة خارج كييف الخميس قوات روسية محمولة جواً تهاجم مطاراً قبل أن تقول تقارير إن الجانب الأوكراني قام باسترداده. وهنالك أيضاً مسألة الأرقام.
نظريات القتال
توجب نظريات القتال احتياج المهاجمين لنسبة 3 مقاتلين أمام كل مقاتل لدحر المدافعين في المقام الأول، وهذا الرقم لا يزال صامداً في نزاعات اليوم مع التقنيات الحديثة والأنظمة الآلية، على ما يقوله الاستراتيجي واللواء المتقاعد في الجيش الأسترالي ميك رايان للكاتبة. بحسب التقديرات، هنالك 190 ألف جندي روسي داخل وحول الحدود الأوكرانية، وهؤلاء يواجهون قوة من 205 آلاف جندي أوكراني. يشير رايان إلى أنه وبشكل دائم، لا يمكن توقع مسار القتال على الأرض، ويمكن أن تكون موسكو قد قللت من أهمية الصعوبات التي ستواجهها.
الحد الأقصى للتوصيف
بالطبع، لدى روسيا المزيد من الموارد التي يمكن استخدامها. حذر مسؤولون استخباريون من خطط موسكو بالسيطرة على المدينة عبر “القوة الساحقة”. كما ذكر الإعلام الأوكراني، سيكون من الصعب صد خطة الاستيلاء على كييف، مع هجمات سيبيرانية وقوات محمولة جواً ومخربين منخرطين في عمليات الحرق والنهب، إذا كانت الأعداد كبيرة بما فيه الكفاية. لكن بالحد الأقصى، سيكون هذا الأمر عبارة عن معركة تم كسبها، لا عن انتصار شامل، ناهيكم عن نجاح طويل المدى لبوتين قد يشمل ضمان ولاء أوكرانيا لروسيا.
من يهاجم الروس؟
تابعت الكاتبة مقالها مشيرة إلى أن الجيش الروسي أفضل تدريباً وتجهيزاً بكثير مما كان عليه في حرب غروزني التي شاركت الكاتبة في تغطيتها منذ أكثر من عقدين. لقد أنفقت موسكو بشكل كبير على تحديث قواتها المسلحة من أجل هذه اللحظة بالذات. الضباط والجنود الذين يقودونهم مستعدون. لكن الروس يهاجمون جاراً قد يكون لدى الكثير منهم روابط عائلية وهم لا يدافعون، كما يفعل الأوكرانيون، عن سبل عيشهم ومنازلهم وعائلاتهم أو القيم السامية لكن المحفزة مثل الديموقراطية والحرية.
استحالة
السؤال الأهم حول ما إذا كان هذا الانتصار بحسب رؤية بوتين، أي تأمين حكومة ودية ووقف انجراف أوروبا نحو الغرب، قابلاً للإنجاز بواسطة الاستراتيجية الحالية. يظهر أن هذا الأمر مشكوك به، وفي الواقع يبدو أن الكرملين يحقق عكس ذلك. يقول الكرملين إنه يريد تحرير أوكرانيا لا احتلالها. هو يريد استبدال الرئيس الأوكراني ببديل ودي. لكن أوكرانيا، بالرغم من جميع مشاكلها، هي ديموقراطية لا أوتوقراطية.
لا يمكن استبدال قيادتها ببساطة عبر إطاحة الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي.
بينما كان الأوكرانيون في يوم من الأيام وديين بشكل ساحق تجاه موسكو، تقترح استطلاعات الرأي أن الأمر لم يعد كذلك. إن الإبقاء على بديل موال للروس سيكون مستحيلاً من دون قوة مستدامة، أي بكلمات أخرى، احتلالاً لا يمكن لروسيا تحمله.
مستوى المناسبة
ربما راهنت روسيا على تضاؤل شعبية زيلينسكي لا على تحول كوميدي إلى قائد في زمن الحرب، حتى أن معارضيه احتشدوا خلفه. لديه الكثير من المنتقدين وقد تعثر بلا شك في لحظات صعبة من هذه الأزمة، لكنه ارتقى إلى مستوى المناسبة. بعدما ألقى خطباً عاطفية مثيرة، تعهد زيلينسكي بعدم مغادرة كييف، على الرغم من أنه قد يكون وعائلته هدفين أساسيين لموسكو.
أصعب بكثير
أخيراً، بحسب ماركيس، هنالك مسألة الوقت. سيقاتل الأوكرانيون طالما يتطلب الأمر ذلك، لأنهم لا يملكون خيارات كثيرة. سيحصلون على دعم مالي وعسكري، حتى ولو كان الغرب متردداً في إرسال قوات برية.
ليست روسيا هشة بالضبط، لكن لديها موارد محدودة واقتصاد راكد تحت هجوم عقوبات واسعة النطاق، كما أن سكانها، بالرغم من أرقام الاستطلاعات الرسمية، ليسوا بأي حال من الأحوال مؤيدين لشن هذه الحرب باسم بلادهم. وتشاهد النخب أصولها تتداعى.
قد يتمكن بوتين من الاستيلاء على كييف. من المؤكد أنه سيتسبب بحال من عدم الاستقرار، وهو حقق ذلك فعلاً. لكن هل يستطيع تحويل أوكرانيا إلى جار موال وإلى منطقة عازلة يريدها؟ يبدو ذلك أصعب بكثير بحسب ماركيس.