لماذا تقوّضت شعبية الرئيس الأمريكي بايدن؟

لماذا تقوّضت شعبية الرئيس الأمريكي بايدن؟

تطرق طالب الدكتوراة في جامعة ستانفورد بريت باركر وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة نفسها ديفيد برادي إلى الأسباب التي دفعت شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الانهيار.
وذكرا في موقع “ريل كلير بوليتيكس” أنه في 1 يونيو (حزيران) الماضي، وصل معدل تأييد أداء بايدن إلى 53.5% وفقاً للموقع نفسه، حيث كان الفارق بين الموافقة وعدم الموافقة على أدائه زائد 11.3 نقاط مئوية. هذا الرقم مثير للإعجاب. لم يصل الرئيس السابق دونالد ترامب إلى هذا الحد على الإطلاق، بينما حقق سلفه باراك أوباما هذا الرقم فقط في بداية ونهاية ولايتيه. تغيرت تلك الأرقام بشكل جذري لاحقاً، إذ وصل الفارق بين تأييد وعدم تأييد بايدن إلى ناقص 9.7 نقاط مئوية في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. بذلك، يكون بايدن قد شهد تراجعاً شعبياً بـ 21 نقطة كاملة. هل يمكن تفسير ذلك بانتشار متحور دلتا في الوقت الذي كان الأمريكيون يعودون إلى حياة طبيعية من دون كمامات؟ أم يرتبط الموضوع بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان ومقتل 13 أمريكياً بسبب الهجوم الإرهابي على مطار كابول وعودة طالبان إلى الحكم بسرعة صادمة؟ بالاستناد إلى تقييم معدلات ريل كلير بوليتيكس واستطلاعات يوغوف/إيكونوميست يرى الكاتبان أنّ الجواب يكمن في السببين المذكورين. وبدأت أفغانستان تهيمن على الأخبار الأمريكية في 13 أغسطس (آب) 2021. بدءاً من ذلك التاريخ وحتى 23 أغسطس، عرضت صحيفة نيويورك تايمز أفغانستان في واجهة أخبارها كل يوم. سبق لبروز متحور دلتا أن ترك آثاره على شعبية بايدن قبل هذا التاريخ، حيث ظهر نصف هذا التراجع الشعبي قبل 13 أغسطس. في 9 يونيو، أعطى ريل كلير بوليتيكس بايدن صافي تأييد بزائد 12.9 نقاط مئوية. في 12 أغسطس، أي في اليوم الذي سبق بداية هيمنة أفغانستان على الأخبار، كان صافي التأييد قد انخفض إلى زائد 4.2 نقاط.
خلال الفترة نفسها، تراجع تأييد أداء بايدن في مواجهة كوفيد-19 بين الناخبين المستقلين والجمهوريين. في 29 مايو (أيار)، وجد استطلاع يوغوف/إيكونوميست أنه بين الناخبين المسجلين، وافق 87% من الديموقراطيين و 19% من الجمهوريين و 46% من المستقلين على طريقة تعامل بايدن مع الجائحة. وصل صافي التأييد حينها إلى 53% وهو يكاد يكون متطابقاً مع تأييد أدائه الرئاسي الشامل. أيد 86% ممن وافقوا على تعامل بايدن مع كوفيد-19 أداءه الرئاسي الشامل. وبحلول 14 أغسطس، انخفض التأييد الشعبي لأداء بايدن مع كوفيد-19 إلى 48% (الجمهوريون 9% والمستقلون 40%). مع ذلك، بقي تأييد أداء بايدن الشامل مرتفعاً (89%) بين من حافظوا على تأييد أدائه في كورونا. يشير هذا الاتساق إلى أن معدلات التأييد المتضائلة لبايدن قبل الحدث الأفغاني نابعة أساساً من أولئك الذين غيروا رأيهم تجاه تعامله مع كورونا. بينما أدى بروز متحور دلتا إلى تآكل الحماية التي تمتع بها بايدن، كانت أفغانستان هي التي دفع صافي تأييده إلى خانة السلبية. بين 13 و 23 أغسطس، انخفض صافي التأييد الشعبي لبايدن من زائد 4.2 إلى ناقص 2.3 نقاط مئوية وفقاً لمعدلات ريل كلير بوليتيكس. لم يكن الأمريكيون قط واثقين بشكل واسع من قدرة بايدن على إدارة أزمة دولية، أدت بأفغانستان إلى تآكل أي ثقة كانت موجودة. في 5 يونيو، كان الناخبون المسجلون منقسمين حول قدرة بايدن على إدارة أزمة دولية. 44% أعربوا عن ثقتهم بإمكاناته في هذا المجال، بينما عارضهم في ذلك 43% وفقاً لاستطلاع يوغوف/إيكونوميست. تغيرت هذه الأرقام في 28 أغسطس حيث كان صافي التأييد الشعبي لطريقة تعامل بايدن مع أفغانستان ناقص 13 نقطة مئوية. في الشهر التالي، ظل التأييد لأدائه في السياسة الخارجية أقل من 40% والأمر نفسه بالنسبة إلى قدرته على إدارة أزمة دولية. بعد شهرين على الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، واصلت شعبية بايدن الانخفاض من ناقص 4 نقاط في 1 أكتوبر إلى ناقص 9.7 في 28 أكتوبر. طرأ الكثير من هذا الانخفاض بين شريحة المستقلين الذين ازدادوا رفضاً لطريقة تعامله مع كورونا.




 إن صافي التأييد لدى هذه المجموعة والذي بلغ 40% في 14 أغسطس انخفض إلى 35% وهو الرقم نفسه للمستقلين الذين يوافقون على أداء بايدن العام. في هذه الأثناء، بقيت الثقة العامة بقدرته على التعامل مع أزمة دولية ثابتة عند حدود 37%.

فرضية ثالثة؟
اقترح بعض التقدميين أنه علاوة على ملفي أفغانستان وكورونا، ساهمت سياسات بايدن غير اليسارية بما فيه الكفاية في تراجع شعبيته بين الليبيراليين والناخبين غير البيض. لكن البيانات الصادرة عن استطلاعات الرأي لا تؤيد هذه الفرضية بأي شكل من الأشكال. كانت شعبية بايدن بين الديموقراطيين الليبيراليين 90% في 16 أكتوبر و92% في 29 مايو. في هذه الأثناء، أيد 78% من الليبيراليين السود و79% من الهيسبانيين الليبيراليين أداء بايدن (16 أكتوبر). تمثل هذه الأرقام تراجعاً عن نسبة 88% لدى اليبيراليين السود الذين أيدوا بايدن في 29 مايو و 83% بين الهيسبانيين الليبيراليين.
في الوقت نفسه، انخفضت أرقام بايدن بشكل كبير بين السود والهيسبانيين المعتدلين/المحافظين. انخفضت شعبية بايدن من 80 إلى 59% لدى المجموعة الأولى ومن 51% إلى 41% لدى المجموعة الثانية. بعبارة أخرى، خسر بايدن القليل من الشعبية بين السود والهيسبانيين الليبيراليين، لكن خسائره كانت أكثر جوهرية بين غير الليبيراليين ضمن المجموعتين.

ما هو الأكثر إزعاجاً لبايدن؟
إنه انخفاض التأييد بين المستقلين. في انتخابات 2016 الرئاسية، أظهرت استطلاعات الخروج أن دونالد ترامب فاز بأصوات المستقلين. في 2018، أظهرت تلك الاستطلاعات أنّ المستقلين أكسبوا الديموقراطيين معركة استعادة السيطرة على مجلس النواب. والأمر نفسه حدث حين فاز بايدن بالرئاسة في 2020.
ورأى الكاتبان ختاماً أنّ للديموقراطيين سبباً للخوف من الانتخابات النصفية، مع تقلص طموح أجندته في الكونغرس ومواجهته صعوبة في إعادة تجديد شعبيته. لكن لحسن حظه، لدى الأمريكيين ذاكرة قصيرة نسبياً ولا يزال هنالك أكثر من عام يفصلهم عن انتخابات 2022 النصفية.