لماذا لن يتمكن أردوغان من استغلال حرب غزة؟

لماذا لن يتمكن أردوغان من استغلال حرب غزة؟


أعربت وسائل الإعلام التركية المقربة من الرئيس رجب طيب أردوغان عن دعمها الكبير لحركة “حماس” خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل. وعادة ما يستفيد أردوغان شعبياً من هذه المواقف، لكن ليس هذه المرة، بحسب رؤية الصحافي التركي المخضرم بوراك بكديل. وفي ما وصفه بالهستيريا الإسلاموية المعادية لإسرائيل، ذكر بكديل في “معهد غيتستون” الأمريكي كيف تحدثت عناوين الإعلام التركي عن “احتراق الصهاينة” بعد قصف حماس، وعن “انقلاب تل أبيب إلى جحيم”، مع نعت الإسرائيليين بـ”الأوغاد». من جهته، غرد الناطق باسم الرئيس التركي فخرالدين ألتون مطالباً العالم الإسلامي “بوقف هجمات إسرائيل الشنيعة والوحشية”. وفي التاسع من مايو الحالي، تظاهر آلاف الأتراك الغاضبين بالقرب من السفارة الإسرائيلية في أنقرة وقنصليتها في اسطنبول تضامناً مع الفلسطينيين. لم تتدخل الشرطة بالرغم من الحظر المفروض على التجمعات الكبيرة بسبب جائحة “كورونا”.

وهتفت الحشود لصالح توجه الجنود الأتراك إلى غزة. في هذه الأثناء، سحبت تركيا دعوة كانت قد وجهتها سابقاً إلى وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال ستينيتز لحضور منتدى الديبلوماسية في أنطاليا بين 18 و20 يونيو (حزيران) المقبل بسبب “انتهاكات وهجمات إسرائيل المتصاعدة ضد الفلسطينيين». نقل بكديل سخرية العلمانيين الأتراك من الهستيريا الإسلاموية على وسائل التواصل الاجتماعي. طلب الصحافي التركي في يني شفق عمر ليكيسيز من الله “أن يعطيه فرصة الاستشهاد باسم فلسطين”. رد عليه بعض الأتراك الساخرين مرسلين إليه رابطاً لجدول رحلات الخطوط الجوية التركية بين اسطنبول وتل أبيب، مع ملاحظة جاء فيها: “ها هي رحلتك. اذهب إلى إسرائيل وتحول إلى شهيد”.

لكن هذه الهستيريا ليست جديدة بحسب الكاتب. حين قررت تركيا وإسرائيل تطبيع علاقاتهما المتوترة بشدة في ديسمبر (كانون الأول) 2016، أي بعد ست سنوات على تدهور علاقاتهما الديبلوماسية، قامتا بتعيين سفيرين كما يملي البروتوكول. في الأساس، وافق أردوغان براغماتياً على تبادل المصافحة مع القادة الإسرائيليين، لكن عدوانيته الآيديولوجية للدولة اليهودية وإعجابه الآيديولوجي بحركة حماس لم يختفيا. بعد أقل من سنة ونصف على تطبيع العلاقات، أصبحت السفارتان في تل أبيب وأنقرة، مجدداً، من دون سفيريهما، بسبب اشتباك أجهزة الأمن الإسرائيلية بالمتظاهرين الفلسطينيين مما أدى إلى مقتل عشرات المتظاهرين.

كان ذلك شهر مايو آخر عنيفاً في إسرائيل وهستيرياً في تركيا. حينها، استدعت تركيا سفيرها وطلبت من السفير الإسرائيلي مغادرة البلاد لفترة مؤقتة سرعان ما أصبحت دائمة. مع ذلك، ثمة فارق بارز بين مايو 2018 ومايو 2021. في مايو 2018، تابع بكديل، كانت تركيا متوجهة نحو انتخابات رئاسية وتشريعية، وقد فاز خلالها أردوغان بـ51.5% من التصويت الوطني. في ذلك الوقت، كان أردوغان واثقاً بـ”جعل تركيا عظيمة ثانية” فغذى العدوانية بشكل منهجي ضد إسرائيل ومصر وقبرص واليونان والإمارات والسعودية. بينما في مايو 2021، لا تتجه تركيا نحو الانتخابات بل نحو العزلة السياسية والانهيار الاقتصادي، كما أن أردوغان ضغط سراً على زر تصحيح العلاقات مع خصوم تركيا في حوض البحر المتوسط، ومن بينهم إسرائيل. إنه حظ سيئ لأردوغان. وتوقيت سيئ.

خلال العقدين الماضيين، استفاد أردوغان كثيراً في السياسة الداخلية من أي شكل من أشكال الصراع العربي الإسرائيلي خلال العقدين الماضيين. لكن اليوم، لا انتخابات في الأفق. والأتراك منشغلون جداً بمعاناتهم اليومية لتأمين الخبز لمنازلهم والحليب لأطفالهم. مؤخراً، بدأت متاجر بقالة في مدن كبيرة مثل اسطنبول ببيع الخبز غير الطازج للمرة الأولى. ويباع الرغيف غير الطازج أبخس بخمسة سنتات أمريكية من الرغيف العادي ويجد آلاف الزبائن.  وثمة طوابير طويلة تقف أمام المتاجر المدارة من البلديات والتي تبيع الخبز المدعوم بسعر أرخص من سعر الخبز في السوق بفارق ضئيل. لهذه الأسباب، يؤكد بكديل أن أردوغان لن يكون قادراً هذه المرة على استغلال الوفيات المؤسفة في إسرائيل وغزة.