رئيس الدولة والرئيس الأميركي يبحثان العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والتطورات الإقليمية
دعموه بشكل غير مشروط
لهذا أحبّ الإنجيليون دونالد ترامب كثيرًا...!
-- في الصراع الروحي للإنجيليين الكاريزماتيين، تحتل الجغرافيا السياسية مكانة مهمة
-- عام 2016، صوّت 81 بالمائة من الإنجيليين البيض لصالح ترامب
-- ليس كل الإنجيليين وراء ترامب، ومنهم من دعا إلى إقالته عام 2019
-- الدفع باتجاه أن يحتل المسيحيون مراكز السلطة، حتى تحقق حركة الإصلاح الرسولي الجديد رغبة يسوع
-- لا يقتصر تأثير حركة الإصلاح الرسولي الجديد على الولايات المتحدة، بل يؤثر على السياسة الدولية
-- يزدهر لاهوت يدافع عن برنامج اجتماعي سياسي عالمي ويشكل دونالد ترامب واحدًا من قطعه الأساسية
في 150 صفحة فقط، يصف أندريه غانييه المعتقدات الدينية التي تبرّر الدعم غير المشروط من جانب الإنجيليين الأمريكيين لرئيس الولايات المتحدة السابق. عام 2016، صوّت 81 بالمائة من الإنجيليين البيض لصالح دونالد ترامب. يقدم أندريه غانييه، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة كونكورديا (مونتريال)، هنا كتابًا تعليميًا. ببساطة، ولكن بدقة، يشرح للمراقب أسباب الارتباط بين جزء كبير من الإنجيليين الأمريكيين وترامب. وقد تم تثبيت العديد من التحليلات التاريخية والاجتماعية، الضرورية لفهم هذه العلاقة. ويتمتع أندريه غانييه بميزة النظر إلى أحد جوانبها غير المعروفة: المنطق اللاهوتي وراء التصويت المؤيد لترامب... إذن، اكتشاف حقيقي للقارئ. اهتمّ أندريه غانييه، أولاً وقبل كل شيء، بالتمييز بين الإنجيليين. في كتابه، يتعلق الأمر فقط بمن يسمّون بالإنجيليين “الكاريزماتيين” “1”. إلى جانب الإنجيليين الخمسينيين القريبين منهم، ويمثلون عام 2020 ربع المسيحيين في العالم. نموهم السريع، مع 20 مليون وافد جديد سنويًا منذ عام 2010، سيجعلهم يمثلون ثلث المسيحيين عام 2050. وفي صفوفهم يزدهر اللاهوت الذي يدافع عن برنامج اجتماعي سياسي عالمي ويشكل دونالد ترامب واحدًا من قطعه الاساسية.
تحديد موقع لاهوت السلطة في السديم الإنجيلي
يغطي مصطلح “إنجيلي” واقعا شديد التنوع. وفقًا للمؤرخ ديفيد دبليو بيبينجتون، فإن أربع نقاط فقط تجمعهم معًا: التوراة (الكتاب المقدس كأساس لكل الحقيقة الدينية)، والصليب (تسليط الضوء على حدث الصليب)، والحاجة إلى الاهتداء الشخصي والحماس، ونشاط الاتباع.
وبالمثل، كما يوحي عنوان الكتاب، ليس كل الإنجيليين وراء ترامب. وهكذا دعا مارك جالي، رئيس تحرير صحيفة كريستيانتي توداي الأمريكية الإنجيلية، التي تضم 4.5 مليون قارئ شهريًا، إلى إقالة ترامب عام 2019 لان سلوكه، من وجهة نظره، غير الأخلاقي ويشوّه سمعة جميع الإنجيليين الأمريكيين.
لم يقدم كل أنصار ترامب الإنجيليين دعمًا ثابتًا أيضًا. “اليمين المسيحي”، وهو دعم مهم للمرشحين الجمهوريين، لا يجمع الإنجيليين فحسب، بل يجمع أيضًا الكاثوليك والبروتستانت اللوثريين الإصلاحيين. ومعًا، يدافعون عن القيم اليهودية المسيحية كأساس للبلاد. وقد تميزوا بآرائهم المحافظة حول الإجهاض، وحقوق المثليين، والقتل الرحيم، وما إلى ذلك.
بعضهم ببساطة، “مسيحيون محافظون”. فمثل أي شخص آخر، يصوّتون وفقًا لقيمهم. ولا يزال البعض الآخر “قوميين مسيحيين” يرغبون في استعادة المجتمع المسيحي الذي يعتقدون أنه ضاع. آخرون، أخيرًا، هم “ثيوقراطيون مسيحيون”. وحسب رأيهم، يجب أن تُبنى الولايات المتحدة وبقية الأمم على وصايا الكتاب المقدس، وبالتالي، فهم متأصّلون في هذا اللاهوت الإنجيلي للسلطة.
هذه العقيدة ناتجة عن حركات متتالية في التاريخ الإنجيلي. الصحوة الكبرى، وهي لحظات التنشيط الديني للبروتستانتية، تؤثر بشكل خاص على المجتمعات الإنجيلية. إنها تزيد من أهمية مشاعر التقوى، والعواطف، والإيمان الذي يُعاش ويُنتج الأفعال.
في القرن التاسع عشر، خلال مجموعة صلاة في مدرسة الكتاب المقدس في كانساس، قال المصلون إنهم بدأوا يتحدثون بلغات أجنبية غير معروفة لهم. ومثل هذه المعجزة، المعروفة باسم غلوسولالي، موصوفة أيضًا في الكتاب المقدس في مناسبة العنصرة “2”. وكان القصد من “عطية الروح القدس”، إذن، هو تسهيل التبشير بالإنجيل بين الأمم. وبالمثل، فإن صحوة “الخمسينية” في القرن التاسع عشر، تدّعي أن عودة ظهور هذه القدرة تشير إلى اقتراب نهاية الزمان. ويجب على المسيحيين اليوم استخدامه للتبشير في البلدان التي لم يمسها الإنجيل.
في الأربعينات من القرن الماضي، وسّع النظام الجديد (النظام الجديد للمطر المتأخر) العمل المعجز للروح القدس ليشمل التجربة المسيحية. يرسل الروح القدس رسائل إلى الأنبياء المعاصرين الذين يخدمون كمرشدين في حياة الاتباع. وأثارت هذه العقيدة الجديدة اتهامات قوية من التجمعات الإنجيلية في ذلك الوقت، منها الخمسينية. إنهم يرون فيها ابتعادا محتملا عن تعاليم الكتاب المقدس والكنيسة. ومع ذلك، منذ الستينات، وصلت الحركة إلى جميع أطراف المسيحية، حتى الكاثوليكية.
داخل كل هذه الطوائف، يقول الاتباع إنهم يختبرون أعمال الروح القدس المعجزية. إنه “التجديد الكاريزمي”. بالتوازي مع الكاريزماتية، وضع البريسبيتاري روساس. جيه. رشدوني نظريّة عام 1970 “إعادة البناء المسيحي”. ووفقًا له، يجب أن تستند جميع مجالات المجتمع إلى قانون انجيلي. وبالتالي، فإن المسيحيين، بحركة تأثير من الأسفل، ملزمون بالعمل من أجل هذا الغرض.
وعلى مر العقود، تضافرت ثلاث أفكار لتشكيل اللاهوت الذي يمكن ملاحظته بين المؤيدين الإنجيليين لترامب: اقتراب نهاية الزمان، واخبار الوحي النبوي، وإعادة البناء المسيحي.
عام 2001، أسس عالم اللاهوت مرسلي التبشيرية، سي. بيتر واجنر، حركة الإصلاح الرسولي الجديد، وهي أول معقل لهذا اللاهوت. تتنبأ بنهاية الزمان، تنخرط هذه الحركة في معركة روحية ضد الشر. وتحت قيادة الرسل والأنبياء المعاصرين، ومدعومة بآيات معجزة، تسعى الحركة جاهدة لتحقيق “ملكوت الله على الأرض”. وتتكون هذه “المملكة” من هيمنة مسيحية عالمية، ومواءمة القوانين العدلية والاجتماعية مع الكتاب المقدس.
على عكس روساس ج. رشدوني، يجادل واغنر بأن هذا المشروع لن يتحقق إلا من خلال عمل من الأعلى. ويأخذ كدليل المطالب الجنسية المثلية التي، رغم أن أقلية تحملها، تنتشر في ثقافاتنا. لذلك يجب على المسيحيين احتلال مراكز السلطة. وبهذه الطريقة، سيحقق الإصلاح الرسولي الجديد رغبة يسوع، الذي صلى أن تتم إرادة أبيه “على الأرض كما في السماء».
وهكذا يؤكد أندريه غانييه على طول الكتاب: إن كل عقيدة وكل ممارسة للحركة مبررة بآية، وفقًا لقراءة الكتاب المقدس “الحرفية” و “المنزوعة عن السياق».
دومينيونية في العمل
إن لاهوت السلطة، الذي يطلق عليه أتباعه “دومينيونية”، يتطلب إعادة تنظيم كنسي. لا يسمح العمل التقليدي للكنائس بالمنافسة التي يتوقعها الإصلاح الرسولي الجديد. ومن الآن فصاعدًا، يجب أن يقود الرسل الكنائس وربطها بشبكات رسولية. ومسترشدة بآيات الأنبياء، تعمل هذه الشبكات من أجل ظهور عالم مسيحي.
على سبيل المثال، أنشأ التحالف الدولي للقادة الرسوليين، الذي يضم 400 عضوًا من خمسة وثمانين دولة، منصة بيور فليكس. تم تصميمه كبديل لـ “نت فليكس”، وهو ينتج أفلام مسيحية ناجحة دوليًا. حركة الصلاة بصوت واحد، هي شبكة صلاة أمريكية، وبلغ حجمها مدى سمح لها بتحديد الرهانات السياسية التي تهم العديد من الإنجيليين. وهذا النجاح يأتي من مؤسّستها. كانت بولا وايت كاين “المستشارة الروحية لترامب في البيت الأبيض”، وهي كاتبة، وناشطة تلفزيونية، وراعية سابقة في كنيسة ضخمة، ومنتجة برنامجين تلفزيونيين. وبالتالي فهي تمثل الشخصية الباهرة للرسول الكاريزمي، الذي وصفه أندريه غانييه بسهولة بأنه “رجل أعمال سياسي وديني”. فمن خلال نجاحه الاقتصادي والاجتماعي، يرشد الرسول الطريق لباقي المؤمنين. ولتحقيق الهيمنة، يجب على المسيحيين تسلق “الجبال السبعة” 3 التي تشكل الثقافات: “مجالات الدين والتعليم والاقتصاد والسياسة والفنون والإعلام والأسرة”، لذلك يتم تشجيع الجميع على صعود درجات السلم في مجال نشاطهم لغرس التغيير.
يحتل دونالد ترامب مكانة خاصة جدًا في تحقيق هذا البرنامج. لانس والناو، رجل أعمال مؤثر ذو شخصية جذابة، هو أول من رآه على أنه “مختار من الله”. عام 2016، نشر كتاب “مرشح الفوضى الإلهية”، منطقه بسيط. عشية انتخابه لأول مرة، كان ترامب على قمة العديد من “جبال” الثقافة: الاقتصاد والفنون والترفيه (من خلال برنامجه التلفزيوني) ووسائل الإعلام (من خلال شبكاته الاجتماعية) ورئيسا للولايات المتحدة، سيرتقي إلى قمة السياسة.
حامل للقيم المسيحية المحافظة، انه حجر الزاوية في الغزو الكاريزمي. غير أن الإنجيليين الذين يرونه “مسيحًا” لا ينخدعون فيما يتعلق بأخلاقه الحقيقية. لا يهم: في الرواية التوراتية (خاصة في سفري إشعياء وعزرا)، عام 539 قبل الميلاد، استخدم الله الملك الفارسي كورش الكبير الذي اخرج الشعب اليهودي من حياة السبي والاسترقاق في منفاه في بابل... لذلك فإن كونك وثنيًا لا يمنعك من لعب دور رئيسي في خطة الربّ.
ويعتبر دونالد ترامب أكثر أهمية لنفوذه الدولي. ففي الصراع الروحي للإنجيليين الكاريزماتيين، تحتل الجغرافيا السياسية مكانة مهمة. ان كل أمة تهيمن عليها أرواح شيطانية تتصارع مع الأرواح الإلهية. ويقترح جورج أوتيس جونيور، مؤسس وكالة الأبحاث المسيحية ذي سنتينال، “رسم خرائط روحية” نجد فيها “عواصم روحية” و”مدن محاصرة” بالشر. وبفضل هذه الأداة، يمكن للمسيحيين أصحاب الكاريزما قراءة جميع الأحداث الجيوسياسية من منظور رهاناتهم. وبالمثل، فهم يقرؤون كل مقطع انجيلي في ضوء الأخبار. ولهذا السبب رأى الكثيرون في نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس عام 2018 علامة على نهاية الزمان. واقتناعا منهم بأن اليهود يجب أن يشكلوا دولة إسرائيل مرة أخرى قبل عودة المسيح إلى الأرض، أشادوا بعمل ترامب. ومتسلّحا بتشجيع قاعدته الانتخابية، أكد الرئيس، بخياراته الجيوسياسية، انتخابه الإلهي. لذلك لا يقتصر تأثير حركة الإصلاح الرسولي الجديد على الولايات المتحدة، بل تؤثر على السياسة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع قادتها بجمهور كبير، وأصبحوا شخصيات أساسية. إن حركتهم بين الطوائف تهز العالم الإنجيلي. لذلك يدعو أندريه غانييه إلى معرفة متعمقة لهذا اللاهوت. ويوصي بعدم الخلط بين جميع الإنجيليين، ولا حتى السخرية أو شيطنة أولئك الذين يعتنقون الدومينونية. ما فائدة المزايدة على خطابهم القتالي إن لم يكن لإشعال نيرانهم؟ ويأمل أندريه غانييه أن يؤدي فهم معتقداتهم إلى جعل الحوار ممكنًا.
* أندريه غانييه، هؤلاء الإنجيليون الذين يقفون وراء ترامب -الهيمنة وعلم الشياطين ونهاية العالم، منشورات لابور وفيدس 2020
1 -تشير كلمة “كاريزمية” في الإنجيل العبري إلى النعمة الممنوحة من الله. وتحيل مباشرة إلى نزول الروح القدس على الرسل أثناء حدث العنصرة.
2 -العهد الجديد، سفر أعمال الرسل، 2، 1-36.
3 -هنا قيمة رمزية جدا للعدد والمكان.
-- عام 2016، صوّت 81 بالمائة من الإنجيليين البيض لصالح ترامب
-- ليس كل الإنجيليين وراء ترامب، ومنهم من دعا إلى إقالته عام 2019
-- الدفع باتجاه أن يحتل المسيحيون مراكز السلطة، حتى تحقق حركة الإصلاح الرسولي الجديد رغبة يسوع
-- لا يقتصر تأثير حركة الإصلاح الرسولي الجديد على الولايات المتحدة، بل يؤثر على السياسة الدولية
-- يزدهر لاهوت يدافع عن برنامج اجتماعي سياسي عالمي ويشكل دونالد ترامب واحدًا من قطعه الأساسية
في 150 صفحة فقط، يصف أندريه غانييه المعتقدات الدينية التي تبرّر الدعم غير المشروط من جانب الإنجيليين الأمريكيين لرئيس الولايات المتحدة السابق. عام 2016، صوّت 81 بالمائة من الإنجيليين البيض لصالح دونالد ترامب. يقدم أندريه غانييه، أستاذ الدراسات الدينية بجامعة كونكورديا (مونتريال)، هنا كتابًا تعليميًا. ببساطة، ولكن بدقة، يشرح للمراقب أسباب الارتباط بين جزء كبير من الإنجيليين الأمريكيين وترامب. وقد تم تثبيت العديد من التحليلات التاريخية والاجتماعية، الضرورية لفهم هذه العلاقة. ويتمتع أندريه غانييه بميزة النظر إلى أحد جوانبها غير المعروفة: المنطق اللاهوتي وراء التصويت المؤيد لترامب... إذن، اكتشاف حقيقي للقارئ. اهتمّ أندريه غانييه، أولاً وقبل كل شيء، بالتمييز بين الإنجيليين. في كتابه، يتعلق الأمر فقط بمن يسمّون بالإنجيليين “الكاريزماتيين” “1”. إلى جانب الإنجيليين الخمسينيين القريبين منهم، ويمثلون عام 2020 ربع المسيحيين في العالم. نموهم السريع، مع 20 مليون وافد جديد سنويًا منذ عام 2010، سيجعلهم يمثلون ثلث المسيحيين عام 2050. وفي صفوفهم يزدهر اللاهوت الذي يدافع عن برنامج اجتماعي سياسي عالمي ويشكل دونالد ترامب واحدًا من قطعه الاساسية.
تحديد موقع لاهوت السلطة في السديم الإنجيلي
يغطي مصطلح “إنجيلي” واقعا شديد التنوع. وفقًا للمؤرخ ديفيد دبليو بيبينجتون، فإن أربع نقاط فقط تجمعهم معًا: التوراة (الكتاب المقدس كأساس لكل الحقيقة الدينية)، والصليب (تسليط الضوء على حدث الصليب)، والحاجة إلى الاهتداء الشخصي والحماس، ونشاط الاتباع.
وبالمثل، كما يوحي عنوان الكتاب، ليس كل الإنجيليين وراء ترامب. وهكذا دعا مارك جالي، رئيس تحرير صحيفة كريستيانتي توداي الأمريكية الإنجيلية، التي تضم 4.5 مليون قارئ شهريًا، إلى إقالة ترامب عام 2019 لان سلوكه، من وجهة نظره، غير الأخلاقي ويشوّه سمعة جميع الإنجيليين الأمريكيين.
لم يقدم كل أنصار ترامب الإنجيليين دعمًا ثابتًا أيضًا. “اليمين المسيحي”، وهو دعم مهم للمرشحين الجمهوريين، لا يجمع الإنجيليين فحسب، بل يجمع أيضًا الكاثوليك والبروتستانت اللوثريين الإصلاحيين. ومعًا، يدافعون عن القيم اليهودية المسيحية كأساس للبلاد. وقد تميزوا بآرائهم المحافظة حول الإجهاض، وحقوق المثليين، والقتل الرحيم، وما إلى ذلك.
بعضهم ببساطة، “مسيحيون محافظون”. فمثل أي شخص آخر، يصوّتون وفقًا لقيمهم. ولا يزال البعض الآخر “قوميين مسيحيين” يرغبون في استعادة المجتمع المسيحي الذي يعتقدون أنه ضاع. آخرون، أخيرًا، هم “ثيوقراطيون مسيحيون”. وحسب رأيهم، يجب أن تُبنى الولايات المتحدة وبقية الأمم على وصايا الكتاب المقدس، وبالتالي، فهم متأصّلون في هذا اللاهوت الإنجيلي للسلطة.
هذه العقيدة ناتجة عن حركات متتالية في التاريخ الإنجيلي. الصحوة الكبرى، وهي لحظات التنشيط الديني للبروتستانتية، تؤثر بشكل خاص على المجتمعات الإنجيلية. إنها تزيد من أهمية مشاعر التقوى، والعواطف، والإيمان الذي يُعاش ويُنتج الأفعال.
في القرن التاسع عشر، خلال مجموعة صلاة في مدرسة الكتاب المقدس في كانساس، قال المصلون إنهم بدأوا يتحدثون بلغات أجنبية غير معروفة لهم. ومثل هذه المعجزة، المعروفة باسم غلوسولالي، موصوفة أيضًا في الكتاب المقدس في مناسبة العنصرة “2”. وكان القصد من “عطية الروح القدس”، إذن، هو تسهيل التبشير بالإنجيل بين الأمم. وبالمثل، فإن صحوة “الخمسينية” في القرن التاسع عشر، تدّعي أن عودة ظهور هذه القدرة تشير إلى اقتراب نهاية الزمان. ويجب على المسيحيين اليوم استخدامه للتبشير في البلدان التي لم يمسها الإنجيل.
في الأربعينات من القرن الماضي، وسّع النظام الجديد (النظام الجديد للمطر المتأخر) العمل المعجز للروح القدس ليشمل التجربة المسيحية. يرسل الروح القدس رسائل إلى الأنبياء المعاصرين الذين يخدمون كمرشدين في حياة الاتباع. وأثارت هذه العقيدة الجديدة اتهامات قوية من التجمعات الإنجيلية في ذلك الوقت، منها الخمسينية. إنهم يرون فيها ابتعادا محتملا عن تعاليم الكتاب المقدس والكنيسة. ومع ذلك، منذ الستينات، وصلت الحركة إلى جميع أطراف المسيحية، حتى الكاثوليكية.
داخل كل هذه الطوائف، يقول الاتباع إنهم يختبرون أعمال الروح القدس المعجزية. إنه “التجديد الكاريزمي”. بالتوازي مع الكاريزماتية، وضع البريسبيتاري روساس. جيه. رشدوني نظريّة عام 1970 “إعادة البناء المسيحي”. ووفقًا له، يجب أن تستند جميع مجالات المجتمع إلى قانون انجيلي. وبالتالي، فإن المسيحيين، بحركة تأثير من الأسفل، ملزمون بالعمل من أجل هذا الغرض.
وعلى مر العقود، تضافرت ثلاث أفكار لتشكيل اللاهوت الذي يمكن ملاحظته بين المؤيدين الإنجيليين لترامب: اقتراب نهاية الزمان، واخبار الوحي النبوي، وإعادة البناء المسيحي.
عام 2001، أسس عالم اللاهوت مرسلي التبشيرية، سي. بيتر واجنر، حركة الإصلاح الرسولي الجديد، وهي أول معقل لهذا اللاهوت. تتنبأ بنهاية الزمان، تنخرط هذه الحركة في معركة روحية ضد الشر. وتحت قيادة الرسل والأنبياء المعاصرين، ومدعومة بآيات معجزة، تسعى الحركة جاهدة لتحقيق “ملكوت الله على الأرض”. وتتكون هذه “المملكة” من هيمنة مسيحية عالمية، ومواءمة القوانين العدلية والاجتماعية مع الكتاب المقدس.
على عكس روساس ج. رشدوني، يجادل واغنر بأن هذا المشروع لن يتحقق إلا من خلال عمل من الأعلى. ويأخذ كدليل المطالب الجنسية المثلية التي، رغم أن أقلية تحملها، تنتشر في ثقافاتنا. لذلك يجب على المسيحيين احتلال مراكز السلطة. وبهذه الطريقة، سيحقق الإصلاح الرسولي الجديد رغبة يسوع، الذي صلى أن تتم إرادة أبيه “على الأرض كما في السماء».
وهكذا يؤكد أندريه غانييه على طول الكتاب: إن كل عقيدة وكل ممارسة للحركة مبررة بآية، وفقًا لقراءة الكتاب المقدس “الحرفية” و “المنزوعة عن السياق».
دومينيونية في العمل
إن لاهوت السلطة، الذي يطلق عليه أتباعه “دومينيونية”، يتطلب إعادة تنظيم كنسي. لا يسمح العمل التقليدي للكنائس بالمنافسة التي يتوقعها الإصلاح الرسولي الجديد. ومن الآن فصاعدًا، يجب أن يقود الرسل الكنائس وربطها بشبكات رسولية. ومسترشدة بآيات الأنبياء، تعمل هذه الشبكات من أجل ظهور عالم مسيحي.
على سبيل المثال، أنشأ التحالف الدولي للقادة الرسوليين، الذي يضم 400 عضوًا من خمسة وثمانين دولة، منصة بيور فليكس. تم تصميمه كبديل لـ “نت فليكس”، وهو ينتج أفلام مسيحية ناجحة دوليًا. حركة الصلاة بصوت واحد، هي شبكة صلاة أمريكية، وبلغ حجمها مدى سمح لها بتحديد الرهانات السياسية التي تهم العديد من الإنجيليين. وهذا النجاح يأتي من مؤسّستها. كانت بولا وايت كاين “المستشارة الروحية لترامب في البيت الأبيض”، وهي كاتبة، وناشطة تلفزيونية، وراعية سابقة في كنيسة ضخمة، ومنتجة برنامجين تلفزيونيين. وبالتالي فهي تمثل الشخصية الباهرة للرسول الكاريزمي، الذي وصفه أندريه غانييه بسهولة بأنه “رجل أعمال سياسي وديني”. فمن خلال نجاحه الاقتصادي والاجتماعي، يرشد الرسول الطريق لباقي المؤمنين. ولتحقيق الهيمنة، يجب على المسيحيين تسلق “الجبال السبعة” 3 التي تشكل الثقافات: “مجالات الدين والتعليم والاقتصاد والسياسة والفنون والإعلام والأسرة”، لذلك يتم تشجيع الجميع على صعود درجات السلم في مجال نشاطهم لغرس التغيير.
يحتل دونالد ترامب مكانة خاصة جدًا في تحقيق هذا البرنامج. لانس والناو، رجل أعمال مؤثر ذو شخصية جذابة، هو أول من رآه على أنه “مختار من الله”. عام 2016، نشر كتاب “مرشح الفوضى الإلهية”، منطقه بسيط. عشية انتخابه لأول مرة، كان ترامب على قمة العديد من “جبال” الثقافة: الاقتصاد والفنون والترفيه (من خلال برنامجه التلفزيوني) ووسائل الإعلام (من خلال شبكاته الاجتماعية) ورئيسا للولايات المتحدة، سيرتقي إلى قمة السياسة.
حامل للقيم المسيحية المحافظة، انه حجر الزاوية في الغزو الكاريزمي. غير أن الإنجيليين الذين يرونه “مسيحًا” لا ينخدعون فيما يتعلق بأخلاقه الحقيقية. لا يهم: في الرواية التوراتية (خاصة في سفري إشعياء وعزرا)، عام 539 قبل الميلاد، استخدم الله الملك الفارسي كورش الكبير الذي اخرج الشعب اليهودي من حياة السبي والاسترقاق في منفاه في بابل... لذلك فإن كونك وثنيًا لا يمنعك من لعب دور رئيسي في خطة الربّ.
ويعتبر دونالد ترامب أكثر أهمية لنفوذه الدولي. ففي الصراع الروحي للإنجيليين الكاريزماتيين، تحتل الجغرافيا السياسية مكانة مهمة. ان كل أمة تهيمن عليها أرواح شيطانية تتصارع مع الأرواح الإلهية. ويقترح جورج أوتيس جونيور، مؤسس وكالة الأبحاث المسيحية ذي سنتينال، “رسم خرائط روحية” نجد فيها “عواصم روحية” و”مدن محاصرة” بالشر. وبفضل هذه الأداة، يمكن للمسيحيين أصحاب الكاريزما قراءة جميع الأحداث الجيوسياسية من منظور رهاناتهم. وبالمثل، فهم يقرؤون كل مقطع انجيلي في ضوء الأخبار. ولهذا السبب رأى الكثيرون في نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس عام 2018 علامة على نهاية الزمان. واقتناعا منهم بأن اليهود يجب أن يشكلوا دولة إسرائيل مرة أخرى قبل عودة المسيح إلى الأرض، أشادوا بعمل ترامب. ومتسلّحا بتشجيع قاعدته الانتخابية، أكد الرئيس، بخياراته الجيوسياسية، انتخابه الإلهي. لذلك لا يقتصر تأثير حركة الإصلاح الرسولي الجديد على الولايات المتحدة، بل تؤثر على السياسة الدولية. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع قادتها بجمهور كبير، وأصبحوا شخصيات أساسية. إن حركتهم بين الطوائف تهز العالم الإنجيلي. لذلك يدعو أندريه غانييه إلى معرفة متعمقة لهذا اللاهوت. ويوصي بعدم الخلط بين جميع الإنجيليين، ولا حتى السخرية أو شيطنة أولئك الذين يعتنقون الدومينونية. ما فائدة المزايدة على خطابهم القتالي إن لم يكن لإشعال نيرانهم؟ ويأمل أندريه غانييه أن يؤدي فهم معتقداتهم إلى جعل الحوار ممكنًا.
* أندريه غانييه، هؤلاء الإنجيليون الذين يقفون وراء ترامب -الهيمنة وعلم الشياطين ونهاية العالم، منشورات لابور وفيدس 2020
1 -تشير كلمة “كاريزمية” في الإنجيل العبري إلى النعمة الممنوحة من الله. وتحيل مباشرة إلى نزول الروح القدس على الرسل أثناء حدث العنصرة.
2 -العهد الجديد، سفر أعمال الرسل، 2، 1-36.
3 -هنا قيمة رمزية جدا للعدد والمكان.